باك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، مع فائدة جديدة من فوائد ابن القيم رحمه الله تعالى.
معرفة الله نوعان:
قال ابن القيم: " معرفة الله عز وجل نوعان: معرفة إقرار، وهي التي اشترك فيها الناس جميعاً، البر والفاجر، والمطيع والعاصي ".
النوع الأول: معرفة إقرار
أنت عبد لله، شئت أم أبيت، لكن ثمة فرق كبير بين أن تكون عبد شكر، وبين أن تكون عبد قهر، فكل إنسان مقهور من قِبل الله عز وجل، مقهور بشرايين دماغه، فإذا تجمدت ذرة دم لا ترى بالعين أصيب الإنسان بشلل، أو فقد ذاكرته، أو فقد سمعه وبصره أو حركته، فأنت عبد قهر، وجمع عبد القهر عبيد:
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾
[ سورة فصلت: الآية 46]
لكنك إذا عرفت الله مختاراً، وأقبلت عليه محباً، وتقربت إليه، وكنت في خدمة عباده فأنت عبد شكر، وجمعُ عبد الشكر عباد، وعباد الرحمن، وما ربك بظلام للعبيد، هذا عبد قهر، حتى الملحد عبد قهر، لأن الله قهره بالموت، فهو بيد الله، والحياة بيد الله، والصحة بيد الله، والمرض بيد الله.
النوع الثاني: المعرفة التي أرادها الله منا
" معرفة الله نوعان: الأولى معرفة إقرار، وهي التي اشترك فيها الناس، البر والفاجر، والمطيع والعاصي، أما المعرفة الثانية فمعرفة توجب الحياء من الله، والمحبة له، وتوجب تعلق القلب به، والشوق إلى لقائه، وتوجب خشيته، وتوجب الإنابة إليه، وتوجب الأنس به، وتوجب الفرار من الخلق إليه ". هذه المعرفة التي يريدها الله منا، معرفة المبادرة إلى الله، معرفة الطاعة، معرفة الشكر، معرفة التوكل، قال: " هذه المعرفة الخاصة الجارية على لسان القوم، وتفاوتهم فيها لا يحصيه إلا الذي عرفهم بنفسه ".
التعرف على نِعم الله
إلا الله وحده يحصي هذه النعم، وكل إنسان منحه الله نعمة، هذا منحه نعمة الفهم، هذا منحه نعمة الطلاقة باللسان، هذا منحه نعمة خدمة الخلق، هذا منحه نعمة أنه أب صالح، وهذه أم صالحة، هذا منحه نعمة احتواء الآخرين، النعم التي ينعم بها على العباد بعدد العباد، كما أن الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، النعم التي منحها الله لعباده هي بعدد خلقه، كل إنسان عنده ميزة، هناك شخص عنده قوة إقناع، هذه نعمة كبيرة، وشخص عنده طلاقة باللسان، وشخص عنده صدر واسع، وشخص يوجد عنده رحمة، وشخص عمله متقن، وشخص أب من الطراز الأول، وهكذا. فهذه النعم الثانية التي توجب الحياء والمحبة، وتعلق القلب، والشوق والخشية والإنابة والأنس والفرار هي نعم لا يحصيها إلا الذي منحها، أما سيد الخلق وحبيب الحق فيقول:
(( لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ))
[مسلم عن أبي هريرة]
معنى الله أكبر
ما معنى الله أكبر ؟ يعني كلما ازددت معرفة به كان الله أكبر، وكلما عرفت من رحمته الله فهو أرحم، وكلما عرفت من عدله الله فهو أعدل، وكلما تعرفت إليه كان الله أكبر مما عرفته.
