شكراً عزيزتي رغد ، فقرة رائعة حقاً ، و الآن مع فقرتي (1) الإعراب:
إن الإعراب هو تغییرالحالة النحــویة للكلمات بتغیر العوامل الداخلة علیها، فالإعراب من أقوی عناصراللغة العــربیة وأخص خصائصهـا
به یعـرف فاعل من مفعول، وأصل من دخیل، وتعجب من استـفهــام، فظاهرة الإعراب من خصائص التمدن القدیم الذي جاءت معظـم لغاته
معربة مثل البابلیة والیونانیة واللاتینیة والألمانیة وخاصة العربیة التي اختصت بالإعراب عن غیرها من اللغات المتحضرة، والإعراب له أهمیة
بالغة في حمل الأفكار، ونـقل المفاهیم ، ودفع الغموض، وفهم المراد والتعبیر عن الذات، فابن فارس یری أن الإعراب هو الفارق بین المعـاني
المتكافئة في اللفظ، یهدي إلی التمییز بین المعاني والتوصل إلی أغراض المتكلم عن مجمل عواطفه وأفكاره ومعـانیه، وذلك أن قائلا لو قال:
«مـا أحسن زید»، غیر معرب، لم یوقف علی مراده، فإذا قال: «ما أحسَنَ زیدا» أو «ما أحسَنُ زیدِِ» أو «ما أحسَنَ زیدٌ» أبان بالإعراب عن المعنی الذی أراده»
(2) الاشتـقاق:
الاشتـقاق في اللغـــة أخذ شيء من شيء، هو اقتطاع فرع من أصل، ولفظ من لفظ، أو صیغة من صیغــــة أخــری مــع التوافق والتناسب بینهمـا
في الـمعنی والمـادة الأصلیة، فالاشتـقاق من خصائص نادرة تتـفوق بها اللغة العربیة علی لغات العالم أجمع، حیث ترجع صیغها إلی أصل واحد علی
قدر من المدلول المشترك، وهو المــــــادة الأصلیة التي تتـفرع منها فروع الكلمـات والمعاني یطلق علیهــا المشتـقات منهــا اسم الفاعــل، واسم المفعول،
واسم التـفضیل، واسم الزمان، واسم المكان، واسم الآلـة والصفة المشبهة وغیرها، فجمیع هذه الأسماء والصفات تعود إلی أصــل واحد یحدد مادتهــا و
یوحي معانیهـــا المشترك الأصیل، وهذا ما سمــــاه اللغویون بالاشتـقاق الأصغر، ونضــرب المثل لذلك من مادة «س ل م» ومنها یشتق نحو: سَلَم، سلّم،
وسالم، وسلمان، ومسلم، وسلمي، والسلامــة، والسلم، فتعطی جمیعهــــا معنی السلامـة علی تصاریفها، وكذلك مادة «ع ر ف» حیث یشتق منها نحو:
عَــرَف، وعـرّف، وتعرّف، وتعارف، وعُرف، وعُـــــرفٌ، وإعراف، وعـرّاف، وتعریف، وعـرفان، ومعرفة، فتـفيد جمیهـا معنی الظهور والكشف عن أمر.
ومن سنن العرب في تولید الألفاظ والمعاني كذلك «الاشتـقاق الأكبر» وهوأن یؤخذ أصل من الأصول الثلاثیة، فيعقد علیه وعلی تصاریفه الستـة معنی
عامـا مشتركا، ومن أمثلة ذلك مـادة «قول» فتـقلیباتهـا: قلو، وَقَل، وَلَق، لقو، لوق، وتأتی كلها بمعنی القـوة والشدة، و «سمل» وتـقلیباتها: سلم، مسل، ملس،
لمس، لسم، وتأتي كلها بمعنی الإصحاب والملاینـة.
(3) المترادفات والأضداد:
الترادف مظهر من مظاهر اللغة العربیة التي ارتـفعت به حتی بزت اللغات اتساعا وتشعبا، فاللغة العــربیة فسیحة الآفاق، مترامیة الأطراف تتمیز
بالثراء، وغزارة الألفاظ والمفردات التي لیست لها في اللغــات الحیة شبیها، وقد اتسمت هذه المفردات بحلاوة الجرس، وسلامة النطق والعذوبة حیث
تمتاز بمرونة ومطواعیة، ولنأخذ مثالا لخضم المفردات في لسان العرب من كلمة «الـعسل»، وقد بلغ عدد أسمــائه المـرادفة ثمــانون اسمـا منها:
الضرب، والضربة، والضریب، والشوب، والذوب، والــحمیت، والتحمـویت، والجَلس، والورس، والشَّهد، والشُّهد، والمــاذي، ولعاب النحل، والرحیق
وغیرها، ولـكلمة «سیف» عشرات من الأسمـاء المترادفة مثل الصارم، والـرداء، والـقضیب، والصفيحة، والمفقّر، والصمصامة، والكهام، والمشرفي،
والحسام، والعضب، والمذكر، والمهند، والــصقیل، والأبیض ومـــا إلی ذلك، وممـــا یكشف عن تعدد المترادفـات وتنوع الدلالات في الـعربیة أن یقـول
جرجی زیدان الأدیب الفاضل: «في كل لغـة مترادفات أي عدة ألفـاظ للمعنی الواحد، ولكن العـرب، فاقوا في ذلك سائر أمم الأرض، ففي لغتهــم للسنة
24 اسما، وللنور 21 اسما، وللظــلام 52 اسما، وللشمس 29 اسما، وللسحــاب 50، وللمطــر64، وللبئر 88، وللمــاء 170 اسمـا، وللبن 13 اسما،
وللعسل نحــو ذلك، وللخمر مئة اسم، وللأسد 350 اسما، وللحیة مئة اسم ومثل ذلك للجمل، أما الناقة فأسمائها 255 اسما، وقس علی ذلك أسماء الثور
والفرس والحمــار وغیرهــا من الحیوانات التي كانت مألوفة عند العرب، وأسماء الأسلحة كالسیف والرمح وغیرهمــا، ناهیك بمترادفات الصفات، فعندهـــم
للطویل 91 لفظا، وللقصیر160 لفظا، ونحو ذلك للشجاع والكریم والبخیل مما یضیق المقام عن استیفائه».
أما الأضداد فهو دلالة اللفظ الواحد علی معنیین متضادین أو تسمیة المتضادین باسم واحد، كقول العرب الصریم: للیل والنهار، والصــارح:
للمغیث والمستغاث، والسدفة للظلمة والنور، والقـروء: للحیض والأطهــار، والزوج: للذكـــر والأنثی، والبسل: للحــلال والحرام، والسارب: للمتواري
والظاهر، والناهل: للعطشان والریان، والجون: للأبیض والأسود، والخیلولة: للشك والیقین وهلم جرا(5).
(4) الأصوات:
بلغت اللغة العربیة منتهی الإعجاز والكمال في مدارجها الصوتیة حیث ثبتت بنطـق حروفها ومخارجها طوال العصور دون أن یصیبها من السقم
والانحدار الداخلي مـا أصابه كآفة اللغات السامیة مثل العبریة والآرامیة والحبشیة، فاللغــة العـربیة تنـفرد بین جمیع أخـواتها بالإحفاظ علی مقوماتها
الصوتیة علی الرغم من تـقلباتها الصرفية، ومن هذه المقومات مخارج الحروف وصفاتها المحسّنة مثل الهمس والجهــــر، والشدة والرخاوة، والاستعلاء
والاستفعال، والتفخیم والترقیق، والقلقلة واللین والغنة، والانـفتاح والإطباق وغیرها، أما مخارج الحروف فتتوزع بین الشفتین إلی أقصی الحلق، ومن هذه
الحروف ما تخــــرج بین وسط اللسان وطرفه ورأسه، كما منها ما تخـــرج بین جوف الصدر وبین الشفتین والحلق، وبین اللسان ومــــا فوقه من الحنك
فتختلف جمیعها في المدرج الصوتی اختلافا واضحا، فمثلا لا تجتمع السین مع الصاد والثاء، والضاد مع الذال، والعین مع الألف، والحاء مع الهاء،
والتاء مع الطاء وعلی هذا النحو بقیة الأحرف الهجائیة.
(5) دقة التعبیر:
وثمــة محاسن اللغة العربیة التخصص في المعاني والدقة في التعبیر، فتلك المیزة تعطیها الملكة علی التمییز بین الأنواع المتباینة والأحوال المختلفة
من الأمور الحسیة والـمعنویة علی السواء، فالكلمــة إذا كانت تحمــل معنی معینا موافقا لمقتضی الحال ومناسبا للـواقع كان له أحسن الوقع في النـفوس
وأجـل تأثیرا في القلوب، ونلاحظ أن اللغـة العـربیة أوسع اللغــات في دقتها للتعبیرعن الأحوال والصفـات، تتـفجر ینابیعها بالجودة والفصاحة وسلامة
التراكیب والرصانة، وإلی القاریٔ نمـاذج من هذا القبیل كما یلي: تـقول العرب في تـقسیم الاشتهاء: فلان جـائع إلی الخبز، قرِم إلی اللحم، عـطشان إلی
المـاء، عیمـان إلی اللبن، قَرِد إلی التمر، جعـم إلی الفاكهة، شبق إلی النكاح، كمـا تـقول في تـقسیم قطع الأعضاء وتـقسیم ذلك علیهـا: فلان جدع أنـفه، فقأعینه،
شترجفنه، شرم شفته، جذم یده، جب ذكره، ومن حسن دقة التعبیر في العربیة اختلاف الأسماء والأوصاف باختلاف أحوالها، فمثلا تـقول العرب في ترتیب
النوم:- أول النوم: النعاس وهوأن یحتاج الإنسان إلی النوم، ثم الوسن: وهو ثـقل النعاس، ثم التزنیق: وهو مخالطة النعاس العین، ثم الكری والغمض: وهو
أن یكون الإنسان بین النائم والیقظان، ثم التغفيق: وهو النوم وأنت تسمع كلام القوم، ثم الإغفاء: وهوالنوم الخفيف، ثم الهجود: وهوالنوم الغرق ثم التسبیخ: وهو أشد النوم.
(6) التعریب:
التعریب هو عملیة تهذیب كلمة خارجیة وفقا لأوزان العربیة وأبنیتها، وهوصیغ كلمة أجنبیة بصبغــة عـربیة أو رسم لفظــة أعجمیة بأحرف
عـربیة عند انتـقالها حتی تتـفوه بها العرب علی مناهجها، فالعربیة لها القدرة الفائـقة علی تمثیل الكلام الأجنبي وتعریبه حسب قوالبها والذي یعد من
أخص خصـائصها، وكان اتساع دائرة اللغـة العربیة وتنمیة عــلاقات العرب بالأجانب ونـقلهـم العلــوم عن الثـقافات المستجدة مثل الفارسیة والــهندیة
والیونانیة ممــا دفعهـم علی الأخذ منها كلمات وتعبیرات متنوعـة ومصطلحات مستحدثة متطورة، فالعــربیة اقتبست من هذه الثـقافات الاصطلاحات
العلمیة والأدبیة والإداریة والطبیة والفلسفية وغیرها من التـقنیات والمعارف من الدرجـــة الأولی، ومما عربت العربیة عـن الأعــاجم علی سبیل
المثال: التریاق، والطلسم، والقولنج، والسرسام، والـقبان، والقنطار، والأصطـرلاب، والـفــردوس، والــقسطاس وغیرها عن الرومیة، والیاقوت، والجلنار،
والبلور، والكافور، والزنجبیل، والدسكرة، والاستبرق، والدیباج، والسندس، والسكـنجبین، والبركار، والــصابون، والتنور عن الفارسیة، والأنسون والسقمونیا،
والمصطكی، والبقدونس، والزیدفون من الیونانیة، والفلفل، والجاموس، والشطرنج، والصندل وغیرها من اللغة الهندیة والسنسكریتیة.
وأما المنهج الذی توخته العربیة في التعامل مع الألفاظ الأجنبیــة والأعجمیــة في تعریبها فإنه یقوم كما یلي:
1- التحویل من حروف الدخیل بطریقة النـقص منها أو الزیادة فيها، كقول العرب: الدرهم وهو في أصله درم، وبرنامج وهو برنامه.
2- إبدال السین من الشین، واللام من الزای، كقولهم: نیسابور وهو بالفارسیة نیشابور، وإسماعیل وهو إشمائیل.
3- التعریب بطـریقـة الجمع بین كلمتین مركبتین بكلمــة واحـدة مثل «جاموس» وهومعرب من «كاو» بمعنی بقرة، و«میش» بمعنی مختلط،
وكذلك «سكباج» وهو مركب من «سك» أي خل و «با» أي طعام.
4- تغییر الحروف الأعجمیة وفقا للأوزان العربیة، كقولهم «فردوس» وهو في أصله «برادایس»، و «كعك» وهو تعریب «كاك».
5- ربما یبدل الكاف جیمــا والجیم كافا أو قافا لقرب أحدهما إلی الاخر، كـقولهم: «جورب» وهو في الأصل «كورب»، و «كربج» وهو «قربق»
|