فلسفة الحجاب ليست حَجْباً عن ما يراه عُمْي القلوب من حرية أهوائهم الجنونية السادرة وراء رَكْبِ الجهلةِ بدعواهم الشهوانية العمياء والتي تسير بهم نحو الشقاء، الظاهر زيفها، المكشوف فشلها.
بل إنما هي رفعٌ للحُجب الكثيفة ليَشِفَّ القلب ويُصبح أهلاً لأن يستشفع بنفس سيِّد الخلْق عليه السلام... حامل لواء الأنوار الإلهية إلى القلوب ليَصِلَها بالله منبع كلِّ الفضائل والخيرات.
فمن رام أن يشفع به (صلى الله عليه وسلم) للسموِّ والعلوِّ الإنسانيِّ الحق؛ لينزع ثوب البهيميّة ويتحلَّى بالصفات النبيلة الكريمة... فلْيجاهد في الله حقَّ جهاده، أي: لا يُعطي نفسه هواها. قال تعالى في سورة العنكبوت (69): {وَالذينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنَا...} طوبى لهم وحُسْنَ مثاب.
السُّفُور يؤدي إلى تعدد الزوجات بغير الحقِّ: وهو السبب الغير مباشر للطلاق، فالنساء لسن ألعوبةً بيد الرجال، ولسن عبيداً لهم.
فلا نموِّه على أنفسنا... إذ الباطل دوماً باطل ونَتَاجُه مهلكٌ، والحقُّ أينما كان يعلو ولا يُعلى عليه.
حوار بين عالم مسلم ومستشرق غربي
من ثنايا علوم العلامة الكبير محمد أمين شيخو
المستشرق الغربي: أنتمْ معشرَ الشرقيين تتمسَّكونَ بأمورٍ تقليديةٍ موروثةٍ لا طائلَ تحتَها تورِثُكمْ أمراضاً وعُقَداً نفسية؛ تغدُو كَبْتاً في شبابِكم وشابَّاتِكم فتُقطِّعوا بذلكَ الصلاتِ والأواصرَ الاجتماعيةَ بالفصلِ بين الجنسين، بل تَسترونَ المفاتِنَ والجمالَ والصبا بستائرَ سوداءَ مظلمةٍ لا تتماشى مع الحضارةِ الراقية، وتقبعُ نساؤكم بالبيوت... فأين الحرية، وتوصَمونَ بالرجعيةِ والتخلُّف...لماذا التعقيدُ والفصلُ بين الجنسين! أطلِقوا لهمُ الحريةَ حتى ترتوي غرائزُهم وَيَملُّوا هذا الأمرَ ويُقضى على هذهِ الغرائزْ الجنسيةِ الجسدية؛ لينطلقَ الجنسانِ الشبابُ والبناتُ في عملِ بناءِ الوطن وقد خمدتِ العواطفُ وهدأتِ الغرائزْ وماتتْ، إذ كلَّتِ النفسُ منها وملَّتْ فخبا لظى سعيرُها وانطفأتْ: وهيَّا للبناءِ والعملِ البنَّاءِ المثمرِ المنتجِ للرخاء، هذا من ناحية إذ أعلمُ بأنك ستجيبني بأجوبةٍ حاسمةٍ قاطعة بلا منطقٍ ولا حجَّةٍ ولا حوارْ فتقولَ لي هذه فاحشة وتبترَ المناقشةَ دون فهمٍ ولا وعيٍ ولا إدراك.
العالم المسلم: أخي الباحثَ الأوربيَ أبدونِ صكِّ زواجٍ؟
المستشرق الغربي: بالله عليك يا أخي العربيَ المسلم أهذه (الورقة) التي تكتبوها.. هذه (الورقة) هي التي تجعلُ الحرامَ حلالاً فتُدخلُ ناراً حامية وتحرقُ الإنسانَ المتمتِّعَ بالجمالِ وتحرِمُهُ الجِنان؟ أليس اللهُ جميلاً ويحبُّ الجمالَ فكيف لا يمارسُ عبادُه الحبَّ والجمالَ إلاَّ بورقةٍ قد تذروها الرياح؟
العالم المسلم: أخيِ الباحثَ الغربيَ سأسيرُ بالمحاورةِ معكَ قليلاً للوصولِ إلى نتائجِ هذه الورقة، وقِيَمُ الأمورِ بنتائجِها وخواتيمِها، وفرَضاً أننا رفضنا الورقةَ طالما أنَّ الشابَ أحبَّ الجميلةَ وعَشِقَها، وهي أحبَّتْه فعَشِقَتْهُ ومارسا الحبَّ دون الورقةِ وأنجبا بنينَ وبنات، ثم وفجأةً تُوفي هذا العاشقُ الهيمان والسؤال: مَنْ للبنينِ والبنات، ومَنْ لهذه المعشوقةِ الكسيرةِ بعد أن غابَ عنها حاميها وقَطَفَ زهرةَ شبابِها ورماها بموتِهِ دونَ ضمانٍ في أحضانِ الفاقةِ والفقرِ والذلِّ والهوان، وما مصير اليتامى من الأطفال؟ حتماً سيأتي ورثةُ الشابِّ وأهلُه ويقذفونَ بهم إلى الشارعِ، إلى الهلاكِ لأنَّ أباهُمُ الغيرَ شرعيٍّ ماتْ وحلَّت بهِ وبأرملتِهِ وذرارِيه الآفاتْ. نعم سيأتي الورثةُ من أخٍ وأختٍ وأب وأمٍ وأقاربَ وسوف يأخذونَ كلَّ ما لديهم من فراشٍ ومتاع وطعام وشراب ومسكن بقوةِ القانون وسيقولون لهم: (للأهل الشرعيين الميراثُ ولكم الحَجَرُ). إذن يا أخي الباحثَ الغربيَّ عن الخيرِ والكمال، أُنظر ما فعَلَتْ ما سمَّيتَها بالورقة (أي صك الزواج). ولو كانت هذه الورقةُ التي تجعلُ من الداعرةِ زوجةً فاضلةً ومن أولادِ الفاحشةِ أبناءً شرعيينَ محترمين، هل يستطيعُ أحدٌ سلبَ ميراثِ أبيهم أو تشريدَهم في الآفاق لِيَغْدوا من أهلِ الشقاءِ وأيَّ بقاءٍ في الشقاء، بل من المجرمينَ أعداءِ المجتمعِ القاسي عليهم بنظرِهِم، لا بل بسببِ هذه الورقة؟! هل كان يُطلق على مَنْ شاركَتْه حياتَه (زانيةً عاهرة، أم زوجةً فاضلة)! ومن سيقبل بها زوجةً وبأبنائِها وبناتِها عِبئاً ثقيلاً ووصمةَ عارٍ، وأين وراثتُها وكيف ستقضي بقيةَ حياتِها أبِالبغاءِ وقد ذَبَلَ شبابُها، فما أصعب قسوةَ ومرارةَ الحياةِ التي ستواجهُها وبصحيفةِ مَنْ؟! بسبب هذه الورقة التي تفضَّلْتَ وذكرتَها تهكُّماً يا عزيزي! هذا قانونُ الإلهِ الرحيم.
هذا جانبٌ من الإجابة على القسم الثاني من استفسارك المنطقي عوداً إلى بحث الجانب الأول منه.
المستشرق الغربي: أخي الباحثَ المسلمَ لا أدري ما أقول فلقد صعقْتَني بإجابةٍ علميةٍ إنسانية ما كنت أتصوَّرُها في دينِكُم. حقّاً إن في دينِكم سموّاً إنسانياً راقياً يطوي في حناياهُ رحمةً اجتماعيةً وضماناً، بل وصوناً حصيناً للأرملةِ والأبناءِ بما يملؤُ حياتَهم بهجةً وهناءً.. من فضلك أفِضْ عليَّ من حِكَمِ دينِكَ السامي الرشيد، فلم تَطْرُقْ مسامعي مناقشاتٌ منطقيةٌ ببحوث الدينِ الإسلامي مثلَ ما به نطقْتَ، ولكن من أين جِئتم بحجابِ المرأة حجاباً تاماً لا ثغرةَ لمستمتعٍ فيه ولا مجال! أُحيطك علماً بأني منذُ بضعةِ أيامٍ كنت أتجوَّلُ في الأزقةِ السحيقةِ في القدم أبحثُ عن الآثار، آثارِ الآباءِ والأجداد، وأثناءَ تَجْوالي نهاراً هاجَمَني شبحٌ أسودُ (كالبعبع) ظهر فجأةً فقفزتُ رعباً بالهواء، لكنه مرَّ بجانبي بسلام، ثم علمتُ أنها شابَّةٌ ربما كانتْ هيفاءُ صاعقةُ الجمالِ لكن ثوبَ سَتْرِها الشرعيِّ الفضفاضِ مع حجابِها الساترِ بالتمامِ لوجْهِها أسدل على مظهَرِها منظرُ شبحٍ أسودَ مريع.. فبالله عليكم ما هذا الزيُّ الإسلاميُّ المُفْزِع؟
العالم المسلم: حقّاً أيها العالمُ العزيز إنه منظرٌ مريعٌ... ليُصدَّ شيطانَ النفسِ وهواها القاتل، أي ليصدَّ عنها السوءَ والفحشاءَ ولتلتفتَ عن الحرامِ لتبحثَ عن الحلالِ وترضى به، ونحن عن عمدٍ وتصميمٍ صمَّمْنا هذا اللباس؟
المستشرق الغربي: أنتم أحببتمُ هذا الأمرَ الشاذَّ والنشاز وإخفاءَ الجمالِ والفتنةِ والصبا؟
العالم المسلم: نعم نحنُ حينما فعلنا ذلك منذ عهدِ رسولِنا الكريمِ في المدينةِ المنورةِ كان النتاجُ الصاعقُ أنْ حَفِظْنا ميولَ الشبابِ من المراهقةِ ووجَّهناها نحوَ الخيرِ والفضيلةِ والكمال فانطلقوا بفتوحاتٍ لم تسمعِ البشريةُ لها مثيلاً، وطَبَّقتْ هذا الحجابَ أممُ الأرض وارتضَتْهُ الشعوبُ الآسيوية بمعظمِها والإفريقية كذلك بمحضِ رِضاها وقبولِها عندما تبيَّنوا سموَّه، بل وبلاد شاسعة أوربية. حقاً لقد حفظنا بهذا السترِ والحجابِ كلَّ طاقاتِ الجنس (فرُويْدْ) وحوَّلناها للخيرِ والإنتاجِ.
