يُجمع الكثير من الآباء والأمهات على أن أبناءهم وبناتهم تطرأ عليهم الكثير من التغيرات الفكرية والعقلية في مرحلة المراهقة، فيبدون كما لو كانوا يحملون داخل رؤوسهم مخا يختلف عن باقي البشر... ويغلب على معظمهم الميل لعمل تصرفات غريبة وخطيرة في بعض الأحيان لمجرد التميز أو لفت الانتباه!
فعلى سبيل المثال، يحكي أحد الآباء أن ابنه المراهق وأصدقاءه أقاموا في إحدى المرات مسابقة يفوز فيها من يستطيع تناول ملعقة كبيرة من القرفة المطحونة (وهو الأمر الذي يمكن أن يكون خطيرا ومضرا بالصحة) فقط من باب التحدي وإثبات القدرات! وهذا يجعلنا نتساءل: كيف تعمل عقول مثل هؤلاء الأشخاص الذين يمكنهم التفكير في تحد غريب سخيف إلى هذا الحد؟! ولا يغيب عنا كذلك عشق المراهقين الزائد عن حده للخطر، فالكثيرون ممن حصلوا على رخصة قيادة منهم يميل إلى اقتناء دراجة بخارية سريعة، ويدخل بها مع أصدقائه في سباقات مرعبة من فرط السرعة التي ينطلقون بها أو الحركات البهلوانية التي يؤدونها والتي تصل إلى حد الانقلاب بالدراجة البخارية في الهواء بضع مرات أو القيادة دون استخدام اليدين، وهو الأمر الذي يعرضهم في كثير من الأحيان للحوادث الخطيرة.
لكن تعجب الكبار من تصرفات المراهقين وأسلوب تفكيرهم الغريب، سرعان ما يتبدد، بمجرد أن يتذكر كل منهم ما كان هو نفسه يفعله من تصرفات غبية وسخيفة وخطرة أحيانا في نفس المرحلة السنية التي يمر بها الأبناء الآن (كتسلق ظهر شاحنة كبيرة تسير مسرعة على الطريق مثلا!)!
وإذا تساءلنا عن السبب خلف أي تصرفات غير منطقية أو مبررة يقوم بها المراهقون، سنجد أن الإجابة ببساطة هي الرغبة المستمرة في التجديد والإحساس بالإثارة والمتعة، بالإضافة إلى لفت انتباه الكبار، والإعلان عن امتلاك شخصية مستقلة عن الوالدين.
ولكن إذا تأملنا قليلا في تلك التصرفات غير المألوفة والمتهورة التي يفعلها الكثير من المراهقين، سنجد أن بعض هذه التصرفات يؤكد امتلاكهم لشجاعة غير اعتيادية، كما أن إقدامهم على بعض الأمور المتهورة التي قد تعرض حياتهم للخطر يؤكد عدم إدراكهم الكامل لتبعات تصرفاتهم وعدم تقديرهم بعد لقيمة الحياة، وعدم تحليهم بالمسئولية تجاه الوالدين والأقارب، فهم لا يتخيلون كم الالم والحزن الذي تصاب عائلاتهم به لو أصاب أيا منهم مكروه لا قدر الله.
ويؤكد خبراء الطب النفسي بالفعل أن مخ المراهق يختلف عن نظيره لدى الكبار أو حتى لدى الأطفال، فهم يمتلكون القدرة -مثل الأطفال- على التعلم والتقاط المعلومات الجديدة بسرعة، مع وجود قدرة أكبر على التفكير واتخاذ القرارات نتيجة حدوث نضج تدريجي في أجزاء المخ المختلفة. لكن المشكلة هي أن هذا النضج يبدأ في الأجزاء الخلفية للمخ ويتجه تدريجيا نحو الأجزاء الأمامية منه، فيكون الفص الأمامي من المخ هو آخر الأجزاء التي يصيبها التطور والنضوج عندما يبلغ الإنسان سن الرشد. وهنا يكمن تفسير كل التصرفات الغريبة التي يقدم عليها المراهقون، فالفص الأمامي من المخ هو المسئول عن الحكم على الأمور وتقديرها وتكوين رؤية محددة في المواقف المختلفة. وبهذا يكون المراهق شخصا ذكيا سريع البديهة، لديه القدرة على التعلم بسرعة مهما كان حجم ما عليه دراسته، لكنه للأسف يفتقر إلى القدرة على حسن التصرف أو الحكم بشكل صحيح على المواقف والأمور، واستيعاب تبعاتها، فيتصرف في معظم الأحيان بتهور واندفاع مهما كان حجم الخطر فيما سيفعله.
ومع التقدم في السن، وازدياد نضوج الفص الأمامي للمخ، يكف المراهق تدريجيا عن أفعاله الطائشة، وتقل شجاعته الفائقة غير المقننة، نتيجة ازدياد إدراكه تدريجيا بتبعات مثل هذه التصرفات، وبالتالي تزداد حكمته وحسن تقديره للأمورشيئا فشيئا حتى يصل إلى سن الرشد، ويتجاوز طيش المراهقة إلى الأبد .