موضوع: من أعاجيب الصدق و الوفاء والعفو 5/4/2016, 6:25 pm
من أعاجيب الصّدق و الوفاء و العفو
حدث الحسن بن خضر قال : لما أفضت الخلافة إلى بني العباس استخفى رجال بني أمية ، وكان فيمن استخفى منهم إبراهيم بن سليمان ابن عبد الملك ، حتى أخذ له داود بن العباس أماناً . وكان إبراهيم رجلاً عالماً حدثاً فخص بأبي العباس السفاح فقال له يوماً : حدثني عما مر بك في اختفائك قال : كنت يا أمير المؤمنين مختفياً بالحيرة في منزل شارف على الصحراء ، فبينا أنا على ظهر بيت إذ نظرت إلى أعلام سود قد خرجت من الكوفة تريد الحيرة ، فوقع في روعي أنها تريدني ، فخرجت من الدار متنكراً حتى أتيت الكوفة ولا أعرف بها أحداً أختفي عنده ، فبقيت متلدداً فإذا أنا بباب كبير ، ورحبة واسعة فدخلت فيها ، وإذا رجل وسيم حسن الهيئة على فرس قد دخل الرحبة ، ومعه جماعة من غلمانه وأتباعه فقال لي من أنت وما حاجتك ؟!! قلت : رجل مستخف يخاف على دمه استجار بمنزلك ، فأدخلني منزله ، ثم صيرني في حجرة تلي حرمه ، فكنت عنده في كل ما أحب من مطعم ومشرب وملبس ، ولا يسألني عن شيء من حالي إلا أنه يركب في كل يوم ركبة ، فقلت له يوماً : أراك تدمن الركوب ففيم ذلك ؟!! فقال : إن إبراهيم بن سليمان قتل أبي صبراً ، وقد بلغني أنه مستخف ، وأنا أطلبه لأدرك منه ثأري ، فكثر ، والله ، تعجبي من ادبارنا ، إذ ساقني القدر إلى حتفي في منزل من يطلب دمي ، وكرهت الحياة فسألت الرجل عن اسمه واسم أبيه ، فأخبرني فعرفت أن الخبر صحيح ، وأنا كنت قتلت أباه صبراً ، فقلت : يا هذا قد وجب علي حقك ، ومن حقك علي أن أدلك على خصمك ، وأقرب عليك الخطوة ، قال : وما ذاك ؟!! قلت أنا إبراهيم بن سليمان قاتل أبيك ، فخذ بثأرك ، فقال : إني أحسبك رجلاً قد أمضك الاختفاء ، فأحببت الموت ، قلت : بل الحق ما قلت لك ، أنا قتلته يوم كذا وكذا " بسبب كذا وكذا " فلما عرف صدقي اربد وجهه واحمرت عيناه وأطرق ملياً ، ثم قال ، أما أنت فستلقى أبي فيأخذ بثأره منك ، وأما أنا فغير مخفر ذمتي ، فأخرج عني ، فلست آمن نفسي عليك " بعدها " وأعطاني ألف دينار فلم آخذها ، وخرجت من عنده ، فهذا أكرم رجل رأيته بعد أمير المؤمنين .