المعرفة التي لا قيمة لها
ما من إنسان إلا ويقول: الله موجود، هذه لا قيمة لها، بالعكس الذين يعملون بالمعاصي الصارخة يقولون لك: الله وفقني بهذا الدور، ويكون الدور كله فسق وفجور، ومع ذلك يقول: إن الله وفقه، هذه المعرفة لا قيمة لها، ولا تقدم ولا تؤخر، هذه المعرفة قاسم مشترك، دخل في أفرادها إبليس الذي قال:
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ )
[ سورة ص: الآية 82]
لكن المعرفة الثانية معرفة الحب، معرفة الخشية، معرفة الإنابة، والإقبال، ومعرفة السير إلى الله، ومعرفة الرحمة
أبواب معرفة الله
فقال:
الباب الأول لمعرفة الله
لها بابان واسعان، أول باب: التفكر والتأمل في آيات القرآن كلها، والفهم الخاص عن الله ورسوله. هذا القرآن هو الكتاب المقرر، والقرآن شفاء القلوب. أيها الإخوة الكرام، الأحداث الراهنة والمقلقة والمتصاعدة، والتهديد والضغوط ينشئ قلقاً عاماً، ينشئ معه إحباطًا عامًّا، فإذا قرأت القرآن ـ والله الذي لا إله إلا هو ـ تجد جوابَ كل شيء، تجد الداء يصفه الله عز وجل، تجد الدواء، وتجد طريق الخلاص، وتجد طريق الأمن، وتجد طريق العزة، وطريق الانتصار، هذا القرآن شفاء، كيف أن المريض يشفى، فكذلك إذا قرأت القرآن، فإن الله يصف لك كل شيء، والله لقد قرأت هذه الآية، وكأنني أسمعها أول مرة:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾
[ سورة القصص: الآية 4]
﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾
[ سورة فصلت: الآية 15]
والله سمعت بأذني إلى حواري بين جندي من دولة طاغية ومذيع، قال هذا الجندي: أنا الرب، لأنني أقرر أن أقتل فلاناً، أو أبقيه حياً، غطرسة ما بعدها غطرسة، وتألّه ما بعده تألّه، وكفر ما بعده كفر، لذلك أنت حينما ترى هذا الضيق وتلك الشدة، وهذه الضغوط، وتفتح كتاب الله تجد الآيات شافية:
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْت﴾
[ سورة الأنعام: الآية 44]
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
[ سورة آل عمران: الآية 139]
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾
[ سورة إبراهيم: الآية 42]
﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾
[ سورة آل عمران: الآية 120]
هذه الآيات شفاء، قال تعالى:
﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾
[ سورة الطور: الآية 48]
أحد الإخوة الكرام أصابه مرض، فبعثت له برسالة من العمرة، قلت له:
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
هذه آية خاصة لمؤمن له باع طويل في الإيمان، وامتحنه الله بمرض، بعثت له برسالة ثانية: عَنْ سَعْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ فَقَالَ: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ رَقِيقَ الدِّينِ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ ذَاكَ، وَإِنْ كَانَ صُلْبَ الدِّينِ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ ذَاكَ، قَالَ: فَمَا تَزَالُ الْبَلَايَا بِالرَّجُلِ حَتَّى يَمْشِيَ فِي الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ))
[الترمذي وأحمد]
إنسان مؤمن مستقيم امتحنه الله عز وجل بمرض يقال له هذا الكلام فقط ! وإنسان آخر له كلام آخر، لذلك تجد القرآن شفاء، وإنه لا يحزن قارئ القرآن، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ﴾
[ سورة فصلت: الآية 30]
كلمة
﴿لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا ﴾
غَطَّتْ المَاضِي وَالمستقبل، أنت الآن هنا لا تخاف من المستقبل، ولا تحزن على الماضي، قال تعالى:
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾
[ سورة الشعراء: الآية 61]
هددونا، ونقلوا قوات إلى جوارنا:
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾
[ سورة الشعراء ]
أنت عليك أن تستقيم، وعلى الله الباقي، قال تعالى:
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
[ سورة الزمر: الآية 66]
﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾
[ سورة الأنبياء: الآية 69]
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
[ سورة الأنبياء: الآية 88]
﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾
[ سورة النساء: الآية 141]
﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
[ سورة غافر: الآية 51]
أنت لا تملك إلا أن تكون مع الله، وأن تستعين بالله، وأن تدعو الله. فأول باب من أبواب هذه المعرفة: التأمل والتدبر والتفكر في آيات القرآن كلها.
الباب الثاني لمعرفة الله
التفكر في آياته الكونية، تتفكر في آياته القرآنية أو تتدبرها، تتفكر في آياته الكونية، قال: " وجماع ذلك الفقه في معاني أسمائه الحسنى، وجلالها، وكمالها، وتفرده بذلك، وتعلقها بالخلق والأمر، فيكون الإنسان فقيهاً في أوامره ونواهيه ". المادة المقررة: أن تعرف الله من خلال خلقه، تفكر من خلال أفعاله، انظر من خلال كلامه، تدبر، هذه سبل معرفة الله، وأفعاله تحتاج إلى نظر قال تعالى:
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾
[ سورة الأنعام: الآية 11]
كل ذلك يحتاج إلى تفكر، قال تعالى:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
[ سورة آل عمران ]
بماذا نبدأ لمعرفة الله
أيها الإخوة الكرام، التفكر في الآيات، والتدبر في القرآن، والنظر في أفعال الله عز وجل ، ولكن ثمة نصيحة لا بد منها، ابدأ بالتفكر في آياته الكونية، لأن الطريق آمن، ليس ثمة مشكلة، تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا، ثم ثنِّ بآياته القرآنية، معظم آيات القرآن محكمة، واللهِ إنه ليكفي أن تستمع إلى القرآن الكريم، أو أن الله يلقي في قلبك النور فتكشف أبعاده.
فهم أفعال الله و الواقع
بقي الشيء الذي يحتاج إلى تحفظ، أفعاله، أفعاله قد تجد صعوبة في تفسيرها، قد تجد شعوباً غنية جداً تقهر شعوب ضعيفة، وقد تجد الشعوب الضعيفة تئنّ من مشكلات لا تعد ولا تحصى، فيها زلازل، وبراكين، وحروب، واجتياحات، وطغيان، وقوى قاهرة، فأفعاله لن تستطيع تفسيرها إلا في حالة مستحيلة، هي أن يكون لك علم كعلمه، أما إذا فكرت ملياً بخلقه، وتدبرت آياته القرآنية، فالتفكر في خلقه والتدبر يلقي ضوءاً على أفعاله، فتفهمها من خلال أفعاله. للتوضيح: إنسان يجلس في المسجد، وهناك معطف معلق، فنظر إلى آخر المسجد، ثم قام، ومد يده إلى جيب هذا المعطف، وأخذ مئة ليرة، فأنت نظرت متى وقف ؟ لما نظر إلى الخلف حسب الظن السيئ تأكد أن أحداً لم يره، فقام إلى المعطف، وأخذ مئة ليرة، أي أنه سارق، وبالدليل، وما قام إلى المعطف إلا بعد أن تأكد أن أحداً لم يره، لو علمت فيما بعد أن هذا الإنسان هو الذي بنى المسجد، وقد دفع خمسين مليون ليرة، وأن هذا المعطف معطفه، ولما نظر إلى الخلف مرّ فقير أراد أن يعطيه صدقة، فقام إلى معطفه، وأخذ المئة ليرة، أليس البون شاسعاً بين التفسيرين ؟ صدقوا أيها الإخوة، أحياناً يتهم الدين كما يتهم الذي بنى المسجد بأنه سارق، مع أنه محسن كبير، والمعطف معطفه، وأراد أن يعطي صدقة. فلذلك من الخطأ الكبير أن لا تتحقق مما تسمع الدين له أعداء كثر، كطرفة يروى أن سيدنا موسى في المناجاة قال: يا رب، لا تُبقِ لي عدواً، قال: هذه يا موسى ليست لي، الله عز وجل له أعداء، وقد ذكرهم الله في القرآن أنهم يحاربون الله ورسوله. التفكر في أفعاله: إذا يكن هناك فهم عميق لخَلقه، ولا فهم عميق لقرآنه فهو حقل ألغام، قد تفاجأ الآن أن أناسًا كفروا، وما كفروا لأن الكون ليس عظيماً، لكن ما تمكنوا أن يفسروا ما يجري، الله له امتحانات صعبة، يقوي الكافر، ويقويه، ويقوّيه إلى درجة أنه يفعل ما يريد، وكأنه إله، ويبطش، ويضرب، ويسحق، ويزداد قوة، هذا امتحان صعب جداً، ونحن فيه الآن، إلى أن يقول الكافر: أنا ربكم الأعلى، إلى أن يقول الكافر كما قال فرعون:
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْري ﴾
، إلى أن يقول ضعيف الإيمان: أين الله ؟ هذا أصعب امتحان، ونحن فيه. يا أيها الإخوة الكرام، قال تعالى:
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾
[ سورة الأحزاب: الآية 23]
هذا أصعب امتحان، هناك امتحان ثانٍ، الله يعطيهم ما يعطيهم حتى يقول الكافر: لا إله إلا الله، لما أدرك فرعونَ الغرقُ قال:
﴿ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾
[ سورة يونس: الآية 90]
لكن بعد فوات الأوان، نسأل الله أن نرى ذلك اليوم، فنحن أيها الإخوة الكرام في امتحان صعب، لذلك:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
[ سورة النحل: الآية 43]
لا تتسرع، لا تُنصب نفسك محللاً، وتستغني عن فهمك لكتاب الله، هناك أحداث شديدة، هذه الأحداث الشديدة ينبغي أن تفهمها في ضوء القرآن الكريم، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[ سورة آل عمران: الآية 139]
أيها الإخوة الكرام، حسن الظن بالله ثمن الجنة، الحقيقة أحياناً أن الله عز وجل يسوق مصائب شديدة، وضغوطًا شديدة، وتخويفًا شديدًا ليفرز المؤمنين، كما في أثناء العام الدراسي كل الطلاب يحضرون، ويصغون إلى المعلم، لكن قد تجد فيهم واحداً ألمعياً، والثاني شبه أمي، أما المظهر فواحد على الشبكية، متى يفرزون ؟ في الامتحان، والله عز وجل كذلك، قال تعالى:
﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
[ سورة آل عمران: الآية 179]
عملية فرز حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حينما أخبر قريشاً أنه ذهب إلى بيت المقدس، وأنه عرج به إلى السماء، فهو كان يتمنى ألاّ يقول ذلك، لكن الله أمره أن يقول، الصحابة فرزوا، منهم من صدقه، كأبي بكر الذي قال: " إن قال هذا فقد صدق "، ومنهم من لم يصدق، ونافق، وارتد، فالإسراء والمعراج فرز، والهجرة فرز، قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾
[ سورة الأنفال: الآية 72]
والآن هذه الضغوط فرز للإنسان ضعيف الإيمان، فهو يسخط على الله، ويرى أن الله يقسو على المسلمين، وقد تخلى عنهم، وأيد أعداء المسلمين، هذا سوء ظن بالله. وثمة إنسان صابر، قال تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ﴾
[ سورة يوسف: الآية 110]
الرسل آخر الناس قلقاً في الشدائد الكبيرة جداً. أنا أيها الإخوة الكرام، لست متشائماً، لكن لا أحب أن تكون ساذجاً في ظروف صعبة تنتظر الأمة الإسلامية، لأن الله يريد أن يمن عليهم، يريد أن يقوي إيمانهم، يريد أن يكسبهم عملاً طيباً، فأنت كن صبوراً، كن متأنياً، وأحسن الظن بالله عز وجل، فالله سبحانه وتعالى لا يتخلى عنا، والحقيقة أن المصائب محك الرجال، والإنسان يبدو في المصيبة، أنا أتمنى عليكم الآن تقووا معنويات بعضكم، وأن ترفع معنويات أخيك المؤمن، الله موجود، والله عز وجل لا يسلمنا إلى غيرنا، لأنه يقول:
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ﴾
[ سورة هود: الآية 123]
متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك أن الأمر كله عائد إليه، لذلك إذا عبدت الله في الشدة فلك عند الله أجر كبير، لا تثبط العزائم، لا تنقل أخبارًا لست متأكداً منها، لا تردد تهديدات العدو، لا تيأس، لأن الأب إذا يأس هبط أولاده، هبط بيته، إذا تشاءم المعلم هبط طلابه، كل إنسان ولاه الله على عشرة، إن كان مدير مؤسسة، إن كان مدير جامعة، إن كان مدير مستشفى، إن كان مدير دائرة، إن كان رب أسرة، لما يتضعضع الرجل ينهار مَن حوله، ودائماً العظماء متماسكون، هناك تهديدات، ووعيد، وقوى باغية متغطرسة، ومشروع لهذا الشرق الأوسط الكبير جداً، وواضح جداً، هدفه تفتيته إلى مئة دولة. أحد وزراء الخارجية في دولة طاغية قال: أنا لا يعجبني أن يكون العالم مئتي دولة، أتمناه خمسة آلاف دولة، وهناك فتن طائفية، تقوم بها جهة ثالثة، وأنا لا أكتمكم أن الذي يفعل هذا ليسوا من هؤلاء، ولا من هؤلاء، هم جهة ثالثة، من أجل إثارة الفتن الطائفية، نحن بحاجة إلى وعي، وأسأل الله عز وجل أن يحمي بلدنا من هذه الفتن، لأنك تشعر أن خطة مركزة جداً لحرب أهلية، ألا ترون ذلك يومياً ؟ من أجل أن تنشأ حرب أهلية تنتهي بأربع دويلات ضعيفة لا تقدم ولا تؤخر، وهذه الخطة التي تعلن فيما سيكون في الشرق الأوسط، فلذلك نحن أمام محنة شديدة نحتاج إلى وعي، نحتاج إلى مشاورة، نحتاج إلى أن نرفع همم بعضنا، لا نحتاج إلى نثبط العزائم، لأن الله لا يتخلى عنا، لكنه يؤدبنا، ويعالجنا، وإذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني، لا تردد أقوال الإذاعات، لأن الإعلام الغربي أكبر سلاح بيد الغرب، فيه خبراء نفسيون يصنعون الخبر، الخبر مدروس نفسياً، لذلك يجب أن يكون لك قناعة أخرى، والأخبار الطيبة لا تنقل إلينا أبداً، نحن مع الأسف الشديد لا يوجد عندنا إعلام يصل إلى بلاد الغرب أبداً، هم إعلامهم على أهوائهم، فأنا أتمنى في هذه الظروف الصعبة أن تكون واعياً، وتكون همتك عالية، ولا تنسَ أن الله عز وجل لا يتخلى عنا، والله موجود، والله عز وجل قد يرينا آياته فيمن يتطاولوا علينا وعليه.
والحمد لله رب العالمين
يمنع الرد . مع فايزة :59:
|