لا ترجُ من الناس شكرًا
كثيرٌ من الناسِ يُحبَط إذا لم يَلْقَ التقديرَ المُتوقَّع مِن الناسِ لعمَلِه،
وكأنَّ الهدفَ مِن العمَل الوصولُ إلى رِضا الناسِ الذي لن يُدرَك،
ومَن تتبَّع مَواطِنَ الرِّضا لدى الآخَرين، وجَدها أقلَّ مِن أنْ تُعدَّ،
فما يرُضي الناسَ اليومَ يُغضِبهم غدًا، وما يُفرحِهم الآن يُحزنهم لاحِقًا؛
ذلك لأنَّ أغلبَ الناس ليس لدَيهِم معاييرُ ثابتةٌ للحُكمِ على الأمور،
فأحكامُهم صادِرةٌ عن الحالةِ التي يمرُّون بها؛
مثال ذلك: الوالِدةُ الراضِيَة قد تَسمحُ لابنها باللعبِ بألعابه لفترةٍ أطول مِن المُعتاد،
تاركًا واجباتِه، بينما يتحولُ الأمرُ إلى كارثةٍ عِندما تكونُ تلك الوالدةُ غاضِبةً!
كذلك المديرُ الغاضبُ لا يسمحُ بأيِّ خللٍ في العمَل، بينما يَتجاوزُ في حالِ رِضاه عن كثيرٍ مِن العُيوب.
رِضا الناس أو عَدمُه يجب ألا يكونَ هو المقياسَ الذي نَحسبُ به مدى صِحَّة ونجاح أعمالنا؛
فالاحتِكامُ إلى المقاييسِ الثابتةِ والمتَّزنةِ كفيلٌ بمنْحِنا الثِّقةَ بما قُمنا به،
كمُوافقةِ العملِ للشُّروطِ المطلوبة، أو تماشِيه مع الخُططِ الموضوعة، فهذا أفضلُ مِن آراءِ الناسِ المتقلِّبة.
ولكنَّ المشكلةَ هي أنَّ تلكَ الخُطط أو الشروط ليستْ ناطِقةً بالثناءِ أو المديحِ لمُوافَقةِ الصَّنيعِ لها،
وقد جُبِل الإنسان على حُبِّ الثَّناء؛ لذا فإنه يلجأُ - خطأً - للآخَرينَ لِتَقييمِ عمَلِه الذي يتوقَّعُ أن ينالَ استِحْسانهم.
فإنْ كانَ مَن لجأ إليهِ في حالةٍ مزاجيَّةٍ جيِّدةٍ، نالَ ما تمنَّاهُ مِن ثنَاء،
وإن كانَ غير ذلك، فإنه لا يَنالُ إلا الإحْباط وخَيبة الأمَل.
لذا مِن الأفضلِ أنْ لا يُعرِّض المرءُ نفسَه للوقوعِ في مثلِ هذه الحالاتِ،
بالاستغناءِ عن التعلُّقِ بالشُّكر أو الثَّناء مِن الناس.
ومِن جانِب آخَر، فإنَّ كثيرًا مِن الناسِ لا يُجيد تقديمَ الشُّكرِ لمَن عَمِلَ عَمَلاً جيِّدًا،
وهذا ملحوظٌ لدى كثيرٍ مِن الرؤساءِ والمديرين أو المُعلِّمين، أو حتَّى الآباء أو الأزْواج،
فهم فقطْ يُجيدون النَّقدَ للتَّقصير، ولا يُقدِّمونَ الشُّكرَ للمُجِيدِ مع أنه حقٌّ له.
بعض الآباءِ يُعاقِب المُسيء مِن أبنائه ولا يُكافئُ المُحسِن!
بعض المديرين أو الرُّؤساء يُكافئُ المُحسنَ بعملٍ أكثرَ وجهدٍ أكبر، بينما يَترُك المُسيء؛ بحجَّةِ أنَّ عمَلهُ رَديء!
بعض المُعلِّمين يَملأ دفاتر المُلاحَظات بالملاحظات السلبيَّة على الطالب، ولا يَكتُب كلمةَ شُكرٍ واحِدة.
بعض الأزواج يَنتقِدُ الملحَ الزائدَ في الطعامِ، ولا يَشكرُ في الأيامِ التي كان فيها الطعامُ جيِّدًا.
وكذلك بعض الزَّوجات تتضجَّر لنِسْيانِ زوجِها أمرًا طلبتْه منه، ولا تَشكُر أوقاتًا كانَ لا يَتوانى في إحضارِ ما تتمنَّاه.
هذا كله موجودٌ وملحوظٌ ومُنتشِرٌ جدًّا، فالواجبُ ألا تتعلَّقَ الأنْفُسُ كثيرًا بالحصولِ على الشُّكرِ مِن الناسِ،
ولا تَجعله هدفَها الأكبر.
مَنْ قالَ بأن "رِضا الناس غايةٌ لا تُدرك" صدَق؛ فهو أمرٌ لنْ يُدرَك،
ولكنَّه أخطأَ عِندما جعلهُ غاية، فالغاياتُ يجبُ أن تكونَ أسمى وأكبرَ وأهمَّ مِن مجرَّدِ إرضاءِ الناسِ.
دمتُم بِخَيْر