هكذا هي الحياة )
الحياة تحتاج منا إلى لحظات تأمل وتفكير ..
فاعمل على أن يكون لك جانب من تلك الحياة ، تفكر فيه فيما مضى وتفكر في
المستقبل ، فكر وفكر ... هكذا يجب أن نعيش في واحة من التفكير الدائم ، في
واحة من الاستشعار بالذات الإنسانية ، في واحة من الإحساس الوجداني. يجب
علينا أن نعمل للغد وهذا لا يأتي إلا بالتفكير فيما هو قادم .
ترى أناس
كثيرون لا يعلمون ما هي قيمة الحياة ، تراهم يأخذونها لهوا ولعبا ، ذلك
لأنهم وبكل بساطة لا يعرفون القيمة الجوهرية لتلك الحياة التي يعيشون فيها ،
هؤلاء الفئة تحتاج إلى التدريب ، تحتاج إلى أن نعلمها ما هي الحياة وكيف
تستغلها للسعادة البشرية و للخير والعطاء لا للشر والهدم ، نعلمهم كيف
يجعلون هذه الحياة وسيلة إلى غايةٍ ساميةٍ وليس العكس ، والكثير الكثير مما
يجب أن تتعلمه تلك الفئة لتدرك ما معنى الحياة .
يجب علينا أن ننشئ
قيادات للمستقبل ، قيادات حكيمة ، أتعرفون مقصد قولي فحينما أقول ذلك فهذا
لأني أرى العجب العجاب كل يوم وفي كل مكان ، الفسوق والطغيان والفتنة
جميعهم انتشروا بين أبناء المجتمع الإسلامي . لقد أصبح شبابنا يقلدون الغرب
تقليد أعمى ولو صح التعبير فهو أكثر من كلمة أعمى في حد ذاتها ، لا أدري
أي عقول يحملها هؤلاء الناس الذين يتبعون تلك الدعوات التي ترشدهم إلى
الضلال و الانحراف .
كيف لا يعرفون أين هو الخير لهم !! لقد أرشدهم إلى
ذلك الإسلام وكرمهم بداية من الطفل الصغير ونهاية بالشيخ الكبير ، وهم
يبتعدون عن الحق والهدى إلى الفسوق والضلال!
كيف لهم أن يضلوا الطريق
وقد هداهم إلى ذلك الإسلام ؟! الإسلام الذي أعطاهم من الحقوق الكثير الكثير
ولم يوجب عليهم غير القليل ولكن ما عساها من واجبات إنها واجبات السعادة
ولو أطلقنا عليها طرق الراحة والسعادة لكان المسمى أفضل من كلمة واجبات
التي توحي بالثقل والتهاون بها وعدم الراحة لها .
أتدري أيها القارئ ما
يجول بخاطري عندما أكتب هذه الكلمات ، سأخبرك عنها .. إن الذي أريده بكل
بساطة هو تغير مجتمعنا ، أريد أن أغير ما في نفوس الناس ، أريد أن أعمل على
إصلاح حال أمتنا . أين أنت أمتي لم يعد لك مكان بين الأمم ؟! أي زمن
المعتصم ؟ أين زمن الجبابرة ؟ أين زمن القوة ؟ أين ذهب ؟ ولماذا انقضى ؟
أهذا بسبب أبنائك ؟ أين نحن من هذا الزمن ؟ ومن يجاوبني ؟ أعتقد أنه لا
يوجد في هذه الأمة من يستطيع أن يعطي لي جوابا يشفي غليلي وحرقتي على أمتي
.. آه أمتي لو أنني أستطيع أن أمسكك بيدي لغيرت فيكِ الكثير الكثير...
ولكني
لن أقف مكتوفة اليدين في وجه ذلك الطغيان ، علينا أن نعمل معا لتغير حياة
أمتنا يجب علينا أن نرسم بأيدينا الطاهرة طريقا بين الذئاب ، طريقا بين
الظلام ، نشقه وفي أيدينا شعلة يصل ضوئها إلى أعالي السماء نمضي بكل فخر
واعتزاز أننا أمة سيد البشرية محمد – صلى الله عليه وسلم - لن يستطيع أحد
أن يوقفنا ، نعم ، فهل يستطيع أحد أن يمسك النار الملتهبة ؟ أو هل يستطيع
أحد أن يصل إلى الشمس و يمسكها بيده !!؟
إذا لماذا السكوت على الطغيان ؟ يجب علينا أن نمسك أيدينا بأيدي بعض وأن تتكاتف جهودنا معا وذلك لنستطيع السير في الدرب الصحيح .
انظر
من حولك ، حاول أن تجد !! أتدري ماذا يجب عليك أن تجد .. يجب عليك أن تجد
الحياة !! نعم لا تستغرب الحياة ، أنت لا تعيش في تلك الحياة ، أين أنت
منها ؟ أتدري أنت أين !! أنت لم تبلغها حتى !! ذلك لأنك لم تعلم و لم تدرك
بعد أنت ماذا تفعل في الحياة .
فكر .. تأمل .. انظر .. حاسب نفسك ، اصلح
ما بداخلك وابدأ بنفسك قبل غيرك ، لا تعمل على إصلاح المجتمع قبل نفسك ؛
لأن بك سيبدأ المشوار وبك سينطلق الأمل ، الأمل الذي يجب علينا كلنا أن
نتمسك به لأنه هو المجداف الذي به يسير قارب الحياة ولن ينهار ذلك القارب
حتى لو اصطدم في صخرة اليأس ما دام مجداف الأمل معنا .
لنبدأ من الآن
.. نعم لماذا نؤجل ، الحياة سريعة الانقضاء هي فترات وما أسرعها من فترات ،
فاغتنمها ولا تضيعها ، واعلم أن هذه الدنيا مرحلة اختبار ، مرحلة عمل
وبناء وبعدها ما هو أخلد وأبقى ، سيأتي بعدها ما هو جدير بأن نعمل لأجله ،
دار الحساب والجزاء ، إنها دار الخلود . فخذ من هذه الدنيا قوت آخرتك ،
وتزود منها قبل مماتك وضع قول سيد البشر نصب عينيك ، حين قال – صلى الله
عليه وسلم - : ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) ، أتدري ما يحمله
هذا الحديث النبوي الشريف من معان سامية ، أي كن كالغريب الذي يداخل الناس
ولا يهتم بهم ولا يعّرف بينهم ، أو كن كعابر السبيل تريد أن تأخذ ما تحتاجه
في سفرك وأنت ماشٍ . وكلام سيد البشرية هو الواقع الذي يجب علينا جميعا أن
نعيشه ، وذلك لأن الإنسان في هذه الدنيا مسافر والدنيا ليست دار مقر بل
دار ممر ، ومسافر الدنيا لا يسترح فهو دائما في سفر ، فما ظنكم بسفر لا
يستريح فيه صاحبه ألن يصل بسرعة ؟ بلى ولذلك قال سبحانه وتعالى في كتابه
الحكيم ] كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها [ ( النازعات :46) ،
واعلم أن كل ثانية تمر في حياتك تقربك من الآخرة . ألم تسمع قول عمر – رضي
الله عنه – حين قال : ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر
المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ) بمعنى أن الإنسان لا يطيل
الأمل في الحياة ولا يضع نصب عينه أنه خالد ! لا والله فكم من أناس ناموا
وظنوا أنهم سيصبحون ولم يكن لهم ذلك ! وكم منهم من لبس ثوبه ولم يخلعه غير
الغاسل ! وكم وكم فكيف أحصي لك ، ولهذا ينبغي عليك أن تأخذ من حياتك مادام
الله قد أحياك لموتك لأن النبي – صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا مات
الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد
صالح يدعو له ) .
واعلم أخي المسلم وأختي المسلمة أن هذه الدنيا التي يملكها المولى – جل جلاله – لا تساوي عنده جناح بعوضة فكيف ممن لا يملكها !!
وصدق الشاعر حين قال :
أيا جامع الدنيا لغير بلاغة لمن تجمع الدنيا وأنت تموت ؟
لقد أفنيت عمرك فيما سيفنى لماذا لا تفكر قليلا وتسأل نفسك وتجاوب وبعدها تعمل ؟ ، لماذا تؤجل !؟ اسمع قول أبو العتاهية :
أيا من عاش في الدنيا طويلا وأفنى العمر في قيل وقال
وأتعب نفسه فيما سيفنى وجمع من حرام أو حلال
هَبِ الدنيا تقاد إليك عفوا أليس مصير ذلك للزوال ؟
نعم
إن مصير كل الذي تفني عليه عمرك يا ابن آدم الزوال ، وما أدراك ما تلك
الكلمة ! استشعر الأن معاني تلك الكلمات التي تقودك للصلاح والنجاح والهناء
. تعلم من ماضيك استعدادا وتأهبا بعزم لما سيأتي ، و لا يغرنك أن كل من
حولك تغير حتى وإن كان صديقك ، اتركه ولا تكثر عليه التأسف ففي الناس أبدال
وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا .
انقذ نفسك بنفسك ولا
تذهب إلى التهلكة برجليك ، فمن البداية لا تذهب حتى لا تتحسر وتندم وتطلب
النجدة ولا تجد أحدا معك . هكذا هي الحياة اعلم أنك فيها وحيد لا مال ولا
أبناء ولا أهل أو حتى أصدقاء سينفعونك ، وحتى إن كنت تراهم أمامك وحولك وفي
كل مكان فأنت أيضا وحيد و لا تشتكي لأحد همك ، كن جلدا على الأهوال وخذ
قول الشافعي حين قال :
إذا ضاق سر المرء عن سر نفسه فصدر الذي يستودع السر أضيق
أعتقد
أنك الآن فهمت كيف أنك بمفردك تعيش ، ولا يجب عليك أن تذرف الدموع على تلك
الحياة أبدا ، فكيف لنا أن نبكي من هذا ومن ذاك ولا نبكي من خشية العزيز
الجبار ، أتعلم ما معنى أن تبكي خوفا وطمعا في رحمة الله ، لا تظن نفسك أنك
ناج ٍ من النار مهما بلغت أعمالك الصالحة جبال الدنيا ، فلا يجب عليك أن
يخطر ببالك أنك استكفيت واستوفيت ، لا والله ألم تسمع قول الله تعالى في
القرآن الكريم ] وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلنه هباء منثورا [ (
الفرقان : 23)
هكذا هي الحياة من وجه النظر السليمة ، ولكن متى سنعمل
على جعلها هكذا ...؟ هذا ما سأتركه لك عزيزي القارئ لتفكر فيه وتعمل بعده
فلا خير في قول لم يصحب بعمل .
والله الهادي إلى سواء السبيل