يتبع
أخذ ملفه وخرج من المؤسسة
كنت أرمقه عند الباب ذكرايات رائعة تجمعني بهذا الإنسان الصبور
أربع سنين عشتها في سعادة وإخاء معه
سنتين في الجامعة وسنتين خارجها
تبادلنا خلالها الحب والإخوة والإحترام والتقدير
وثلاث سنين ؟
لا أدري كيف مرت بغفلة
أردت أن أتبعه لكن لحظة كراااامتي أولى
لن يكلمني بعد الآن لقد أذيته وآذيت والده الذي دخل في غيبوبة منذ شهرين
لن يسامحني .. ما فعلته به أقسى من أن يسامحني عليه
لن أتبعه سنفترق وقد لا نلتقي بعد الآن
سنفترق بدون وداع
يا ترى كيف سيكون حاله بعد الوظيفة ؟
هل سيبحث عن أخرى ؟
أم هل سيبقى بجانب والده في المستشفى ؟
هل سيأتي إلي يوماُ ؟
هل سيطلب من أحد مساعدة مالية ؟
أم أنه قد جمع الكثير من المال الذي سيكفيه ؟
لا أدري
أحسست باهتمام له
بعد أن أفرغت غروري وجعلته موظفاً عادياً عندي يعود شعور الصداقة والأخوة إلي ؟
بالفعل أنا مــــغــــفــــل
قررت أن اتبعه
خرجت وركبت سيارتي ولحقته
أخيراً وصل إلى أحد شقق العزاب
نزل ودخل فيها أنتظرته بعيداً دقائق فقط ويخرج وبيده حقيبة سفر متوسطة الحجم
دار في مخيلتي ألف سؤال
هل سيسافر الآن ؟
والده في غيبوبة كيف سيذهب ويتركه ؟
ربما أراد تغيير مكانه السكني ؟
ولكن لما ؟؟
وضع الحقيبة في المرتبة الخلفية للسيارة وركب ومشى
تبعته , أتجه للمستشفى الذي ينام فيه والده دخل ودخلت خلفه
وضعت يدي على كتفه وقف والتفت إلي مصدوماً
سعود : مــااجد !!!
أنا ابتسمت : وش أخبارك وأخبار أبوك ؟
أجاب مختصراً : بخير !
لاحظت نفوره مني ولا أحد يستطيع لومه
أنا : تحتاج فلوس وإلا أي شيء ؟
سعود : شكراً ما أحتاج شيء
أنا ربت على كتفه : إذا احتجت شيء لا تتردد
هز رأسه علامة الموافقة وأدار ظهره لي وذهب تماماً كما كنت أقوم أنا بفعله معه
كنت واقفاً وأنظر إليه وصل للمصعد الكهربائي وضغط على الزر
وعندما فتح الباب التفت إلي
التقت نظراتي بنظراته
أحسست بصمت مشحون بشوق وشعور غريب في داخلي
لا أدري كيف مرت كل هذه السنين ولم انتبه لنفسي
لا أعرف ما هو سبب غفلتي ونومي عنه ؟
ثلاث سنين طويت وفي صفحاتها آلام وجروح لا زالت تنزف
ما ذنبه ؟ لما فعلت له ذلك ؟
بصراحة شعرت ببعض الندم ؟
من المستحيل جداً أن يسامحني ؟
وبالرغم من أنه كان يسامح كل من يخطئ بحقه بسرعة إلا أنني لا أعتقد أنه سيسامحني
ثلاث سنين ليست قصيرة أبداً
دخل المصعد وذهب من دون أن أرى على وجهه تغير في ملامحه وهذا ما زادني شوقاً
أريد أن أجلس معه أريد أن أعرف رأيه فيما حدث
ترى ماذا سيقول لي؟
عدت أدراجي للبيت بعد أن سألت عن غرفة والده وسبب وجوده
أخبروني أنه في غيبوبة منذ فترة وأحياناً كان يستيقظ ثم يعود للإغماء
