بسم الله الرحمن الرحيم
من اقوال ابن القيم في غض البصر
أنه يكسب القلب نورا ، كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ، ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر ، فقال : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) النور/30 ثم قال إثر ذلك : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ
) النور/35 أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب
نواهيه ، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب ، كما أنه
إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان ، فما شئت من بدعة
وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب
الشقاوة ، فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب ، فإذا فقد ذلك النور
بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام .
أنه
يسد على الشيطان مدخله من القلب ، فإنه يدخل مع النظرة ، وينفذ معها إلى
القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي ، فيمثل له صورة المنظور إليه ،
ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ، ثم يَعِدُهُ ويُمَنِّيه ، ويوقد
على القلب نار الشهوة ، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها
بدون تلك الصورة ، فيصير القلب في اللهب ، فمن ذلك اللهب تلك الأنفاس التي
يجد فيها وهج النار ، وتلك الزفرات والحرقات ، فإن القلب قد أحاطت به
النيران بكل جانب ، فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور ، لهذا كانت عقوبة
أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أن جُعل لهم في البرزخ تنورٌ من نار .
</blockquote>