صلة الرحم في الإسلام
حارب الإسلام مند بدايته العصبية القبلية التي تناقض الحق ونهى عنها، كما حض في نفس الوقت على صلة الرحم والتواصل، وجعل حب الرجل لقومه على الحق من الدين كما جعل من جميع المسلمين إخوة في الدين، وأن أفضلهم عند الله أتقاهم وليس أنبلهم, يقول جل وعلا ( إنما المؤمنون إخوة ) وقال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) بيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يلغ مراتب الشرف القبليه إلغاء تاما، وإنما جعلها منوطة بحسن الإيمان وقوة العقيدة، فحين سأله قوم عن أكرم العرب، كان جوابه صلى الله عليه وسلم : خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا . وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحبوا العرب لثلاث : لأنني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : { تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبةٌ في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأجل ، مرضاة للرب } وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : { تعلموا أنسابكم تعرفوا بها أصولكم ، فتصلوا بها أرحامكم } وقيل : لو لم يكن لكم من معرفة الأنساب إلا اعتزازها من صولة الأعداء، وتنازع الأكفاء لكان تعلمها من أحزم الرأي، وأفضل الثواب، ألا ترى إلى قول قوم شعيب عليه السلام، حيث قالوا : { ولولا رهطك لرجمناك } فأبقوا عليه لرهطه . ومن كلام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : { أكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير، فإنك بهم تصول ، وبهم تطول، وهم العدة عند الشدة، أكرم كريمهم ، وعد سقيمهم، وأشركهم في أمورك، ويسر عن معسرهم } وكان يقال إذا كان لك قريب فلم تمش إليه برجلك، ولم تعطه من مالك فقد قطعته . ويقال : حق الأقارب إعظام الأصغر للأكبر، وحنو الأكبر على الأصغر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { حق كبير الأخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده } ويحث عمر رضي الله عنه المسلمين على تعلم الأنساب لما له من أثر في صلة الأرحام وزيادة المحبة فيقول : " تعلموا أنسابكم تصلوا بها أرحامكم، ولا تكونوا كنبط السواد إذا سئل أحدكم من أنت ؟ قال من قرية كذا، فوالله إنه ليكون بين الرجل وبين أخيه الشيء لو يعلم الذي بينه وبينه من دخله – يعني باطن الآمر – الرحم لردعه ذلك عن انتهاكه . فالأنساب إنما هي أمانة، ونتيجتها المرجوة ، هي صلة الرحم والتواصل وهو ما دعا إليه ديننا الحنيف، دين السماحة والحب والإخاء . فلا أحد يدعي نسبا ليس له به صله، ولا ينكر أصلا ليس له عنه غنى، فالأصل يعني الأب والجد ومن يلتقي به فيهما، وهو ما يوصل به الرحم .
إن القرآن الكريم والسنة النبوية قد دعيا إلى صلة الرحم ورغبا فيها أعظم الترغيب وكان الترغيب دينياً ودنيوياً ولا شك أن المجتمع الذي يحرص أفراده على التواصل والتراحم يكون حصناً منيعاً وقلعـة صامدة وينشأ من ذلك أسر متماسكة وبناء اجتماعي متين يمد العـالم بالقادة والموجهين والمفكرين والمعلمين والدعـاة والمصلحين الذين يحملون مشاعل الهداية ومصابيـح النور إلى أبناء أمتهم وإلى الناس أجمعين ومن فضل صلة الأرحام : أنها من الإيمان : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ] رواه البخاري . وصلة الرحم سبب للبركة في الرزق والعمر : عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ من سره أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء ، فليتق الله وليصل رحمه ] رواه البزار والحاكم . وصلة الرحم سبب لصلة الله تعالى وإكرامه : عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ الرحم متعلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله ] رواه مسلم . وصلة الرحم من أسباب دخول الجنة : فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ يأيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه . وقاطع الرحم ملعون في كتاب الله قال الله تعالى : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) سورة محمد : 32-33 . قال علي بن الحسين لولده : يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواطن . وقاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين : قال الله تعالى : ( وما يضل به إلا الفاسقين . الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون ) البقرة : 26-27. فقد جعل الله من صفات الفاسقين الخاسرين الضالين قطع ما أمر الله به أن يوصل ومن ذلك صلة الأرحام . وما أسوأ حال من يقطع الله . ومن قطعه الله فمن ذا الذي يصله ؟ . وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ]. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه .