[ 4 ]
شعر سالم بقلبه ينقبِضُ ، ورَدَّ على سلمان بارتباكٍ ،
فلَم يَسْمَع حَديثَه مِن شِدَّةِ بُكائِهِ .
سلمان : احضر فورًا .
قال سالم بقَلَقٍ : هل أُمِّي بخير ؟
سلمان : ماتت .... أمي .
ذهب سالم مُسرِعًا ليَرَى والدتَه ويُوَدِّعَها وهو يبكي بُكاءً مريرًا .
وإخوتُه مِن حَوْلِهِ يُخَفِّفُونَ عنه ،
ويقولونَ له : هنيئًا لَكَ ؛ فقد ماتت وهِيَ راضيةٌ عنكَ ،
وكانت تدعوا لَكَ حتى فارَقَت الحياةَ :"""
اسْوَدَّت الدُّنيا بعَيْنَي سالم ؛ فَقَدْ فَقَدَ أغلَى مَخلوقٍ في هذه الحياة .
وبعد أن صَلَّوْا عليها ودفنوها ، ذَهَبَ لمَنزله ليُغيِّرَ ملابِسَه ، ويَستَعِدَّ للعَزاء .
وما أن فتح بابَ المنزل ، حتى وَجَدَ زوجتَه في وجهه ثائِرةً تُؤنِّبُه وتُوَبِّخُه
على غِيابِهِ وعَدَمِ رَدِّهِ عليها .
فقال لها بقُوَّة : ابتعِدِي عن وَجهي في هذه اللَّحظة .
نَظَرَت له ، فرأت في وَجهِهِ حُزنًا وهَمًّا ، فسألته : ما بِكَ ؟
سالم : انعَمِي بحياتِكِ ، فقد فارَقَت أُمِّي الحياةَ :"""
حاوَلَت مُواساتَه والتَّخفيفَ عنه ، ولكنَّه ما عاد يُطيقُها ولا يُطيقُ قُرْبَها .
ومَرَّت الأيَّامُ بطيئةً على سالم ، وهو يشعرُ بأنَّه حَيٌّ ومَيِّتٌ في آنٍ واحِدٍ .
وبعد مُرُور عِدَّةِ أشهُرٍ على وفاةِ والدتِهِ ، وهو يزدادُ نُفُورًا وبُغضًا لزوجتِهِ ،
فاجأها أحدَ الأيَّامِ بقوله : سأتزوَّجُ بامرأةٍ أخرى ،
فإن أردتِ البَقاءَ بمَنزلكِ وتربيةَ أبنائِكِ ، فلَكِ ذلك .
وإن أردتِ المُغادَرَة لبيتِ أُمِّكِ ، فاذهبي وَحدَكِ واترُكي أبنائي .
لم تُصَدِّق أمل ما تسمع .
ولا يُمكِنُ أن يكونَ هذا زوجَها المُطيع ، الوَدُود ، الطَّيِّب .
صَرَخَت ، وغَضِبَت ، وقامت بتكسير ما تقعُ يداها عليه .
ولكنَّه لم يُبالِ بها ، وغادَرَ المنزل .
وبكُلِّ هُدُوءٍ تَمَّت خِطبتُه لنجلاء .
وكانت فتاةً جميلةً وخجولةً ومُحِبَّةً ، شعر حين رُؤيتِهِ لها بأنَّها دَعْوَةُ والدتِهِ له .
وعند عَودتِهِ للمنزل ، وَجَدَ أمل قد غادرته إلى غير رَجْعَةٍ ،
وطالَبَت بالطلاق ؛ فهِيَ لا تتحمَّلُ وجودَ امرأةٍ أخرى في حياتِهِ .
فطلَّقها بكُلِّ سُرُورٍ .
دخلت أمل على والدتِها بحقائِبِها باكيةً مُتألِّمَةً ، وقالت لها :
ها أنا يا أُمَّاه نَفَّذْتُ نَصائِحَكِ القيِّمة ، فعُدتُ لبَيتِكِ كما غادرتُه ،
ولكنَّ قلبي مكسورٌ لفِراق أبنائي .
جعلتِ مِنِّي رَجُلًا ، فتَخَلَّيْتُ عن أُنُوثتي وسيطرتُ على زوجي ،
حتى ما عاد قادرًا على أن يتنفَّسَ .
وعندما أفاق كَرِهَني بنفس الدرجةِ التي أحبَّنِي بها ، وخَسِرتُ كُلَّ شيءٍ :"""
كان زوجًا رائعًا ، ولكن توجيهاتكِ لي جعلتني أتصرَّفُ بغير طبيعتي .
كان شَبَحُ طلاقِكِ يُطارِدُني . وها هو تاريخُكِ يتكرَّرُ معي .
سامحكِ اللهُ يا أُمَّي :"""""
أمَّا سالم فتَمَّ زواجُه من نجلاء ، وعرف معها معنى الحياة الزوجية الحقيقيَّة .
فكانت زوجةً تُطيعُه وتحفظُه في ماله وبيته ، ولا يقعُ نظرُه منها إلَّا على كُلِّ جميل .
كان هو الرَّجُلُ وله الكلمةُ الأولى والأخيرة ، وكانت تُنَفِّذُ طلباتِهِ بكُلِّ سعادة ،
وكانت لأبنائِهِ الأُمَّ الحَنُونَ ، والمُرَبِّيةَ الفاضِلة . ويومًا بعد يومٍ تزدادُ مَحبَّتُه وتقديرُه لها .
وحَمِدَ اللهَ أن عادت له رُجُولَتُه وشعر بكيانِهِ وتخلَّصَ مِن تسلُّطِ أمل وسيطرتِها .