التقوى هي وصية الله سبحانه للسابقين من أهل الكتاب واللاحقين من أهل الإسلام، كما قال تعالى:
"وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ
مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا"(النساء:131). التقوى هي حالة دائمة من خشية الله والخوف منه،
وهي تورث المؤمن الاستقامة والقيام بما أمره الله به، واجتناب ما نهاه عنه، وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي
بن كعب عن التقوى فقال له أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال بلى، قال فما عملت قال شمرت واجتهدت قال فذلك التقوى.
للتقوى ثمرات يجنيها المؤمن في دنياه وأخراه، فقد ضمن الله - كما يقول شارح العقيدة الطحاوية - للمتقين أن يجعل لهم مخرجاً مما يضيق
على الناس، وأن يرزقهم من حيث لا يحتسبون، فإذا لم يحصل ذلك دل على أن في التقوى خللاً، فليستغفر الله وليتب إليه.
من ثمرات التقوى التي ورد ذكرها في آيات الكتاب العزيز: تفريج الشدائد والمضايق، ورزق الله للمتقين من حيث لا يحتسبون، وإعطاؤهم نوراً
وفرقاناً يميزون به بين الحق والباطل، وتكفير سيئات المتقين وتعظيم أجورهم. تلك من ثمار التقوى التي كفلها الله لمن تحقق بها وكان من أهلها وانتظم في حزب أهلها.
يقول تعالى:"وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا"(الطلاق: 2-3).
وهذه الآية - كما يقول ابن تيمية - مطابقة لقوله إياك نعبد وإياك نستعين الجامعة لعلم الكتب الإلهية كلها وذلك أن التقوى هي العبادة المأمور بها،
فإن تقوى الله وعبادته وطاعته أسماء متقاربة متكافئة متلازمة والتوكل عليه هو الاستعانة به، فمن يتقي الله مثال إياك نعبد، ومن يتوكل على الله مثال إياك نستعين.
إن أعظم المتقين لربهم هو سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وقد كان من إكرام الله له أن جعل له مخرجاً من إيذاء قريش واضطهادها وتضييقها
عليه وعلى أصحابه، بأن هيأ له أرضاً قذف في قلوب أهلها نور الهداية فكانوا هم أنصار الله ورسوله، وحماة دينه، ورجاله الذين جادوا بالنفس والمال والولد
في سبيل نشر دينه والدفاع عنه. فالله تكفل لعباده المتقين في كل وقت وفي كل حين بأن يكشف عنهم الشدائد، ويسهل لهم المصاعب والمضايق،
والمؤمنون يستشعرون ألطاف الله وسبل تيسيره للصعاب في كل شأن من شؤون حياتهم، فهم كما روى أبو نعيم في حلية الأولياء عن رجل من الفقهاء
أنه قال: والله إنه ليجعل لنا المخرج وما بلغنا من التقوى ما هو أهله، وإنه ليرزقنا وما اتقيناه كما ينبغي، وإنه ليجعل لنا من أمرنا يسراً وما اتقيناه، وإنا لنرجو الثالثة.
من ثمرات التقوى أن الله يكفر عن المتقين سيئاتهم، لأن أعمال البر والطاعات مكفرة للذنوب والخطايا كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:
ففي صحيح مسلم - وغيره - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها
إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يُوْتِ كبيرة وذلك الدهر كله". وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: الصلوات الخمس
والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن ما اجتنب الكبائر.
يقول الله تعال مبيناً أن فعل التقوى والتزام سبيل المتقين، وسيلة لتكفير السيئات وحط الخطايا والذنوب:"ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ
سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا"(الطلاق:5)، وبعد تكفير السيئات يكون تعظيم الأجور، والتي يكون أعظمها إدخال المتقين الجنة والفوز بالنعيم المقيم الذي لا شقاء بعده أبداً.
من ثمرات التقوى ذلك النور الإيماني الذي يرزق الله به عباده المتقين، فيفرقون به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والنافع والضار
، يقول تعالى:"يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ"(الأنفال:29).
يقول الشيخ السعدي في تفسيره: وقد رتب اللّه على التقوى من خير الدنيا والآخرة, شيئا كثيرا. فذكر هنا أن من اتقى الله
حصل له أربعة أشياء، كل واحد منها خير من الدنيا وما فيها: الأول: الفرقان وهو العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال
والحق والباطل والحلال والحرام، وأهل السعادة من أهل الشقاوة. الثاني والثالث: تكفير السيئات ومغفرة الذنوب، وكل واحد منها داخل في الآخر،
عند الإطلاق وعند الاجتماع يفسر تكفير السيئات بالذنوب الصغائر، ومغفرة الذنوب بتكفير الكبائر. الرابع:
الأجر العظيم والثواب الجزيل لمن اتقاه وآثر رضاه على هوى نفسه.
التقوى هي الزاد الذي يتزود به المؤمنون حتى يبلغوا غايتهم، ويحققوا مقصدهم، ذلك أن كل من يسلك طريق الآخرة فهو مسافر إلى ربه،
ولا يصل إلا بزاد من التقوى، فهنيئاً لمن وفقه الله للتزود بذلك الزاد والإكثار منه فإنه به يجني كثيراً من خيرات الدنيا والآخرة،
يقول تعالى:" وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ".