موضوع: كلمات مضيئة للشيخ عائض القرني ( عن القرآن الكريم ) 17/12/2012, 8:28 pm
كلمات مضيئة للشيخ عائض القرني ( عن القرآن الكريم ) كل مؤلَّف له عنوان، والقرآن كتاب الرحمن، كل مؤلِّف إذا ألَّف كتابا، أو دبّج خطابا، اعتذر في مقدمته إذا خالف صوابا، إلا الله فإنه تحدّى فقال: «ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ»، فعجز الكل عن مجاراته، تقرأ المصنَّفات وتطالع المؤلَّفات، وتسمع القصائد، وتعجبك الفوائد، وتشجيك الشوارد، ثم تسمع القرآن المرتَّل، فإذا هو الأكمل والأجمل والأنبل. قرآن يخاطب النفْس فتخشع، والقلب فيخضع، والروح فتقنع، والأذن فتسمع، والعين فتدمع، ولو نزل على صخر لتصدّع. له حلاوة وعليه طلاوة، لا يشبع منه العلماء، ولا يُروى منه الحكماء، أفحم الخطباء، وأخرس الفصحاء، وأسكت الشعراء، وأدهش الأذكياء، وتحدّى العرب العرباء، قوة برهان، وإشراق بيان، ووضوح حجة، واستقامة محجة، تتحاكم العقول إليه، ولا يقاس أي كتاب إليه، حارت الأذهان في وصفه، وعجبت البشرية من سبكه ورصفه، «لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ»، تلاوته تذهب أحزانك، وتثير أشجانك، وترفع شانك، وتثقل ميزانك، وتخسئ شيطانك، وتثبت إيمانك. مصاحبته تُذهِب كل داء، وتطرد كل بلاء، وتُبيد كل شقاء، وتدفع كل ضرّاء، وتُزيل كل بأساء، وهو هدى وشفاء. مسامرته حياة، واتباعه نجاة، واقتفاؤه صلاح، واتباعه فلاح، والعمل به نجاح، قارئه ينتظر الرحمات، ويرتقب البركات، وكل حرف بعشر حسنات، يبهر العقل، ويرفع الجهل، وهو فصل ليس بالهزل، حُسن نظام، وجميل إحكام، ودقة انسجام، هو كتاب الرحمة، ودستور الحكمة، والطريق إلى كل نعمة، والصارف لكل نقمة، أذهل العرب، هيمن على الكتب، أتى بالعجب، كشف الحجب، سحق النصب، علّم الأدب، بيّن حلاله وحرامه، وبديعه وأحكامه. القرآن مالُ مَن لا مالَ له، وعشيرة مَن لا عشيرة له، وذُخر مَن لا ذُخر له، وكنز مَن لا كنز له، هو السلوة في الغربة، والأنيس في الوحشة، والعزاء عن كل أحد، والجلاء لكل ريب، والشفاء لكل مرض، والدواء لكل داء، سمير وأنيس، صاحب وجليس، تلاوته أجر، وحروفه حسنات، ومطالعته بركات، وتدبّره رحمات، والعمل به نجاة، والتحاكم إليه فلاح، والرضا به سعادة، والاستغناء به ثروة، ومصاحبته غنيمة، شافع مشفَّع، وصاحب مقبول، وناصح أمين، ورفيق موافق، ومحدِّث ماتع، هدى لا ضلالة بَعده، ونور لا ظلمة فيه، وشفاء لا سقم عنده، يؤنسك في القبر، يحفظك في الحشر، ينجيك على الصراط، يوصلك إلى الجنة، يبعدك عن النار، يحميك من غضب الجبار، يُذهب همّك، يجلو غمّك، يزيل تعبك، يطرد نصبك، يشرح صدرك، يرفع ذكرك، يُعلي قَدرك، هو قُرّة العيون، وسلوة القلوب، وبهجة النفوس، وحلية الأولياء، ومأدبة العلماء، يعصم من الغيّ، يحمي من الضلالة، يحصِّن من الجهالة، يمنع من الغِواية. قلبٌ بلا قرآنٍ ملعونٌ، وعبدٌ بلا قرآنٍ مخذولٌ، وعينٌ بلا قرآنٍ خائنةٌ، ويدٌ بلا قرآنٍ جانيةٌ، وأذنٌ بلا قرآنٍ آثمةٌ، وقلمٌ بلا قرآنٍ ماردٌ، وصحيفةٌ بلا قرآنٍ لاغيةٌ، وحفلٌ بلا قرآنٍ زورٌ، ومجلسٌ بلا قرآنٍ لهوٌ، وحديثٌ بلا قرآنٍ لغوٌ، وكاتبٌ بلا قرآنٍ أفّاكٌ، وشاعرٌ بلا قرآنٍ كذابٌ، وتاجرٌ بلا قرآنٍ غشاشٌ، وحياةٌ بلا قرآنٍ موتٌ، وحضارةٌ بلا قرآنٍ لعنةٌ، وثقافةٌ بلا قرآنٍ مهزلةٌ. القرآن كلام الله، وأمانة جبريل، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ودستور أمة، ومنهج حياة، ومشروع حضارة، ومنطلق دعوة، ووثيقة إصلاح، وحلّ لمشكلات البشرية، وشفاء لأسقام الإنسانية، طُهرٌ للضمائر، وعمارةٌ للسرائر، وهدى للناس، وبشرى للمؤمنين، ودعوةٌ للعالَم، وغيثٌ لأهل الأرض، فيه قصة الإنسان، ومسيرة الخلق، وتوحيد الخالق، وصفات الرسل، وخبر الملائكة، ونعيم الجنة، وعذاب النار، وهو رسالة السماء إلى الأرض، وخاتم الكتب، ومعجزة النبوّة، وأعجوبة الدهر، ونبأ الغيب، وحديث الآخرة، صِدقٌ في الخبر، عدلٌ في الحُكم، وسطٌ في الطريقة، صحةٌ في المثل، إعجازٌ في القول، حسنٌ في الحديث، جمالٌ في السبك، قوةٌ في الحجة، إشراقٌ في البيان، سدادٌ في النصح: «كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»، وهو المعجزة الخالدة، والمجد الباقي، والشرف المنيف. هو الشافي الكافي، الجامع الشافع، فيه خبر القرون، وقصة فرعون وهامان وقارون، وحديث ثمود وعاد، وإرم ذات العماد، وفيه ذكر الأنبياء، وصفات الأولياء، وخاتمة الشهداء، ونعيم السعداء، وعذاب الأشقياء، ومصير الأبرار، ونهاية الفُجّار، وعدٌ ووعيد، وبشارةٌ وتهديد، وجنّةٌ ونار، وفوزٌ وبَوار، تحدّى بالذُّباب، وضرب المثل بالبعوضة، وشبّه بالعنكبوت، وتحدّث عن النملة، وأعجز بالنحلة، وأهلك بالناقة، وشبّه بالحمار، وأفحم بالبقرة، وقصّ بالغراب، فيه الفاتحة الكافية الشافية الصافية الوافية، وفيه البقرة الحافلة بالأحكام، والحلال والحرام، في أبدع نظام وأروع كلام، وفيه المنجية من عذاب القبر وهول الحشر، وضيق الصدر، وفيه آية الكرسي الحافظة من كل شيطان، والمانعة من كل غيّ، الحارسة من كل مارد، الحامية من كل رجس. فيه سورة الإخلاص التي فيها صفة الرحمن، ومدح الديّان، والثناء على ذي العزة والسلطان، وفيه المعوّذات والمحصِّنات من الشرور والسيئات، تلاوته تكفّر الخطيئات، وتطهّر من السيئات، وقراءته تستجلب رضا من أنزله، ومحبة من تكلّم به، فهو الكتاب الذي بزّ الكتب بيانا، وفاقها فصاحةً، يدفع الشكّ باليقين، والوهم بالحقيقة، والجهل بالعلم، والشبهة بالبرهان، فهو زاد العبد الصادق في سفر الحياة، وهو قوتُ القلب المؤمن في رحلة العمر، وهو متعة العقل الحصيف، ومَدَد الإنسان الضعيف، أحرفٌ من النور تكشف زيف الباطل، وكلماتٌ من الطهر تجتاح معاقل البهتان، وفيضٌ من القداسة يروي ظمأ الروح، يُقال لصاحبه في الجنة: «اقرأ وارتقِ ورتّل؛ فإنّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها»، وفي الحديث: «اقرأوا القرآن؛ فإنه يأتي شفيعا لأصحابه»، و«خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه»، والقرآن حجة لك أو عليك، فطوبى لمن صاحَب القرآن، ورافقه وأحبّه وتلاه وتدبّره وأنِس به، واسترشد بوعظه، واهتدى بهداه، وعكف عليه، وتغنّى به، وأحيا به ليله، وأجرى به دمعه، وأذهب به همّه، وأزال به غمّه، وطرد به حزنه، وكفّر به ذنبه، وأبرد به لهيب روحه، وسكّن به خوفه، فهذا هو السعيد الناجي، والفائز الظافر، والولي الصادق، فهذا القرآن هو مأدبة الله وضيافته ومائدته، فمن قبِل الضيافة نال التكريم وحظي بالزلفى، وحصل على الفوز وأدرك الفلاح. قيل للقرآن: «نعم» عند السلف فنالوا به الشرف، وحصلوا به على التحف. وقيل للقرآن: «لا» عند الخلف، فوقعوا في الترف، وأصيبوا بالتلف، وحصلوا على الخيبة والأسف. قيل للقرآن: «نعم» في المآتم والأعياد والموالد والمهرجانات والاحتفالات. وقيل للقرآن: «لا» في أمور الحياة، وقضايا الإنسان، ومعاهدات الدول، ومواثيق الشعوب، وهموم الأمة. قال بعضهم للقرآن: «نعم» زمن ثورتهم العارمة، وجهادهم العظيم، وكفاحهم الحي، ونضالهم الدامي، واستبسالهم المشرق، فدفعوا على دوي القرآن نفوسهم، وقدّموا على صوت القرآن رؤوسهم، وسكبوا على تلاوة القرآن دماءهم، فلما حكمهم بعض بني جنسهم، وساسهم أناس من أنفسهم، قالوا للقرآن: «لا»، «فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ». وقال آخرون: «نعم» للقرآن، فحكموا العالم وأقاموا خلافة، وبنوا مجدا وصنعوا حضارة، وأسّسوا كيانا. وقالت طائفة للقرآن: «نعم»، فجاهدوا وضحّوا، وبذلوا وأعطوا، فلما وصل منهم من وصل إلى سدة الحكم عزل القرآن عن الحياة، ونفى القرآن عن مسرح الأحداث، وعطّل القرآن عن التحكيم، فخرج جيل في أعداد الرمل، وكثرة الحصى، لا يعرف أحدهم إلا طعامه وشرابه وذهابه وإيابه. وقال أكثر العالم للقرآن: «نعم» في افتتاح المؤتمر وختام الجلسة وعلى القبر، وعند عقد النكاح، وعلى روح الميت. وقالوا للقرآن: «لا» في أول مادة القانون، وفي بداية الدستور، وعند إصدار الحكم وزمن التنفيذ، فـ«نعم» للقرآن عندهم في المسجد والمقبرة والصلاة والمولد والمأتم، و«لا» للقرآن في القصر والميدان والمصنع والشركة والجيش والمحكمة والاقتصاد والسياسة والفكر والفن، فـ«نعم» للقرآن عند الموت، و«لا»للقرآن عند الحياة، «أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ». واحسرتاه يوم نُحِّي القرآنُ عن العالم كيف عُذِّبوا وسُحقوا ومُحقوا ومُزِّقوا، ولو كان القرآن معهم لما قامت الحرب الأولى ولا الثانية؛ لأن القرآن ينادي: «أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً»، ولو كان القرآن في قلوب الأميركان لما دمروا البشر وأزهقوا الأرواح في نغازاكي وهيروشيما؛ لأن القرآن ينادي: «وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا». ولو شعّ نور القرآن في قلوب بعض الناس لما أبادوا الحرث والنسل؛ لأن القرآن يحرّم هذا الصنيع والفعل الشنيع والعمل الفظيع: «وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ». يا مجلس الأمن حفّظ أعضاءك آية: «الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ»؛ لينقلوها إلى شعوبهم التي عطّلت القرآن وصدّت عنه وهجرته، فذاقت لباس الجوع والخوف والبأساء والموت: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً». واحسرتاه يوم عُزل العلم عن القرآن فصار علما طاعنا باغيا كافرا فاجرا: «يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ».