يعتقد البعض أن تفكيره في تغيير حياته ما هو إلا نوع من الرفاهية والترفيه،
وليس من الممكن أن يفكر فيه ويسعى لتنفيذه إلا إنسان مرتاح البال لا يشغله شاغل،
أما من يكدحون من أجل كسب ثمن لقمة تسدّ الرمق؛ فهؤلاء عندهم ما هو أهم من التغيير.
ولهؤلاء أقول: إن التغيير ليس مجرد شيء يرفّه عنك، أو يضيف إضافة جمالية لحياتك؛
بل هو ضرورة حياتية لكل إنسان عاقل يحيا فوق سطح كوكب الأرض،
ولا يقلّ أهمية عن ضروريات الحياة الأخرى من إيمان وتعلّم وأكل وشرب؛ فهو سنّة الحياة.
نعم سنّة الحياة، ودعنا نتأكد سوياً من ذلك بالنظر إلى الدنيا من حولنا؛
لنجد أن الله سبحانه وتعالى قد خلق النهار والليل والشمس والقمر واليابسة والماء،
ولو شاء لجعل كل يومنا نهاراً بلا ليل، ولسخّر الشمس دون القمر،
ولسطّح الكرة الأرضية كلها باليابسة وردَم البحار والأنهار؛ ولكن هذا التغيير في مكونات الحياة جعلها أوسع وأرحب وأسهل،
وكذلك رزقنا الله التنوع في فصول السنة؛
فتنوعت معها المحاصيل الزراعية، وظهرت أهمية المواقع الجغرافية،
وتبادل البشر المهن؛ فدفَعَنا هذا التغيير إلى التعاون والبحث عما نحتاجه لدى الآخرين.
أنت تتغير رغماً عنك
ومن أجمل أشكال التغيير الذي جعله الله سنّة من سنن الحياة، ما يحدث بنا وفينا؛
فنحن نخلق أجنة ثم نصبح رضّعاً، فأطفالاً ثم شباباً وأخيراً شيوخاً،
ولو أراد الله لنا أن نولد ونحيا حتى موتنا ونحن في عنفوان الشباب؛
لفعل؛ ولكنه اختار لنا التغيير الذي يعطي للحياة معناها؛
فتغير صفاتك الجسمانية من مرحلة لأخرى يصاحبها نمو في عقلك،
ومعه تكتسب خبرات جديدة، وبالتالي تتغير نظرتك تجاه الأشخاص والأشياء مِن حولك؛
فينتج عن ذلك اتخاذك لمواقف وقرارات متنوعة تحدد وضعك في الحياة،
ولعلك الآن قد آمنت بأن التغيير هو سنة من سنن الحياة لا يمكن وقف حركته أو تجاهله،
وعن ذلك يقول الفيلسوف هارقليط: "كل شيء في الدنيا يتغير إلا قانون التغير"،
وأظنك قد لاحظت الآن أن حياتك نفسها تتغير بشكل مستمر؛ حتى لو لم تقصد أنت تغييرها؛
فإذا راجعت ما كانت عليه حياتك منذ خمس سنوات وما أنت عليه اليوم؛
لوجدت تغييراً كبيراً في أفكارك ومعتقداتك ودخلك الشهري والأشخاص الذين تتعامل معهم،
من أصدقاء ومعارف وشكل علاقتك مع الله، وهذا هو خير دليل أنك قابل للتغيير.
الوصول إلى التطوير
أسمع أحد القراء بعد ما قرأ السطور السابقة يتساءل قائلاً: بما أن التغيير هو سنة الحياة،
وأنا أتغير رغماً عني؛ فلماذا أهتم وأجتهد في تغيير حياتي ما دام أن تغييرها أمر حادث لا محالة؟!
وأنا أجيب هذا القارئ المشاغب بقولي: أحسنت يا صديقي بسؤالك، ودعني أشرح لك أن التغيير نوعان؛
أولهما: التغيير الذي يحدث رغماً عنك، وهذا غالباً ما يكون امتداداً طبيعياً لأحداث الحياة،
وهو تغيير سلبي لا تتحكم أنت فيه، وبعد مرور الوقت يتحول هذا التغيير إلى تراجع؛
لذا أرجو منك ألا تسمح لهذا النوع من العبث بحياتك.
أما النوع الثاني: فهو قصدنا وبغيتنا أنه التغيير الإيجابي الذي ينتج عن تحكمك بحياتك بإرادتك ووعيك،
وهو ما يطلق عليه التطوير.
وأنت الآن مخير؛ فإما أن تطوّر حياتك وتسبق التراجع الذي تريد أن تفرضه عليك الدنيا،
أو تترك زمام مستقبلك للظروف والحوادث تتلاعب بك،
وإذا اخترت التغيير السلبي؛ فليس من حقك الاعتراض والتذمر من أي وضع يؤلمك،
وعليك الجلوس في استكانة لانتظار الضربة القادمة للظروف، أما لو انحزت للجانب الإيجابي وقررت التطوير؛
فأنت قد اخترت الصواب،
وابتعدت عن السقوط في دائرة مَن يطلق عليهم أصحاب التغيير الاضطراري الذين يلجأون له عند حدوث كارثة أو مواجهة خطر.
ولعلك الآن تتساءل: من أين تكون البداية لتغيير ظروفي ولتعديل وضعي المالي والمهني،
وما هي الوسيلة لتطوير حياتي العائلية؟ وأنا سوف أدلك على نقطة البداية أو سمّها نقطة الانطلاق:
نقطة البداية
إذا كنت ترغب في تحديد نقطة البداية الصالحة لتكون منصّة انطلاق لتطوير وإصلاح كل ما يؤلمنا في الحياة؛
فعلينا الاستماع لهذا القول الذي يُنسب إلى مجهول،
وسنعرف بعد قليل لماذا ظلّ صاحبه مجهولا ويقول: "عندما كنت صغيراً حلمت بتغيير العالم؛
ولكني وجدت العالم أكبر من أن يسمح لي بالتأثير فيه،
وعندما أصبحت شاباً أردت تغيير بلدي؛
لكنها هي أيضاً لم تستجب، وعندما أصبحت شيخاً حاولت تغيير عائلتي؛
إلا أنها هي أيضاً أبَت أن تتغير،
واليوم وأنا على فراش الموت عرفت أنه كان عليّ من البداية أن أغيّر نفسي،
ووقتها كان من الممكن أن أؤثر في عائلتي،
وبدعم منها كنت سأصبح قادراً على تغيير بلدي، وربما وقتها لن يكون مستحيلاً أن أغيّر العالم كله".
أظنك عرفت يا صديقي لماذا بقي هذا الشخص مجهولاً إلى يومنا هذا؛
لأنه لم يفعل شيئاً في حياته يستحق الذكر،
وأظنك عرفت أيضاً من أين تكون البداية.. إنها من داخلك أنت؛ فإذا كنا أفطن وأذكى من صاحبنا المجهول؛
فعلينا أن نبدأ بتغيير أنفسنا أولاً، ومهما كانت أعمارنا وأوضاعنا؛ فلا يزال أمامنا فرصة التطوير.
فهل نستغلّ الفرصة المتاحة، أم نستمرّ في التردد والتسويف إلى أن تزداد الأمور صعوبة؟
القرار بيدك في البقاء راقداً في مكانك، أو الحركة من نقطة البداية.