يُعدّ جِهاد العبد لهواه أعظم أثراً من جِهاد المرء لأعدائه وأبلغَ منه؛
حيث إنّ الجِهاد الذي يتمثّل في مواجهة الكُفّار
ومدافعَتهم هو في الواقع أقلُّ خطورةً من مُجاهَدة المسلم لما يتنازعه من
أهواءٍ تتمثّل في حبّ الدُّنيا وملذّاتها ومُغرَياتها،
ممّا قد يودي به إلى الهلاك، والانتقال من استحقاق الجنّة إلى استحقاق عذاب الله
وسَخَطه، وقد قال المصطفى -صلّى الله عليه واله سلّم-
في فضل من يدافع هواه ويُجاهدُه: (لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يَكونَ هواهُ تبعاً لِما جِئْتُ بِهِ)،
فقد نفى النبيّ -صلّى الله عليه واله سلّم- صفة الإيمان
عمّن تبِع هواه ولم يُجاهد نفسه، ونسبها لمَن يُوافق هواه ما جاء به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من حبِّ الآخرة،
والإقبال عليها، والإدبار عن الدُّنيا. لجهاد النفس مراتب ودرجات وهيئات،
فإذا أراد المسلم الابتعاد عن الذّنوب، وتجنّب ارتكاب المعاصي، والمداومة على الفضائل والتحلّي بالأخلاق الحميدة،
فإنّ عليه القيام ببعض الأمور والأعمال المُعِينة على ذلك .
الجِهاد لُغةً: من الْجَهْد أو الْجُهْد، وهو بَذْل الجُهْد والطّاقة، ومن مصادر الفعل
جاهد: الجِهاد، والمُجاهَدة، ومعناهما بَذْل الجُهد والطّاقة، و
تحمُّل الجَهد وهو المشقّة في مُقابَلة العدوّ، والقِتال والمُقاتَلة
كذلك،أمّا الجِهاد اصطلاحاً: فهو بذل الجُهد في قِتال الكُفّار
والمُشركين ومَن في حُكمِهم ممّن يُضمِر الشرّ للمُسلمين
، وقيل: هو قتال مسلمٍ كافراً غيرَ ذي عهدٍ؛ لإعلاء كلمة الله،
أو حضوره له، أو دخول أرضِه.ويعني جِهاد النّفس: بذل
الوُسع والطّاقة في شتّى الأمور التي تختصّ بالنّفس البشريّة،
وإبعادها عن المعاصي والذّنوب، ومُدافعَتها للصّبر على الطّاعات،
وتحمُّل المشاقّ النّفسيّة والمعنويّة لذلك.
جعل العلماء لجِهاد النّفس مراتبَ وأنواعاً، ولكلّ نوعٍ منها طريقته وكيفيّته الخاصّة، فمنها ما يكون بمجاهدة الهوى،
ومنها ما يكون بمجاهدة أهل المعاصي، والبُعد عنهم، وعدم الرّكون إليهم، أو طلب العلم والصّبر على مشاقّه،
الجِهاد بطلب العِلم الجِهاد بالدّعوة إلى الله وتحمُّل مشاقّها الجِهاد بالعمل
يمكن تقسيم الجهاد في سبيل الله بحسب أحواله إلى عدّة أقسامٍ، منها:
جهاد النّفس. جهاد الشّيطان: وهو جهاد الشّيطان في دفع ما يبثّ في عقل المسلم من الشُّبهات والشّهوات والملذّات. جهاد أصحاب الظّلم
والمعاصي: ويكون ذلك باليد لمن يقدر على ذلك، مثل: الحاكم،
والقاضي، وغيرهما، فإن لم يقدر على ذلك
فباللّسان، مثل: الخطيب، والواعِظ، والمُوجِّه، والدّاعية، والرّجل المؤثّر في أهله،
فإن لم يقدر على ذلك فبقلبه.
جهاد الكُفّار والمُنافقين. الجِهاد فرض كفاية على المسلمين جميعاً، فإذا أقامته جماعةٌ من المسلمين فإنّه يسقط عن الباقين، ويكون
الجِهاد فرض عينٍ على الأمّة جميعها إذا قصَّر فيه المسلمون حتّى احتُلّ شبرٌ من أرض الإسلام،
وهنا يكون الجِهاد فرض عين على المسلمين جميعهم، أمّا جِهاد النّفس فهو واجبٌ على كلّ مُكلّف،
لاستقلال ذلك الأمر بالشّخص نفسه، فيجب عليه أن يُدافع هوى نفسه بالطّاعات، والصّبر عن الملذّات،
ويجب الجِهاد على المسلمين في حالاتٍ ثلاث، هي:
إذا حضر المسلمون القتال مع جيش المسلمين. إذا احتلّ العدوّ أرضاً إسلاميّة، أو قدِم إلى بلاد المسلمين بقصد الغزو. إذا دعى إمام المسلمين -القائد- أبناءَ الأمّة إلى القتال