قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -: ((قال مجاهد وغير واحد من السلف: أي إلى كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه ، وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله ).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي"
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((تكفّل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه: أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، ثم قرأ هذه الآية )) ( فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى ) .
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والإنسانُ في نظَره مع نفسِه ومناظرتِه لغيره إذا اعتصَم بالكتابِ والسنّة هداه الله إلى الصّراط المستقيم، فإنَّ الشريعة مثلُ سفينةِ نوح، من ركبَها نجَا، ومن تخلّف عنها غرِق"
و من تَمَام هذا الاعتصَام تربية النفس على الإيمان بالله وباليوم الآخر : فبالإيمان بالله: يحصل تعظيمه وتعظيم أمره ومراقبته في السر والعلن و يغرس في القلوب محبته ومرضاته وتقديمها على كل المحاب، و يتعرف على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى فيظهر أثرها على السلوك والأخلاق ويظهر قوة الإيمان بها وقت الفتن والشدائد و منه التوبة والرجوع إلى الله تعالى و كثرة الاستغفار لقوله تعالى ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون )
ومِنه تحقيقُ تقوَى الله جلّ وعلا والإنابة إليه والثبَات على دينه والاستقامَة على شرعِه، فالتقوَى سبيلٌ للخروج من الفتن يقول تعالى ( وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:2، 3]
و منه كثرة الأعمال الصالحة ، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:153)
وكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، صَلَّى (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني)
وجاء في صحيح مسلم عن ْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا"
ومنه الإكثار من ذكر الله قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال:45)
وهذا أمرُ الله لنَبِيِّهِ موسى -عليه السلام-: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلاَ تَنِيا فِي ذِكْرِي اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (طه:42).
ومنه التواصي على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لقول الله تعالى ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده "
و منه اجتناب الظلم ، وهو التعدي على الناس في دمائهم أو أموالهم أو أعرضهم بغير حق .. يقول الله تعالى : (( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً )) .
إنَّ التمَسّكُ بشرع الله هو الكفيلُ الأوحَد بعِزّ الدين وسعادةِ الدنيا الآخرة، وهو الضمَان الآمن للخلاصِ من الفتَن والمصائب، ولا سبيلَ للنجاة من هذه الفتن إلا بالاعتصَام بشريعة الإسلام وتطبيِق الشريعةَ في كلّ شؤون الحياة.
فالالتفاف حولهم عامل معين على عدم الزيغ والانحراف في وقت الفتن، وكيف لا وهم أنصار شرع الله والذين يبينون للناس الحق من الباطل والهدى من الضلال ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر"
قال علي بن المديني رحمه الله:" أعز الله الدين بالصديق يوم الردة وبأحمد يوم المحنة ".
3- لــزوم الجمــاعة
قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) سورة آل عمران، الآية: 103
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة)) أخرجَ مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الله يرضَى لكم ثلاثاً، ويكرَه لكم ثلاثاً. فيرضَى لكم أن تعبدُوه ولا تشرِكوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تفرَّقوا. ويكرَه لكم قيلَ وقال، وإضاعةَ المال، وكثرةَ السؤال)
فالمخرج عند حدوث الفتن والحوادث لزوم جماعة المسلمين ، والجماعة ليست بالكثرة ولكن من كان على منهج أهل السنة والجماعة فهو الجماعة
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ: "ومصلحةُ دينهم ودنياهم في اجتماعهم واعتصامِهم بحبلِ الله جميعاً"
4- التسلح بالعلم الشرعي
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " يتقارب الزمان ويقبض العلم وتظهر الفتن ويلقى الشح ويكثر الهرج، قالوا:وما الهرج يا رسول الله ؟ قال: القتل "
إذ أن العلم نور يضيء الطريق، يتميز به الحق من الباطل، و الهدىمن الضلال، و الحلال من الحرام، ، والتوحيدمن الشرك، و السنة من البدعة،ثم العمل بهذا العلم، والمبادرة إلى الخيرات قبل فوات الأوان،إذ أن العمل الصالح هو ثمرة العلم النافع
