كيف تحل الطمأنينة في القلب...
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , وبعد:
فإن الأمر الذي اجتمع عليه الناس جميعاً مؤمنهم وكافرهم ,غنيهم وفقيرهم , شريفهم و وضيعهم , هو طلب الطمأنينة وتمني نزول السكينة في القلوب .
ربما ألم بأحدهم مرض , فلا يسعى بإزالته وتحمل وصبر وفي أحيانا كثيرة كتمه في نفسه , أما إذا حل بساحته ضيق واجتمع على قلبه غم فلا تسل عن حاله وحال من يعيش معه من أسرته والقريبين منه , ولقد جاء الدين الإسلامي العظيم لنفع الناس ومتى ما أخذوا بتعاليمه عاشوا حياة السعداء , وكانوا من أبعد الناس عن الهموم والغموم , ولعلي أن أضع أسباباً هي كفيلة - بإذن الله - بنزول السكينة في القلب , وحلول الطمأنينة في النفس , مستنيرا بتعاليم هذا الدين العظيم : ومن أهم الأسباب , وأعظمها أثرا هو :
1- الإيمان بالله تعالى والرضا به ربا ومدبرا لعبده :
فمن آمن بالله حق الإيمان وعرفه بأسمائه الحسنى ,وصفاته العلى ,عرف ربا كريما , وإلاها عظيما ,رحيما بالعباد , لطيفاً بالخلق , قريبا ممن دعاه , مجيبا للسائلين , عليما بالخفايا .
يقول عليه الصلاة والسلام \" ذاق طعم الإيمان من ورضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا\" أخرجه البخاري .
إن ألذ ما في الحياة هو الإيمان بالله تعالى , وهو الأساس في حلول الطمأنينة في القلب,والسكينة في النفوس , ولكن المؤمنين تتفاوت درجة إيمانهم , وأرفعهم درجة من امتلأ قلبه رضا بربوبية الله تعالى , وكان مع الله وبالله ولله في كل شأن من شؤونه , لقد فقه السلف الصالح هذه المسألة فطمأنت نفوسهم , وسكنت قلوبهم .
2- تفويض الأمر لله ويقين العبد أن اختيار الله له أحسن من اختياره لنفسه:
كم من شاب تمنى أن لو تزوج تلك الفتاة التي رغب بها ولكن حال بينه وبينها قضاء الله تعالى وقدره , حتى إذا ما إذا ما تزوج بغيرها وكانت السعادة تسكن بيته قال عندها: الحمد لله على هذا القضاء.
وكم من تاجر رغب في تجارة وتأسف على فواتها حتى إذا ما أظهرت الأيام خسارة مثلها من المشاريع حمد الله أن صرفه عنها ,أعرف أخا كريما كان ينوي الدخول في الأسهم وحال بينه وبين الدخول فيها حائل ونجاه الله من مغبة الخسائر التي اصطلى بنارها الكثير... في سلسة من القصص والصور , التي يجب عندها أن يكون العبد ريا منشرحا صدره عند كل قضاء يقضيه الله عليه مما يكره ,
أنا الفقير إلى رب البرياتِ ٭٭٭٭ أنا المسكين في مجموع حالتي
أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي ٭٭٭ والخير ان يأتينا من عنده يأتي
لا استطيع لنفسي جلب منفعةً ٭٭٭ ولا عن النفس لي دفع المضرات
وليس لي دونه مولى يدبرني ٭٭٭ ولا شفيع إذا حاطت خطيئاتي
إلا بإذن من الرحمن خالقنا ٭٭٭ إلى الشفيع كما قد جاء بالآياتِ
ومن أعظم الأسباب:
3- حسن الصلة بالله , والإنطراح بين يديه , ودوام الخضوع له .
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم \"إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة\" أخرجه أبو داود , وصححه أجمد شاكر كما في مقدمة عمدة التفسير(1/110)
إنها \"الصلاة \" ملجأ المتقين , وملاذ المؤمنين , بها الثبات عند الملمات , والطمأنينة عند نزول الكريهات .
أعرف رجل مات أكبر أبنائه في حادث عند بلوغ أشده – وكل أب يعرف منزلة الابن في هذا السن – فلما بلغه الخبر حمد واسترجع وقام يصلي إلى الصباح فنزل عليه من السكينة والطمأنينة ما جعله متحملا لهذا الخطب , جبلا عند هذا البلاء .
ومن أسباب الطمأنينة ونزول السكينة على القلوب:
4- استشعار قرب الفرج عند حلول المحن ونزول البلايا :
فالعاقل يعلم أن دوام الحال من المحال, وأن المرء متقلب بين الضراء والسراء والواقع يشهد أنه ما من نازلة إلا ارتفعت عن أصحابها فلِم هذا اليأس ,وكيف يسيطر القنوط على القلوب , فأبشر بزوال كل هم , وأيقين بتحول كل مكروه . دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء
5- ذكر الله وتلاوة القرآن :
يقول سبحانه وتعالى :\"ألا بذكر الله تطمئن القلوب \" هكذا تفصح هذه الآية بهذه الحقيقة العظيمة , وتوضح هذا الأمر بجلاء , لقد بحث الناس عن الطمأنينة في المال والشهرة (والسهرة) ولكنهم وجدوا سرابا خادعا, وبريقا كاذبا , وأما أصحاب الذكر المستديم فهم في راحة وطمأنينة لا يشعر بها إلا من ذاقها
قال أحد السلف : (( مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها
قيل : وما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله عز وجل ومعرفته وذكره ))
قال أحد السلف في ذلك : \" إنه لتمر بي أوقات أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش رغيد \"
هل جربت أيها المؤمن أن تجلس منعزلا تذكر ربك وتناجيه , تتلوا كتابه وتتأمل في معاني هذا الكتاب العظيم
يقول ابن تيمية \" إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة قيل وما هي :معرفته والأنس به جل وعلا \"
6 - العلم :
نعم العلم أعظم هبة من الله لعبده . به يعُرف به جل وعلا وتُعرف حدوده ونواهيه , ومن أعمر وقته بطلب العلم , كان في لذة وأنس لا تعدلها لذائد الدنيا كلها
وإنك إن وقفت على سير من وجدوا هذه اللذة تملكك العجب من حالهم , وغبطتهم على ذلك السرور ولقد وصف الإمام الشافعي هذه اللذة بقوله :
سهري لتنقيح العلوم ألذّ لي = من وصل غانية وطيب عناق
وصرير أقلامي على صفحاتها = أحلى من الدّوْكاء والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها = نقري لألقي الرمل عن أوراقي
وتمايلي طربا لحل عويصة = في الدرس أشهى من مدامة ساق
وأبيت سهران الدجى وتبيته = نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي
إنه نموذج للحياة الطيبة التي كلن يعيشها العلماء , والأنس والسرور الذي كانوا عليه في حياتهم الدنيا , ولما كثر انشغالنا بالتوافه من الأمور صارت حياتنا ضنك وهم .
فدعوة إلى العلم وطلبه , وإن لم تستطع فلا أقل من تغذية الروح بالمطالعة في كتب أهل العلم, أنظر في تفسير آية , أو شرح حديث , أو سيرة عطرة , أو أبيات شعر مهذبة , وهكذا تتنقل بين هذه الأفياء وستجد سرورا بإذن الله تعالى .
7- أداء الحقوق والواجبات :
أن لهذا السبب أثر كبير في نزول السكينة والطمأنينة عند أصحاب القلوب السوية , وأرباب النفوس الكريمة ,لأن نفوسهم الكريمة تأبى التقصير في حق كل ذي حق .
وأعظم الحقوق حق الله تعالى من توحيده وأداء فرائضه , ومن كان مقصراً في حق الله تعالى ثم يروم سعادة فنقول له :رويدك إن الباب مغلق دونك بغير أداء هذا الحق .
ويتبع هذا أداء حقوق الوالدين والقرابة من زوجة وولد وكل ذي رحم قريب , فكل هذا من أسباب حلول الطمأنينة في القلب بإذن الله تعالى .
8- الإحسان إلى الناس :
سبب عظيم للأنس في الدنيا , مع نيل الأجر في الآخرة ..
جرب أن تعلم جاهلاً ,أو تُحسن إلى فقير , أو تزيل كرب مهموم , أو تُعين محتاجا ,أو تجلس بجوار مُصاب , وتأمل في الأنس السعادة التي تجدها في نفسك .
إن الإحسان إلى الناس لا يفعله إلا الكمل من البشر ولذا كانوا أسعد الناس نفوساً , وأشرحهم أفئدة , فهل تكون منهم ؟ لتكون السعادة مكان الشقاء .
9- صدق الدعاء والإلحاح في الطلب :
لقد علم رسول رب العالمين عليه الصلاة والسلام أمته أن يلحوا على ربهم في الدعاء , وأرشدهم أن يصدقوا في الطلب ..
وإن لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
لقد من دعائه عليه الصلاة والسلام : \" اللهم إني أعود بك من الهم والحزن\"
نادي ربك وقل :
ألا أيها المأمول في كل ساعة شكوت إليك الضر فارحم شكايتي
ألا يا رجائي أنت كاشف كربتي وهب لي ذنوبي كلها واقضي حاجتي
فرج الله هم كل ذي هم , وأنزل السكينة في كل قلب .