العبــــــادة هي مهمة الإنسان في هذا الوجود وأكبر أثم على الإنسان أن يعيش غافلا يأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام لا يفكر في مصيره ولا يتقرب من ربه ولا يدري شيئا عن حقيقة نفسه وطبيعة دوره في هذه الحياة حتى يوافيه الموت بغتة فيواجه مصيره المجهول دون استعداد له ويجني ثمرة الغفلة والجهل والانحراف في عمره الطويل أو القصير وحينئذ يندم حين لا ينفع الندم ويرجو الخلاص ولات حين مناص .
أما معنــــى العبــــــادة : فهو غاية الخضوع لله عز وجل مع غاية الحب. بهذا التعريف ندرك أن العبادة المشروعة لا بد لها من أمرين:
الأول: هو الالتزام بما شرعه الله ودعا إليه رسله أمرا ونهيا وتحليلا وتحريما وهذا هو الذي يمثل عنصر الطاعة والخضوع لله.
والثانــــــي : أن يصدر هذا الالتزام من قلب يحب الله تعالى فليس في الوجود من هو أجدر من الله تعالى بأن يحب فهو صاحب الفضل والإحسان الذي خلق الإنسان ولم يكن شيئا مذكورا وخلق له ما في الأرض جميعا وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة .... فمن عرف الله أحبه وبقدر درجته في المعرفة تكون درجته في المحبة.
شــمــــول العبــــادة للديـــن كلــه : فالعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ضد المنافقين والكفار والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة كذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك من العبادة.
العبـــادة تســــع الحيــاة كلهـــا: وتنظم أمورها قاطبة من أدب الأكل والشرب وقضاء الحاجة وسياسة الحكم وسياسة المال وشؤون المعاملات والعقوبات وأصول العلاقات الدولية في السلم والحرب.وبهذا البيان يتضح لنا حقيقة هامة يجهلها الكثيرون من المسلمين فبعض الناس لا يفهم من كلمة العبادة إذا ذكرت إلا الصلاة والصيام والصدقة والحج والعمرة ونحو ذلك من الأدعية والأذكار ولا يحسب أن لها علاقة بالأخلاق والآداب أو النظم والقوانين أو العادات والتقاليد.
العبــادة انقيــاد لمنهج الله وشرعــه: إن مقتضى عبادة الإنسان لله وحده أن يخضع أموره كلها لما يحبه تعالى ويرضاه من الاعتقادات والأقوال والأعمال وأن يكيف حياته وسلوكه وفقا لهداية الله وشرعه فإذا أمره الله تعالى أو نهاه كان موقفه: (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) ففرق ما بين المؤمن و غيره: أن المؤمن خرج من العبودية لنفسه وللمخلوقين إلى العبودية لربه خرج من طاعة هواه إلى طاعة الله ليس المؤمن سائبا يفعل ما تهوى نفسه أو يهوى له غيره من الخلق إنما هو ملتزم بعهد يجب أن يفي به وميثاق يجب أن يحترمه ومنهج يجب أن يتبعه .
الأعمال الإجتماعيــة النافعـــة عبـــادة : لقد فسح الإسلام مجال العبادة ووسع دائرتها بحيث شملت أعمالا كثيرة لم يكن يخطر ببال الناس أن يجعلها الدين عبادة وقربة إلى الله إن كل عمل اجتماعي نافع يعده الإسلام عبادة من أفضل العبادات ما دام قصد فاعله الخير ووجه الله لا اكتساب السمعة والثناء من الناس . كل عمل يمسح دمعة محزون أو يسد رمق محروم أو يشد به أزر مظلوم أو يأخذ بيد فقير أو يدفع شرا عن مخلوق أو أذى عن الطريق ... . حتى الحاجات الضرورية من أكل وشرب وزواج عبادة وقربة إلى الله إذا صحت فيه النية . فالنية هي المادة السحرية العجيبة التي تضاف إلى المباحات والعادات فتصنع منها طاعات وقربات.
عمــل الإنســـان في معاشـــه عبــــادة بشروط: يستطيع الإنسان أن يجعل من عمله المعاشي صلاة وجهادا في سبيل الله إذا التزم فيه بالشروط الآتية:
1-أن يكون العمل مشروعا في نظر الإسلام أما الأعمال التي ينكرها الإسلام كالعمل في الربا والمراقص فلا تكون ولن تكون عبادة أبدا إن الله طيب لا يقبل إلا طيب. 2-أن تصحبه النية الصالحة: نية المسلم إعفاف نفسه وإغناء أسرته ونفع أمته وعمارة الأرض كما أمر الله . 3-أن يؤدي العمل بإتقان وإحسان قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه). 4-أن يلتزم فيه حدود الله فلا يظلم ولا يخون ولا يغش ولا يجور على حق غيره. 5-ألا يشغله عمله الدنيوي عن واجباته الدينية قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون).
إذا راعى المسلم هذه الأمور كان في سعيه عابدا وإن لم يكن في محراب متبتلا إلى الله . فصحح وجهتك أيها المسلم تكن كل حياتك عبادة وتصبح مشدودا لكل ما تؤديه في هذه الحياة الدنيا من أعمال لأنك تقوم بها بنية العابد الخاشع مما يدفعك إلى الإستكثار من كل عمل صالح. قال تعالى : (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)
اللهـم وفقنـا لما تحبـــــه وترضاه ... منقــــــــوول