كثيرون هم الشعراء، وكثيرون هم أصحاب القصائد والمدائح، ولكن من منهم مثلك يا شاعر النيل؟!!
إنه أمير الشعراء أحمد بن علي شوقي، ولد في أم الدنيا، أرض الكنانة مصر؛ بين أحضان أسرة مترفة وغنية؛ يسودها العز والرفاهية، كان أبوه يرجع في عرقه إلى الأصل الكردي، وأما أمه فقد كانت من أصول تركية يونانية.
ولد شاعر النيل في عام 1870م، ليعيد للشعر العربي فصاحته وجماله، فكان حقاً كذلك، حيث يعتبر هذا الشاعر من أكثر شعراء العربية إنتاجاً منذ ولادة الشعر إلى يومنا هذا.
حمل العديد من الألقاب، منها لقب بشاعر الملك، لقرب منزلته من الخديوي توفيق بن إسماعيل، فقد منحه هذا الخديوي منحة ابتعاثٍ إلى فرنسا ليدرس على حساب الدولة القانون..
وحينما توفي الخديوي توفيق، تولى العهد ابنه الخديوي عباس حلمي، فقرب أحمد شوقي منه، وأدنى منزلته، بل وعينه رئيساً لقسم الفرنج والترجمة في قصره.
والجدير بالذكر أن الذي جعل شاعرنا يعيش بين أحضان الملوك، أن جدته كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي ابن إسماعيل، فوكل إليها تربيته منذ الرابع من عمره داخل قصر الملك.
كان الطابع الذي يغلب على شعر أحمد شوقي في هذه الفترة المديح والإطراء للسلطان، ما جاء في غدواته وروحاته، ووصف صراعه مع الإنجليز، ومهاجمتهم بشعره وبقلمه، كما أنه كان يهجو أعداء الخديوي من المصريين، وممن هم حوله من المعارضين لحكمه، لذلك نرى كثيراً من النقاد وصفوه بشاعر السلطان والملوك من باب الهجاء.
وفي سنة 1898م أخرج شوقي أول ديوانٍ له بعنوان "الشوقيات"، ذكر في مقدمته تصوره للشعر العربي، وبين أنه من رواد المدرسة الكلاسيكية التي سار عليها البارودي، وغيره من الشعراء العظماء أمثال حافظ إبراهيم.
كما أنه بين مدى تأثره بالأدب الفرنسي، خاصةً ما قرأه لفيكتور هيجو، فكان هذا داعياً لاصتدامه بنقاد الشعر، ومعارضيه ممن اعتبر أن ذلك خارجاً عن نهج الثقافة العربية.
وفي عام 1908م توفي صديق أحمد شوقي "الشاعر العظيم مصطفى كامل"، ففجع بذلك، كما فجعت كل مصر بنبأ وفاته، فرثاه بقصيدة عظيمة، لا زالت تذكر إلى يومنا هذا، جاء فيها:
المشرقان عليك ينتحبان ,,,,, قاصيهما في مأتمٍ والداني
يتساءلون أبالسلال قضيت ,,,,, أم بالقلب أم هل مت بالسرطان
الله يشهد أن موتك بالحجا ,,,,, والجد والإقدام والعرفان
دقات قلب المرء قائلة له ,,,,, إن الحياة دقائق وثواني
وحينما وقعت الحرب العالمية الأولى، كان أمير الشعراء يهجو الإنجليز بكل ما أوتي من فصاحة وبلاغة وبيان، فزاد حنقهم عليه، وقاموا بنفيه إلى إسبانيا، فماتت أمه حزناً عليه، وكانت هذه المرحلة صعبة على شوقي، خاصةً أن الخديوي عباس منع أيضاً من دخول مصر، وبالتالي أبعد أحمد شوقي عن القصر والسياسة والحكم.
ولما عاد شاعرنا من منفاه انتخب عضواً في مجلس الشيوخ، فبدأ أجمل مراحل حياته في كتابة الشعر في شتى الموضوعات، من مديح وغزل وهجاء وأدب وتاريخ وتربية ورثاء، حتى أنه لم يكتف بذلك بل كان أول من كتب المسرحيات الشعرية الساخرة والاجتماعية والرمزية، ولعل أهمها مسرحية مجنون ليلى.
وفي عام 1932م صعدت روح أمير الشعراء إلى بارئها، ليوارى الثرى، وليفقد الشعر العربي قيثارته، وشاعره العظيم، الذي خلد موسوعة شعرية، ومجداً تفخر به الأجيال.