السلاااااااام عليكم..:jhu877t7: :jhu877t7:
*
*
*
[rtl]العمل بمقتضى الكتاب دليل على الإيمان به[/rtl]
[rtl]ومن خلال ذلك يتبين أن أصل الإيمان هو إيمان القلب ثم تكون الجوارح تبعاً للقلب وفي الأثر: القلب ملك والأعضاء جنود، فإذا استقام الملك استقامت الجنود، وهذا واضح من كون من يؤمن بالكتاب فهو يعمل بمقتضاه كما في قوله تعالى: ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون ).[/rtl]
[rtl]عن ابن مسعود قال في تفسير هذه الآية الكريمة: والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله ولا يحرف الكلم عن مواضعه ولا يتأول منه شيئاً على غير تأويله. وقد ثبت ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية. قال: " يحلون حلاله ويحرمون حرامه ولا يحرفونه عن مواضعه، وهذه طبيعة الإيمان فهو يحمل أصحابه على التمازج بين الاعتقاد والعمل فلا يكون هنالك أدنى تناقض، وإنما يوجد التناقض بين الاعتقاد والعمل في حالتين الأولى عدم الفهم الصحيح، الثانية عدم التصور الصحيح، فإن عدم الفهم الصحيح ينتج خلافاً لمراد النص وهذا ما يسمى بالجهل، وهو صفة منتشرة في معظم المسلمين ومرجعه إما إلى عدم الإقبال على طلب العلم، أو أخذ العلم عن غير أهله كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا . (رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح، فترك طلب العلم أو الأخذ عن غير أهل الاختصاص يؤدي إلى عدم موافقة المراد من نصوص الكتاب والسنة، بل قد يؤدي إلى التقرب إلى الله سبحانه بما نهى عنه وهذا باب واسع وهو مصدر أساسي في ضلال كثير من المسلمين.[/rtl]
[rtl]ترك العمل دليل على عدم الإيمان:[/rtl]
[rtl]وعليه نجد الإيمان منفياً عن كل من جاء بأمر مخالف لحقيقة الميزان السلوكي للنظرة الإسلامية من ذلك قول الله تعالى: ( ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون *ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون ) فقد جعل الله سبحانه موالاة الكافرين دليلاً على عدم الإيمان.[/rtl]
[rtl] ولكن ثمة مسألة لا بد من فهمها، وهي أن الإيمان الشرعي هو الإيمان الكلي فإنه لا يلزم من الإيمان بالله أو اليوم الآخر أن يكون صحيحاً بل قد يكون المرء كافراً حتى مع إيمانه بالله كما في قوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ). وظاهر الآية أن المراد بالذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، هم اليهود والنصارى لأنهم هم أهل الكتاب، وهذا مناقض لحقيقتهم فهم في الواقع يؤمنون بالله واليوم الآخر وإن كان تصورهم لليوم الآخر مغايرا لتصور المسلمين إلا أنهم في معتقدهم يؤمنون باليوم الآخر، ومع ذلك ينفي الله سبحانه عنهم الإيمان به وباليوم الآخر مع وصفه لهم بأنهم أهل كتاب ، والمراد من هذا أن الإيمان لا يعتبر شرعاً حتى يكون أهله على الصورة الصحيحة التي أرداها الله سبحانه، فإن عدم الإيمان بركن من أركان الإيمان يعتبر كفرا بالإيمان كله، ولا يعتبر أهله مؤمنين بأي ركن من أركانه وإن تحصل لهم الإيمان، وقد ربط الله سبحانه في هذه الآية الكريمة بين الإيمان بالله واليوم الآخر، وبين التزام التحليل والتحريم فعلاً فليس المقصود هنا أنهم يؤمنون بما أحل الله وبما حرم، بل العمل بمقتضى التحليل والتحريم، وهذا ربط حقيقي بين الإيمان والعمل، وهو أصل معتقد أهل السنة والجماعة ، فالعمل هو ما يدل على صحة الإيمان، ولا سبيل للإيمان إلا بالعمل، وهذا ما دلت عليه الآية الكريمة من كون المنافقين الموالين للكافرين لو كان زعمهم للإيمان حقيقة لما أدخلهم في موالاة الكافرين، بل دخولهم في موالاة الكافرين دليل على عدم إيمانهم، ومن ذلك أيضاً قول الله تعالى في المنافقين: ( أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا).[/rtl]
[rtl]وهذه من علامات الذين لا يؤمنون حقيقة مع زعمهم للإيمان، وصفتهم العامة، أنهم في حال اليسر والسعة أشحة على المؤمنين، فهم لا ينفقون إلا وهم كارهون، قد يكون أحدهم على غير المؤمنين مسرفاً، ولكنه في أوجه الخير شحيح، لا يكاد ينفق درهماً في سبيل الله، لا في المصارف العامة ولا في المصارف الخاصة، اللهم إلا إن كانت له مصلحة ذاتية في ذلك، وكذلك فهو في حال الأمن حاد اللسان يتكلم بما ليس فيه من المناقب الحميدة كالشجاعة والإقدام وما إلى ذلك، وأما في الضيق والخطر والمحن فقد وصفه الله بقوله: ( تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت) وبعد هذا يخبر الله سبحانه عنهم بأنهم لم يؤمنوا، وبأن أعمالهم محبطة، أي ما قاموا به من أعمال صالحة ذلك لأنهم لم يأتوا بها من منطلق الإيمان بل لحاجة في نفوسهم، وإلا فالإيمان يجعلهم كرماء أسخياء شجعان لا يتكلمون إلا بما يعملون وفق المصالح الشرعية.[/rtl]
[rtl]العلم علمان[/rtl]
[rtl]وإن مما ينبغي أن يعرفه الباحثون عن الحق أن العلم علمان، علم الرأس، وعلم القلب، وهذا ما يجعل الحائر يدرك تلكم التناقضات في سلوكيات من يعرفون بتحصيل العلم، وقد استوقفني الأمر كثيراً، إذ تجد الرجل حافظاً لكتاب الله، داعياً إلى الله، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، ومع ذلك تجده موالياً لحاكم ظالم، أو غاشاً مخادعاً، أو كاذباً متلوناً، وهذا يتنافى مع قوله تعالى: ( إنما يخشى الله من عباده العلماء). فكيف لا تعرف في سلوكياته خشية الله مع رغم ما هو عليه من العلوم الشرعية، أو مع ذلك تراه صالحاً ورعاً لكنه مبتدع يخالف في علمه ظاهر الكتاب والسنة، ومثله كمثل المصلي الذي تراه يأكل الربا، ويكذب، ويغش ويخادع وما إلى ذلك مع أن الله سبحانه يقول: ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر). والمتأمل في ذلك يجد أن القضية في حقيقة الأمر متعلقة بعمل الظاهر المنفصل عن عمل الباطن، فإن ذلك العالم ما أراد بعلمه الله، أو ما أخلص العمل لله، والأول مثل المرائي، والثاني مثل المبتدع، فالمرائي أراد بعلمه مدح وثناء الناس، أو تحقيق مصالح ذاتية من طلبه للعلم وهذا ما جاء في حقه الوعيد كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها, قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت, قال: كذبت, ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل, ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار, ورجل تعلم العلم, وعلمه, وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها, قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن, قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم, وقرأت القرآن ليقال هو قارئ, فقد قيل, ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار, ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها, قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك, قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار ) . رواه مسلم وغيره [/rtl]
[rtl]وأما ما يتعلق بالذي تعلم ولكنه لم يصب مراد الشرع بعلمه فينطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لا ينزع العلم انتزاعا من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا ) .[/rtl]
[rtl]وكذلك المصلي الذي لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، إنما صلى صلاة جوارح غير متصلة بالقلب وهذا من توعده الله سبحانه بقوله: ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون). ويلتحق بركب من يستحقون الوعيد، أولئك الذين تعلموا العلم وما أرادوا به إلا تحقيق المصالح الذاتية، لم يبتدعوا، ولم يتركوا العمل، لكنهم ما أقاموا حقوق الله في علمهم، لا نشراً للدين ، ولا نصحاً للمسلمين، بل كتموا العلم وأهملوه، ولم يبلغوه للناس كما أمرهم بذلك الله سبحانه، لذا جاء حكمهم في القرآن مغلظاً كما في قوله تعالى : (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) .[/rtl]
[rtl]وفي الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ). ولا يقتصر الأمر على أولئك، بل في زمرتهم من أعرض عن الإتباع مع علمه بوجوبه ولزوم التزامه، والباب في هذا واسع وليس المقام مقام تفصيل وتفريع ، لكنني أردت بما مثلت له بيان أن العلم لا ينفع أصحابه إلا إن كان منبثقاً عن إيمان صحيح ، فمن علم علماً أخلص به لله، ولم يرد إلا وجه الله، والتزمه، وما تركه وراءه ظهيراً، فهذا ما يدخل في قول الله سبحانه : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء) . وقد مثل القرآن لذلك من خلال ما قص علينا من قصص بني إسرائيل، فقد فصل في قصة موسى عليه السلام ما لم يفصل في قصص غيره، إذ تطرقت آيات الكتاب الحكيم إلى قصة موسى عليه السلام، منذ ولادته حتى انتهاء أمره بقصة التيه ، والتي تعبر عن وفاته صلى الله عليه وسلم ، إذ كانت وفاته كما جاء في الأثر خلال التيه، أي عندما ضرب على بني إسرائيل أن يتيهوا في الأرض أربعين سنة، وقد تولى قيادة بني إسرائيل من بعده نبي الله يوشع بن نون عليه السلام حتى فتح الله عليه دخول بيت المقدس، ومن خلال الأحداث التي عايشها موسى عليه السلام حدثين، الأول الحدث المتعلق بالسحرة، الثاني ، الحدث المتعلق بقومه، فقد كان موقف السحرة مغايراً لمواقف قومه، علماً بأن من أبرز الأسباب التي أرسل بها موسى إلى فرعون، إخراج بني إسرائيل من أرض مصر، إلى الأرض المقدسة كما بينت الآيات التالية: (فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين * أن أرسل معنا بني إسرائيل ) .[/rtl]
[rtl] وقال أيضاً : (وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين* حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل ) .[/rtl]
[rtl]وحقيقة الطلب قائم على أن بني إسرائيل على خلاف ملة فرعون وقومه، فهم مؤمنون، من سلالة الأنبياء، ومضطهدون، فقد قام فرعون وقومه باستعبادهم وحملهم على خدمتهم بذل وامتهان كما في قوله تعالى على لسان قوم فرعون بعد أن دعاهم موسى عليه السلام للإيمان: (ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين * فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون ) . ولهذا لما أخذ فرعون يستعرض فضائله على موسى رد عليه موسى عليه السلام بقوله: ( وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل ).[/rtl]
[rtl]ولهذا عندما اشتد الأمر على فرعون وقومه إذ ابتلاهم الله سبحانه بأنواع من العذاب كما في قوله: ( فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ) .[/rtl]
[rtl]كان من وعدهم لموسى عليه السلام إن هو دعا الله سبحانه بأن يذهب عنهم ما يعكر عليهم حياتهم ، ويفسد عليهم عيشهم، أن يرسلوا معه بني إسرائيل كما قال تعالى : (ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ) .[/rtl]
[rtl]وهذا أمر في غاية الوضوح، وسبب استعباد فرعون لبني إسرائيل، أنهم ليسوا من أهل مصر بل هم دخلاء عليها، إنما كان دخولهم لمصر زمن يوسف عليه السلام، وقد كرم الله يوسف بأن جعله على خزائن مصر، وأيده بمقام خاص عند ملك مصر، وقد جاء يوسف عليه السلام بأبويه وإخوته ، ويوسف وإخوته هم الأسباط ، ولكن بعد موت يوسف عليه السلام، عاد أهل مصر إلى ما كانوا عليه من الكفر والإلحاد، مما حملهم على الانتقام من بني إسرائيل وذلك من خلال إذلالهم وجعلهم خدماً لهم بعد أن كانوا في عزة ومنعة، ولم يكن بنو إسرائيل على ملة فرعون، بل كانوا على دين آبائهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وقد عاش بنو إسرائيل برهة من الزمن تحت ظل الاستعباد حتى أذن الله سبحانه بإخراجهم مما هم فيه من خلال مبعث موسى عليه السلام ، إلا أن فرعون أبى واستكبر وكان من الكافرين، وقد انهال على موسى وأخيه بالاتهامات الباطلة، واستشار من حوله من الملحدين الضالين، فأشاروا عليه بأنه ساحر لا بد من كشف زيفه وكذبه على أيدي أهل الصنعة الساحرين، لذا أمر فرعون بجمع السحرة من كل مصر حتى قيل إنه استعان بسحرة بابل، وهذا يدل على أن السحرة لم يكونوا أصحاب وجهة واحدة، بل تعدد مشاربهم، فالذي جمعهم حرصهم على تحصيل الأموال والذكر كما في قوله تعالى : (وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين ) .فزادهم فرعون على الأجر المقام السامي إذ قال الله حاكياً عنه: (قال نعم وإنكم إذاً لمن المقربين ) .[/rtl]
[rtl]إذاً فالذي جاء بالسحرة حب الدنيا والحرص عليها، ولما كان يوم الجمع، يوم التحدي، كان الناس بما فيهم بنو إسرائيل ينتظرون نتائج التحدي، وحين ألقى السحرة سحرهم وقد جاؤوا بسحر عظيم، ألقى موسى بوحي من الله ما بيمينه فإذا هي تلقف ما يؤفكون، وفي هذه اللحظات الحرجة، ودون تردد أو تأخر، يخر السحرة ساجدين لله رب العالمين كما في قوله تعالى: (وألقي السحرة ساجدين * قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون ). لعلمهم أن ما جاء به موسى ليس من جنس ما جاؤوا به، بل ليس بمقدور إنسان أن يحول العصا إلى ثعبان حقيقي مهما أوتى من علم السحر، واستحالة أن يكون ما جاء به موسى سحراً ، لا يعني إلا دليلا واحداً أنه من رب العالمين، وهذا ما حملهم على الإيمان برب موسى وهارون مباشرة، إذاً لم يكن إيمان السحرة نابعاً عن تقليد، أو اتباع للآباء كما هو حال إيمان بني إسرائيل، وهذا ما جعلهم يثبتون على إيمانهم رغم ما واجهوه من تعذيب وقتل كما في قول تعالى عن فرعون بعد ما أعلن السحرة إيمانهم: (قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون * لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين ) .[/rtl]
[rtl]فما كان من السحرة إلا أن قالوا : (قالوا إنا إلى ربنا منقلبون * وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين ) .[/rtl]
[rtl]وفي موضع آخر قالوا : ( فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى ) . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كانوا في أول النهار سحرة وفي آخره شهداء.[/rtl]
[rtl] فقد تخلى من جمعهم حب الدنيا عن الدنيا وما فيها، واختاروا الشهادة على ما عند فرعون لعلمهم أن ما عند الله خير وأبقى، على خلاف ما وقع لبني إسرائيل ، فعندما رأى قوم فرعون من السحرة ما رأوا خافوا على نفوذهم من بني إسرائيل، فسارعوا إلى تحذير فرعون منهم، قال تعالى : (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون ). ولما كان بنو إسرائيل قد عاينوا قتل السحرة وعلموا أن الأمر فصل وليس بالهزل، خشي موسى عليه السلام من ارتدادهم نتيجة خوفهم ، فأخذ يواسيهم ويعلمهم بما أعد الله لهم إن هم صبروا على دينهم كما في قول الله تعالى: ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) . فقد كان واضحاً في كلام موسى لقومه، بأن الأرض كتبها الله لهم إن هم صبروا على دينهم مهما لاقوا من بطش وسفه من فرعون وقومه، وهذا ما حملهم على الصبر إذ كان جوابهم لموسى عليه السلام : (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ) . وقد تحقق لبني إسرائيل ما وعدهم به الله بعد زمن قليل، فأهلك عدوهم وأورثهم الأرض التي كتبها لهم قال تعالى: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ) . وقال تعالى في موضع آخر: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ). وهكذا انقلبت الأمور في مصر، إذ هلك فرعون وجنوده، وأصبح بنو إسرائيل هم الوارثين قال تعالى : (كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين ) . والملفت للنظر أن بني إسرائيل قد تحقق لهم أمران عظيمان، الأول ملك مصر الثاني ، ملك الشام ، فأما تملكهم لمصر فواضح من قوله تعالى : ( وأورثناها قوماً آخرين ) يعني بذلك مصر، وقوله تعالى: ( الأرض التي باركنا فيها ) . يعني الشام ، إلا أن فتح بلاد الشام قد تأخر إلى زمن يوشع بن نون على خلاف أرض مصر فقد كانت بعد هلاك فرعون مباشرة، ومن المعجزات التي فتح الله بها على موسى عليه السلام وعايشها بنو إسرائيل يقيناً بعد تحول العصا إلى ثعبان مبين، انشقاق البحر والسير عبره إلى الضفة الأخرى ونجاتهم وغرق فرعون وجنوده، قال تعالى : ( وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ) .وبهذا الحدث العظيم نجى الله سبحانه بني إسرائيل من فرعون وهم ينظرون إلى مصير فرعون وجنوده، وكانت معجزة انفلاق البحر أمراً عظيماً لا يستطيع احد عاينها أن يشك بقوة الله، أو بصدق موسى عليه السلام، فلا سحر ولا سحرة وإن اجتمعوا على قلب رجل واحد يستطيعون فعل ذلك، خاصة وقد عاين بنو إسرائيل مصير السحرة الذين آمنوا برب العالمين، فلك يكن أمام بني إسرائيل والحالة هذه إلا أن يزدادوا إيماناً مع إيمانهم، إلا أن الأمر كان على خلاف ذلك، فبعد أن نجى الله بني إسرائيل بمعجزة عظيمة ليس لأحد التكذيب بها كان من بني إسرائيل ما لم يخطر على بال عاقل لم يعاين تلك المعجزات، فكيف بمن عاينها؟ قال تعالى حاكياً عنهم: ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) .[/rtl]
[rtl]
فأي عقل يدرك ما وقع فيه بنو إسرائيل، أي قلب يؤمن بهذا، أبعد ما رأوا من آيات بينات، ومعجزات ظاهرات، يقعون في جهل عظيم، جهل العقيدة، الجهل المركب بالله سبحانه، فمن يتصور أن بني إسرائيل بعد أن أنجاهم الله من فرعون وملئه ، وأغرق عدوهم أمام أعينهم ، رأوا الآيات الدالة على عظمة الله وقدرته، يتداركون في الفكر والسلوك طامعين أن يعبدوا صنماً لا يضر ولا ينفع، صنماً أصماً وهم أبناء أنبياء يعرفون الحقائق، وهم من أرسل موسى لإنقاذهم من فرعون ، أجل إنه أمر يستعصي على أصحاب العقول البليدة، فكيف بمن عاينوا المعجزات، وخصهم الله من بين الخلق بنعمته إذ فضلهم على العالمين، لكنه الكبر والعناد، والتعالي على الحق، مع العلم بالحقائق، وهذا دأب بني إسرائيل مع الحق، فقد كذبوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم مع علمهم اليقين بصدقه وسلامه نيته، قال تعالى: (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين ) . والآية متعلقة ببني إسرائيل، فهم جاءهم البينات على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفوه بصفاته الثابتة عندهم في التوراة، بل وفوق ذلك أنهم يعرفونه أنه رسول الله إليهم وإلى الناس كافة، كما يعرفون أبناءهم قال تعالى : (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ) . والضمير في يعرفونه عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسبب المباشر في كفرهم ناتج عن الحسد إذ لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم منهم قال تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير ). وما حملهم على هذا التكذيب مع علمهم بالحقائق، جهلهم بالله إذ وهموا بأن كونهم من سلالة أنبياء، وأن الله خصهم من بين الناس بالتفضيل، أنهم لن يعذبهم الله، أو سيكون عذابهم أياماً محدودة كما في قوله تعالى: (ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ) .إذاً فليس غريباً على بني إسرائيل أن يقعوا في مثل هذا الخطأ الشنيع نتيجة انحراف معتقدهم، ولذا عظم الرسول صلى الله عليه وسلم أمر ذلك الرجل الذي حصل له خطأ في التصور العام كما في حديث أبي واقد الليثي، رضي الله عنه : ( أنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ ، قَالَ وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُم ،ْ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، قَالَ : فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ ، قَالَ : فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْتُمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه ،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى : اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ، إِنَّهَا لَسُنَنٌ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّة ). وهو حديث صحيح، والمتأمل في الحديث يجد أن قول الصحابي لا يتوافق مع قول بني إسرائيل، فبنو إسرائيل أردوا الخضوع بالعبادة لغير الله، على خلاف مراد ذلك الصحابي فقد أراد بذلك إظهار القوة والمنعة، ولكن لما كان في قوله تشبه بالكافرين، وهذا ما أوقع بني إسرائيل في هذه الشبهة، فخشي صلى الله عليه وسلم من تصبح سنة التشبه منتشرة في المسلمين، فغلظ القول أيما تغليظ ليكون ذلك رادعاً قوياً لأصحابه كي لا يدخلوا في التشبه بغيرهم تحت أي ظرف من الظروف. [/rtl]
يبع باذن من الله تعالى:^_^: