حمد لله الذي اصطفى لمحبته الأخيار، وصرف قلوبهم في طاعته ومرضاته آناء الليل وأطراف النهار.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مقلب القلوب والأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، وعلى جميع أصحابه الأخيار من مهاجرين وأنصار، وعلى جميع من سار على نهجهم واقتفى آثارهم ما أظلم الليل وأضاء النهار.
أمَّا بعدُ:
كم من الوقت يستغرق الإنسان في بناء بيتٍ في الدنيا? وكم من المال الكثير سينفق على البناء والتشييد؟ وكم من الجهد والتفكير سيبذل في التخطيط والتعديل؟ وكم من الأمور سوف تتم ليخرج هذا القصر إلى حيز الوجود؟
سبحان الله هذا بيتٌ بناؤه من تراب وأسمنت وحديد، وهو إلى الزوال قريب، وأعجب من ذلك أنه تجري تحته مجاري وقاذورات البشر، وبداخله دورات للمياه، والذي يملكه ويسكنه لا يكاد يمر عليه يوم إلا ويحصل له وبه نكد وتكدير، بما جبلت عليه هذه الدنيا الفانية.
لكنك أخي المسلم تستطيع أن تحصل على بيتٍ لا تعتريه العوارض، ولا تُكدِّره المُكدِّرات، ولا يُكلٍّف مالاً، ولا سنوات، وهو باق على نظرته وجماله، وأنسه دائم ما دامت الأرض والسموات.
بناؤه يسر الناظرين، لبنة من ذهب ولبنة من فضه، بلاطه المسك، وحصباؤه اللؤلؤ، وحشيشه الزعفران، والأنيس فيه حور مقصورات في الخيام، كأمثال اللؤلؤ المكنون، لو أطلت امرأة من نساء الجنة على هذه الدنيا لملأت الدنيا نوراً وعطراً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، نعيم مقيم وقرة عين لا تنقطع أهلها يأكلون ويشربون ويحيون ولا يموتون ويزورون ربهم ويستمعون إلى خطابه ويسعدون برؤية وجهه الكريم قال الله تعالى عنهم: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة).
فإن سألت يا عبد الله: كيف أحصل على هذا البيت، وما هي الأفعال والأقوال، التي بها تُنال الآمال، ببيوت وارفة الظلال في جنة جلّت عن مثل ومثال، وتعالت عن حيز الفكر والخيال، بإذن الله الكبير المتعال... وإليك هذه الأعمال.
• الإيمان بالله تعالى ورسوله والعمل الصالح والجهاد في سبيل الله فإن من عاش مؤمناً ومات مؤمناً كان له خيمةٌ في الجنة بإذن الله، ولم لا؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً) [متفق عليه].
وقال الله تعالى: «وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ» [سبأ: 37]، قال ابن كثير في تفسير (3/714): «أي في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأسٍ وخوف وآذى ومن كل شر يُحذر منه».
و قال الله جل في علاه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» [الصف: 10 – 12].
* قال ابن كثير في تفسيره (4/464): «أي إن فعلتم ما أمرتكم به ودللتكم عليه غفرت لكم الزلات، وأدخلتكم الجنات والمساكن الطيبات والدرجات العاليات».
2- قراءة سورة الإخلاص عشر مرات: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ (قل هو الله أحد) حتى يختمها عشر مرات بني الله له قصراً في الجنة».
فقال عمر رضي الله عنه: إذن نستكثر قصوراً يا رسول الله؟ فقال: «الله أكثر وأطيب» [الصحيحة: 2/137].
فكيف يزهدُ أحدٌ في هذا الأجر الفائق، وإن قراءتها عشراً لتستغرق نحو «3» دقائق؟!
فمن يشترى الدار في الفردوس يعمرها --- بــــركعــة فــي ظـــلام الليــــل يحـييـــهــــا
3- دعاء السوق: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة وتحط عنه ألف ألف سيئة وبني له بيتاً في الجنة». [صحيح الترمذي: 2726].
فهل ستنهض الأنفس المتوانية، لتنال بيتاً في جنة قطوفها دانية، بدعاء يستغرق نحو «15» ثانية؟
بناء مسجد لله ولو كمفحص قطاة: ولم لا؟! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من بني لله مسجداً ولو كمفحص قطاة أو أصغر بني الله له بيتاً في الجنة» [صحيح الجامع: 6128] (ومفحص قطاة: يعني الحفرة التي تضع فيها القطاة بيضها، والقطاة نوع من اليمام.
ويدخل في الأجر من تصدَّق ولو بلبنة أو بثمنها لبناء بيت الله، والله أعلم.
4- الغدو إلى المسجد والرواح: لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من غدا إلى المسجد أو راح أعدّ الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح» [متفق عليه].
* وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/183): والنُزُل (بضم النون والزاي): المكان الذي يُهيأ للنزول فيه، (وبسكون الزاي): ما يُهيأ للقادم من الضيافة ونحوها.
* وقال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (3/202): «وظاهر الحديث أن من غدا إلى المسجد أو راح، سواءً غدا للصلاة أو لطلب علم أو لغير ذلك من مقاصد الخير أن الله يكتب له في الجنة نزلاً».
5- سدُّ فُرجة في الصلاة: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من سدَّ فُرجةَّ بني اللهُ له بيتاً في الجنة ورفعه بها درجة» [الصحيحة:1892].
فكيف يزهد في هذا الأجر من الإخوان وإن سد الفرجة ليستغرق نحو «3» ثوان؟!
6- صلاة اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة: لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السُنة بني الله له بيتاً في الجنة: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر» [صحيح الجامع: 6183].
وعن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس قال: حدثني عنبسة بن أبي سفيان في مرضه الذي مات فيه بحديث يتسارُّ إليه، قال: سمعتُ أم حبيبة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيتٌ في الجنة» [مسلم].
قالت أم حبيبة: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال عنبسة: فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة.
وقال عمرو بن أوس: ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة.
وقال النعمان بن سالم: ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس.
فكيف يزهد أحدٌ في أجر هذه الطاعة، وإنها لتستغرق نحو نصف ساعة؟!
7- صلاة الضحى أربعاً وقبل الظهر أربعاً: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من صلى الضحى أربعاً وقبل الأولى أربعاً بني له بيتٌ في الجنة» [الصحيحة: 2349].