"ريا وسكينة"، "حسب الله وعبدالعال"، تلك العصابة التي تسببت بحالة من الرعب والجدل على مدى العقود الماضية، فهم أبشع تنظيم عصابي على مدى القرن الماضي متخصص في قتل السيدات وإخفائهن.
وعلى مدى العقود الأخيرة الماضية، اكتست القصة باهتمام وسائل الإعلام والكتاب، كما تم تنفيذ العديد من الأعمال الفنية عن القصة التي صبغت تارة بالإثارة والأكشن وتارة أخرى بالكوميديا، والتي لم تخل ككل من تجريم ريا وسكينة، باعتبارهم سفاحي القرن الماضي.
ولكن يبدو أننا على أعتاب عاصفة من الجدل واللغط والتي أثارها السيناريست أحمد عاشور مؤلف فيلم "براءة ريا وسكينة" والذي يصرح بأن عنوان الفيلم جواب للحقيقة الخاصة بهما، التي لم تظهر إلا عن طريقه على حد وصفه، حيث قال إن "ريا وسكينة" بطلتان ناضلتا ضد الاحتلال البريطاني، الذي كان يحكم مصر خلال فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وتم اتهامهما بقتل النساء ظلمًا، وأن القضية لو تم إعادتها سيتم اتخاذ حكم بالبراءة بسبب كمية التناقضات المكتوبة في الورق، وذلك حسبما ورد في وسائل الإعلام المختلفة.
العجيب في الأمر، أننا نجد أنه تم الموافقة على العمل السينمائي من قبل الرقابة، بحسب ما أكده عاشور، مشيرًا إلى أنه لم يتم حذف أية مشاهد من الفيلم، وفي ذلك السياق "البوابة نيوز" قامت بإلقاء الضوء على القضية ومدى صحة تصريحات السيناريست أحمد عاشور.
نبذة عن القصة الحقيقية المثيرة للجدل:
كانت الصدفة وحدها هي التي أوقعت الشقيقتين في يد العدالة، فسكينة كانت تستأجر غرفة من الباطن، أي أنها كانت مستأجرة لدى أحد الأشخاص الذي كان هو أيضًا بدوره مستأجرًا من صاحب العقار الأصلي، ويبدو أن العلاقة بين المستأجر والمؤجر لم تكن على ما يرام، فوصلت خلافاتهما إلى أقسام الشرطة والمحاكم، وحين أمرت المحكمة بإخلاء المنزل لصالح مالك العقار الأصلي، اضطرت سكينة أيضًا إلى إخلاء غرفتها، وقد حاولت بكل وسيلة وحيلة إقناع صاحب الدار بأن يؤجر لها الغرفة مرة أخرى، لكنه رفض ذلك بشكل قاطع، بسبب سيرتها المشينة وتصرفاتها التي طالما أزعجت الجيران، حيث كانت سكينة تستأجر عددا من البيوت والغرف لإقامة حفلات السكر والعربدة، مستعينة بعدد من بائعات الهوى والنساء سيئات الصيت، وهو ما ورد في حيثيات الحكم الصادر بحق الشقيقتين من محكمة جنايات الإسكندرية ما يؤكد طبيعة عملهن.
"هذه المحال جميعها أعدت للدعارة سرًا، وكانت البغايا من النساء تترددن إليها تارة من تلقاء أنفسهن، أو بطلب من ريا وسكينة، لتعاطى المسكرات وارتكاب الفحشاء فيها، وكانت إدارة المحال المذكورة مشتركة بين ريا وسكينة وأرباحها تقسم بينهما".
وبعد تسلم صاحب العقار عثر على بعض العظام البشرية مدفونة تحت البلاط، فيمضي في الحفر حتى يعثر على جثة كاملة متفسخة لامرأة لم يتبق ما يدل على هويتها، سوى بعض خصلات الشعر الطويلة المعلقة بالكاد إلى جمجمتها، فهرع إلى قسم الشرطة مصطحبًا إياهم إلى داره، لمعاينة الجثة، ثم واصلت الشرطة الحفر حتى وجدت المزيد من الجثث، الشرطة بدأت في البحث في المنازل والأماكن التي كانت سكينة تتردد عليها، فتعثر على جثة أخرى في منزل آخر، كانت سكينة تستأجر إحدى الغرف أيضًا، ويؤدي اكتشاف الجثث إلى أن ترتاب الشرطة أيضًا في ريا شقيقة سكينة، وتبدأ في مراقبتها ثم تتوالى الأحداث ليسقط التنظيم العصابي في النهاية.
البيوت التي شهدت الجرائم كانت أربعة، وكلها تقع قرب ميدان المنشية، وكان سوق زنقة الستات القريب من ميدان المنشية هو الموقع الذي اصطادت منه السفاحتان معظم ضحاياهما، والبيوت هي رقم 5 شارع ماكوريس في حي كرموز، ورقم 38 شارع علي بك الكبير، رقم 6 حارة النجاة، ورقم 8 حارة النجاة.
آراء المؤرخين والخبراء:
وائل الدسوقي، الكاتب والباحث في التاريخ المصري ورئيس تحرير مجلة المقتطف المصري التاريخية، يضيف أنه لا يوجد دليل علمي واحد على صحة تلك المعلومات التي تتعلق ببراءتهما، وهو ما يجعلنا أمام استرسال لا حقيقة له، ولا سيما أن التحقيقات جاءت من النيابة العامة والشرطة الجنائية، وليس البوليس السياسي الذي من المعروف أنه يثار الجدل حوله وحول دوره.
وأوضح الدسوقي، أن الملفات الخاصة بالقضية بما فيها من المستندات والدلائل بدار القضاء العالى ودار الوثائق القومية بمتحف القلعة، وهي تشير إلى حقيقة جرائم ريا وسكينة، لافتا إلى أن المشتغلين في مجال التاريخ حتى يتسنى لهم نفي حدث تاريخي أو تأكيده والبت فيه يعودون إلى الدلائل والمستندات وليس الكلام المسترسل، لافتا إلى أن ما يقال فضيحة لاسيما مع وجود المستندات الدالة على الإدانة.
وأكد الدسوقي، أن أي عمل فني من الممكن أن توافق الرقابة عليه إذا كانت هناك أدلة، وإذا لم يكن فمن الممكن اعتباره قصة غير حقيقية عمل فني "فنتازيا"، مشيرًا إلى أن من ضمن الإثباتات التي يتكلم عنها مؤيدو براءة ريا وسكينة، أن وكيل النيابة لقن "بديعة" أقوالها التي أدانت أمها وخالتها، وهو ما يعد أمرًا غير مهضوم منطقيًّا، متسائلًا: "هل ده تم ذكره في مستند وأثبته إزاى".
من جانبه يؤكد الدكتور وجيه عبدالصادق، أن ما يثار حول أن "ريا وسكينة" تم تشويه صورتهما، بينما هما من بريئتان من كل التهم التي وجهت ضدهما ووصلت لإعدامهما، بينما هما في الحقيقة بطلتان ناضلتا ضد الإنجليز أمر عاري عن الصحة والحقيقة، مشيرًا إلى أن تلك القضية تم غلق ملفها بالفعل من المحكمة منذ فترة طويلة من الزمن، ومن المعروف أن ريا وسكينة كانتا تتزعمان عصابة لقتل وسحل المواطنين والمواطنات داخل البدروم بعد أن يتم استدراجهم لهناك بواسطة باقي أفراد التنظيم العصابي.
ولفت عبدالصادق، إلى أن تلك القصة أثارت الجدل الواسع خلال الأربعينات، ولا يمكن تشويه القصة بهذه الصورة، ومن يقول غير ذلك عليه الذهاب أولا إلى مقر المحكمة بالإسكندرية ويسحب ورق القضية ويعيد التحقيق بها من جديد، مؤكدًا أنه ليس بالضرورة أن كل ما يعرض على شاشات السينمات أمر حقيقي، فالكثير من الأعمال السينمائية لا تمت بصلة للواقع بالفعل