مرّت نسيبة رضي الله عنّها بعدّة مواقِف مع النبي وغيره
من صحابته الكرام رضوان الله عليهم
من أشهرها
:1:
قالت أم عمارة الأنصارية: أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء؟
فنزلت هذه الآية
(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ
وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ
وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ
وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) سورة الأحزاب آية 35
:2:
عن أم عمارة بنت كعب الأنصارية أن النبي صلى الله عليه
وسلم دخل عليها فقدمت إليه طعاما فقال كلي فقالت إني صائمة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصائم تصلي عليه الملائكة
إذا أكل عنده حتى يفرغوا وربما قال حتى يشبعوا.
:3:
وإلى جانب كونها مجاهدة فقد كانت مربّية وقيل عنّها أم تصنع أٌمّة ! فهاهما ولديها لا يقلّان عنها شجاعة ولا بأسا !
:
كان في المدينة منافقون وكان على رأسهم الطاغية مسيلمة الكذّاب وقد اختار نبي الله حبيب ابن زيد ليرسله برسالة لمسيلمة يدعوه لكي يتوب إلى الله لكن مٌسيلمة كما عٌرِف بوقاحته مع النبي والمسلمين عرف كذلك بشناعة اسلوبه في التعذيب فمن لا يخاف الله يفعل ما تشتهيه نفسه ! قيّد مسيلمةُ حبيبَ وبدأ يسأله :أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ : نعم أشهد أن محمداً رسولُ الله . :أتشهد أني رسول الله ؟ : لا أسمع ما تقول ! ردّها حبيب بن زيد بدون تردد ولا خوفٍ من الطاغية أمامه , مما أغضب مسيلمة فجعله يقطع عضواً من أعضاء جسد حبيب وعاد فسأل :أتشهد أني رسول الله ؟ وكما المرة السابقة أجاب : لا
فقطع عضواً آخر من أعضاء جسده وكل مرة يكرر فيها السؤال وتتكرر فيها نفس الإجابة ونفس نبرة الصوت المؤمنة المطمئنة الخاشعة لله عزّ وجل ويتكرر كذلك نفس القطع الشنيع ,
حتى أجهز عليه مسيلمة تماماً فمات حبيب بن زيد بعد أن نطق الشهادة أكثر من مرّة رضي الله عنّه وأرضاه وحين وصل الخبر إلى أمه نسيبة بنت كعب لم تنتحب ولم تبكي أو تلطّم خدودها وإنما قالت بكل صبر " لمثل هذا الموقف أعددته وعند الله احتسبته " ثم أقسمت أن تأخذَ بثأره من مسيلمة
:
:4:
في يومِ أٌحُد , خرجت جموع المسلمين للقتّال وقد خرجت معهم تحمل
بيدها قرابين المياه والضمادات , فكانت هناك تسقي الجنود وتُعد لهم الأطعمة
وتحمسهم للقتال وتداوي جرحاهم بل كانت تعتني بهم كعنايتها أي أم بأبناءها ,
حتى انقّلبت موازين المعركة وبدأ المسلمون بالتخاذل والهوان
والانسحاب من ساحة المعركة , لمحت من بيّنهم رسول الله
وقد تجمّع المشركون من حوله يقاتلون ويرمونَ سهامهم ,
فاستلّت سيفاً وراحت من تزاحم عكس تيّارات الجموع الهارِبة
حتى وصلت لنبي الله وأخذت هي ومن معها تقاتل عن رسول الله
وتدافع عنه حتى قال " ما ألتفت يوم أحدٌ يميناً ولا شمالاً إلا أراها تقاتِل من دوني "
وقد كانت هي وزوجها وابنها يقاتلون عن النبي ويدافعون عنه
ومعهم قلة من المسلمين الذين لم ينسحبوا والذين لم يتجاوز عددهم العشرة !
وفيما كانت تقاتل بجانب مصعب بن عمير حتى أتى أحد المشركين
هائجاً ثائراً ينادي "دلوني على محمد" فاعترضه ابن عمير فضربه ليرديه قتيلاً !
ثم أتى دورُ نُسيبة فضربها بسيفه ليترك أثر جُرحٍ عميقة على عاتقها
فحاولت أن ترد الضربات عليه لكنه كان يلبس درعين
مما حال دون وصول ولو جراحٍ على جسده
لم تكن نسيبة قد اكترثت لأمر الجرح بل تجاهلته تماماً حينما رأت ابنها
وقد ضربه أحد المشركين بسيفه حتى تفجّر الدم من إثر ذلك
فنهضت إليه تضمّده وتحثّه على مواصلة القِتال قائلة " يا بُني ! انهض وجالِد القوم"
وهنا إلتفت إليها نبي الله قائلاً عبارته المشهورة "ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة ؟!"
فكانت تلك شهادة اعتزاز من نبي الله على بسالة السيدة نسيبة رضي الله عنها وصبرها ومجالدتها !
ومن هذه المعركة بدأت مسيرة نسيبة بالظهور كمجاهدة صابرة في سبيل الله
لا تبتغي من الدُنيا شيئاً وقد سألت رسولِ الله
في معركة أٌحد آنذاك أن تكون من رفقائه في الجنة
حدث ابنها عبدالله قال :
شهدت (( أحداً )) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
فلما تفرق الناس عنه دنوت منه أنا و أمي نذب -ندافع- عنه , فقال :
( ابن أم عمارة)
قلت: نعم
قال: (ارمِ ..)
فرميت بين يديه رجلاً من المشركين بحجر فوقع على الأرض ,
فما زلت أعلوه بالحجارة حتى جعلت عليه منها حِمْلاً ,
والنبي عليه السلام ينظر إليَّ و يبتسم ...
وحانت منه التفاته فرأى جرح أمي على عاتقها يتصبب منه الدم فقال :
أمك ... أمك ...
اعصب جرحها . بارك الله فيكم أهل بيت ...
بَمقامُ أمك خير من مقام فلان و فلان ...
رحمكم الله أهل بيت.
فالتفتت إليه أمي و قالت :
ادع الله لنا أن نكون رفقائك في الجنة يا رسول الله .
فقال : ( اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة )
فقالت أمي :
ما أبالي بعد ذلك ما أصابني في الدنيا .
لم تنتهي مسيرة أم عمارة هنا , ومن الجدير بالذكر أن الصحابية نسيبة بنت كعب لم تكن مقاتلة
ولم تستل سيفاً من قبل وكانت أحد أول معركة تجاهد فيها
وقد ذاقت حلاوة الجهاد في سبيل الله
فأخذت تتمرّس على القِتال وقد شهدت مع نبي الله عِدة معارِك
ومواقِع وأحداث أخرى كبيعة الرضوان وصلح الحديبية ومعركة حٌنين
:5:
ومضت الأيام وقد فارق الدنيا حبيبنا محمد صلى عليه وسلم
وأصبحت الدولة الإسلامية في عُهدة أبي بكر رضي الله عنه
وبوفاته صلى الله عليه وسلّم فقد انقلب بعض المسلمين على أعقابهم وأرتدّوا عن الإسلام
فأمر أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنًه بالخروج لمحاربة المرتدين ومنهم
رأس الفتنة مسيلمة الكذاب فلمّا سمعت به نسيبة ذهبت لأبو بكر تستأذنه في الخروج
فأذِن لها لما عٌرف عنها من شجاعةٍ وبسالة في الحُرُوب !
فخرجت مع الجيش بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه ومعهم ابنها عبدالله بن زيد
وكانت تلك المعركة معركة اليمامة ,
لم تتوانى في قتال المرتدّين بل وأُصيبت لكنّها لم تعبأ !
وحين واجهت مسيلمة ذلك اليوم حاولت مقاتلته لكن جراحها الإحدى عشر أضعفتها
وقطعُ يدِها ذاك اليوم أثقلت عليها
وأخيراً قُتِل مسيلمة على يد كلاً من وحشي بن حرب والذي قيل فيه
أنه قتل قبل إسلامه خير الناس "حمزة بن عبد المطلب" وبعد اسلامه شر الناس "مسيلمة الكذاب"
|