كان يعيش حكيم عجوز بمنزل على قمة تل , وكان قد كرس
حياته بكاملها للتعلم والتأمل , وقد طبقت شهرته الآفاق بسبب ذكائه ورهافة حسه وحكمته . وكان يأتي لزيارته
ولطرح الأسئلة عليه رجال السياسة ورجال المال والتجارة وأصحاب المقامات الرفيعة ,
فيقدم لهم على الدوام الجواب الصحيح . وكان هذا الحكيم يتحلى بملكة فريدة تتيح له أن يصل
مباشرة إلى جوهر المشكلة أو القضية , وبالعمل بما يقدمه من إجابات وحلول تكون النتائج ممتازة
دائما , وسرعان ما أمتدت شهرته عبر البلاد .
وفي القرية التي تقع أسفل التل اعتادت مجموعة من الفتيان اللعب معاً , وأحيانا كانوا يتسلقون
التل لزيارة الحكيم وسؤاله بعض الأسئلة . والتي كان يجيب عنها دائما الأجابة الصحيحة . تحول
الأمر مع مرور الوقت إلى مباراة صغيرة ,مع محاولة الفتيان المتواصلة في هذا أبداً .وفي أحد
الأيام قام زعيم جماعة الفتيان وأسمه "آرام" بدعوة الآخرين من حوله وقال لهم : " لقد وجدت
أخيراً الطريقة التي سنعجز بها الحكيم العجوز , هاهنا في يدي عصفور , سنذهب إلى العجوز
ونسأله ما إذا كان هذا العصفور حياً أم ميتاً..فإذا قال إنه ميت , سأطلق العصفور وسيطير محلقاً .
وإذا قال أنه حي , سأدق عنق العصفور وسيكون ميتاً. وفي كل الحالين سيثبت أنه مخطئ أخيراً.
وأسرعوا بصعود التل , تسوقهم الفرحة بتوقع النيل من الحكيم أخيراً, ودفعه إلى الإجابة الخاطئة .
لاحظ الحكيم قدومهم إليه ولمح النظرات المتلهفة تعلو وجوههم ,
ثم اقترب "آرام " منه وسأله :
أيها الحكيم , معي بيدي
هنا عصفور , ونود أن نعرف منك هل هو حي أم ميت ؟
نظر الحكيم إلى وجوههم المتخابثة والمتحفزة , ثم قال في هدوء : " إن الأمر بين يديك يا " آرام " "...