لا تشهد لمن لا تعرف , ولا تشهد على من لا تعرف , ولا تشهد بما لا تعرف
إن الشهادة أمرها عظيم وخطرها جسيم في تحملها وأدائها فلا يحل كتمانها ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم ولا يحل أن يشهد إلا أن يكون عالما بما يشهد به علما يقينا وأنه مطابق للواقع تماما فلا يحل أن يشهد بما لا يعلم ولا بما يعلم أن الأمر بخلافه بل لا يحل أن يشهد ولا بما يغلب على ظنه حتى يعلمه يقينا كما يعلم الشمس فعلى مثلها فليشهد أو ليترك.
إن من الناس اليوم من يتهاون بالشهادة فيشهد بالظن المجرد أو بما يعلم أن الواقع بخلافه يتجرأ على الأمر المنكر العظيم مراعاة لقريب أو توددا لصديق أو محاباة لغني أو عطفا على فقير يقول إنه يريد الإصلاح بذلك زين له سوء عمله فرآه حسنا كما زين لغيره من أهل الشر والفساد سوء عمله فرآه حسنا فالمنافقون زين في قلوبهم النفاق وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون فقال الله فيهم: ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون وعباد الأصنام زين في قلوبهم عبادتها وقالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونها إلى الله زلفى وهي في الواقع لا تزيدهم من الله إلا بعدا.
إن من الناس من يشهد لشخص بما لا يعلم أنه يستحقه بل بما يعلم أنه لا يستحقه يدعي أنه عاطف عليه وراحم له بذلك والحق أن هذا الشاهد لم يرحم المشهود له ولم يرحم نفسه بل أكسبها إثما به وأكسب المشهود له إثما فأدخل عليه مالا يستحقه وظلم المشهود عليه فاستخرج منه مالا يجب عليه.إن من الناس من يشهد للموظف المهمل لوظيفته بمبررات لإهماله لا حقيقة لها فيشهد له بالمرض وهو غير مريض أو يشهد له بشغل قاهر وهو غير مشغول أو يشهد له بنقل أهله إلى مقر عمله الجديد وهو لم ينقلهم أو باستئجار سيارة وهو لم يستأجرها أو يشهد بأجره أكثر مما استأجرها به وكل هذ من الشهادة بالباطل. وإن من الناس من يشهد لشخص بأنه قام بالوظيفة منذ وقت كذا وهو لم يقم بها ولم يباشرها يزعم الشاهد بذلك أنه يريد الإصلاح بنفع المشهود له ولم يدر أنه بهذه الشهادة ضر نفسه وضر المشهود له وأفسد على نفسه وعلى المشهود له ما أفسد من دينه.لقد قال الله تعالى بعد أن أمر بإقامة الشهادة بالقسط قال: إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تشهد لغني من أجل غناه ولا لفقير من أجل فقره فإن الله أولى بهما بل أقم الشهادة لله وحده. إن شهادة الإنسان بما لا يعلمه علما يقينا مثل الشمس أو بما يعلم أن الواقع بخلافه سواء شهد للشخص أو عليه هي من شهادة الزور التي حذر منها رسول الله وجعلها من أكبر الكبائر فقال : ((ثلاثا ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قالوا: لا يسكت أو قالوا: ليته سكت))، وقال أنس بن مالك : ذكر النبي الكبائر فقال: ((الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور أو قال: شهادة الزور)). إن هذين الحديثين الصحيحين الثابتين عن رسول الله ليتبين بهما تعظيم النبي لشهادة الزور والتحذير منها لقد عظم النبي التحذير منها بقوله وفعله عظمه بفعله حيث كان يتحدث عن الشرك والعقوق متكئاً فما ذكر شهادة الزور جلس ليبين فداحتها وعظمها. وعظمه بقوله حين جعل يكرر القول بها حتى قال الصحابة : لا يسكت أو تمنوا أن يسكت وعظمه أيضاً حين صدر القول عنها بأداة التنبيه (ألا) وحين فصلها في حديث أنس عما قبلها من الكبائر وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر.
أيها المؤمنون بالله ورسوله أيها الراجعون لرحمة الله أيها الخائفون من عذابه أيها المؤمنون بيوم الحساب يوم تقفون بين يدي الله عز وجل لا مال ولا بنون تنظرون أيمن منكم لا ترون إلا ما قدمتم وتنظرون أشأم منكم فلا ترون إلا ما قدمتم وتنظرون أمامكم فلا ترون إلا النار تلقاء وجوهكم . إنكم ستسألون عما شهدتم به وعمن شهدتم عليه أو شهدتم له فاتقوا واحذروا.
إن شهادة الزور ضياع للحقوق وإسقاط للعدالة وزعزعة للثقة والأمانة وإرباك للأحكام وتشويش على المسؤولين والحكام فهي فساد الدين والدنيا والآخرة وفي الحديث عن النبي أنه قال: ((لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له النار )) (رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد).فالحذر الحذر أيها المسلمون من شهادة الزور وإن زينها الشيطان في قلوبكم ولا تأخذكم في الله لومة لائم ولا تصرفكم عن الحق ظنون كاذبة أو إرادات آثمة فتشاقوا الله ورسوله وتتبعوا غير سبيل المؤمنين.
وفقني الله وإياكم لإقامة الحق والعدل والبيان وجنبنا الباطل والجور والبهتان وحمانا عما يضرنا في ديننا إنه جواد كريم.أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.