التواضع صفة محمودة وسبيل لنيل رضا الله سبحانه وتعالى،
وقد جعل الله سبحانه وتعالى سنّه جارية في خلقه أن يرفع
المتواضعين لجلاله، وأن يذل المتكبرين المتجبرين، قال
رسول الله (ص): "ما تَواضع أحد لله إلاّ رفعه". أمّا الذي
يسلك مسلك المتكبّرين، فقد باء بشؤم العاقبة، يقول
الله عزّوجلّ في الآية 72 من سورة الزمر: (.. فَبِئْسَ مَثْوَى المُتكبِّرِينَ).
في بيان معنى التواضع، وأثره في خلق وسلوك المسلم،
وكيف يمكن توظيف خلق التواضع لترويض النفس وعلاجها
من داء الكبر، تتحدث إيمان إسماعيل عبدالله، مديرة مشروع
حملة أهل القرآن العالمية، دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري .
وتستهل حديثها موضحة أنّ التواضع صفة من صفات المؤمنين والمؤمنات
، وقد حَثّ رسول الله (ص)، على الإلتزام بها، وحَضّ المؤمنين على
الإبتعاد عن التكبر، الذي ينتهي بصاحبه إلى الدَّرْك الأسفل من النار،
لأنّ التواضع في غير مَذلّة ولا مَهانة خلق يليق بالعبد المسلم. أمّا الكبر
فهو ليس له، ولا ينبغي لمثله لأنّ الكبر صفة من صفات الربوبية،
ولا يليق بالعبد الفقير إلى مَولاه. فعن أبي هريرة (رض)، أنّه قال:
رسول الله (ص): "قال الله عزّوجلّ: الكبرياء ردائي، والعَظَمة إزاري،
فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار".
- معنى التواضع:
التواضح في اللغة هو التذلل، وتواضع الرجل إذا تذلّل، وقيل ذل وتخاشع
، وهو مأخوذ من تواضعت الأرض، أي انخفضت عمّا يليها، فالتواضع
يدل على خفض الشيء. أمّا التواضع عند علماء الأخلاق، فهو لين
الجانب والبُعد عن الإغترار بالنفس، حيث قالوا إنّ التواضع
هو اللين مع الخلق والخضوع للحق وخفض الجناح.
- التواضع في القرآن الكريم:
لم ترد كلمة التواضع بلفضها في القرآن الكريم، إنّما وردت كلمات
تشير إليها وتدل عليها، قال الله تعالى في الآية 63
من سورة الفرقان: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا...)
. قال القرطبي (هوناً) الهون مصدر الهين، وهو من السكينة والوقار
. وفي التفسير يمشون على الأرض حُلماء متواضعين يمشون في إقتصاد
. كما قال ابن كثير: أي بسكينة ووقار من غير تجبُّر ولا استكبار، لقول الله
تعالى في سورة الإسراء الآية 37: (وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ
تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا)، قال القرطبي هذا نَهى عن الخيلاء
وأمر بالتواضع، والمرح شدة الفرح وقيل التكبر في المشي، وقيل
تجاوز الإنسان قدره. وقال قتادة هو الخيلاء في المشي، وقيل هو البطر
والأشر. (إنّكَ لَن تَخْرِقَ الأرْضَ) تعني لن تخرقها بكبرك ومشيك عليها
. (وَلَن تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولاً)، أي لن تساوي الجبال بطولك ولا تطاولك.
كما قال ابن كثير، يقول الله تعالى ناهياً عباده عن التجبّر والتبختُر
في المشية (وَلا تمشِ في الأرض مرحاً)، اي متبختراً متمايلاً مشي
الجبّارين. (وَلَن تبْلُغَ الجِبَال طُولاً)، أي بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك،
بل قد يُجازى فاعل ذلك بنقيض قصده كما ثبت في الصحيح قول رسول الله
(ص): بينما رجل يمشي في مَن كان قبلكم وعليه بردان يتبختر فيهما،
إذ خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة".