يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طريقك إلى تقوية إيمانك
فإن من أهم المهمات وأوجب الواجبات تحقيق الإيمان وتكميله، إذ أن كل خير في الدنيا والآخرة متوقف على وجوده وصحته وكماله،
قال تعالى(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
من هنا شمر المشمرون وتنافس المتنافسون في تحقيق الإيمان وتكميله وتقويته،ومن أولئك سلف الأمة وصدرها الذين كانوا يتعاهدون إيمانهم ويتفقدون أعمالهم ويتواصون بينهم،
فقد كان عمر بن الخطاب،رضي الله عنه،يقول لأصحابه(هلموا نزداد إيماناً)وكان معاذ بن جبل،رضي الله عنه،يقول(هلموا بنا نؤمن ساعة)
وكان عبدالله بن مسعود،رضي الله عنه،يقول في دعائه(اللهم زدني إيماناً ويقيناً وفقهاً،فالإيمان يقوى ويضعف ويزيد وينقص ويبلى كما يبلى الثوب فيحتاج إلى تجديد،لذا كان السلف يتعاهدونه بالرعاية والمراقبة،
قال أبو الدرداء،رضي الله عنه(من فقه العبد،أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه،ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد إيمانه أم ينقص،
لذلك كان لابد من الحديث عن الإيمان وأهمية تفقده وتكميله إذ هو المنة العظمى،كما قال تعالى(بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
وبتكميل الإيمان تحصل سعادة الدنيا والآخرة،قال تعالى(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) سورة النحل،
والإيمان شرط لقبول العمل،قال الله تعالى(فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ)سورة الأنبياء،
وعلى قدر تحصيل الإيمان وتحقيقه يحصل الثبات للإنسان أمام مغريات الفتن وتيارات المحن،
قال الله تعالى(يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)سورة إبراهيم،
ما هو الإيمان وما حقيقته
الإيمان ،هو الإقرار والاعتراف المستلزم للقبول للأخبار والإذعان للأحكام،
فلا يكفي في تحقيق الإيمان المعرفة وحدها أو التصديق القلبي فقط، فلو أن رجلاً أقر بالله تعالى وبصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم،ولكنه لم يقبل ويستسلم لما بلغه من أحكام الإسلام فإنه كافر وليس بمؤمن،
لأجل ذلك قال الله تعالى،عن الكفار من أهل الكتاب(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون) سورة الأنعام،
وعلى ذلك فالإيمان إقرار بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فأعمال الجوارح تبع لأعمال القلب،والإيمان يزيد حيث إقرار القلب وطمأنينته وسكونه،
والإنسان يجد ذلك من نفسه، فتارة تدمع العين من تلاوة آية واحدة،وتارة لا تدمع ولو طالت القراءة،
وكذلك عندما يحضر مجلس ذكر فيه موعظة فإنه يزداد إيمانه ويشعر بإقبال على الخير،وعندما توجد الغفلة يخف ذلك اليقين في قلبه والإقبال،
وقد جاء في القرآن ما يثبت أن الإيمان يزيد وينقص،قال تعالى (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)سورة التوبة،
قال الشافعي رحمه الله،كان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون،الإيمان قول وعمل ونية ولا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر،
ما هو الإيمان الذي يعصم صاحبه من عذاب الله تعالى
ذلك هو الإيمان الواجب الذي يمنع صاحبه من التقصير في الواجبات والوقوع في المحرمات على وجه الإصرار والاستهانة، لذلك جاءت النصوص بنفي الإيمان عن أهل الكبائر ويراد بها انتقاء الإيمان الواجب ولا يراد به انتفاء الإيمان كله كما في رواية مسلم(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)
وحديث(لا إيمان لمن لا أمانة له)رواه مسلم،
ولعظم مكانة المؤمن عند ربه فلقد خصه الله جل وعلا بفضائل كبيرة في الدنيا ولأجر الآخرة أكبر وأعظم،
أولاً،معية الله،تعالى للمؤمن (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ)سورة النحل،
فهو معهم بالرعاية والكفاية والنصر والتأييد والهداية والتوفيق والتسديد وغير ذلك،
ثانياً،الدفاع عن المؤمن،قال تعالى(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)سورة الحـج،فيحفظهم من شر الأشرار وكيد الفجار بتأييده ونصره(وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)سورة الروم،
ثالثاً،تسديد المؤمن وتوفيقه للهداية،قال تعالى(اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ)أي،يخرجهم من الضلالة إلى الهداية ومن الجهالة إلى الرشد،
رابعاً،وأما منزلة المؤمن في الآخرة،فهو رضوان الله وجناته ورؤية وجهه الكريم والأنس باستماع كلامه،وحسبنا أن نورد ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم،في بيان منزلة المؤمن في الآخرة(إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم،قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم،قال،بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)
قال تعالى(وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)سورة التوبة،
وقد قسم ابن القيم القلوب إلى ثلاث أقسام على حسب ما يقوم بها من إيمان فقال رحمه الله تعالى،القلوب ثلاثة،
القلب الأول،قلب خال من الإيمان وجميع الخير، فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس فيه، لأنه قد أتخذه بيتا ووطنا، وتحكم فيه بما يريد، وتمكن منه غاية التمكين،
القلب الثاني،قلب قد استنار بنور الإيمان، وأوقد فيه مصباحه، لكن عليه ظلمة الشهوات،فللشيطان هناك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع،وتختلف أحوال هذا الصنف بالقلة والكثرة،
فمنهم من أوقات غلبته لعدوه أكثر، ومنهم من أوقات غلبة عدوه له أكثر، ومنهم من هو تارة وتارة،
القلب الثالث، قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان وانقشعت عنه حجب الشهوات، وأقلعت عنه تلك الظلمات، فنوره في قلبه إشراق ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به، فهو كالسماء التي حرست بالنجوم، فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق.