الله سبحانه وتعالى حليـمٌ كريــمٌ عليــم، بالمؤمنين رؤوفٌ رحيـــمٌ .. لكنه سبحانه إذا غَضِب، فإن غضبه شديـــد ..
قال تعالى {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج: 12]
والله تعالى إذا غَضِبَ على عبدٍ فكل المخلوقات ستغضب عليه؛ الملائكة والسماوات حتى الجمادات والنباتات والحيوانات ستغضب عليه ..
يقول أحد الصالحين "إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي"
وهناك بعض الناس الذين يُغضبون الله عزَّ وجلَّ لإرضاء غيرهم من البشر .. كمن يقع فيما يُغضِب الله لإرضاء رئيسه أو عميله .. وهؤلاء أنفسهم سيغضبون من أولئك الذين يسعون لمرضاتهم بما يُغضب المولى عزَّ وجلَّ.
يقول الرسول "من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس" [صحيح الجامع (6097)]
وإذا أصرَّ الإنسان على المعصية، كان غضب الله تعالى عليه أقرب وأشد ..
ولن يُفلح أبدًا من أغضب الله ولو فعل ما فعل، إلا إذا ارتفع عنه هذا الغضب،،
كيـــف أرفع غضب الله عني؟
إذا غَضِب الله سبحانه وتعالى على العبد، فإنه يُمهله ويحلُم عليه .. وهذه مرحلة الإمهال التي تكون فرصة للعبـد؛ لكي يحاول المسارعة لإرضاء ربِّه حتى يرفع عنه غضبه .. ومن يعيش في تلك المرحلة، عليه أن يستغلها حق الاستغلال وينتهز الفرصة قبل أن تنتهي ويدخل العبد بعدها في مرحلة الانتقام ..
فإن الله تعالى لا ينتقم من العبد مباشرةً، بل يتركه يعيش فترة الإمهال والحلم مع إنه غاضبٌ عليه؛ لعله أن يرجع ويتوب إلى الله عزَّ وجلَّ ..
فبعض الناس قد يعيش لسنوات في غضب الله دون أن يشعر، والذي يُبقيه على قيد الحياة هو حلمه وكرمه سبحانه وتعالى ..
لعلك تتسائل الآن: كيـف أعرف إن كان الله عزَّ وجلَّ غاضبٌ عليَّ دون أن أشعر؟
والإجابة بسيطة: إذا كان العبد مصرًا على المعصية، فيُخشى أن يكون الله عزَّ وجلَّ غاضبٌ عليه ..
فإذا انتهت مرحلة الإمهال تبدأ بعدها مرحلة الانتقام ـ والعياذ بالله ـ وهي مرحلة شديدة الصعوبة، والله تعالى يختار لكل عاصٍ العقاب الذي يناسبه ..
ومن أحس بوقوع غضب الله عليه، عليه أن يُسارع بإعلان حالة الطواريء التامة حتى ينال رضا الله .. ولن يُخَلصُكَ أحدًا من هذا الغضب، سوى الله تعالى .. فكل شيءٍ تفرُّ منه عنه، إلا الله تعالى فإنك تفرُّ منه إليـــــه سبحــانه ..
قال تعالى {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ..} [الذاريات: 50]
فالله تعالى سَيُخَلصك من غضبه، إذا لجأت إليه وحده ..
كما كان الرسول يقول في دعائه ".. لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك .." [صحيح الجامع (1269)] ..
فتستعيذ به سبحانه وتعالى من غضبه .. كما كان أعرف الخلق به يقول "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" [رواه مسلم]
وهكذا تكون الدقة في اختيار الكلمات، فعليك أن تُكلمه سبحانه من كل قلبك وتشكو إليـه .. قل له: يـــا ربِّي لا تغضب عليَّ، يــا ربِّي ليس لي ســـواك، اللهمَّ إن لم يكن بك عليَّ سخطٌ فلا أبالي ..
وإن كنت صادقًا، فبلا شك سيرضى الله تعالى عنك ..
قال تعالى { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]
وإذا لم تسأله أن يرضى عنك، فسوف يزيد غضبه سبحانه وتعالى .. عن النبي قال "من لم يسأل الله، غضب الله عليه" [حسنه الألباني، الأدب المفرد (658)] .. والعبد لا يُطيق هذا الغضب ولا يقدر عليه.
والذنب وإن كان صغيرًا، فإنه يصبح أعظم وأشد في حالة الغضب .. يقول بعض الحكماء "كما أن الأجسام تعظُم بالعين في السراب، كذلك يعظم الذنب عند الإغضاب" ..
وينبغي أن تعلم أن الله سبحانه وتعالى سريع الرضـا، ولكرمه وفضله فإنه يرضى بالقليل سبحانه .. في لحظة واحدة تتوب إليه، فيتحوَّل غضبه إلى رضـا .. بل إنه سبحانه وتعالى سيفرح بك حينها، أكثر من فرح من نجا من هلاكٍ مُحقق ..
حاول أن تُرضي ربَّك، بفعل أمور يُحبها سبحانه .. عن النبي قال "إن صدقة السر تطفىء غضب الرب تبارك وتعالى" [حسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (888)]
والله سبحانه وتعالى يريد أن يرضى عليك أكثر من رغبتك في رضاه .. يقول جلَّ وعلا {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (*) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 27,28]
ومع ذلك بعض العباد يُصر على إغضاب الله عزَّ وجلَّ وطرد نفسه من رحمته .. والله سبحانه وتعالى لازال يدعوهم في كل يوم للعودة إلى محبته ومرضاته ..
قال رسول الله "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" [رواه مسلم]
ما أجمل أن تشعر برضا الله سبحانه وتعالى عليـــك، وأن تلقاه يوم القيامة وهو راضٍ غير غضبان ..
فبنـــا نُســـارع للحصول على مرضاة الله تعالى، قبل أن يفوت الأوان،،