تلك المدينة التي أثارت مخيلة الكثير من الناس حول العالم، ونسجت حولها العديد من الحكايات التي تصفها كيف كانت وكيف انتهت بعد أن وصلت أوج تطورها. وأخذ الكثير من الناس يبحثون عنها أو عن مدن يمكن أن تكون أقرب لأوصافها عسى أن تكون هي أتلانتس التي يرومونها، ولم يهتم بها كتاب الخيال والرسامون فحسب بل تبعهم عدد من علماء الآثار والمؤرخين على أنها كانت يوماً ما موجودة بالفعل…
تحكي الأسطورة أنه قبل أكثر من 9000 سنة قبل الميلاد كانت هناك مدينة تسمى أتلانتس أو أطلانتس تقع على جزيرة وسط المحيط الأطلنطي يسكن فيها جنس قوي، وكانت الجزيرة غنية بالموارد الطبيعية، كان يحكمها “بوسيدون” (إله البحر كما يعتقد اليونانيون عقائدهم الباطلة وفي أساطيرهم)، والذي تزوج بـ”كليتو” تلك البشرية التي أنجبت له عشرة من الذكور تم تقسيم القارة فيما بينهم، وكان يرأسهم الابن الأكبر (أطلس) الذي سميت القارة باسمه. وكانت تلك الجزيرة تقع على مقربة من مضيق جبل طارق والذي كان يسمى عند الإغريق قديماً بدعائم هرقل.
وتوصف تلك القارة أنها أكبر من ليبيا وآسيا الصغرى (تركيا) مجتمعتين. وتكونت تلك الدولة القوية من اتحاد عشر دول غنية وذات سيادة، وكان شعبها يعيش على الصيد والزراعة وكانت الجزيرة غنية بالثروات الطبيعية، فقد كان بها أراضي خصبة وماشية ومعادن نفيسة، وقد تطوروا في العلوم تطوراً كبيراً، فقد امتلكوا قوة بحرية عظيمة مما دعاهم لفرض سيطرتهم على المناطق المجاورة، وأخضعوا جميع الدول المطلة على البحر المتوسط حتى أرادوا دخول أثينا.
وهنا كانت نهايتهم وزالت تلك المدينة العظيمة كما يعتقد اليونانيون في شركياتهم الباطلة على يد الآلهة بعد أن حكمت عليها بالغرق عندما شنت هجوماً مخفقاً على أثينا مدينة أفلاطون، فكانت نهايتها المحتومة عام 1820 قبل الميلاد.
بدأت الأسطورة مع الفيلسوف الإغريقي الشهير أفلاطون الذي نشأ في بيئة سياسية دفعت به للبحث عن دولة مثالية من نسج خياله، فبدأ يتصور مواصفات تلك الدولة التي يريدها كما يذكر في كتاب جمهورية أفلاطون، وكانت كتاباته تتكون من حوارات تدار من عدة شخصيات، ويبدأ النقاش والحوار بين تلك الشخصيات حتى تكتمل الفكرة التي يريد إيصالها، وفي إحدى محاوراته المسجلة مع “كريتياس” أحد مشاهير السياسة في أثينا، ويذكر كريتياس خلال الحوار قصة رأى أنها تؤيد فكرة وجود المدينة المثالية، بل تؤكد أنها بالفعل قد وُجدت في الماضي وبالتالي فإنشاؤها ممكن في ذاك الوقت. ويعيد كريتياس رواية قصة سمعها من جدّه الذي قد وصلت إليه من صديق لأبيه كان يُدعى “سولون”. وكان سولون أحد رجال الدولة الإغريقية في أثينا، وفي زيارة له لمصر قبل ذلك بفترة يروى أنه سمع من أحد الكهنة هناك أن دولة أطلنطس كانت موجودة قبل ذلك الوقت بتسعة آلاف سنة باتجاه الغرب على مقربة من منطقة دعائم هرقل (جبل طارق) ويسوق الحوار حول تطور تلك الدولة وقوتها وكيف كان سكانها يعيشون بأخلاق حافظوا عليها لعدة أجيال، ولكن تحولوا فيما بعد وأصبحت لهم أطماع قادتهم لفرض سيطرتهم على المنطقة، وأغضبوا بذلك الإله، فحكم عليهم بالطوفان والزلازل وانتهت بذلك دولة أطلنطس.
لم تكن أتلانتس قديماً ذات رواج كبير، وكانت مثل هذه الفكرة ترد عادةً، ولم يهتم أحد بمحاورتي أفلاطون عن هذه القارة ووصفها باعتبارها أسطورة من أساطير الإغريق خصوصًا أنه تحدث عن بوسيدون إله البحر لدى الإغريق الذي استحوذ على جزر القارة لنفسه. ولكن شخصية أفلاطون التي ذاع صيتها في الغرب بعد ترجمة كتبه من اللغة اليونانية دعت الكثير من الناس للالتفاف حول أفكاره، كما أن اكتشاف أطلال مدينة يعتقد أنها مدينة طروادة الأسطورية دعا للبحث عن هذه الأخرى على أمل إيجادها تحت الماء.
بغض النظر عن الجانب التخيلي في قصة أفلاطون، نجد أن هناك تشابه بين حضارة أتلانتا وقصص أخرى في عدة مناطق من العالم، بل حتى في الأديان السماوية ما يروي من قصص لأقوام هلكوا، منهم قوم نوح عليه السلام الذين حكم الله عليهم بالطوفان، والسفينة التي صنعها نبي الله نوح بتلك الضخامة التي وسعت ذلك الكم الهائل من المخلوقات هي دليل واضح على مدي تطور الإنسان في ذلك الوقت وقدرته التصنيعية. إلا أن الفارق الزمني بين نهاية كل من القصتين كبير جداً ولا يمكن ترقيعه كما أن التفاصيل مختلفة، فالجانب الخيالي واضح في قصة أفلاطون.
ذكر عالم الآثار شارلز بيرليتز في كتابه “أطلانتس القارة الثامنة” عدداً من الشعوب القديمة ما زال يحتفظ بتسميات مشابهة لقارة أطلانتس؛ ففي شمالي شرقي أفريقيا ثمة قبائل يعرفون بشعب Atlantes و Atarantis تحدثوا في تقاليدهم الموروثة عن قارة تدعى Attala غرقت في البحر وستعود يوماً لتظهر مجدداً. وشعوب أخرى في جنوب فرنسا و شمال إسبانيا والمكسيك والهند يصفون في تراثهم قصص مشابهة لجزيرة غرقت وتأخذ اسم مشابه لأطلنطس.
وهناك نظرية للبروفسور ” فروست ” تربط بين أطلنطس وجزيرة كريت التي حملت يوماً ما حضارة عظيمة ومبهرة تشابهت في كثير من وجوهها مع حضارة أطلنطس، فكل من الحضارتين نشأت في جزيرة وكلتاهما لقيت نهاية مفاجئة.
ذكر الباحث الأسكتلندي لويس سبينس الذي خصص مجلة مختصة في لغز أطلنطس ذكر فيها أن جزر أزور Azores تشكل ما تبقى من القارة المفقودة. وقد تم بالفعل اكتشاف هرم كبير غارق تحت البحر في جزر الأزور، وتم التعرف على هيكله بالصدفة عن طريق قياس الأعماق خلال عملية ملاحة ترفيهية. وتظهر القياسات أن ارتفاع الهرم 60 متراً، ويقع على عمق 40 متر تحت سطح المحيط، ويقف على أربعة نقاط أساسية مثل أهرام الجيزة، وقد أثار ذلك اهتمام الحكومة البرتغالية على أن يتم دراسته بالتعاون مع البحرية البرتغالية. إلا أنه من المؤسف بالرغم من ذلك كله يمكن أن يكون هذا الهرم قد تم تشكيله في الطبيعة عن طريق تراكم الطبقات فوق بعضها دون تدخل بشري.
ولا زال الناس يبحثون عن تلك المدينة الغامضة التي يعتقد أنها حكمت تلك المنطقة من العالم القديم يوماً ما، ويطلقون الحكايات والنظريات حولها، ولا عجب في ذلك؛ فهي تعد من أقدم الأساطير التي ورثتها البشرية عن الأسلاف، ويظهر من حين لآخر بصيص أمل بوجودها ثم يختفي، ولا يمكن لأحد منا أن يجزم بحقيقتها حتى هذه اللحظة، فقد تكون محض خرافة من نسج مخيلة أولئك الفلاسفة.