5- التأني والرفق والحلم وعدم العجلة
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إنه ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه"
إذ بالحلم والتأنّي تُرى الأمورُ على حقيقَتها، وتوزَن بميزانِها الصّحيح
ففي زمن الفتن ليس كل مقال يبدو لك حسناً تظهره ولا كل فعل يبدو لك حسناً تفعله لأن القول أو الفعل زمن الفتنة يترتب عليه أمور، يفهم بعضهم أشياء لا تبلغها عقولهم ويبنون عليها اعتقادات أو أعمالاً أو أقوالاً لا تكون عاقبتها حميدة بل الواجبُ على المسلمين جميعاً مهمَا اختلفَت مسؤوليّاتُهم وتنوَّعت ثقافتُهم التعمّقُ في فهمِ الأمور والتّدقيقُ في وقائعِها، وأن لا يتسرّعوا في حكمٍ أو علاج أو تعَامل لواقعٍ إلا بعدَ التبَصّر الدقيق والتمحِيص البالغ للحقائق فالحكمُ على الشيءِ فرعٌ عن تصوّره
8- الصـــبر
يقول الله تعالى: ( ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )
قال شيخ الإسلام: "ولا تقَع فتنةٌ إلا مِن تَرك ما أمَر الله، فإنّه سبحَانه أمر بالحَقّ، وأمر بالصّبر، فالفتنَة إمّا من ترك الحقّ، وإمّا مِن ترك الصبر"
9- الحـذر من الإشــاعــات
لقوله تعالى: ( يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )
10- البعد عن مواطن الفتن
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تكون فتنة النائم فيها خير من اليقظان واليقظان خير من القائم والقائم فيها خير من الساعي فمن وجد ملجأ أومعاذا فليستعذ به )
قال النووي رحمه الله تعالى" معناه: بيان عظيم خطرها والحث على تجنبها والهرب منها ومن التشبث في شيء منها وأن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها".
يقول ابن باز-رحمه الله (والمقصود أن هذا عند خفاء الأمور وعلى المؤمن أن يجتنبها أما إذا ظهر له الظالم من المظلوم والمبطل من المحق فالواجب أن يكون مع المحق ومع المظلوم ضد الظالم وضد المبطل كما قال صلى الله عليه وسلم ((انصر أخاك ظالما أو مظلوما)) قيل يا رسول الله كيف أنصره ظالما ؟ قال ((تحجزه عن الظلم فذلك نصره))أي منعه من الظلم هو النصر.)
11- لزوم الإنصـاف والعـدل في الأمر كله
يقول الله تعالى: ( وإذا قلتم فاعدلواْ ) ، ويقول تعالى ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )
12- الحذر من تسلل الأعداء بين الصفوف
يقول الله تعالى ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد )
والواجب على كل مسلم قادر أن يهتك أستار المنافقين ويكشف أسرارهم ويفضح أساليبهم حتى لا تكون فتنة في الأرض وفساد كبير،وأسوتنا في عملنا هذا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونهج سلف هذه الأمة في معرفة المنافقين وكيفية التعامل معهم.
13- الدعاء والتعوذ بالله من الفتن
قال الله -تعالى-: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ)(لأنفال: من الآية9) قال الله -تعالى- ( فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ) (القمر:10) قال الله -تعالى- (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ) (الأنبياء:87).
قال صلى الله عليه وسلم : " تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن " رواه مسلم و مِن الأدعية التي أمَر بها النبيّ صلى الله عليه وسلم في كلّ صلاةٍ بعدَ التشهّدِ التعوّذُ بالله من فتنة المحيا والممات
فعلى المسلمين عندَ الفتنِ الرجوعُ إلى اللهِ جلَّ وعلا بحقٍ وصِدق، والالتجاءُ إليه سبحانه بالدعاء الصادق أن يجنّبَ المسلمين أفراداً ومجتمعاتٍ مِن شرور الفتن وأخطارِها.
14- استمرار العمل والبذل والعطاء حال الفتنة
وعدم تعطيل حركة سير الحياة ، وألا تستنزف الفتنة الطاقات ، وتعوق النشاطات
فها هو أنس بن النضر رضيالله عنه يقول يوم أحد لمن راءهم قد قعدوا عن القتال في أرض المعركة، حين أُشيع أن المصطفى عليه الصلاة والسلام قد قُتل؛ فقال لهم :]ألا تقوموا فتقاتلوا؛ فتموتون على ما مات عليه ] . فلم تفتر همته و عزيمته بل ازداد همة ونشاطاً .
15- الحذر من الهزيمة النفسية والمعنوية
ومن محاولة البعض للتنازل والمداهنة باسم المصلحة أو الضرورة أو الحالة الراهنة ، وأن ندرك أن النصر الحقيقي هو في الثبات على الدين خاصة في أوقات الفتن والمحن.
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن اللهم اجعل بلادنا آمنة مطمئنة و سائر بلاد المسلمين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.