وهذه حالته بسبب تقدم المرض فيه
ومرت الأيام دون أن أذهب لسعود لأراه أو أسلم عليه
مر شهر كامل على ذلك
وفي أحد الأيام أخبرني أبي أنه يريد زيارة قريب له مريض وينام في نفس المستشفى الذي ينام فيه والد سعود ويريدني أن أذهب معه
وافقت لأني رأيتها فرصة لذهاب لسعود والاطمئنان عليه
دخلنا وسلمنا على قريبنا ثم استأذنت وخرجت بينما أبي ما زال موجوداً عند قريبه
اتجهت إلى غرفة والد سعود والتي ينام فيها أكثر من شخص
دخلت وكان سعود جالساً عند أحد الأسرة يقرأ في كتاب تبين لي بعدها أنه مصحف يقرأ فيه على والده الذي كان نائماً بهدوء
ذهبت إليه ووقفت عند طرف السرير الأخر
أنا : السلام عليكم
سعود رفع بصره ونظر إلي باستغراب وبهدوء قال : وعليكم السلام
وقف وصافحني ثم أشار لي بالجلوس فجلست وجلس هو
سألته وأنا أنظر لوالده : وش أخباره ؟
أجاب وهو لا يزال ينظر إلي : بخير
لم أعرف بعدها ما يجب علي قوله لم يساعدني في الكلام
نظرت إليه وسألته محاولتاً مني أن ابدأ بالحوار : وأخبارك أنت ؟
سعود عض على أسنانه وكأنه يكتم غيضه : بخير
تجاهلت حركته وسألته : أذكر أنك قلت لي أنك بتسافر لبريطانيا ؟
سعود : أيه ما حصل لنا حجز
أنا وقد صدقت عذره : تبي أحجز لكم يمكن أنت مشغول ما تقدر تحجز خلن أنا أحجز
سعود : لا شكراً ما أحتاج منك شيء
أنا : سعود شفيك أنا ماجد؟
رفع بصره نظر إلي بنظرة مملؤة بالحزن والقهر والآلام والأوجاع المريرة
كأنه يقول لي أبعد كل هذه السنين تعود لتقول أنا ماجد
تذكرت حينها موقفاً حصل لي معه في العمل
(( كنت جالساً أمام مكتبي وقد زارني أحد أصدقائي وهو لا يعرف سعود
كان صديقي قد جلس مقابلي في المكتب وكنا نتحدث عن أمور عامة لولا أن هذا الصديق كان دائماً ما يخبرني بأنني ضعيف الشخصية ولا استطيع فرض احترامي على الأخرين لذلك وجدت أن الفرصة مناسبة لأثبت له العكس ووجدت أيضاً (سعود) فرصة مناسبة لذلك فهو مكان الإهانة والذل عندي ومن الصدفة أيضاً أنه أتصل على مكتبي ليخبرني أن هناك من يريد ترتيب موعداً لمقابلتي لكنني صرخت به قائلاً : أنت يا حماار ما بغيت تتصل تعال الحين لمكتبي لا والله جيت أنا عندك وعلمتك الأصول
وأغلقت السماعة بعصبية
سألني صديقي : شفيك عسى ما شر ؟
أنا أجبت متظاهراً أنني أحاول ضبط أعصابي : من هالسكرتير الفاشل ما أقدر اعتمد عليه بشيء
وبعد ثواني دخل سعود , قمت مسرعاُ من مكاني واتجهت بسرعة إليه رفعت يدي ثم صببت على خده جام غيضٍ كاذب وبدأت أصرخ في وجهه كلاماً لا أدري من أين جئت به كل ما في الأمر أنني أريد أن أثبت لصديقي هذا أنني أنسان قوي وكما يقال (عند كلمتي)
ومن الضحية ؟ (سعود)
ومن كلامي المسموم الذي قلته لسعود : حيـــواان أنت ما قلت لك إذا صار فيه شيء تقدر تنهيه بنفسك لا تجي تقول لي فـــــاااهم
سكت وهز برأسه ثم انزله للأرض وقد وضع يده على خده وهو لا يدري ماهي غلطته
أنا : يالله أطلع ما أبي أشوف وجهك
رفع بصره ونظر إلي تلك النظرة التي ملؤها الحزن والهم الكبير ))
للأسف لم استطع وأنا عند سعود في المستشفى مسح سحابة الحزن التي غطت على ملامحه ولم يستطع إخفاءها
أجاب سعود على سؤالي وكان يحاول أكثر مني إنهاء الحوار : أقول يا ماجد سبحان مقلب القلوب
سكت ولم استطع الرد عليه لكنني ابتسمت له بود
أما هو فلم يرد الإبتسامة (على غير عادته)
وقفت : تبي شي قبل أمشي ؟؟
سعود : لا سلامتك
أنا : سلملي على الوالد إذا قام ولو احتجت شيء تراي بالخدمة
لم يجب بل كان ينظر إلي بنظرات صامته
قلت له وأنا أخرج : مع السلامة أشوفك على خير
رد علي : مع السلامة
خرجت من عنده وأنا أشعر باختناق بضيق في الحقيقة كنت أشعر بنــدم حقيقي
ذهبت لأبي وخرجنا للبيت كنت طوال الطريق صامتاً وذهبت محاولات أبي لاستنطاقي أدراج الرياح
دخلت غرفتي وتمددت على فراشي ودارت في مخيلتي كل ذكرياتي التي تجمعني بسعود أي منذ تعرفت عليه
ابتساماته الرائعة ضحكاته البشوشة لعبه وركضه صوته العذب وجهه الصبوح قلبه الطاهر روحه الندية نواياه الحسنة مقالبه الحلوه نظراته البريئة سعود
كم أحب ذلك الإنسان أجل أحبه وفعلت ما فعلت به لأني أحبه من المستحيل أن أنساه
لن أذهب إليه ولن اعتذر له قد يأتي اليوم الذي سنلتقي فيه ونجلس معاً عندها سأشرح له كيف كنت في غفلة سأخبره بأن غروري قد غلبني أعرف أن هذا لن يرضيه ولن يجعله يسامحني مطلقاً ولكن لا بأس سأحاول ولكن ليس الآن هو مشغول بوالده المريض إن احتاج مني شيئاً سيأتي إلي لقد أخبرته بأنني سأكون في الخدمة وهذا يكفي
ومر شهرين سمعت أنه سافر لبريطانيا لم أحاول الإتصال به ولا السؤال عنه
وانقطعت عني كل أخباره
ومرت السنين تلو السنين
أصبحت في السابعة والعشرون من عمري بدأت أفكر بالزواج ولم أسمع عن سعود أي خبر
وفي أحد الأيام حدث حادث مروع لابن عمي وكسر حوضه
ذهبت لزيارته (في الرياض) دخلت وذهبت لغرفته و سلمت عليه إلى أن خرجت من عنده وبطبعي أحب الاستكشاف رأيت ممراً طويلاً ممتلئ بالمقاعد وللأسف كان شكله يوحي بالخراب مشيت من عنده اردت أن أرى ماذا يوجد في نهايته
كان كلما تقدمت يبدأ بالظلام حتى وصلت إلى أخره
سمعت صوت شهقات مكتومة ورجلاً قد جلس على الأرض واستند بأحد المقاعد الخشبية المتكسرة يبكي لم استغرب في مكان كهذا أن اجد مثل هذه الأشكال
وضعت يدي على كتفه وسألته : أخووي وش مقعدك هنا ؟
رفع رأسه وبعيون مليئة بالدموع وبصوت مبحوح من كثرة البكاء : وأنا ناقصك بعد أنت ؟
سعـــــــوو وووود
مالذي حدث يا ترى؟ ما به ؟
من الذي جعله يجلس في هذا المكان؟ ولم يبكي ؟
جلست وامسكت يديه وسألته : وش صاار سعوود شفيك ؟
نظر إلي بوجه شاحب : أبوووي مـــاااتــتــ
وخنقته العبرة وبكى
ضممته لصدري وأنا اسأله : من متى ؟؟
رد وقد دفن وجهه في صدري : من شهوور
يا إلهي هل يبكي على أباه الذي مات منذ شهور هكذا وبهذا الشكل وهذا المكان كنت متوقعاً أنه سيقول لي منذ يوم أو يومين وأن كان طويلاً منذ أسبوع
سألته : طيب ليش جالس هنا ؟
تكلم بجدية أكثر : أنا وديت أبوي لبريطانيا عشان العلاج وجلس يعالج هناك وأنا عنده بس قال مدير المستشفى أنه يحتاج زيادة فلوس ورجعت وتركت أبوي هناك عشان أشتغل وأجمع فلوس وهم هناك توقفوا عن علاجه ومات خبروا السفارة السعودية وهي ارسلت جثته للسعودية وصلوا عليه ودفنوه وأنا ما دريت ما أحد قال لي بس توي أدري لأني أشتغلت هنا بالمستشفى هذا
سكت وهو يكتم عبراته وشهقاته
أما أنا فلقد ابعدته عن جسمي ووقفت : سعود أنت اللي قتلت أبوك
استغرب من كلماتي ورغم الألم الذي كان يحس به إلا أنه سألني : ليش ؟
أجبت وأظنني كنت يهودياً لقولي تلك الكلمات له : لأني قلت لك من قبل أذا كنت تحتاج فلوس أو أي شيء أنا بالخدمة بس أنت ما جيت لي وتأخرت على أبوك بالعلاج وماات يعني أنت سبب موته يا سعود وفاعلين الخير كثارين وراه ما طلبتهم يساعدونك لازم تشتغل
ابتعد عني واقترب للكرسي وامسكه بقوة وبكى بمرارة
ذلك المشهد الذي حدث أمامي يشبه مايحدث في الأفلام ولكنه حقيقة
أما أنا فلقد ادرت له ظهري وقلت له وأنا ابتعد عنه : أنت ما فهمت للدنيا عشان كذا بهذلتك
وتركته في ذلك المكان يبكي لفراق أباه أخر من بقي له من أهله لم أعزيه ولم أهون عليه بل على العكس زدته آلاماً قلبي قاسي ولا يعرف معنى الرحمة كم أنا لئيم وشرير هذا كل ما استطيع قوله عن نفسي
تركته على الأرض ممسكاً بكرسي متحطم ويبكي بكاء الوحدة والخوف من المجهول والقلق والعذاب المرير ويا أسفي وعذابي فلقد كانت هذه آخر مرة أرى سعود فيها
ومرت أيام وشهور وسنه كاملة على ذلك
حتى اتصل علي رقم غريب
ضغطت على الزر الخضراء في هاتفي الحمول وأجبت : ألوو
المتصل : أخوي ماجد فهد الـ ..
أنا : أيه نعم من معي ؟
المتصل : أخوي أبي أقابلك عندي موضوع مهم ودي أخبرك عنه
أنا : موب مشكلة بس من معي ؟
المتصل : علي ابراهيم الـ ....
لم أكن قد سمعت بهذا الأسم من قبل
أنا : والنعم بس ممكن تقولي وش هالموضوع اللي تبين فيه ؟
علي : لا آسف أنا أبي أشوفك أول وبعطيك غرض أمانة عندي ولازم يوصلك
أنا : طيب متى ؟
علي : متى يناسبك ؟
أنا : بكرا العصر الساعة 5 عند الـ ..
علي : حلو أشوفك بكرا مع السلامة
أنا : يا هلا مع السلامة
أغلقت السماعة وأنا أفكر بالموضوع المهم الذي يريدني به (علي)
وفي الغد في المكان المحدد قابلت علي كان شخصاً يبين من ملامحه أنه ملتزم وتظهر على وجهه ملامح الطيبة والمسامحة
سلمت عليه وأخبرته أنني ماجد
رحب بي وكان يحمل في يده دفتراً (روكو)
بدا كلامه مباشرة بسؤال : تعرف واحد اسمه سعود عبدالله الـ .... ؟
أجبته باهتمام: ايه فيه شيء هذا صديقي ؟
ضحك علي : صديقك وما تدري وينه ووش صاير عليه
أنا : ايه أنا لي سنه ما شفته أخر خبري فيه أنه أبوه مات قبل أكثر من سنه وراه أنت تعرفه صاير له شيء ؟
أجاب بجدية : سعود له ستة شهور متوفي
وقفت وصرخت صرخة سمعها كل من كان في مكاننا : وش تقــــوول وشلون
أجاب بهدوء : بحادث (وضع الدفتر الذي كان بين يديه على الطاولة) وحنا من الجمعية لقينا بشقته هذا الدفتر واللي أتوقع أنه ما تركه إلا لك أنت وبالنسبة لي قريته وفهمت بعض الأشياء وأتوقع أنه شيء بينك وبينه واللي توضح لي من هالدفتر أنه كتب هذا الكلام فيه عشان إذا مات يوصلك (وقف) الله يرحمه ويصبرك تبي شيء ؟
أنزلت رأسي ووضعت يدي على الدفتر وأجبت : لا شكراً ما تقصر أخوي
علي : مع السلامة
وذهب في طريقه أما أنا أخذت الدفتر وركبت السيارة ولم أشعر برغبة في فتحه
مجرد التفكير بأن سعود قد مات ولن يعود للحياة يجعلني أشعر بندم عظيم
مهما حاولت وصف شعوري هذا فلن استطيع أن أوفيه حقه الحقيقي
دخلت البيت وأنا ابكي وقد تلثمت (بشماغي)
وعندما رأتني أمي هكذا وأخواتي وقفن بسرعة وصببن علي كيلو من الأسئلة
( ماجد شفيك وراك تصيح أبوي به شيء وش السالفة)
أجبتهن وأنا أصعد لغرفتي : صديقي مات
دخلت غرفتي وبدأت بالبكاء بصوت منخفض لكنني لم استطع التحمل بدأت ابكي بحدة
سعوود مات ماذا قدمت له ؟
هو صديقي لكني عدوه ؟
لطالما خفف عني ضيقاً فقط بابتساماته ؟
وأنا زدته هماً بغروري وكبريائي ؟
سعود لما ذهبت ولم تخبرني ؟
لما تتركني وحيداً
أجل أنا بعدك أصبحت وحيداً لأن كل من حولي لا يعلمون بما فعلته أنا بك ؟
سعود لقد ابتسمت للحياة لكنها لم تبتسم لك ؟
في البداية فقدت أمك وحنان قلبها ؟
ثم فقدت أخاك واهتمامه ؟
لترمى على عاتقك كل المسئوليات ؟
وأخيراً فقدت أباك (الرجل المريض) ؟
وعندما رأيت أنه لم يبقى من تحبه في هذه الدنيا غادرتها ؟؟ لمـــا يا دنيا أنتي قاااسيه هكذا ؟
سعود ليتك تعوود ولو لثواني ؟
أريد أن أقبل يديك وقدميك أريد أن تسامحني ؟
لقد زدتك هموماً على همومك ؟
يا أخي صبرك عظيم وأنت أعظم ؟
سعود غادرت الدنيا بعز شبابك ؟ وأي شباب ؟
شباب ما فيه إلا الحزن والهموم والمشاكل والمصائب ؟
سعود ـسامحني أرجـــــــــووك لقد اخطأت بحقك اعترف بهذا
لكنني ندمت أقسم بالله أن الندم قطعني لأجزاء
طعم الندم الحقيقي لا يفهمه إلا من يعيشه هو يستمر طوول الحياة ولا ينتهي بل يزيد يوماً بعد يوم
سعود لقد انتهت الجمل لا استطيع أن أقول لك شيء غير ســااامحني فأنا ندمان
ومر الوقت وأنا ابكيه وأدعو له بالرحمة والغفران
وأهلي وقفوا بجانبي وعزوني على فراق صديقي سعود
مرت ايام وأنا لا أكل ولا أشرب ولا أتكلم لا أخرج من غرفتي إلا للصلاة
ولم افكر يوماً أن افتح ذلك الدفتر بصراحة في البداية كنت اعتقد أنه عتاب لي
ولكن بعد ذلك قررت أن أفتحه واستحق ما يحدث لي من ندم
فتحته كان كله بخط سعود
كتب في الصفحة الأولى بيتين أثنين
أبكي قصيدة واشبك البيت بالبيت * وأشكي قوافي الليل من كل ضيقة
وأدخل بحور الشعر لامن تجليت * وأغوص في وسط البحور العميقة
وفي الصفحة الثانية
يــــاارب أرحم غوالي لي تحت الأرض بايتين
وفي الصفحة الثالثة
صدمة شعوري في البشر ماهي غربية بس الغريب ليه أنا ما تعلمت
شعرت أنه بهذه يقصدني
وفي الصفحة الرابعة والخامسة كتب كلاماً عفوياً أنقله لكم تماماً كما كتبه سعوود
((( إلى ماجد بن فهد بن .... الـ....
من وين تبين ابدأ كلامي يا |صديقي| من وظيفتي اللي عطيتن أياه والإ من المهانة اللي شفته منك وإلا من قطاعتك بي واللي إلى الحين مدري وراه؟؟ تبي الصراحة الدنيا كله هم على رأسي وأنت لحالك هم ثاني أشد يمكن يضيق صدرك يمكن تندم مع أني ما أتوقع أنسان بمثل قساوتك وغرورك صعب يندم ,, ماجد أنا أكتب لك هالكلام بعد ما انتهى فيلم حياتي أنا وعائلتي واللي بطله أنا (سعود) تفرغت لك أبكتب بهالدفتر كل اللي بخاطري عليك وتأكد أني لو ما عرفتك كان عيشتي الحين أحسن بكثير تدري وراه ؟؟؟ لأنك كسرت عودي وأهنت كراامتي وأنـــاا ساكت لك لأني مغصوب ماجد لا تظن أني بعد وفاة أبوي انتهيت لو بيعطين الله عمر والله لأخذ حقي منك بس عسى ربي يجيب لي نقل لبريدة عشان أشوفك وأقطعك ولعلمك أنا الحين أشتغل في مستشفى (....) في الرياض واليوم الثلاثاء تاريخ ..../...../.....14ه وقاعد بشقة صغيرة وشينة وما عندي إلا الفقر يا ولد النعمة ))
أحسست بندم عدت للبكاء لم استطع الإكمال سعود لم يسامحني لا بل كان ينوي الإنتقام مني آآآآآهـ ما أشد أوجاعي
الصفحة السادسة
(( وعلى فكرة تراي ما نيب قاسي لهالدرجة يمكن أموت قبل أشوفك عشان كذا لو مت تراك بألف حل وأنا مسامحك من كل قلبي وإذا وصلك دفتري هذا بيوم من الأيام أبيك تبني لي مسجد >> بعد إذنك يعني إذا كنت قادر> وتكثر من الصدقة لي ولأهلي الله يرحمهم ))
الصفحة السابعة
(( ماجد لي طلب أنا ما أدري أحس أني ودي أموت ودي ألحق أهلي بس طلبتك وصل سلامي لعمتي ورجله وقلهم سعود يحبكم ومسامحكم ))
الصفحة الثامنة
(( ماجد تراي والله أحبك بس اللي سويته بي ماهو بسهل وترا الدنيا دواره وكما تدين تدان ولو ما سويت لك شيء أنا يمكن غيري يعذبك ))
الصفحة التاسعة
(( ودي أشوفك قريب ودي اسألك وراك يوم دريت أن أبوي مات تركتن ورحت لا وتقول أنت اللي قتلت أبوك ودي اسألك وراه ذليتن عندك بالشغل ؟؟؟ ليتك عندي الحين وتجاوب ))
أحسست براحة بعدما قرأت هذه الصفحات كأنه شعر بموته واراد مني أن ارتاح ولا أندم ولكن الندم سيستمر معي طوال عمري كتب في باقي الصفحات كلاماً طويلاً يصعب علي نقله ولكنه كتب في آخر صفحة
(( ماجد يا أخوي طلبتك وأخر طلب إذا تزوجت وجاك ولد أرجووووك سمه سعود موب لشيء بس عشان تتذكرن دايماً وتدعيلي >>إذا مت>> ولأهلي اللــه يرحمهم ويجمعني بهم بالفردوس الأعلى ويجمعني بك يا مبهذلني )(( مبهذلني )))) كانت آخر كلمة في هذا الدفتر من خط يد سعود
وأخيراً أخبركم أنني نفذت جميع وصاياه والحمد لله بنيت له أكثر من مسجد وفي مناطق متفرقة في المملكة وجعلت له صدقة جارية للأيتام والأرامل والمطلقات وذهبت للعمرة والحج ونويتها له ووضعت له ماء سبيل ولأهله - رحمهم الله – وذهبت لعمته وزوجها وأخبرتهم أن سعود يحبكم وقد سامحكم قبل موته وعندما عرضت علي أمي فكرت الزواج بعد وفاته بثلاث سنوات وافقت ورزقت ببنت ثم ولد أسميته (سعود) من أجله رحمه الله رحمة واسعة ولقد تركت عملي في مؤسسة والدي واشتغلت في النطاق الحكومي موظفاً عادياً لا أمر لي على أحد
والآن أنا كلما رأيت ابني الذي بلغ من العمر سنتين أدعو لسعود صديقي بالرحمة والغفران ولأهله وجميع المسلمين ومن المحزن جداً أن ابني هذا دائم الابتسام كأنه سعود
ولكن ليشهد الله أنني ذقت طعم ندم حقيقي مر ومرارته تختلف عن باقي المرارات هي مرارة تؤلم القلب وتجعله ينزف بلا جرح
عندما تكون غافلاً لسنين طويلة ثم تستيقظ ماذا ستجد أمامك ؟
أنا سأخبرك لأنني قد جربت ذلك
ستجد ندما و حزن و قهراً على عمر مضى دون أن تنتبه له
فاستيقض من الآن ولا تنسى أن تعتذر لمن اخطأت في حقه يوماً ولو كان خطأ بسيط لأنك ستعيش طوال عمرك نادماً
هذه قصتي ((ندمت من بعدك ياسعود)) هي حقيقة وليست من نسج الخيال كتبتها من شدة الألم الذي يأسرني من كل الجهات فأين ما أذهب أجد صورة سعود وهو يبكي في المستشفى في إخر مرة رأيته فيها أمامي فلا أجد ما أقول سوى ربي أرحمه وأحسن مدخله وأكرم نزله وأجمعني وأهله في جنات النعيم .. سعوود هذا الإنسان الشهم الصبور الحليم مات وتركني خلفه تصرخ في داخلي آلاماً وأوجاعاً وحزناً ومرارة مغيضة
وصدق سعود حينما كتب في دفتره
((( وتأكد أني لو ماعرفتك كان عيشتي الحين أحسن بكثير )))
يــاارب أرحمه وأسكنه وأهله الفردوس الأعلى واجمعني به عند أنهار جنانك .آآآآمين