القضاء والقدر
سَبَق علم الله ومشيئته كلّ شيء، فهو الوحيد المُطّلع على خفايا الأمور والمُتحكّم فيها، وقد جعل الله الأيمان بما قدَّر وقضى أصلاً من أصول الإيمان؛ وذلك لما يعتري هذه المسألة من أهميّةٍ فائقة تُؤثّر في صحّة الاعتقاد، وبالتّالي قبوله أو عدم قبوله، فإنّ المُسلم إن آمن وسلَّم بما أصابه من خيرٍ أو شرّ فقد آمن حقّاً بقدرة خالقه وتصرّفه في كلّ شيء، أمّا إن جحد وكفر وتململ فقد أساء مع خالقه وأدخل في إيمانه الوهن والضّعف، وممّا يُنقَل عن حسن الإيمان بالقضاء و القدر أنّ الإمام الشافعيّ -رضي الله عنه- سُئل مرّةً عن القدر فقال:
ما شِئْتَ كَانَ وَإنْ لَمْ أَشَأْ
وَمَا شِئْتُ إِن لَّمْ تَشأْ لَمْ يَكُنْ
خَلقْتَ الْعِبَادَ لِمَا قَدْ عَلِمْتَ
فَفِي الْعِلْمِ يُجْزَى الْفَتَى وَالْمُسِنْ
فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَمِنْهُمْ سَعِيدٌ
وَمِنْهُمْ قَبِيحٌ وَمِنْهُمْ حَسَنْ
عَلَى ذَا مَنَنْتَ وَهَذَا خَذَلْتَ
وَذَاكَ أَعَنْتَ وَذَا لَمْ تُعِنْ.
معنى القضاء والقدر
معنى القضاء
للقضاء في اللّغة عدّة معانٍ، منها:
- الحُكم: ولذلك يقولون: القاضي؛ بمعنى الحاكم، وقضى الله عز وجل بكذا: حكم به.
- أَمَر: قال تعالى: (وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إيّاه)، ومعنى قوله (قضى) في هذه الآية: أنّه تعالى أمر ألا تعبدوا إلا إيّاه.
- أخبر: قال الله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَٰؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ)، بمعنى أخبرناه أن دابرهم مقطوع بالصّباح، وقال تعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتُفسِدُنّ في الأرض مرّتين ولتَعلُنَّ علوّاً كبيراً)، أي أخبرناهم بذلك.
- أراد: وهو قريب من معنى (حَكَمَ)، قال الله تعالى: (إذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون)، ومعنى ذلك حكم بأن يكون فيكون في الحال،
معنى القدر
من معاني القدر في اللّغة التّرتيب والحدّ الذي ينتهي إليه الشّيء، نقول قدَّرتُ البناء تقديراً إذا رتَّبتُه وحددّتُه، وقال تعالى (وقدَّر فيها أقواتها)، أي رتَّب أقواتها وحدّدها، وقال تعالى: (إنّا كل شيء خلقناه بقَدَر)، المقصود من قوله تعالى هنا أنّ كل شيءٍ خُلِقَ بترتيبٍ وحَد، فمعنى قضى وقدَّر: حكم ورتَّب.