قصة اعجبتني
ثمن البشــر!( أين الخلل؟):
بعد وفاة والدي حملتُ مسئولية أخوين لي كنتُ العائل الوحيد لهما فكنت أعمل وأدرس في ذات الوقت حتى حصلت علي شهادة فني تبريد, رزقني الله بعمل في شركة خاصة براتب كبير كان يُصرف كله علي أخوي, ورأيت في تربيتي لهما معان كثيرة لا تُقدَّر بمال, نسيت نفسي، وتقدم بي العمر لأجد أقراني لديهم أطفال في مراحل التعليم المختلفة, أخي الأصغر شق طريقه بمجرد حصوله علي شهادته وكَوَّنَ أسرته, والآخر سافر إلي أوروبا, شعرت بأنني فاتني كثير من الوقت وأصبحت كشجرة لا ظل لها ولا ثمر, تُوفيت والدتي هي الأخرى وأصبحت وحيدا فتزوجت وكنت في سن السادسة والثلاثين, رزقني الله ثلاث بنات وولدا، الكبرى في السنة الثالثة بمعهد التمريض، واثنين في مراحل التعليم، والصغرى عمرها ثلاث سنوات, عشنا حياة سعيدة يملؤها الحب والود, إلى أن تعرضت لاختبار صعب لتنقلب حياتي إلى جحيمٍ لا تخفت ناره، أفقت في المستشفي على إثر حادث لأري الوجوه تترنح أمامي في ضباب قاتم, سمعت صوت بكاء أبنائي, وشعرت بيد زوجتي وهي تشد علي يدي لتخبرني بالحادث, وأنها بعض الكسسسور الطفيفة وسأقوم بإذن الله، وأعود لعملي وأسرتي.. حمدت ربى علَي لُطفه, ورقدت علي فراش المرض قرابة الشهرين , عانيت فيهما كسرة النفس، والخجل وأنا لا أستطيع قضاء حاجتي بنفسي..انتظرت عمل جراحة لتركيب مفصل وشرائح ومسامير لساقي تتكلف مبالغ باهظة، فكرت في أخي الأصغر الذي كان يعمل في أوروبا، شرحت له حالتي وما حدث فأرسل مبلغا بسيطا، ثم انقطعت أخباره واتصالاته نهائيا, فالتمست له العذر مثلما فعلت مع أخي الثاني الذي في عنقه بيت وأسرة, كان أملي الأخير هو الشركة، ظننت أنها ستتحمل التكاليف, وأن الأمر سينتهي قريبا لأعود لحياتي الطبيعية, ففوجئت بها ترفض تحمل أي شيء فليس ثم التزام أو تأمين, جمع زملائي مبلغا يسيرا وأعطوه لزوجتي فكانت تنفق منه بعد انقطاع راتبي, حاولت بكل الطرق استخراج قرار علاج علي نفقة الدولة حتى تم إجراء العملية، خرجت من المستشفي مستندا إلي عكاز لا أستطيع الحراك بدونه, جلست في بيتي أجتر أحزاني وأعيش ذُلَّ العجز, وأنا أري أولادى لا يجدون ما يأكلون, وقد كانوا من قبل في ستر ورضا, مضى أكثر من ثلاث سنوات علي خروجي من المستشفي .. ووسط هذه الدوامة التي أعيش فيها علمت أن ابنتي الكبرى تركت دراستها, وعندما سألت والدتها أخبرتني أنها لا تجد حتى أجرة مواصلاتها.. نكست رأسي مستندا إلي عكازي وذهبت إلى غرفتي أبكي بدمع سخي، امتنعتُ عن تناول بعض الأدوية التي كانت تأتيني من إحدى الجمعيات الخيرية وبِعتها سرا لأعطى ثمنها لزوجتي، وكنت أعتصر من شدة الألم وهم لا يشعرون .. فساءت حالتي وبدأت ألاحظ تورما في ساقي وأشعر بألم شديد ودخلت في نوبات إغماء, تنقلت من مستشفي لآخر راجيا الرحمة من هذا العذاب فلم يُغثني أحد، وفي إحدى الليالي تحدثت مع ابنتي الكبرى عن دراستها وكيف كانوا يُجرون العمليات الجراحية, وكان هدفي إقناعها بما نويت فعله وهو بتر ساقي دون تكاليف أو مستشفي أو أطباء يتاجرون في أجساد البشر, في البداية ظنت أنني أمزح فلاطفتني قائلةً: أنت زى الفل يا عم الحاج.. أنت أجمد مننا يا بابا، وعندما أيقنت أني أعنى ما أقول نَظَرَتْ إليَّ بوجوم، وانفجرت في البكاء هاربةً من أمامي، كانت هذه آخر حيلة لي رغم بشاعتها, توسط أحد الصالحين لدي جراح مشهور لمجرد الكشف علي حالتي, فقال إن بعض الأخطاء الطبية في تركيب المفصل والشرائح سببت صديدا وتلفا في الأنسجة وتورم ولابد من نزع المفصل وتركيب آخر في أقرب وقت, وإلا فسيؤدي ذلك إلي بتر ساقي.. وعندما استفسرت عن تكاليف العملية وجدتني لا أملك منها شيئا, حاولت استخراج قرار علاج علي نفقة الدولة فلم أتمكن, ببساطة تنكر لي الجميع إخواني والشركة والمجتمع وشاب طائش صعد على الرصيف وهو يتسابق مع صديقه فدهسني بسيارته وهرب، لا أدرى كيف طاب منامه وقد ظلم أسرةً بكاملها!!!.