عندما تتعامل مع الناس فإنهم يعاملونك في الغالب على ما يريدون هم لا على ما تريد أنت .. فليس كل من قابلته ببشاشة بادلك بشاشة مثلها فبعضهم قد يغضب ويسيء الظن ويسألك: مم تضحك ؟!
ولا كل من أهديت له هدية رد لك مثلها فبعضهم قد تهدي إليه ثم يغتابك في المجالس ويتهمك بالسفه وتضيع المال..!!
ولا كل من تفاعلت معه في كلامه أو أثنيت عليه وتلطفت معه في عباراتك قابلك بمثلها فإن الله قسم الأخلاق كما قسم الأرزق والمنهج الرباني هو(( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )) الاية
وبعض الناس لا حل له ولا إصلاح إلا أن تتعامل معه بما هو عليه فتصبر عليه أو تفارقه ...
ذُكر أن أشعب سافر مع رجل من التجار وكان هذا الرجل يقوم بكل شيء من خدمة وإنزال متاع وسقي دواب حتى تعب وضجر وفي طريق رجوعهما نزلا للغداء فأناخا بعيريهما ونزلا فأما أشعب فتمدد على الأرض وأما صاحبه فوضع الفرش وأنزل المتاع ثم التفت إلى أشعب وقال قم اجمع الحطب وأنا أقطع اللحم ...
فقال أشعب : أنا والله متعب من طول ركوب الدابة فقام الرجل وجمع الحطب ثم قال: يا أشعب ! قم أشعل الحطب ..
فقال: يؤذيني الدخان في صدري إن اقتربت منه فأشعلها الرجل ..
ثم قال: يا أشعب! قم ساعدني لأقطع اللحم..
فقال: أخشى أن تصيب السكين يدي فقطع الرجل اللحم وحده..
ثم قال: يا أشعب! قم ضع اللحم في القدر واطبخ الطعام..
فقال: يتعبني كثرة النظر إلى الطعام قبل نضوجه..
فتولى الرجل الطبخ والنفخ حتى جهز الطعام وقد تعب..
فاضجع على الإرض وقال : يا أشعب! قم جهز سفرة الطعام وضع الطعام في صحن ..
فقال أشعب: جسمي ثقيل ولا أنشط لذلك..
فقام الرجل وجهز الطعام ووضعه على السفرة ..
ثم قال: يا أشعب قم شاركني في أكل الطعام ..
فقال أشعب : قد استحيت والله من كثرة اعتذاري وها أنا أطيعك الأن ثم قام وأكل!!
فقد تلاقى من الناس من هو مثل أشعب فلا تحزن وكن جبلاً ..
كان المربي الأول صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الناس بعقله لا بعاطفته كان يتحمل أخطاء الآخرين ويرفق بهم ..
وانظر إليه صلى الله عليه وسلم وقد جلس في مجلس مبارك يحيط به أصحابه فيأتيه أعرابي يستعينه في دية قتيل .. أي هذا الرجل قد قتل هو أو غيره رجلاً فأقبل يريد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعينه بمال يؤديه إلى أولياء المقتول ..
فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ثم قال تلطفاً معه أحسنت إليك ؟
قال الأعرابي: لا لا أحسنت ولا أجملت ..
فغضب بعض المسلمين وهموا أن يقوموا إليه فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إليهم أن كفوا ..
ثم قام صلى الله عليه وسلم إلى منزله ودعا الأعرابي إلى البيت فقال له: إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك فقلت ما قلت ..
ثم زاده صلى الله عليه وسلم شيئاً من مال وجده في بيته فقال: أحسنت إليك؟
فقال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً..
قال عليه الصلاة والسلام (( ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه))..
كــــن بــطــلاً
وإن الذي بيني وبين بـني أبـــــي *** وبين بني عمي لــمخــتلـــف جـــــــداً
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم *** وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجــــــداً
وليسوا إلى نصري ســـراعــــاً *** وإن هم دعوني إلى نصر أتيتهم شـدا
ولا أحمل الحقد الــقــديم عليهم *** وليس رئيس القوم من يحمل الحـقـــد