المستشرق الغربي: ماذا تقول! أبهذا السترِ العجيبِ سدتمْ وقُدْتُمْ بلدانَ العالَمين! أرجوك الإيضاحَ والتفصيلَ والإفصاح؟!
العالم المسلم: أيها الباحثُ عن الإصلاح أنت زرتَ بيوتَنا العربيةَ وشاهدتَ نشاطَها وَوِسْعَتَها أليس كذلك؟
المستشرق الغربي: بلى يا أخي المسلمَ العربي حقّاً لقد شدهَتني هندسةُ بنائِها فبينما نحنُ في طرقٍ قديمةٍ متعرجة لا فنَّ فيها ولا هندسةَ بناء.. دلفتُ لبيوتٍ عربيةٍ قديمةِ الطراز فأخَذَتْ مجامعَ قلبي باحاتُها الواسعةُ الأرجاءِ المتسعةُ الفِناءِ بأحواضٍ محيطةٍ بباحاتِها، مذهلةٍ بورودِها وأزهارِها، بل وأشجارِها المتنوِّعة ودواليِ العنبِ المتدلِّيةِ بالأثمارِ اليانعةِ، وقد فاحَ أريجُ الياسمينِ والنرجسِ والفلِّ والزنبقِ كالمسكِ الأزفرِ ناهيك عن بحْرَاتِها ذاتِ المياهِ الدفَّاقةِ الرقراقة، ففي كلِّ بيتٍ عربيٍ حديقةٌ غنَّاءُ ومياهٌ جاريةٌ وثمارٌ متدليةٌ يكسو لونُ الخضرةِ الجدرانَ والأبهاءَ فعجبتُ من قُبْحِ الطرقاتِ وجلالِ وجمالِ بيوتٍ فيها جناتٌ ناضرات فلماذا؟
العالم المسلم: صحيحٌ ما ذكرتَ ونحن المسلمونَ عن قصدْ وتصميمٍ جعلنا الطرقاتِ ضيقةً متعرجةً لا يكادُ النورُ يغزوها، وبالعكس جعلنا من بيوتِنا جنَّاتٍ، حقَّقنا ذلك فتحققتْ على أيدينا المعجزاتُ الباهراتُ بالفتوحات. هَبْ أن إنساناً انقطعَ في الغابات وتاهَ في الأدغال عدَّة أشهرٍ يقطِفُ الثمارَ ويعيشُ على النباتاتِ الطبيعية، ثم التقى بأنثى مهما كانت درجةُ جمالِها، أفلا يهفو إليها قلبُه ويرضى بها في هذه القفراءِ من البشر أو مع فقدانِ النساءِ بالأدغال، أفلا يرضى بها شريكةً لحياتِه بتلك الأراضي العذراء، وهل يرضى بها بديلاً! طبعاً سيجدُها هِبَةً من السماء، أو قد يظنُّها ملاكٌ هبطَ من الأفلاك.. وهكذا كان المسلمونَ في أوجِ فوزهِمْ يعيشون، فحيثما ارْتَحلْتَ أو رَحَلْتَ وفي أيِّ سوقٍ أو شارعٍ تجوَّلْتَ فلن تجدَ إلاَّ الجنسَ الخشن في كلِّ مكان، ولا وجودَ لأنثى إلاَّ كظلالٍ سوداءَ لا تُلفتُ نظراً ولا تثيرُ فتنةً والنساءُ يَقَرْنَ في بيوتٍ عربيةٍ كالجنّات، فإن أرادتِ الأنثى الخروجَ فلن تجدَ سوى طرقاتٍ وأزقَّةٍ ضيقات لا تملؤ العينَ ولا تسرُّ الناظرةَ، عندها تفضِّلُ القرارَ في دارِها الجميلة. هذا والرجلُ لا يرى خارجَ بيتِه أو في عَمَلِهِ إلاَّ الخشنَ من الرجال وكأنه في عزلتِهِ عن الجنسِ اللطيفِ كإنسانِ القفراءِ أو الأدغال، فمتى دَلَفَ دارَهُ وشاهدَ أنثاهُ التي هي زوجتُه، وهو لا يرى سواها ما عدا المحرَماتِ، فيجدُها تجاهَ الجنسِ الخشن نعمةً لا تُقدَّرُ بثمن، فهو بها قريرُ العيْن راضي الفؤاد، لأنَّه لا يرى أحسنَ ولا أجملَ منها فيغتبطُ بِنِعمتِهِ التي لا مثيلَ لها وكذا الزوجةُ، فهي بمعزلٍ في بيتِها لا ترى غيرَ زوجِها فتنعمُ به وترى أنَّها به حازتْ كافة أحلامها.