بـآكك من جديد إنّ الإسلام ينظرُ للعلم نظرةً تختلف عن الإدراك البشري القاصر؛ فهو الكمال والحقيقة المُرْتَكِزَةُ على مِشْكَاةِ الرسالة من الله عز وجل عالمُ الغيب والشهادة؛ لذا لايُقْبَلُ العملُ غيرُ المبني على العلم الشرعي الصحيح، ولا يُنشرُ الإسلام إلا على بصيرة العلم؛ فهو طريق الدعوة إليه، فبهذا ارتقى العلم في الإسلام إلى أعلى المراتب والمنازل، فقد جاء بمحكم تنزيله أنّ الله عز وجل يرفعُ أصحاب العلم درجاتٍ ومكانةً ومنزلةً عالية. العلم في الإسلام هو نظير الجهل؛ لذا هو شريفٌ بذاته بغضِ النظر عن جهته ومصدره؛ فالعلم يقعُ بحكم الوجود، والجهل يقع بحكم العدم؛ فالهداية والحق والنور هي نبراس مبحث وغاية العلم الشرعي، وهذا في بيان قوله تعالى: (وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور)، وقوله تعالى: (قل هل يستوي الّذين يعلمون والذين لا يعلمون). إنّ شرف الطالب من شرف المطلوب؛ لذا نظرَ الإسلام إلى طالب العلم بعين الكرامة والتأييد، فإنّ الملائكة لَتَفْرِدُ أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب، وهذا موطن العلم الكامل، وهو العلم الشرعي، وأعلاه وأجلّه علم التوحيد، وأشرف علمائه هم الأنبياء ومن وَرِثَهُم من بعدهم من العلماء، وهذا لا ينفي تلك المِيزَةَ للعلوم الأخرى؛ فهي لها أيضا مُقدماتٌ دعت للعلوم الأولى، فقد جاءت الإشاراتُ إلى الدعوة للتفكر في خلق السموات والأرض، وخلق النفس البشرية وتكوينها، والنظر في سير السابقين وتَمَعُّنِ آثارهم، وكُلُهَا علومٌ دنيوية تقع بها خدمة النفس لإنارة البصيرة، ولخدمة البشرية، وتمهيده لطريق الهدف الأسمى وخدمته. إنَّ العلوم الدنيوية مثل: الهندسة، والرياضيات، والكيمياء، والمنطق، والفلك، والطب، وغيرها من العلوم لا ينفكُّ ازدهارها في التاريخ الإسلامي عن ثورة العلم الشرعي، فإنَّ المتأمِّلَ لذلك يَجِدُ أنَّ التأصيل للعلوم الدنيوية بالتاريخ الإسلامي والذي عُدَّ المَهْدَ لعلوم وتطبيقاتِ الثورة التكنولوجية للعصر الحاضر إنَّما جاء مرافقاً للثورة العلمية في الفقة واللغة والعقيدة؛ ففي الحقبة التي ازْدُهِرَ بها علمُ الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل وغيرهم من الجهابذة، هي نفسها التي برز بها أمثال: الفارابي، والفراهيدي، وجابر بن حيان، وابن سينا، وغيرهم من جهابذة تلك العلوم؛ لذا يُفْهَمُ من هذا التطبيق العملي التاريخي أنَّ التقدم في العلوم الدينية الإسلامية وازدهارها وكثرة طلابها إنَّما يتأتَّى منه ثورةً علميّةً على مستوى باقي تلك العلوم، فكما يُقال" لسان الحال أصدق من لسان المقال". كشفت الثورة العلمية التكنولوجية الحديثة عن حقائق علميّة وردت في القرآن الكريم؛ فهي فتحت الباب أمام علم كامل متخصَّصٍ بالإعجاز العلمي، فطبيعة التكوين لا يعلمها أحد كما يَعْلَمُهَا مُوجِدُهَا الّذي أشارت آيات كلامه إلى مكنونات وأسرار المساق العلمي التي تبنى عليه. ينهجُ العلم الشرعي بمسائله الفقهية واقعَ الحال المُخْتَص ِّبالمسألة؛ "فالحكم في الشيء فرع عن تصوره والضرورة تقدر بقدرها" وعليه فإنَّ العديد من المسائل الشرعية تتوقّف على حكم خاص بها يصدرُ من قبل المُتخصّص بالعلوم الدنيوية مثل: الطبيب، والكيميائي، والفيزيائي، وغيرهم؛ وذلك لأجل إسقاط الحكم الشرعي بما يناسب الواقع لتلك الأحكام.
برب لحد يرد |