كلمة إلى الدعاة إلى الله.
افتتاحية مجلة البيان – العدد (1) ذو الحجة 1406هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ،
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
فإن الدعوة إلى الله هي مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، ثم هي
مهمة أتباعهم عبر القرون ، فما بعث الله نبياً قط إلى قومه إلا بادأهم بهذه الكلمة المدوية : [ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ ] ، ثم ينطلق في تغيير جميع الانحرافات السياسية أو الاقتصادية أو السلوكية أو غيرها ، من منطلق العقيدة .
ومنذ وجدت البشرية على الأرض ، والصراع بين الحق والباطل، و الخير والشر قائم لا ينقطع ، والصدام بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان دائم لايزول، فريق نصب نفسه داعية للنوازع الأرضية ، والشهوات النفسية والجسمية ، ورهن حياته من أجل إرساء كل ما له علاقة بتقديس الذات ، وبعث غرائز الأثرة والتسلط والقهر لغيره ممن يستضعفهم ، وفريق – وهو القلة والصفوة - نصبوا أنفسهم للوقوف في وجه تيار المفاسد المندفعة التي تحط من قيمة الإنسان- كمخلوق كرمه الله- وأنفقوا حياتهم وما يملكون من أجل أن يصعدوا بهذا الإنسان إلى القمة ، وينقذوه من الضلال عن منهج الله ، ومن الشهوات وعواقبها التي تتمثل بالشقاء الناتج عن فقدان الطمأنينة والأمن عندما يعجب الإنسان بعلمه ورأيه ويكتفي بذلك منقطعاً عن توجيه الله وهدايته . ...
هذا الفريق هم الأنبياء والرسل والمصلحون الذين ساروا على طريقهم
واتخذوهم قدوة ومثلاً أعلى لهم .
وإن جوهر دعوة الرسل وأتباعهم واحد لا يتعدد ، وكل ما أمروا به من صالح العمل وما نهوا عنه من فاسده مرتبط بهذا الجوهر ارتباط النتيجة بالسبب ، وجوهر هذه الدعوة هو إثبات وجود الله عز وجل ، وإفراده بالعبادة :
[ ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ ومِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ ] . (النحل 36) .
[ ومَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إلاَّ نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ]. (الأنبياء 25) .
ولقد كانت الوظيفة الأساس للدعاة والمصلحين هي تبليغ الناس وإرشادهم إلى هذه الطريق التي سلكها أنبياء الله ورسله ، وكانت هذه الوظيفة نتيجة تفاعل حي بين هذا الركب الكريم وبين المجتمعات التي عاشوا فيها ، فقد برزت عناصر الدعوة متمثلة بنماذج واقعية للعمل الصالح .
ورسالة الإسلام ليست بدعاً بين الدعوات ، بل هي الرسالة المتضمنة لكل ما في الرسالات السابقة من عناصر ليست مرتبطة بزمن معين وجماعة ... محددة ، فجاءت رسالة الإسلام حينما بلغت البشرية سن الرشد ، لتكون شاملة للنشاط البشري برمته من جميع زواياه ، سواء من جهة العقيدة أو السلوك أو التشريع .
وإن الذي ينبغي أن يتنبه إليه الدعاة من المسلمين هو هذه الحقيقة البسيطة
الواضحة في معناها ، والكبرى في دلالتها ، وهي أن الإسلام هو الحق ، وأن ما عداه هو الباطل وقد حسم الله في كتابه هذه الحقيقة فقال :
[ ومَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِين َ] (آل عمران 85) .
[ وأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوه ُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ] (الأنعام 153) .
وقد أناط الله كلمة إنقاذ البشرية بهذه الأمة فقال :
[ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُون َ بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ
وتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ... ] (آل عمران110) .
وإذا لم تكن هذه الأمة على مستوى المسئولية التي أنيطت بها ، والأمانة التي أسندت إليها ، فإن هذا نذير لها بالضعف والاضمحلال .
غير أنه من فضل الله على هذه الأمة أنه لا يخليها من طائفة قائمة بالحق تدعو إليه لا يضرهم من خالفهم أو من خذلهم حتى تقوم الساعة
وهم على ذلك .
هذه الطائفة هي الدعاة إلى الله ، الذين امتلأ بهم تاريخ هذه الأمة ،
وحفلت بأخبارهم صفحاته المجيدة ، وهم ورثة الأنبياء الذين يحملون هذه الدعوة جيلاً بعد جيل ، ويبلغونها بكل أمانة ، لا يعبأون بالصعاب التي تعتضهم ، ولا بالشياطين والطغاة الذين ينصبون لهم شتى أنواع العداوة والكيد والإرصاد .
وإن مهمة الدعاة الأولى هي التبليغ ودعوة الناس إلى هدي الله ، وهذه المهمة العظيمة لا بد أن يرافقها وعي دائم ومتجدد بحاجات الناس وتغير أساليب مخاطبتهم .
وفي هذا العصر نجد أن الدعوات الهدامة قد استخدمت كل الوسائل المعروفة في مخاطبة الناس والتأثير على عقولهم ، بل استحدثت وسائلجديدة هدفها الهيمنة على حرية التفكير والاختيار ، في الوقت الذي تدعي فيه تَبَنِّي هذه الحرية والعمل من أجلها في الوقت الذي لا تزال فيه أساليب الدعاة مقتصرة على الوسائل التقليدية ، ولا يزال الجهد الأكبر للدعاة منصباً على الخطب والمواعظ التي تستهلك الجهد ، وتستنفذ الوقت بعيداً عن التخطيط والإعداد ودراسة حاجات كل مجتمع على حدة ، وعناصر تكوينه ومحاولة الكشف عن أنجح الوسائل التي تفيد في جعله أكثر استجابة .
ونحن لا نريد التهوين من شأن الخطب والمواعظ ، ولكننا نقصد التنبيه إلى
أن الاقتصار على هاتين الوسيلتين فيه هدر للطاقة ، وتضييع للجهود وتخلف عن ركب العصر وعدم تلاؤم القضايا المطروحة - مهما كانت تفكير الناس وشعورهم إذا ما اقتصر عرضها على مثل هذه الوسائل .
ونظرة فاحصة إلى حصاد الدعوة الإسلامية في العصر الحديث ؛ ترينا كيف أن تخلف الدعاة في استخدام الوسائل الفعالة نتج وينتج عنه تخلف في تحقيق الأهداف .
وبينما نجد إعلام الكفر بشتى أشكاله إعلاماً منظماً مدروساً ؛ يؤسفنا أن نرى الإعلام الإسلامي إعلاماً قائماً على الفوضى ، مستغلاً في بعض جوانبه من أجل خدمة أهداف لا علاقة لها بجوهر الدعوة ، وفي أحسن أحواله إعلام يصدر عن نوايا حسنة ولكنه بعيد عن كل تخطيط أو دراسة.
منقوول :kkjhuu7y: