وسائل الحياة السعيدة
إن للحياة السعيدة وسائل كثيرة ، من الناس من أصاب كثيراً منها فعاش عيشة هنيئة وحيي حياة طيبة ، ومن الناس من أخفق فيها كلها فعاش عيشة الشقاء وحيي حياة التعاسة ، ومن الناس من هو بين بين بحسب ما وفق له ، فمن وسائل الحياة السعيد :
الأول : الإيمان والعمل الصالح :
وهذا أعظم الوسائل وأصلها وأساسها قال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) [النحل] فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الدار ، وبالجزاء الحسن في هذه الدار وفي دار القرار ، كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أنه قال : (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) .
فالمؤمن يتلقى الخير والشر بالشكر والصبر فيحدث له السرور والإبتهاج وزوال الهم والغم والقلق وضيق الصدر وشقاء الحياة وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار ، والكافر يتلقى المحاب بأشر وبطر وطغيان فتنحرف أخرقه ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع ، وهو مع ذلك غير مستريح القلب بل مشتت من جهة خوفه من زوال محبوباته ، ومن كثرة المعارضات الناشئة عنها ومن جهة أن النفوس بقلق وجزع وخوف وضجر فلا تسأل عما يحدث له من شقاء الحياة ومن الأمراض الفكرية والعصبية ومن الخوف الذي يصل به إلى أسوأ الحالات ..
الثاني : الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل وأنواع المعروف :
وبها يدفع الله عن البر و الفاجر الهموم والغموم بحسبها ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب ، ويتميز أن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب لثوابه .
الثالث : الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة :
فإنها تلهي القلب من اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه ، فتفرح نفسه ويزداد نشاطه ، وهذا السبب أيضاً مشترك بين المؤمن وغيره ، ولكن المؤمن يمتاز بإيمانه وإخلاصه واحتسابه ، فلذلك أثره الفعال في دفع الهم والغم والحزن ، فكم من إنسان ابتلي بالقلق وملازمة الأكدار فحلت به الأمراض المتنوعه و دواؤه الناجع نسيانه السبب الذي كدره وأقلقه ، وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود .
الرابع : اجتماع الفكر كله على الإهتمام بعمل اليوم الحاضر وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل وعن الحزن على الوقت الماضي :
ولهذا أستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن ، فالحزن : يكون على الأمور الماضيه التي لايمكن ردها ولا استدراكها ، والهم : الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل ، فيكون العبد ابن يومه يجمع جده وإجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر كما قال صلى الله عليه وسلم : (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإذا أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان) فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الحرص على الأمور النافعة في كل حال والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار ، وبين الاستسلام للأمور الماضيه النافذة ومشاهدة قضاء الله وقدره ، وجعل الأمور قسمين : قسم يمكن للعبد السعي في تحصيله فهذا يبدي فيه العبد مجهوده ، وقسم لايمكن فيه ذلك فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويسلم .
الخامس : الإكثار من ذكر الله عزوجل :
فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمانينته وزوال همه وغمه قال الله تعالى:-[ألابذكر الله تطمئن القلوب] سورة الرعد .
السادس : التحدث بنعم الله الظاهره والباطنه :
فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم ويحث العبد على الشكر حتى ولو كان العبد في حالة فقر أومرض ، فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه التي لايحصي لها عداً وبين ماأصابه من مكروه لم يكن للمكروه الى النعم نسبة ، بل المكروه إذا ابتلي به العبد وصبر ورضي وسّلم خفت وطأته عليه فكان حلواً فتنسيه حلاوة أجرها مرارة صبرها .
السابع : ملاحظة من هو أسفل منه :
لقوله صلى الله عليه وسلم : (أنظروا إلى من هو أسفل منكم ولاتنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لاتزدروا نعمة الله عليكم) فإن العبد إذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل رآه يفوق قطعاً كثيراً من الخلق في العافيه وتوابعها وفي الرزق فيزول قلقه وهمه وغمه ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها ، وكلما طال تأمل العبد بنعم الله الظاهرة والباطنه الدينيه والدنيويه رأى ربه قد أعطاه خيراً كثيراً ودفع عنه شروراً متعدده .
الثامن : نسيان الماضي من المكاره التي لايمكن ردها :
وأن أشتغال الفكر فيها من العبث والمحال فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله مما يتوهمه من فقر أوخوف أوغيرها من المكاره ، ويعلم أنها بيد العزيز الحكيم ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها ودفع مضراتها ، فإذا اتكل العبد على ربه في إصلاح مستقبله وأطمأن إليه في ذلك اطمأن قلبه وصحت أحواله وزال عنه همه وقلقه .
ومن أنفع مايكون في ملاحظة مستقبل الأمور إستعمال هذا الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به : (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والموت راحة لي من كل شر) فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر ونيه صادقه مع اجتهاده فيما يحقق ذلك أنقلب همه مرحاً وسروراً .
التاسع : أن يسعى في تخفيف مايحصل له من النكبات بأن يقدر أسوأ الإحتمالات التي ينتهي إليها الأمر ويوطن نفسه على ذلك ويسعى في تخفيف مايمكن تخفيفه بحسب الإمكان :
فبهذا التوطين وبهذا السعي النافع تزول همومه وغمومه فإذا حلت به أسباب الأسقام والفقر فليتلق ذلك بطمأنينة وتوطين للنفس عليها فإن توطين النفس على احتمال المكاره يهونها ويزيل شدتها .
العاشر : ومن أعظم العلاجات لأمراض القلب العصبيه والأمراض البدنية قوة القلب وعدم أنزاعاجه وإنفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة :
فمتى استسلم الإنسان لتخيّلات من توقع الأمراض وحدوث المكاره وقع في الهموم والغموم والأمراض القلبية ، ومتى اعتمد القلب على الله وتوكل عليه ووثق بالله وطمع في فضله اندفعت عنه الهموم والغموم ، وجعل للقلب الإنشراح والسرور ، فالمتوكل على الله قوي القلب لاتؤثر فيه الأوهام ولاتزعجه الحوادث لعلمه أن ذلك من ضعف النفس ، ويعلم مع ذلك أن من توكل على الله كفاه كل شيء .
الحادي عشر : أن يقارن الإنسان بين محاسن من يعامل من زوجة وصديق وأخ ومساوئه :
وأن الإنسان كما أن فيه مساؤيء فله محاسن ، فإذا لاحظ الإنسان ذلك دامت الصلة وارتاح القلب ، ومن لاحظ المساوئ وعمي عن المحاسن فلابد أن يقلق ولابد أن يتكدر .
الثاني عشر : أن يعلم الإنسان أن حياته قصيرة فلاينبغي له أن يقصرها بالهم والإسترسال مع الإكدار .
الثالث عشر : أن يقارن الإنسان بين ماأصابه من مكروه وبقية النعم الحاصلة له دينية ودنيويه :
فعند المقارنة يتضح كثرة ماهو فيه من النعم ، وإضمحلال ما أصابه من المكاره وكذلك يقارن بين مايخاف من حدوثه من ضررعليه وبين الأحتمالات الكثيرة في السلامة منها وبذلك يزول همه وخوفه ..
الرابع عشر : أن يعلم الإنسان أن أذية الناس خصوصاً في الأقوال السيئة لاتضره بل تضرهم إلا أن أشغل نفسه في الإهتمام بها وسوغ لها أن تملك مشاعره .
الخامس عشر : أن يعلم الإنسان أن حياته تبع أفكاره :
فإن كانت أفكاره فيما يعود نفعه عليه في دينه ودنياه فحياته طيبة سعيده وإن كانت أفكاره فيما يعود ضرره عليه في دينه ودنياه فحياته شقية تعيسة .
السادس عشر : أن يوطن الإنسان نفسه على أن لايطلب الشكر إلا من الله :
فإذا أحسن الإنسان إلى من له حق أو من ليس له حق فليعلم أن هذا معاملة منه مع الله فلا يبالي بشكر من أنعم عليه ، كما قال عزوجل في خواص خلقه : (إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءً ولاشكوراً) [الإنسان] ، ويتأكد هذا في معاملة الأهل والأولاد ومن قوي الأتصال به .
السابع عشر : أن يجعل الإنسان الأمور النافعة نصب عينيه ويعمل على تحقيقهما ولا يلتفت إلى الأمور الضارة ليلهو بذلك عن الأسباب الجالبة للهم والحزن .
الثامن عشر : حسم الأعمال في الحال والتفرغ في المستقبل :
لأن الأعمال إذا لم تحسم اجتمعت بقية الأعمال السابقة وتضاف إليها الأعمال اللاحقة فتشتد وطأتها فإذا حسم كل شيء بوقته أتى الأمور المستقبلة بقوة تفكير وقوة عمل .
التاسع عشر : أن يتخير الإنسان من الأعمال النافعة الأهم فالأهم :
وأن يميز بين ما تميل نفسه إليه وتشتد رغبته فيه فإن ضده يحدث السآمة والملل والكدر ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين