موضوع: الإيمان بالله وتأثيره على سلوك المؤمن 10/10/2013, 5:33 pm
السلام عليكم
.
.
.
[rtl]لإيمان بحياة المسلم أهمية كبيرة إذ يؤثر إيجاباً على سلوك المسلم تأثيراً مباشراً واضحاً، فهو يربط ربطاّ أساسياً بين علاقة الفرد بالدنيا والآخرة، مما يجعل الفرد المسلم متصلاً بالآخرة اتصالاً حتمياً لا ينفك عنه بمواقف من مواقفه الثابتة وإن طرأ على سلوكياته بعض الهفوات والنزعات البشرية كونه بشراً تشده غرائزه وتحوم حوله شهواته، إلا أن ذلك لا يؤثر في طبيعة منهجيته وثوابته فسرعان ما يرجع إلى حقيقة الإيمان لينسجم مع ما يتوافق وصلته باليوم الآخر قال سبحانه حاكياً عن أهل طاعته: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) .[/rtl]
[rtl] وعليه فلا نجد في حياة المؤمن ما يخرجه عن علاقته بدينه بشكل دائم متواصل إذ من المستحيل أن يجتمع في المسلم منهجان ، منهج الحق، ومنهج الباطل، إلا إن كان في حقيقة إيمانه خلل واضح، فثم فرق بين وجود خلل طارئ في حياة المسلم وبين أن يكون المسلم منتهجاً ما يخالف أصول عقيدته وثوابته، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة منها قوله تعالى : (فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليماً ). وكذلك قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ). ففي هاتين الآيتين وغيرهما من الآيات ما يدل وبشكل قاطع على نفي الإيمان عن كل من لا يجعل حياته وفقاً للسنن الشرعية التي أوجبها الله سبحانه على عباده المؤمنين، وإن كان حديثنا لا يتعلق بقضية الإيمان والكفر، إنما بسلوك منهجين متعارضين، الأول منهج الحق سبحانه وتعالى وهو النور المبين والصراط القويم، الثاني منهج الشيطان الرجيم عدو أهل الطاعة والاستقامة، وولي أهل الكفر والغي والفجور، وعليه فإن طبيعة حياة المسلمين في هذا الزمان من التناقض بمكان إذ دخل على سلوكياتهم وبشكل واضح كبير ما يتعارض مع روح دينهم ومبادئهم وأفكارهم، ففي الوقت الذي يعلنون فيه إسلامهم ويفتخرون بدينهم، نجدهم يتحاكمون في معظم أحوالهم إلى ما فيه شقاؤهم وضلالهم، ليس فيما يتعلق بنظام الحكم فحسب، بل دخل ذلك إلى عاداتهم وتقاليدهم وأفكارهم، فنرى المجتمع الذي ينبغي أن يكون مجتمعاً مسلماً بعيداً عن حقيقة إسلاميته بل لا نكاد نعرف مما يجب أن يكون عليه من الحق إلا تلك القضايا الحقيقية التي تقوم في أفراد قلة باتوا في مجتمعهم غرباء كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء). والمحقق في أسباب تناقض المسلمين يدرك تماماً أن الخلل في حقيقة الإيمان، أجل إن عدم رسوخ الإيمان في قلوب معظم أفراد المسلمين هو ما أوصل مجتمعهم إلى ما وصلوا إليه من تناقضات وتفاهات وإشكالات، والمتأمل في قوله تعالى :( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وان تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً ، إن الله غفور رحيم ). فهذه الآية وإن كان بعض المفسرين حملوا معناها على من أظهر الإسلام وأبطن الكفر،إلا أنها عامة فيمن دخل في الإسلام ثم انتهج غيره مما يعارضه ويبطله، فليس الإسلام مجرد كلمات يرددها اللسان دون تحقق لمعانيها في سلوكياته وحياته، فالإيمان الحق يؤثر كما قلنا بشكل مباشر في حياة الأفراد حيث يخرج من سلوكياتهم ما يتنافى مع أصله وطبيعته قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) . وقوله تعالى : (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون ).وأحاديث الباب كثيرة نورد منها على سبيل المثال لا الحصر قوله صلى الله عليه وسلم : (فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ) . وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ) .وفي المقابل دلت الأحاديث على نفي الإيمان عن ما تقم فيه صفات معارضة لحقيقة الإيمان كما في قوله صلى الله عليه وسلم : (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه ). وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:(ليس المؤمن بالطعان ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذيء ). فهذه النصوص الثابتة التي دلت إما على إثبات الإيمان أو على نفيه، تتفق نصاً وروحاً مع قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وان تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً ، إن الله غفور رحيم) . ومرجع ذلك إلى التفريق بين الإيمان والإسلام كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة، فليس كل مسلم مؤمناً، فهنالك كثير من المسلمين لم يخالط الإيمان الحق قلوبهم لذا يسهل عليهم الوقوع فيما يخالف أصول الإسلام وثوابته، على خلاف من دخل الإيمان الحق قلبه فهو يعمل على ما يتوافق مع حقيقة الإيمان، وإن دخل ما يخالف ذلك على حياته فحتما سيكون عارضاً مؤقتاً سرعان ما يزول ويتلاشى ويرجع إلى طبيعة إيمانه، وقد أصبح واضحاً من حديثنا أن نفي الإيمان عن مسلم لا يعني ذلك خروجه من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر، فهذا موضوع آخر نشر إليه عن قريب أو بعيد، مما يغلق ذلك الدائرة على أولئك المتهافتين المنتفعين الذين يرموننا يسموننا بالتكفيرين، فكوننا لا نثبت الإيمان لمعين لا يعني ذلك بالضرورة أننا ننسبه إلى الكفر، بل نخرجه من دائرة الإيمان التي هي أشمل من دائرة الإسلام لنبقيه في دائرة الإسلام ما لم يظهر الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان، وعليه فإن السبب الرئيس في دخول الانحرافات على حياة المسلمين إنما مرجعه إلى عدم ترسخ الإيمان الواجب في قلوبهم وإلا لكانت حياتهم وفقاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحملهم إيمانهم على تقديم الآخرة على الدنيا إذ من الاستحالة بمكان أن يقدم من آمن بالله واليوم الآخر، وبالجنة والنار، ونعيم الجنة، وبجحيم الآخرة، الدنيا على الآخرة، بل من شأن هذا أن يجعل الدنيا وراء ظهره ولا يأخذ منها إلا ما يقربه إلى الله سبحانه كما في قوله تعالى حاكياً عن عباده المؤمنين:( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ). فهذه آية عامة في وصف أهل الإيمان، فالمؤمن الحق هو من يقبل على الله سبحانه وإن كان في إقباله على الله ما يخالف هواه، ويدبر عن الدنيا بتعارضها عن الحق وإن كان في ذلك تحقيق لرغباته، فهو يتعامل مع أموره من منظور شرعي إقبالاً وإحجاماً، لا ما يتوافق مع غرائزه وشهواته إلا أن يكون ذلك متوافقاً مع شرع الله سبحانه غير مخالف ولا معارض له، وقد دونت السيرة بعض مواقف أهل الإيمان وإن كانت مضطردة بعموم في الجماعة الأم في مواقف بعض الأفراد كما في رواية الإمام النسائي رحمه الله تعالى عن شداد بن الهاد: أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيًا، قسم وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: ما هذا؟ قال: «قسمته لك»، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا ـ وأشار إلى حلقه ـ بسهم فأموت فأدخل الجنة، فقال: «إن تصدق الله يصدقك». وهذه القصة مثالاً فحسب وإلا فمواقف أفراد الصحابة وجماعتهم معروفة للقاصي والداني، والسؤال الذي لا ينفك عن ذهن كل مسلم في هذا الزمان، لماذا وقف الصحابة تلك المواقف البطولية التي يعجز عنها عامة المسلمين اليوم؟ والجواب عن هذا السؤال معروف لأهل البصائر والعلم ، وهو أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم إنما حملهم على تلك المواقف المشرفة إيمانهم الحق بما جاءهم به رسولهم صلى الله عليه وسلم، ما حملهم جعل الدنيا وراء ظهورهم، وأما نحن فإن الدنيا قد غمرت قلوبنا وشغلت عقولنا حتى أصبحنا لا نعيش إلا للدنيا ولا نرى إلا الدنيا وهذا ما جعلنا نحرص على جمع متاع الدنيا دون مبالاة بمصادره وحقيقته كما في قوله تعالى:( وتحبون المال حباً جمّا*وتأكلون التراث أكلاً لمّا). ولازم ذلك أن تتخذ الأمة من كتاب ربها سبحانه جل وعلا، وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم حقائق ثابتة، ومفاهيم قاطعة وتحويلها إلى سلوكيات ثابتة في حياتها لا مجرد قصص وأحاديث ذهنية لا مكانة لها في الواقع العملي، بل يقوم واقعهم العام على ما يخالفه ويعارضه،نسأله سبحانه أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه سميع مجيب.[/rtl]