مدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
فأشكر لك اهتمامك بالسؤال عن الأمور التي تعترضك في حياتك، ومن ذلك موضوع المجاملة التي يخلط فيها الناس بشكل كبير بينها وبين الصفات الأخرى مثل الكذب والنفاق ..
واعلم أن النفاق نوعان :
النفاق الأكبر: وصاحبه يظهر الإيمان ويسرُّ بالكفر. وهذا هو المنافق الذي عناه ربنا سبحانه بقوله : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } النساء145 .
والنفاق الأصغر: وهو النفاق العملي المذكور في الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان".
لا شك في تحريم النفاق بنوعيه، وذلك معلوم من الدين بالضرورة، وقد نصَّت الكثير من الآيات والأحاديث الصحيحة على تحريمه لما يحتوي عليه من سوء في الخلق وفساد في الطبع، ولما له من نتائج وخيمة على الفرد والمجتمع.
وإذا أُطلق لفظ النفاق فإنه يستوحي معاني الشر كلها، ولم يكن النفاق يوماً محموداً ولو من وجه ما، ويعرِّفُه علماء السلوك بأنه إظهار الخير للتوصل إلى الشر المضمر.
فالمنافق لا يبتغي الخير أبداً، وإنما يسعى للإضرار بالناس وخيانتهم وجلب الشر لهم، وهكذا كل من يصاحب الناس فيظهرُ لهم الخير والمودة، وفي حقيقة أمره إنما يسعى في أذاهم، ويتمنى النيل منهم، ويطلبُ الشرَّ لهم.
وأما المجاملة فهي معاملة الناس بما يرضيهم ويحمد عندهم في العرف، قال في لسان العرب: والمجاملة : المعاملة بالجميل. وقال الفراء: المجامل الذي يقدر على جوابك فيتركه إبقاء على مودتك, والمجامل الذي لا يقدر على جوابك فيتركه ويحقد عليك إلى وقت ما.
والمُدَارِي ( وهو المُجَامِلُ أيضا ) لا يُضمِرُ الشر لأحد، ولا يسعى في أذية أحد في ظاهر ولا في باطن، ولكنه قد يظهر المحبة والمودة والبِشر وحسن المعاملة ليتألف قلب صاحب الخلق السيء، أو ليدفع أذاه عنه وعن غيره من الناس، ولكن دون أن يوافقه على باطله، أو يعاونَه عليه بالقول أو بالفعل .
والمجاملة فيما لا ضرر فيه على الدين أو النفس أو الصحة تعتبر نوعاً من المداراة وهي مرغّب فيها ودليل حسن خلق الإنسان، خاصة من تولى للناس ولاية مثل المديرين والمسؤولين وغيرهم، وكل عمل يتعلق بالجمهور فلا بد لصاحبه من أخلاقيات معينة تسمى في العصر الحديث بأخلاق المهنة، ومنها هذه المجاملة التي لا تحوي مفسدة في الدين أو الأخلاق.
قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله - :
قال ابن بطال رحمه الله: " المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة . "
قال أحمد بن حنبل: والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق، وأمر بمعروف بلا غلظة، إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه .
واعلم أخي: أن المجاملة لا حرج فيها إلا إذا ترتبت عليها معصية كإقرار على معصية أو مشاركة فيها فتحرم حينئذ.
أما المجاملة على حساب الدين مرفوضة تماماً، ومنهي عنها شرعاً، ويدل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: " من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ". رواه الترمذي.
والواجب على الإنسان المسلم أن يتخلص من رذائل الأخلاق مثل الكذب والنفاق والمجاملة على حساب الدين والعقيدة، وذلك بمعرفة الحكم الشرعي أولاً، ثم تمرين نفسه على اجتناب ذلك، واكتساب الأخلاق الكريمة الفاضلة، واحتساب الأجر من الله.