كل نفس ذائقة الموت . فلقد سوى الله بين البرية فى ورود حوض المنية وجعل سبحانه وتعالى لكل منا أجل سماه الله
لا يستقدم عنه العباد ولا يستأخرون . وسوف تهب كل الأموات من السبات فى يوم البعث والقيامة .
سوف يبعثهم الله فى يوم الدين سيبعث كل الأولين والآخِرين .
فمنذ أن خلق الله الأرض ومن عليها وحتى تفنى بمن فيها فإن كل من أحياه الله بها ليأتى بعد الممات إلى هذا الميقات .
فهذا هو يوم الميعاد . هذا هو آخر يوم من الأيام ( اليوم الآخر ) .
يقول سبحانه وتعالى قُلْ إِن الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَات يَوْمٍ مَّعْلُومٍ )
الأولون : هم كل الأمم والشعوب والأقوام التى خلقها الله منذ أبينا آدم عليه السلام وحتى مبعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قبل الرسالة ) .
والآخِرون : هم كل الأمم والشعوب والأقوام التى خلقها الله منذ مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
بدين الإسلام وحتى قيام يوم الساعة ( بعد الرسالة ) .
...
اليوم الآخر هو يوم الوعد والوعيد . سيجازى كل إنسان فيه عما فعل واحتقب وسيحاسب عن كل ما كسب واكتسب .
وإن كان الناس نسوا أعمالهم فالله لم ينساها وإن لم يحصوا أفعالهم فالله قد أحصاها .
يقول تبارك وتعالى : ( هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ .. إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )
كل صغيرة أو كبيرة فى هذه الحياة نسخها الله وسوف نجدها فى كتابنا الذى نلقاه منشورا .
( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً
إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً )
هذا هو اليوم الذى ينظر المرء فيه ما قدمت يداه ويتذكر الإنسان ماسعى ويعض الظالم على يديه ويقول الكافر
يا ليتنى كنت ترابا . يومٌ تكون فيه البشرى وتكون فيه الحسرة والندامة .
...
زعم الكفار والمشركون ومن حادوا عن صراط الله المستقيم أنهم لن يبعثوا فقالوا : إن هى إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين .
قالوا إن هى إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين . قالوا كيف نحيا بعد موتنا ونبعث بعد أن نصبح تراباً وعظاماً بالية .
..
كان هناك رجلاً حاملاً زاده وطعامه راكباً حماره .. مرّ على قرية فوجدها مُوحشة مُقفرةقد بَادَ أهلها
وفَنِىَ سكانها وليس فيها حَسِيسٌ ولا أنيس تهدمت دورها وبيوتها وأصبحت خاوية على عروشها.
وقف أمامها متعجباً لها مستبعداً أن تحيا هذه القرية بعد موتها .
أماته الله مائة عام ثم بعثه وأحياه . هبَّ الرجل من سُباته وانتفض من رقاده فرأى القرية وقد أصبحت
غامرة وبالناس والبنيان عامرة . سأله سبحانه وتعالى عن المدة التى لبثها فى نومه وموته أجاب بأقصى
ظنه فقال بأنه لبث يوما أو بعض يوم . أخبره الله تعالى أنه لبث مائة عام لا يشعر بها ولا يحس بوقتها أو عصرها أو زمنها .
أمره عز وجل أن ينظر إلى زاده وطعامه فوجدهما على حالهما ليس بهما عطب أو فساد ولم يعتر أى منهما
تبديل أو تغيير . وأمره الله أن ينظر إلى حماره ولم يبق منه إلا عظامه وأراه الله كيف ينشز تلك العظام ويجمعها ويعيدها
لسيرتها الأولى فأحيا الله حماره وعاد إلى حياته كما كان قبل موته .
أخذ الرجل زاده وطعامه وركب حماره وعاد إلى أهله وأولاده وقد صاروا شيوخاً تجاوزوا من الأعوام المائة والعشرين
وهو ما زال شاباً لم يتجاوز الأربعين . فعلِم علم اليقين بمقدار وطول المدة التى لبثها والتى مرت عليه
فى نومه ورقاده وتيقن بالمشاهدة والمعاينة عدد سنواته التى قضاها فى سُباته .
رأى بعين اليقين قدرة العزيز الرحيم وتبين له كيف يحيى الله العظام وهى رميم .
( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ
قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ
وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً
فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
..
ناجى سيدنا إبراهيم عليه السلام ربه طالباً أن يُرِيَه كيف يحيى الموتى لكى يطمئن قلبه ويُوقن
بقدرته وعظمته . أمره الله أن يأتِ بأربعة من الطير مدركاً لهم عالماً بهم وأن يقوم بذبحهم
وأن يخلط أجزاء بعضهم ويلقهم فى أى مكان فوق الجبال .
فعل نبى الله وخليله ما أمره به العزيز الرحمان . أمره سبحانه وتعالى أن يدْع كل طائر منهم . فأتته الطيور
حية كما كانت قبل ذبحها وأسرعت إليه مرفرفة ساعية كما كانت قبل موتها .
اطمأن نبى الله بقلبه بأن الله عزيز حكيم وشاهد بفعله مشاهدة الرؤية والعيان كيف يحيى الله العظام
وهى رميم . يقول رب العالمين :
( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً
ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )
..
الأرض الميْتة التى أجدبت تربتها أو يبس نباتها واصفر شجرها وبارت زراعتها . فإنه بنزول المطر عليها
نراها تترعرع بعد يبوستها وتينع بعد قفرها وتنبت بعد جدبها . إن من أحياها بعد موتها لقادر على أن يحيينا بعد موتنا .
يقول جل شأنه : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ
إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
..
اختلف قوم بنى إسرائيل فى أمر نفس قُتلت ولم يُعرف لها قاتلاً . فاختصموا فيها إلى سيدنا موسى نبى الله عليه السلام
يطلبون منه معرفة القاتل . أمرهم نبى الله أن يذبحوا بقرة فامتعضوا وعاندوا ثم أتواْ يسألونه عن وصفها
فقال إنها بقرة ليست هرِمة ولا صغيرة بل عوان بين ذلك . بغواْ وعتواْ عما أمروا ثم عادوا يسألونه عن لونها
أجابهم أنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين . ثابوا إلى رشدهم وقدّموا مشيئة الله وقالوا يا نبى الله
إن البقر تشابه علينا فاهدنا إليها وإنا إن شاء الله لمهتدون . قال إنها بقرة ليس بها عيب يشينها
وليست معدة للسقيا أو مذللة للحرث . وجدوها وعثروا عليها وجاءوا بها إلى نبى الله وذبحوها .
أمرهم سيدنا موسى أن يضربوا القتيل بأى جزء منها . فأحياه الله وبعثه بعد قتله وموته وأخبر عن قاتله .
يقول جل ذكره : ( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