إنّ لقوة الكلمة و حياكة الجملة و بلاغتها لما لها من أثر ووقع في النفوس ،
تضفي على المتكلم فخامة لم يعهدها أصحاب الجاه و المال ،
فكم من كلمة غيرت منهجا و أطاحت بحضارات ؟
و كم من كلمة قربت أراذل القوم و همشت أعزتهم ؟ ،
فما كان الحجاج بن يوسف الثقفي إلا معلم القرآن للصبيان ف
ي طائف -وهذا ليس انتقاصا له- و بقداحة فكره
و فصاحة لسانه و بلاغة بيانه ،
أصبح اليد التي يضرب بها الأمويون
كل خارج مارق واليوم نردد خطبه الخالدة التي تعلن الولاء للسلطان و تكسر شوكة أعدائه .
مما يحكى يا قوم أن ملكا من ملوك الدنيا ،
كان محبا للحياة ، يهاب الموت مهابة ليس لها نظير ،
و كان إذا حلّ اللّيل ، يتوسد الرّهبة جزعا من الموت ،
فيجمع كهنته ، و يسألهم سؤأله المعهود عن أجله
- وهذاعند الله-. فأجمع الكهنة كلهم بعبارة
:" أنت آخر من يهلك من أهلك " و هو يظنون أنهم قالوا حقا لمعرفتهم بطباع ملكهم المحب لنفسه .
فيغضب الملك و يأمر بسجنهم ليعدمهم في اليوم الموالي .
فأتى من هوأوفر حظا منهم ليقول له
:" أنت الأطول عمرا بين أهلك " .
فسر الملك سرورا لم يُر له من قبل ،
و أجزل له العطاء و قربه إليه بمنزلة النبلاء .
فبرغم أنّ الحتميّة واحدة " أنه سيموت أهله قبله "
إلأ أن الأولين تكلموا بالسّلبيّة " الهلاك "
فكان جزاؤهم القصاص و الفناء و أما الثّاني تكلم بالإيجابيّة
" طول العمر " فكان جزاؤه الثناء و جزيل العطاء ،
فبين فكيّ بني آدم عضلة فهي نجاته و هلاكه ،
فانتقوا كلماتكم .