*ღ منتديات احلى بنات للبنات فقط ღ*
*ღ منتديات احلى بنات للبنات فقط ღ*
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

*ღ منتديات احلى بنات للبنات فقط ღ*

.
 
الرئيسيةس .و .جبحـثالأعضاءالتسجيلدخول

 

 رواية باحثا عن ظلي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بِيلاَرّ
صديقة المنتدى
صديقة المنتدى
avatar


مسآهمـآتــيً $ : : 287
عُمّرـيً * : : 18
تقييمــيً % : : 29105
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 21
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 29/11/2016

رواية باحثا عن ظلي Empty
مُساهمةموضوع: رواية باحثا عن ظلي   رواية باحثا عن ظلي Empty16/12/2017, 3:41 pm

من قول كاتبة الرواية :
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته


مرحبا بكم جميعا أعضاء منتدى عيون العرب الجميل أنا جديدة هنا و هذا أول موضوع لي و الذي سيكون روايتي *باحثا عن ظلي*

سأضع بين أيديكم تجربتي الأولى في عالم الكتابة و التأليف على آمل أن تنال إعجابكم و تقضوا وقتا ممتعا بقراءتها

بداية .. الرواية بوليسية غامضة على النمط الغربي مليئة بالتشويق و المفاجآت تمتزج فيها الإثارة ، الاكشن ، الدراما ، الكوميديا و بعض الرومانسية الخفيفة بين حين و آخر ، خليط غريب صحيح لكنه سيعجبكم إن شاء الله
ربما تكون أطول رواية تمر على هذا المنتدى لكن عنصر التشويق الذي حاولت جاهدة ملأها به لن يجعلكم بإذن الله تحسون بطولها
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ملاحظة كتبت هذه الرواية في المنتدى المذكور في قول الكاتبة
في الرد القادم سانشر الفصل الاول وكل الفصول في ردود اخرى
في امان الله


عدل سابقا من قبل بِيلاَرّ في 16/12/2017, 3:45 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بِيلاَرّ
صديقة المنتدى
صديقة المنتدى
avatar


مسآهمـآتــيً $ : : 287
عُمّرـيً * : : 18
تقييمــيً % : : 29105
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 21
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 29/11/2016

رواية باحثا عن ظلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية باحثا عن ظلي   رواية باحثا عن ظلي Empty16/12/2017, 3:42 pm

الفصــــل الأول




حسنا قبل أن أبدأ بسرد قصتي يجب أن أعرفكم على نفسي أولاً ..

اسمي ويندي ماكستر ، عمري 23 عاما ، أعيش في قرية ريفية جميلة في مانشستر - انكلترا ، والدي صاحب محل للملابس وأمي تعمل مدرسة لغة فرنسية في احدى المدارس ، باختصار حياتي عادية جدا كحياة أي فتاة أخرى ، أو بالأحرى هكذا كانت قبل تلك الحادثة قبل ست سنوات تقريبا .

كما قلت حدث ذلك قبل ست سنوات في الثامن من تموز/يوليو ، نعم أذكر ذلك تماما فقد صادف يوم ميلاد صديقتي فلورا ، كان كل ما يشغل بالي في ذلك اليوم هو شراء هدية مناسبة لها ، و بما أنها ذكية تهوى المطالعة أصبح الاختيار أسهل : اشتري لها كتابا فهي تحب القراءة ! ولكن ما نوع ذلك الكتاب ؟ فهي تقرأ كتبا متنوعة ولا تركز على نوع معين .. بما أنني لا أعرف نوعها المفضل من الكتب سأختار النوع الذي أفضله أنا !

اشتريت الهدية وقمت بتغليفها وتزيينها ثم انطلقت أنا والأصدقاء إلى منزل فلورا الذي يقع على حافة القرية بعيدا ومنعزلا عن باقي البيوت و كان علينا أن نعبر من خلال مزرعة كبيرة - كانت ملكا لأسرة فلورا - حتى نصل الى بيتها.

عندما وصلنا فتحت لنا صديقتي بياتريكس التي كانت قد وصلت قبلنا ، دخلنا إلى البيت وذهبنا إلى فلورا و أعطيناها الهدايا وتمنينا لها عاما سعيدا ، كانت حفلة ميلاد رائعة ومسلية أكلنا وشربنا ضحكنا و استمتعنا ، بعدها قالت جيسيكا : فلورا ، ما رأيك أن تفتحي الهدايا الآن ؟

وافقت فلورا وبدأت بفتح الهدايا هدية والديها ، هدية جيسيكا ، هدية جوني ، هدية بياتريكس ، هدية ديفيد ، هدية كلوديا ، ثم وصلت أخيرا إلى هديتي ! رفعت رأسها ونظرت إلي بفضول ثم فتحت الهدية لترى ثلاث روايات بوليسية ! في البداية كان وجهها خاليا من التعابير .. الروايات البوليسية هي نوعي المفضل لكن يبدو أنها آخر ما يمكن أن تفضله صديقتي ..

لكنها سرعان ما ضحكت وقالت بمرح : والآن هذه هدية الآنسة هولمز !

نظرت إلي فضحكت بدوري وقلت : يبدو أنها ليست ما كنت تتمنينه

- حسنا ليست ما تمنيته ولكن هل يحصل المرء على ما يتمناه دائما ؟! كما أنها هدية منك لذلك سأقرها حتى وإن لم تعجبني

- حسنا .. هذا جيد

عندها قال جوني بأسلوب الناصح الناضج : ويندي أظن أنه من الأفضل أن تقرئي كتبا مفيدة وواقعية بدلا من إضاعة وقتك على هذه الروايات !

جوني كان صديقي منذ الطفولة وهو يعرفني جيدا ، إنه شخص واقعي ذكي و متفوق ولا يحب قراءة الكتب الخيالية لأنها هدر للوقت دون فائدة على حسب قوله ، وهو يحب أن يلقي علي المحاضرات دوما من أجل ذلك

- إنها ليست مضعية للوقت كما أنها مفيدة أيضاً وواقعية !

- واقعية ؟! أنا لا أرى ذلك ، إن الجرائم في الواقع لا تكون معقدة ومثيرة كما في الروايات ، بل واضحة و مملة ومع تطور التكنولوجيا ومعدات الشرطة دائماً ما ينتهي المطاف بالمجرم مرميا في السجن !

وافقه الجميع على كلامه ، فقلت عابسة دونما إقتناع حقبقي : حسنا.. أظنك محقا في هذا..

تنحنحت بياتريكس قائلة : دعونا من هذا، بعد عدة أيام سنتخرج من الثانوية ونصبح طلاب جامعيين ، فهل اخترتم جميعا الكليات التي ستدخلونها ؟

أجابت فلورا : أظن أنني سادخل كلية الإعلام !

وقالت كلوديا : كلية الفنون بالطبع !

ديفيد : كلية العلوم السياسية

جيسيكا : كلية الهندسة المعمارية

جوني : كلية الطب على ما أعتقد

بياتريكس : امم أظن أنني سادخل كلية الفنون مع كلوديا.. وأنت يا ويندي ؟

- أنا ؟ .. لم أقرر بعد .. أعني لست متأكدة ..

- يجب أن تقرري بسرعة فلم يتبق وقت كثير

- سأفكر ..

مرت بعدها ساعتان من الضحك واللهو على ذكرياتنا القديمة في المدرسة..
لقد كرهت المدرسة دوما ، لكن الآن..وبعد أن خرجت منها أصبحت أشتاق إليها !

مضى الوقت بسرعة وقاربت الساعة العاشرة مساء ، نظرت جيسيكا إلى الساعة ثم انتصبت واقفة : يجب علي العودة الآن !

لاحظت على وجهها بعض الخوف من الرجوع وحدها ، ذلك أنها قد شاهدت معي فلم رعب يتحدث عن فتاة كانت تمشي في الغابة ليلا وحدها فهاجمها وحش يختبئ بين الأشجار وقتلها ! كان فلما مقرفا لكنني استمتعت بالنظر إلى وجه جيسيكا الذي جمده الخوف

لم اتمالك نفسي من الابتسام ، قلت محاولة لعب دور المنقذ : حسنا أظن أنني تأخرت على المنزل ، لنعد معا يا جيسي !

كانت علامات الارتياح والامتنان واضحة عليها مع أنها حاولت إخفاءها

- اذن الى اللقاء يا اصدقاء ، وليلة سعيدة !

- إلى اللقاء ، اعتنيا بنفسيكما

اتجهنا أنا وجيسيكا نحو الباب لنخرج ، في تلك اللحظة نهض جوني : أظنني سأذهب أيضا.. يجب أن أستيقظ باكرا فلدي بعض الأعمال ﻷنجزها.. إلى اللقاء جميعا !

ثم اتجه نحونا ، وخرجنا نحن الثلاثة.

كانت ليلة هادئة بهواء عليل منعش و ظلام مستبد يثير القشعريرة

واصلنا سيرنا حتى وصلنا للمزرعة و التي وجدناها مظلمة وساكنة سكون المقابر .. ارتعشت جيسيكا و هي تتمتم : إنها مخيفة !

أظن أن جيسيكا كانت محقة في ذلك ، مع أني لست من النوع الذي يخاف بسهولة ، وكنت آتي كثيرا لزيارة فلورا وأعود وحدي في الليل دون خوف ! لكن هذه الليلة .. شعرت بشيء غريب لم أشعر به من قبل ولم أعرف سببا له.. في البداية تجاهلت تلك الأحاسيس فهي لا تكون دائما صحيحة ، كما أننا هنا في أكثر القرى مللا وهدوءا في العالم ما الذي يمكن أن يحدث ؟!

أكملنا مشينا داخل المزرعة ، حينها جاءتني إحدى نوبات الشر التي تسيطر علي عندما أرى جيسيكا خائفة و قلت بصوت كالفحيح : عندها دخلت الفتاة المسكينة الغابة ، كانت سعيدة ومبتسمة ، تفكر بالمستقبل المشرق ، و لم تعرف بالمصير الأسود الذي ينتظرها ...

فتوسلت جيسيكا قائلة و الدموع تتجمع في عينيها : اوه هذا يكفي يا ويندي أنت ترعبينني !

و نهرني جوني بدوره : كفي عن العبث يا ويندي ! مهلا .. هل سمعتما شيئا ؟

- ماذا ؟ أين ؟ متى ؟ اوه أرجوك يا جوني لست أنت أيضا !

- لم أكن أحاول اخافتك.. حسنا انسي الأمر.. لابد أنني كنت أتوهم ، لنكمل طريقنا..

تقدم جوني وجيسيكا خلفه ثم أنا في الأخير ، وبينما كنت أضع قدمي لأخطو.. سمعت صوت تساقط أحجار على بعد عدة أمتار من يميني ... استدرت لكن لم أستطع رؤية شيء بسبب ظلمة الليل و تواجد الأشجار حولنا..

التفت جوني للخلف ونظر إلي قائلاً : إنه نفس الصوت الذي سمعته قبل قليل !

قلت بصوت خفيض متلفتة حولي : نعم .. يبدو أنك لم تكن تتوهم ، فقد سمعته الان..

- اوه يالهي ! كفا عن ذلك.. هذا ليس مضحكا !

- لا داعي للخوف جيسيكا ، لابد أنه سنجاب أو فأر

قلت غير واثقة : ن.. نعم وماذا يمكن أن يكون غير ذلك ؟!

من المفترض أن تهدأ هذه الكلمات من روع جيسيكا لكنها زادت الطين بلة ! حسنا .. أعترف بأنني خفت أنا الأخرى ، لكن لا أعرف مم كنت خائفة ؟! من ظلمة الليل ؟ من السكون الغريب ؟ أم من.. المجهول ؟!

قال جوني : هيا لنذهب بسرعة لقد تأخ ...

و قطع الصوت كلام جوني ! لكنه هذه المرة لم يكن صوت سقوط بعض الحصى أو الحجر ! بل كان صوتا آخر .. صوت حفر !!

تجمدنا في أماكننا ونظرنا إلى بعضنا في خوف ، وضعت جيسيكا يدها على فمها حتى لا تصرخ ، والدموع في عينيها ، كانت مرعوبة كثيرا !

لاحظ جوني هلعها فقال محاولا أن يخفي خوفه : ما بك جيسي ؟! لا داعي لكل هذا الرعب ، لابد أنه مجرد خلد فهذا الحيوان يقوم بحفر الأنفاق تحت الأرض !

قلت : نعم نعم إنه خلد ، لا تكوني جبانة هكذا جيسي !

وكأنني لم أكن خائفة ! في الواقع كنت أوجه ذلك الكلام لنفسي

قل خوف جيسيكا ولكن ليس كما كان يرجو جوني ، فقال بحزم وجرأة : حسنا سأثبت لك أنه مجرد خلد صغير مزعج !

واتجه نحو المكان الذي جاء منه الصوت ، قلت : ساتي معك !

فهتف صديقتي فزعة : ماذا ؟ لا تتركاني وحدي سآتي معكما !

قال جوني : هذا أفضل ، فيجب أن تري بنفسك أنه مجرد حيوان صغير حتى يذهب عنك ذلك الخوف !

اقتربنا من مصدر الصوت حتى أصبح بيننا وبينه أربع أو خمس أمتار ، عندها همس جوني لنا : لنختبأ خلف هذه الشجرة ، لا تصدرا أي صوت ، لا نريده أن يخاف.

فعلنا ما طلبه واختبأنا خلف شجرة ، لم يكن هناك ضوء كاف لكننا تمكنا من رؤية البقعة التي تتحرك فوقها الأحجار

قال جوني وقد ابتسم باطمئنان : هل رأيت يا جيسي قلت لك أنه مجرد خلد !

تنهدت جيسيكا بارتياح : نعم لقد كنت محقا !

قلت : أجل يبدو أنه كان مجرد خلد ! ... انظرا لقد أخرج رأسه !

تبسمت جيسيكا و قد استعاد وجهها لونه : نعم إنني أراه ، يا له من خلد مشاكس لقد أخافني حقا !

التفت نحو جوني الذي كان يتطلع بإمعان إلى الخلد ثم يفرك عينيه ويعاود النظر وكأنه لم يكن يصدق ما يراه أو لم يكن يريد أن يصدق !

- ما بك .. جوني ؟

جفل عندما سألته و تلعثم قائلا : أنا.. لا.. لا شيء.. أظن... أظنني أشعر بالدوار فقط !

لم يقنعني كلامه فاقتربت قليلا للأمام وركزت عيني على رأس الخلد ... لحظات ثم صحت دون أن أشعر ! ذلك أن الذي رأيناه لم يكن رأس خلد ! بل .. يد انسان !!

اقترب جوني ووقف الى جانبي : هل رأيته أنت أيضا ؟ لقد حسبتني أتخيل !

وبينما كانت جيسيكا تقترب منا لترى ما يحدث ... خرجت يد أخرى من تحت الأرض !! و شرعت كلتا اليدين تتشبثان بالأرض لتسحبا الجسم الذي يقبع تحت التراب !

لم أستطع الصراخ .. فقد أطبق الرعب على حنجرتي، وتجمدت قدماي في مكانهما .. حتى جوني الشجاع خرس صوته و امتلأ خوفا ! لم أقدر أن ألتفت لأرى وجه جيسيكا و لكنني سمعت نحيبها .. ثم صوت خطواتها وهي تركض مبتعدة !

و عندما انتبه جوني لصراخها وهي تفر كالمجنونة استدار ليلحق بها ... و في تلك اللحظة .. أفلحت اليدان في إخراج ذلك الجسد !!

خرج جسم من تحت الأرض ! جسم إنسان يغطيه التراب !!

لا أعرف كيف أصف شعوري في ذلك الوقت... كل ما أستطيع قوله أنني لم أشعر بذلك الرعب والهلع في حياتي كلها !

أمسك جوني يدي وقال بصوت خافت خائف : ماذا تنتظرين أيتها الحمقاء ؟! لنهرب بسرعة قبل أن ينتبه إلينا !

لكنني لم ألتفت إليه حتى ... كنت أنظر كل الوقت إلى ذلك المخلوق أمامي ... كان يلهث... و يجثو على ركبتيه ... و يداه على الأرض ، ثم فجأة.. رفع يديه و أرجع رأسه للوراء ... و انفجر ضاحكا !! يضحك .. وكأنه شيطان فر من اعماق الجحيم !

كانت ضحكته تمزق قلبي وتشل جسدي.. لم أعد أسمع صوت جوني ... لقد هرب هو أيضا.. وبقيت أنا وحدي مع هذا الشيطان !

لكنه لحسن الحظ لم ينتبه لوجودي .. وبعد دقيقة من الضحك الهستيري .. نطق لأول مرة فظهر صوته متحشرجا مبحوحا ولكن مفهوما :

".. هندسون .. ريستارك ... بيفورت .. لابوف ... روبارج .. أيها الأوغاد الأغبياء .. لقد حانت ساعتكم !"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بِيلاَرّ
صديقة المنتدى
صديقة المنتدى
avatar


مسآهمـآتــيً $ : : 287
عُمّرـيً * : : 18
تقييمــيً % : : 29105
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 21
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 29/11/2016

رواية باحثا عن ظلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية باحثا عن ظلي   رواية باحثا عن ظلي Empty16/12/2017, 3:43 pm

الفصـــل الثــاني




ما هذا ؟! دماء .. دماء في كل مكان ! جوني ! جيسيكا ! أين أنتما ؟!

ركضت ... و ركضت وأنا أصرخ و أنادي لعل أحدا يسمعني .. ولكن لا إجابة ! ظللت أجري ولم أتوقف حتى تعثرت بشيء ما وسقطت على وجهي.. نهضت لأرى ذلك الشيء .. فانقبض قلبي رعبا و ضاع صوتي ... كان.. جسد جوني هامدا على الأرض بلا حراك ! وعلى .. مقربة منه رأيت جيسيكا.. مسندة ظهرها إلى شجرة و رأسها الى الأسفل ! ناديتهما والدموع تنهمر من عيني : جوني! جيسيكا ! يا إلهي ! ماذا حدث لكما ؟! .. أجيباني !

رد علي صوت ما.. ولكنه لم يكن صوت صديقي بل .. صوت ذلك الوحش الذي ظهر فجأة أمامي :"لا فائدة .. إنهم ميتون !"
ثم صار يضحك بجنون و صدى ضحكته المرعبة يملأ المكان و يبعث الرعدة في أوصالي و لم أكد ألتقط أنفاسي حتى فوجئت به بدأ يقترب مني وهو يقول : " وأنت ستكونين التالية !"

أصبح قلبي يخفق بعنف .. تراجعت إلى الخلف قليلاً ثم رحت أجري .. لم أعرف إلى أين فلم أميز الطرقات لشدة الظلام و لكنني واصلت عدوي .. وكان هو ورائي يركض بسرعة خارقة وهو يضحك باستهزاء : "هذا عديم الجدوى !"

حتى أمسك بي أخيرا بيده القوية ذات الأظافر المدببةالدامية ! أغمضت عيني وأخذت أصرخ بأعلى صوتي.. فجاء صوت من بعيد : ويندي ! ويندي ! هل أنت بخير ؟! هل تسمعينني ؟!

من ؟ صوت من هذا الذي يناديني ؟! شعرت بدوار في رأسي وكأنني في دوامة.. ثم فتحت عيني ببطء وصعوبة لأرى بغير وضوح شخصا جالسا إلى جواري وقد أحنى جسده باتجاهي وهو يقول : ويندي ! أنت بخير ؟!

كان مجرد كابوس إذن !
..تنهدت عميقا و شعور عميق بالارتياح يغمرني ثم قلت بصوت واهن وقد بدأت أرى بوضوح أكبر : ف.. فلورا ؟!

- نعم إنها أنا ، كيف تشعرين الآن يا عزيزتي ؟

- أنا.. أنا بخير.

- اوه الحمد لله ! لقد قلقت عليك كثيرا ، كنت تصرخين أثناء نومك !

- آ.. آه كان مجرد كابوس.. كابوس مخيف !

رفعت رأسي من الوسادة ثم جلست على فراشي ونظرت حولي إلى الغرفة.. إن هذا بلا شك منزل فلورا ! لكن لم أنا هنا ؟!

و لم ألبث حتى طرحت سؤالي على فلورا فردت : هذا ما أريد سؤالك عنه ، لقد وجدناك غائبة عن الوعي في المزرعة ليلة أمس ! أخبرنا جوني..

- جوني ؟! هل جوني بخير ؟! وجيسيكا أيضا ماذا حدث لهما ؟!

- إنهما بخير لا تقلقي.. كانت جيسيكا منهارة في البداية ولكنها الآن على ما يرام.. كما كنت أقول جاء إلينا جوني ليلة أمس مذعورا.. تحدث ولكننا لم نفهم شيئا من كلامه سوى أنه تركك وحدك في المزرعة وأنك تحتاجين المساعدة ! فانطلقنا جميعا معه لنبحث عنك و وجدناك ممددة على الأرض بين الأشجار !

نظرت إليها مندهشة ، ثم غطيت وجهي بكلتا يدي وأنا أتذكر برعب ما حدث ليلة أمس.. و تمتمت مخاطبة نفسي : إذن.. فذلك الذي رأيناه.. كان حقيقيا ! يا إلهي ! لا أصدق أنني ما أزال حية !

قطبت فلورا جبينها وسألت باهتمام نادرا ما يبدو عليها : ما الذي رأيتموه ؟!

لم أجب و بدلا من ذلك سألتها أنا : هل والداي يعلمان أنني هنا ؟

- نعم لقد اتصلت بهما و أخبرتهما أنك ستمكثين الليلة عندي.. لم أحدثهما بما حصل فعلاً ، فلم أشأ أن أسبب لهما القلق في مثل ذلك الوقت

- حسنا فعلتي يا فلورا ، كانا سيقلقان دون داع و على أية حال لم يكونا ليصدقا ما حدث !

- ويندي ! قولي لي ما الذي حدث !

- هل يمكنك أن تطلبي من جوني المجيء إلى هنا ؟

- حسنا.. ولكنك لم تخبريني عن...

قاطعتها بحزم لا يقبل النقاش : سنتحدث عندما يأتي جوني !

اتصلت فلورا به وطلبت منه الحضور.. في حين أخذت أنا حماما منعشا واستعرت بعض الملابس من صديقتي.. ثم تناولت الفطور...

كنت جالسة في غرفة الاستقبال عندما رن جرس الباب فذهبت فلورا لتفتحه ثم عادت برفقة جوني.. بدا واضحا أنه لم ينم الليلة الماضية ، وكان وجهه شاحبا حزينا .. جاء وجلس على أريكة قبالتي و لكنه لم ينظر نحوي بتاتا ، ظل مطرقا رأسه حتى بادرته متسائلة : ما الأمر يا جوني ؟ هل أنت بخير ؟

رفع رأسه ونظر إلي للمرة الأولى منذ وصوله.. كان الحزن واليأس يملآن عينيه.. لم تدم نظرته أكثر من ثانيتين ثم عاد و أشاح ببصره بعيدا عني.. و قال بمرارة : أنا.. أنا.. آسف جدا ، كنت جبانا ليلة أمس.. هربت... وتركتك وحدك..

أعرف تماما صعوبة هذه الكلمات عليه.. كان جوني دوما شخصا متباهيا معجبا بنفسه ولم يكن يسمح لأحد أن ينقص من قدره ، ولكنه هذه المرة.. رأى في نفسه جانبا ضعيفا لم يتوقع وجوده ، لقد خذل نفسه.. وتزعزت ثقته بها !

قلته له مواسية : لا داعي للاعتذار يا جوني فأنا بخير ولم أصب بأي أذى !

عاود النظر إلي ولكن هذه المرة لم يبعد بصره عني وقال بانفعال : نعم.. كنت محظوظة حقا اذ أنك لا تزالين على قيد الحياة ! لكن هذا لا يغير من الأمر شيئا ، فقد كان احتمال موتك كبيرا جدا ، و قد لذت هاربا بنفسي وتخليت عنك.. عن صديقة طفولتي ! أنا شخص أناني جبان ولا أستحق أن أكون صديقا لك.. أو لأي أحد !

كنت أشعر بالأسى عليه في البداية ولكن هذا الشعور ما لبث أن اختفى ليحل محله الغضب والاستياء.. صحت به : حسنا.. لقد فعلت ذلك ، كنت خائفا وتخليت عني.. والآن ماذا ؟! هل ستظل بقية حياتك تعض على يديك نادما ؟! ليس عيبا أن تخطئ فجميعنا نفعل ، وليس جبنا أن تخاف فلكل منا مخاوفه ! بدلا من النحيب على ماض مظلم اصنع مستقبلا أفضل ! حسن نفسك و أصلح عيوبك ! و كن الشخص الذي تريد أن تكون و ليس الشخص الذي كنت عليه ! نحن كنا أصدقاء وسنبقى كذلك إلى الأبد.. هل تسمع أيها الأحمق ؟!

يالهي ! لقد قلتها ! كنت أتمنى منذ صغري أن أنعته ب "الأحمق" ولكنه لم يعطني فرصة لذلك فقد كان الذكي المتألق على الدوام.. لكني قلتها الآن و قد استحقها بجدارة !

وافقتني فلورا بإعجاب.. أما هو فبقي مشدوها لفترة وكأنه تلقى صفعة على وجهه ، و بعدما استيقظ من دهشته ابتسم قائلا وقد عاد إلى طبيعته : من المدهش أنه حتى فتاة بمثل مستوى ذكائك المتدني بإمكانها أن تقول "أحيانا" كلاما حكيما !

كم يحب السخرية مني هذا المغرور ! مع ذلك كنت سعيدة بعودته إلى طبيعته ، فأنا أحب الأشياء على طبيعتها حتى لو كانت مزعجة

هذه المرة تحدثت فلورا : والآن هيا أخبراني ما الذي حدث !

قلت : تحدث أنت يا جوني لقد رفضت أن أخبرها أنا لأنها لن تصدق ما أقوله فهي ترى أنني فتاة حالمة تعيش في عالم الخيال !

- ألست كذلك فعلا ؟!

- ربما كنت كذلك في بعض الأحيان.. ولكن ليس الآن !

- حسنا...سأتحدث أنا...

أخبرها جوني بالقصة منذ أن خرجنا من منزلها حتى هرب هو إليهم بعد أن أرعبته الضحكة الشيطانية لذاك المخلوق.

كانت فلورا فاغرة فاها مأخوذة طوال حديث جوني ثم قالت بعد أن انتهى من كلامه : مهلا ! مهلا ! هل حدث كل هذا في مزرعتنا.. مزرعتنا الهادئة المملة ؟! وفي يوم ميلادي ؟! يا إلهي هذا لا يصدق !

ثم اتجهت أنظارهما إلي وقال جوني : هذا كل ما أعرفه.. أخبرينا أنت بباقي القصة !

- ليس لدي الكثير ﻷضيفه.. لكن بعد أن ذهبت أنت قال بضع كلمات.

نظرا إلي باهتمام شديد : ما الذي قاله ؟!

- " هندسون ، ريستارك ، بيفورت ، لابوف ، روبارج ، أيها الأوغاد الأغبياء.. لقد حانت ساعتكم !".. ولا أذكر ماذا حدث بعد ذلك فقد فقدت وعيي من الذعر !

- ما معنى هذا الكلام ؟!

- يبدو أنه.. ينوي قتل هؤلاء الخمسة !

- ولماذا ؟!

- وما أدراني أنا ! ما أعرفه هو أن علينا تحذيرهم !

قالت فلورا : لكن من يكون هؤلاء ؟!

- هذه الأسماء شائعة فكيف يمكننا أن نحدد المقصودين بذلك التهديد ؟!

قلت : هذا صحيح.. اذا كانوا متفرقين لن نميزهم عن غيرهم ممن يملكون الاسم ذاته.. و لكن لابد أن هناك شيئا مشتركا بين هؤلاء الخمسة يمكن أن يقودنا إليهم ! كأن يكونوا أصدقاء أو أقرباء أو شركاء في عمل ما !

صمتنا جميعا للحظات ونحن نفكر.. ثم قالت فلورا فجأة : ريستارك !أظنني سمعت بهذا الاسم من قبل.. ربما أثناء زيارة لخالتي في لندن .. انتظرا سأجري مكالمة معها ثم أعود..

ذهبت فلورا.. وبعد دقائق عادت مبتهجة : لقد عرفت من هو ! إنه رجل ثري جدا يملك شركة مشهورة للألعاب الإلكترونية في لندن !

قلت : هذا جيد و لكن قبل كل شيء يجب أن نعرف إذا كانت له علاقة بالآخرين أم لا

- حسنا... لنستعن بالإنترنت فهو شخصية مشهور ولابد أن نجد معلومات عنه على الشبكة العنكبوتية !

أحضرت فلورا حاسوبها المحمول وظلت تبحث فيه لربع ساعة تقريبا.. بعدها لاحت على وجهها علامات الانتصار وهي تهتف : انظروا.. انظروا لقد وجدتهم ! هندسون هو رجل أعمال ذو خبرة واسعة وصاحب مصنع ضخم للحواسيب والأجهزة الإلكترونية وقد سبق له أن وقع عقوداً مشتركة مع ريستارك.. أما بيفورت ، لابوف ، روبارج .. إنهم فرنسيون بالمناسبة و هم ثلاثة مدراء من أصل ستة لمؤسسة لوميير التي تضم أفضل ماركات الملابس والعطور في أوروبا ! وقد قاموا بتمويل شركة ريستارك عندما كادت أن تفلس قبل عدة سنوات !

قال جوني : ممتاز ! عثرنا عليهم بسرعة قياسية !

قلت : هذا غريب جدا.. ما الذي يدفع ذلك الشخص للرغبة في قتل رجال أعمال أثرياء ومن دولتين مختلفتين كهؤلاء ؟!

- إنهم رجال ناجحون جدا في ميدان العمل ولابد أن لديهم كثيرا من الأعداء والمنافسين..

- نعم ولكن هل يعقل أن تصل المنافسة بأحدهم إلى حد الرغبة في القتل ؟!

- ليس مستبعدا .. فالشجعون أصحاب النفوس الضعيفة يملؤون العالم !

- حسنا قد لا نعرف نحن ولكن أولئك الخمسة سيعرفون أعدائهم الذين يسعون الى إزحاتهم بشتى الطرق و كل ما ينبغي علينا فعله الآن هو الذهاب إليهم وتحذيرهم !

فقالت فلورا عابسة : لا نستطيع الذهاب إليهم جميعا فهم يعيشون في أماكن بعيدة ومتفرقة .. لنخبر أحدهم بالأمر و هو سيتولى إنذار الباقين فهم على اتصال مع بعضهم كما يبدو..

أومأنا أنا و جوني بالموافقة .. فأضافت : حسنا إذن.. لنختر ريستارك فهو موجود في لندن حيث تعيش خالتي وستكون زيارتها عذرا مناسبا لذهابنا إلى هناك.. سنذهب أنا و ويندي فقط فخالتي لا تحب أن أحضر الأولاد إلى بيتها.. لا بأس في ذلك يا جوني صحيح ؟!

- نعم .. حسنا.. لا مشكلة.. لكن لا تنسيا أن تتصلا بي و تخبراني بما يحدث معكما !

- لا تقلق لن ننسى.. اوه صحيح أظن من الأفضل ألا نخبر أحدا بالأمر فإذا وصل إلى ذلك الشخص أن ويندي سمعت كلامه فقد يحاول التخلص منها !

التمتعت عيناي بالإثارة و أنا أتخيل مجرما يطاردني بطلقات الرصاص : شخص يحاول قتلي ؟! سيكون هذا مثيرا حقا !

قال جوني باستهجان : يا لك من مجنونة !

في حين خاطبته فلورا قائلة : صحيح يا جوني أخبر جيسيكا أن تتكتم على الأمر أيضا !

- سأفعل !

- و الآن.. سأذهب لأتصل بخالتي و أعلمها بقدومنا أما أنت يا ويندي فاذهبي إلى منزلك لتخبري والديك وتجهزي أغراضك ، يجب أن نسرع لنستقل أول قطار إلى لندن..

ذهبت لمنزلي وعندما وصلت لم أجد فيه غير أبي الذي كان في الصالة جالسا على الأريكة وأمامه حاسوبه المحمول يجري عليه الحسابات ويرسل بعض الرسائل إلى زبائنه.. تقدمت منه وقلت : صباح الخير يا أبي لقد عدت !

قال ومن دون أن يرفع نظره عن حاسوبه : نعم .. حسنا

قلت بسرعة مستغلة انشغاله الذهني : أبي.. لقد دعتني فلورا لمرافقتها إلى لندن لزيارة خالتها هناك.. فهل تمانع ؟!

- لا.. لا مانع عندي.. و الآن لا تقاطعيني ودعيني أعمل بهدوء..


لطالما قلت أن أنسب وقت لتطلب من أهلك شيئا هو عندما يتحدثون على الهاتف أو يعملون على الحاسوب فهم سيقبلون أي شيء فقط.. ليتخلصوا منك !

صعدت مسرعة إلى غرفتي خشية أن يغير أبي رأيه و حزمت حقيبة صغيرة ونزلت إلى الدرج : أراك لاحقا يا أبي !

لم أنتظر سماع رده و إنما انطلقت خارجة . وافيت فلورا عند المحطة.. انتظرنا لفترة قصيرة حتى وصل القطار ثم ركبناه وانطلق بنا إلى لندن...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بِيلاَرّ
صديقة المنتدى
صديقة المنتدى
avatar


مسآهمـآتــيً $ : : 287
عُمّرـيً * : : 18
تقييمــيً % : : 29105
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 21
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 29/11/2016

رواية باحثا عن ظلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية باحثا عن ظلي   رواية باحثا عن ظلي Empty16/12/2017, 3:44 pm


الفصـــل الثالث




وأخيرا.. وصلنا إلى لندن !

كان من حسن الحظ أن جئناها في الصيف فلندن في الشتاء لا تطاق أبداً !

بعد خروجنا من المحطة ركبنا سيارة أجرة أخذتنا إلى الحي الذي تعيش فيه خالة فلورا ..توقفت السيارة أمام الباب الخارجي للمنزل قبل أن ننزل و ندخل إلى الحديقة.. رأتنا الخالة من النافذة فخرجت لتستقبلنا بوجه بشوش مرح : اوه عزيزتي فلورا كيف حالك ؟! لقد كبرت حقا و أصبحت شابة رائعة <ثم حولت نظرها إلي وأضافت : لابد أنك صديقة فلورا التي حدثتني عنها ! لحظة ماذا كان اسمك ؟! آه .. ويندي ! نعم لقد تذكرته ! أهلا بك عزيزتي ، والآن هيا ادخلا لقد صنعت كعكة شوكولاتة شهية ، لا يجب أن تفوتكما..

كانت الخالة دوروثي امرأة عزباء ودودة و لطيفة ، تحب فلورا حبا جما ، إن فلورا محظوظة حقا لأن لديها خالة كهذه .

قدمت لنا الخالة كعكتها اللذيذة مع الشاي ، و بينما نحن نأكل شرعت تسألنا عن خططنا وأهدافنا للمستقبل وكانت إجاباتي تتلخص في : لا أدري .. لست واثقة .. لم أقرر بعد !

وبعد انتهائنا من الأكل و الأسئلة الفضولية .. قالت الخالة على غير توقع بابتسامة ماكرة : إذن يا عزيزتي الصغيرة ما الذي جاء بك إلى لندن ؟! لا تقولي أنك جئت ببراءة لزيارة خالتك الحبيبة فهذا لن ينطل علي ، لأنني أعرفك أكثر من أي شخص آخر !

نظرنا أنا وفلورا إلى بعضنا ثم انفجرنا ضاحكتين ، و قالت فلورا مهزومة : حسنا يا خالتي لقد كشفتني !

- إذن أخبريني !

نظرت فلورا إلي وكأنها تطلب موافقتي أولا فأومأت لها بذلك...عندها قالت : حسنا .. أنت تعرفين السيد ريستارك بالطبع !

- بلا شك .. ولكن ما علاقته بالأمر ؟!

أخذت فلورا نفسا طويلا قبل أن تقول : حسنا.. إن حياته في خطر !

- ماذا ؟!

- نعم ، شخص ما يريد قتله ويجب أن نخبره بذلك حتى يأخذ حذره.. قبل فوات الأوان !

صمتت الخالة للحظات حتى تستوعب الأمر ثم سألت : ولكن كيف عرفت عن الأمر يا فلورا ؟!

دارت عيناه في محجريهما كما لو كانت تبحث في رأسها عن كلمات مناسبة : لقد .. سمعنا شخصا وهو يقول أنه سيقتله.. ولكننا لم نر وجه ذلك الشخص للأسف ولا نعرف عنه شيئا !

- إن هذا غريب.. غريب جدا !

- نعم غريب ، و لكنه حدث

أسندت الخالة ظهرها إلى كرسيها وراحت تفكر بصمت .. فسألتها فلورا : هل تصدقين ما قلته لك ؟!

هزت المرأة رأسها مقطبة جبينها : نعم .. أعتقد هذا ، فأنت فتاة ناضجة و ذكية و لست ذلك النوع السخيف من الفتيات اللاتي يخترعن القصص لجذب الانتباه ، بالمناسبة متى سمعت ذلك الكلام يا فلورا ؟!

- ليلة أمس !

- اوه.. في ليلة ميلادك ؟!

- نعم.. أمر عجيب أليس كذلك ؟!

- همم.. لابد أن نسرع إذن فنحن لا نعرف متى سيضرب ذلك الشخص ضربته !

- تماما ، لكن هل تعرفين أين نجده ؟! أعني مكان إقامة ريستارك ، فلا أظن أنهم سيسمحون لنا برؤيته في مكتبه دون موعد.. لن يكون الدخول إلى مسكنه سهلا أيضا لكن لابد أن نحاول..

- نعم أنت محقة ، يمكنني معرفة ذلك.. ماريا إحدى جاراتي تعمل في شركته لذلك نستطيع معرفة مكانه بسهولة ، ساتصل بها الآن و أسألها عن ذلك !

أخذت الخالة هاتفها المحمول و انتقت إحدى جهات الاتصال المسجلة ثن انتظرت لدقيقة حتى جاءها الرد فقالت الخالة بنبرة ودودة : مرحبا ماريا إنها أنا دوروثي ! في أحسن حال كيف هو يومك في العمل ؟! لابد أنك مشغولة كثيرا وأنا لا أريد أن أعطلك لذلك سأدخل مباشرة في الموضوع .. هل تعرفين أين يقيم رئيسك في العمل السيد ريستارك ؟! فهمت .. و متى يعود إليه ؟! إنها قصة طويلة سأخبرك بها لاحقا ، حسنا.. نعم .. شكرا لك يا عزيزتي !

ثم أغلقت الخط و نظرت إلينا بابتهاج : عرفت موقع منزله .. <ثم ألقت نظرة على ساعة الجدار وأضافت : الذي سيعود إليه بعد ثلاث ساعات من الآن ! حسنا.. إلى أن يحين ذلك الوقت اصعدا للغرفة التي جهزتها لكما و خذا قسطا من الراحة بينما أذهب أنا لشراء بعض الخضار والفواكه..

امتثلنا لأوامرها و صعدنا إلى الغرفة في الطابق العلوي.. كانت مرتبة و مريحة تماما ، ألقيت حقيبتي على الأرض بإهمال ثم سقطت متهالكة فوق الفراش ، بينما جلست على كرسي بجانب سريرها و قالت بسرور : إننا محظوظون حقا ! سار كل شيء سهلا ، و عرفنا كل المعلومات التي نحتاجها في بضع ساعات فقط !

قلت بغموض و عيناي تسرحان إلى سطح الغرفة : نعم.. كل شيء كان سهلا .. سهلا بشكل مريب !

- ماذا تقصدين ؟!

- لا أدري .. أشعر بشعور غريب حيال الأمر كله ، إن كل ما أفكر به الآن هو.. "شادو" !

- "شادو" ؟!!

أدرت رأسي نحوها و قلت بحماس : آه نسيت أن أخبرك ، لقد أسميته "شادو" (الظل) ..أقصد مجرمنا الذي لم يرتكب جريمته بعد !

حدقت في بمزيج من الدهشة و الاستهجات قبل أن تقول مستنكرة : ويندي ! أنت عجيبة فعلا ! تطلقين عليه اسما كما لو كان حيوانك الأليف ! إنه شخص خطير ! خطير و ليس جروا !

رميت رأسي على السرير و انفجرت ضاحكة.. لا أدري لماذا و لكنني أستمتع عندما ينعتني أحد ما بالمجنونة أو الغريبة .. قلت : أعلم هذا لكننا لا نعرف اسمه ، و لا يمكننا أن نناديه طوال الوقت ب"ذلك الشخص" أو "ذلك الشيطان"

عدت أنظر إلى سطح الغرفة بشرود و أنا أضيف : عندما رأيته ليلة أمس كان سواد الليل يغطيه كاملا .. وكأنه ظل وليس بشرا ! ترى.. من يكون ؟! و ماذا يفعل الآن ؟!

أغمضت عيني و استغرقت في أفكاري .. ثم دون أن أشعر غفوت لساعتين كاملتين مرتا بالنسبة لي كخمس دقائق فقط !

أيقظتني فلورا التي ظلت مستيقظة تشاهد التلفاز و كانت الخالة دوروثي قد عادت و أعدت لنا وجبة خفيفة بعد أن انتهينا منها ذهبت أنا و فلورا إلى غرفتنا و ارتدينا أفضل ملابسنا ثم نزلنا إلى الأسفل .. يجب أن نبدو في أجمل مظهر حتى لا يظننا ريستارك مجرد متسولتين جائتا ﻹستجداء المال منه !

كانت الخالة تنتظرنا عند الباب وعندما رأتنا قالتبجدية أكبر من المطلوب : والآن.. هل أنتما مستعدتان ؟!

لم أتمالك نفسي من الضحك ، كانت تتحدث و كأنها قائدة في فرقة المضحين المغفلين في جيش هتلر !

و بعد أن أومأت أنا و صديقتي بالإيجاب خرجنا من البيت و ركبنا سيارتها..

تجولنا لبعض الوقت في أنحاء المدينة قبل أن نتجه إلى منزل ريستارك..إن لندن - بإستثناء جوها المزعج - مدينة في غاية الروعة خصوصا تلك المحلات الفاخرة التي علق على زجاجها لافتة "تخفيضات"!

ثم أخيرا وليس آخرا.. اتجهنا إلى منزل ريستارك .

كان ذلك الثري يسكن الحي الأفخر و الأجمل في العاصمة كلها ! كنا نشاهد بانبهار القصور المنتصبة بتباه على جوانب الطريق و السيارة تسير حتى وقفت أمام بوابة ضخمة .. قالت الخالة : ها قد وصلنا !

نزلنا من السيارة واتجهنا صوب البوابة الموصدة .. فظهر لنا أحد الحراس من الجهة الأخرى وقال ببرود : من أنتم ؟ وماذا تفعلون هنا ؟

تبسمت الخالة و هي تقول بأدب : نريد مقابلة السيد ريستارك من فضلك !

نظر إلينا باستخفاف وهو يتفحصنا بنظرة وقحة : ومن تكونون أنتم ؟!

قالت الخالة بثبات : هذا ليس مهما فهو لا يعرفنا على أية حال ، لكننا نعرف شيئا يهمه كثيرا و نود إخباره به لذا هلا تفضلت و سمحت لنا بالدخول ؟!

- سيدي لا يضيع وقته مع أمثالكم !

لم يعد في استطاعتي السكوت أكثر فاندفعت للأمام و تمسكت بقضبان البوابة الحديدية و الغضب يتملكني : اسمع يا وجه الدب ! نحن لم نأت للاستجداء من سيدك بل لأمر هام يتعلق بحياته ! لذلك بدلا من الوقوف هكذا كالأبله اذهب وأحضر من هو أعلى منك سلطة إن كنت لا تريد إزعاج سيدك و إلا ستتحمل وحدك كامل المسؤولية إذا ما أصابه أي مكروه !

مع أن فلورا وخالتها التزمتا الصمت إلا أنني شعرت برضاهما عما قلت ، أما الحارس المتعجرف فقد تصاعد الدم إلى وجهه ، كان في أوج غضبه ولكنه - و بعد أن أخافه كلامي - لم يملك إلا أن يذهب ويستدعي كبير الخدم الذي كان رجل عجوزا لا يقل عجرفة عنه و لكنه ليس غبيا مثله !

قال عندما رآنا : ما الذي جاء بكن إلى هنا ؟! ولم كل هذه الجلبة ؟!

تحدثت الخالة : لقد طلبنا بأدب مقابلة السيد في أمر مهم جدا ، فقام حارسكم هذا بإهانتنا.. هل هكذا يعامل رجل ثري نبيل سيدات جئن من الريف لمقابلته ؟!

تردد كبير الخدم لفترة بعدها عبس و تجهم و سمح لنا بالدخول ...كان منزل ريستارك - أو بالأحرى قصره - تحفة معمارية حديثة ذو حديقة واسعة جدا ، منسقة ، ومزينة بأجمل الورود . قادنا كبير الخدم إلى داخل القصر ثم أدخلنا إلى غرفة كبيرة وفارهة و قال بلهجة باردة : انتظرن هنا ريثما أخبر سيدي بقدومكن !

جلست فلورا والخالة على الأريكة الثمينة أما أنا فبدأت أتجول في الغرفة متعجبة من كل ما أراه و كأن كل شيء صنع من الذهب و الألماس ! جلست - بعدما فرغت من استكشافي - بحذر على الأريكة بجانب فلورا ، خشيت أن تتوسخ حقيقة ... و في اللحظة التي اعتدلت في جلستي دخل كبير الخدم معلنا عن وصول السيد ريستارك !

كان ألكسندر ريستارك رجلا طويلا ، ممتلئ الجسم في الخمسين من عمره كما بدا من تجاعيد وجه . تقدم وجلس على أريكة قبالتنا.. ثم بدأ يتفحصنا بنظرات محتقرة و كأننا مجرد حشرات تافهة الحجم و القيمة !

..التزم الصمت ينتظرنا أن نبدأ الحديث و لكن الارتباك ربط ألسنتنا فزفر بضيق و قال ببرود مستفز : إذن ما هو هذا الأمر المهم الذي يتعلق بحياتي ؟!

نظرت الخالة دوروثي لفلورا وكأنها تقول لها (هيا تكلمي فأنت من كنت تريدين لقائه !) و نظرت فلورا إلي (أنت تكلمي فأنت من أخبرني بالأمر ! )

وكأننا نبحث عن كبش فداء ! هذا ليس وقت التردد !

حزمت الخالة أمرها عندما رأتنا متوترتين و سحبت نفسا عميقا قبل أن تقول : حياتك .. في خطر يا سيد ريستارك !هناك شخص يريد قتلك !

توقعت أن يفاجأ أو يندهش و لو قليلا لكنه لم يتأثر بتاتا ، رفع أحد حاجبيه في استخفاف وقال : حقا ؟!

هذه المرة تحدثت فلورا : سيدي يجب أن تصدقنا هناك شخص ينوي قتلك وهو جاد في ذلك !

- اه.. ومن يكون ذلك الشخص ؟!

توترت صديقتي و تلعثم لسانها : لا نعلم من هو.. لقد سمعناه فقط وهو يقول ذلك..

- آه.. وأين كان هذا ؟!

- في ..في قرية سانت ماري... في مانشستر !

فأطلق ريستارك ضحكة كريهة احمر وجه فلورا لها و قال مستهزئا : في قرية صغيرة في مانشستر ؟!!

صمت لحظة ثم أضاف بتبجح و استخفاف : تقولين أن فلاح سخيفا يريد أن يقتلني أنا ؟!!

كانت نار الغضب تشتعل و يتطاير لهيبها من عيني و لم أستطع إخمادها ! انتصبت واقفة و صحت في وجهه قائلة : لا تستخف بأحد أيها المتعجرف ! ربما يكون ذلك الشخص ريفيا فقيرا لكنه قد يملك عقلا أكبر من عقلك الصغير و تفكيرا أوسع من تفكيرك الضيق ! لقد قطعنا كل هذه المسافة لنحذرك و لكنك بدلا من الامتنان لنا تعاملنا باحتقار !

ابتسم ريستارك في سخرية وقال : اه هكذا إذن ! جئتن من أجل المكافأة !

لقد غضبت كثيرا في حياتي لكنني لا أذكر أني وصلت هذا الحد من الاشتعال !

- لا نريد منك شيئا يا حصالة النقود الصدئة !

و اندفعت مباشرة نحو باب الغرفة و كدت أغادرها لولا أني تذكرت شيئا نسيت قوله فالتفت تجاه ريستارك قائلة : صحيح .. أنت لست وحدك في خطر ، هناك أربعة غيرك : هندسون ، بيفورت ، لابوف ، روبارج ، إنهم شركائك أيضا لذا يتحتم عليك تحذيرهم !

لأول مرة منذ بدء لقائنا ظهر على وجهه التأثر ! بل الرهبة أيضا ! لم يهتم حين حذرته من الخطر الذي يهدده ، لكنه شعر بالخوف عندما علم أن شركائه في الموقف نفسه ! هذا غريب .. لا أظن أبدا أن ذلك القلق نابع من طيبة قلبه أو حبه لشركائه.. لابد أن هناك سببا آخر.. و ما يثير ضيقي أني لا أستطيع معرفته !

كنت أفكر بذلك وأنا أمشي خارجة من الغرفة ولم أنتبه لنفسي إلا و قد اصطدمت بشخص ما.. تراجعت عدة خطوات و قلت محرجة : ا.. آسفة جدا ، كنت شاردة..

أدهشني أنه لم ينزعج أو يتضايق مطلقا بل ابتسم بعذوبة و قال : لا بأس يا آنستي !

كان رجلا في الثلاثين ، منهدم اللباس ، مصفف الشعر ، تطل عيناه الزرقاوان من خلف نظارة أنيقة .. و أخيرا شخص لطيف في بيت المتعجرفين الوقحين هذا !

دخل الرجل إلى الغرفة التي تركنا ريستارك فيها .. في حين خرجنا نحن إلى الحديقة ثم الشارع حيث أوقفت الخالة سيارتها.. صعدنا إليها فانطلقت بنا عائدة إلى البيت.
قالت فلورا بكآبة ناظرة عبر النافذة إلى القصر و هو يبتعد : يا لها من مضيعة للوقت !

أومأت موافقة و أضفت : لم أر في حياتي رجلا وقحا ومتكبرا مثله ، لو أني بقيت دقيقة أخرى في قصره كنت سأوفر على "شادو " عناء ارتكاب الجريمة بنفسه !

ضحكت فلورا والخالة أيضا ثم قالت الأخيرة مواسية : لا عليكما يا عزيزتي فقد فعلتما ما كان عليكما أن تفعلاه.. وإن كان ريستارك لا يستحق ..

تبسمت و هززت منكبي بلا اكتراث ثم قلت لفلورا : هل تعلمين ما هو الشيء الذي سيحسن مزاجنا ؟!

نظرت إلي و قد انفرجت أساريرها و هتفنا بصوت واحد : التسوق !

فقالت الخالة بمرح : هيا بنا إذن !

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بِيلاَرّ
صديقة المنتدى
صديقة المنتدى
avatar


مسآهمـآتــيً $ : : 287
عُمّرـيً * : : 18
تقييمــيً % : : 29105
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 21
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 29/11/2016

رواية باحثا عن ظلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية باحثا عن ظلي   رواية باحثا عن ظلي Empty16/12/2017, 3:47 pm

الفصـــل الرابـــع





كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة عندما عدنا نجر أقدامنا إلى المنزل خائري القوى.. استمتعنا كثيرا بتجولنا في الأسواق رغم أننا لم نشتر إلا القليل ، فالأسعار كانت باهظة جدا حتى مع التخفيضات ، يا لهم من محتالين !

اجتمعنا في غرفة الجلوس بعدما بدلنا ثيابنا و جلسنا نشاهد فلم غموض مشوق .
مرت ساعة تقريبا و أعيننا مسمرة على التلفاز ، كنا مندمجين تماما مع الفيلم .. أما الخالة التي لم تعطه كثيرا من انتباهها فقد نهضت فجأة و قالت متجهمة في شك : أظنني.. سمعت صوت الجرس !

قلت أنا وفلورا أننا لم نسمع شيئا .. في الواقع ما كنا لنسمع أي شيء و نحن نركز كل حواسنا على شاشة التلفاز بتلك الطريقة البلهاء

فقالت الخالة : حسنا سأذهب ﻷتاكد فقط..

خرجت من الغرفة وعدنا نحن الاثنتين لمشاهدة الفيلم..

لحظات وسمعناها تفتح الباب وتقول مرحبة : اوه.. هذا أنت يا سيدي ! اعذرني فلم أسمع الجرس إلا الآن ، تفضل بالدخول !

تبادلت النظرات مع فلورا نتشارك استغرابنا.. قلت : من يكون يا ترى ؟!

وأضافت هي : وفي مثل هذه الساعة ؟!

نهضنا من مكاننا و تسابقنا إلى الصالة و الفضول يتملكنا .. كان ضيفنا هو ذلك الرجل اللطيف الذي اصطدمت به في منزل ريستارك !

ابتسم عندما رآنا وقال بأدب و لطف : مساء الخير آنستي ! أعتذر لقدومي في مثل هذا الوقت..

فردت الخالة بدماثة و هي تبتسم : لا مشكلة أبداً يا سيدي ، تفضل اجلس ! ماذا تحب أن تشرب ؟!

- شكرا لك سيدتي ، لا أريد أن أشرب شيئا..< سكت لثانية ثم قال : لا أظنكن تعرفنني ، لذلك سأقدم نفسي أنا تشارلز باتون سكرتير السيد ريستارك ! و قد أرسلني السيد ﻷقدم لكن اعتذاره عن معاملته غير اللطيفة ، و أسالكن - من بعد إذنكن طبعا - عن ذلك الشخص الذي يهدد حياته !

رميت بنفسي على كرسي قريب و زممت شفتي باستياء و أنا أقول : كنا عنده قبل ساعات وأخبرناه بكل ما نعرفه و قد سخر منا وعاملنا بوقاحة !

ابتسم مرة أخرى وقال بلطف : أجل.. علمت أنه تصرف بشكل غير لائق معكن و دون أي مبرر واضح ، لكن أرجو أن تغفرن له هذا ، أنتن آنسات نبيلات و سيدي وإن لم يكن شخصا لطيفا فهو يبقى إنسانا و هو - في هذه اللحظة - في أمس الحاجة إلى مساعدتكن .

تحدثت فلورا بهدوء : لكننا أخبرناه بكل ما نعرف بالفعل !

- ربما كنتن تظنن ذلك ، لا أعني بالطبع أنكن أخفيتن أمورا مهمة عن عمد ، ربما تكون تفاصيل صغيرة بدت تافهة و غير مهمة فلم تذكرنها !

التزمنا الصمت و بصعوبة تجنبنا أنا و صديقتي النظر إلى بعضنا .. و يبدو أن باتون قد فطن لوجود سر نتعاون نحن الاثنتان على إخفائه ذلك أنه أضاف قائلا : سيدي لديه الكثير من الأعداء الذين يحسدونه على نجاحه وتفوقه و يسعون إلى التخلص منه ، لكننا لا نستطيع تحديد شخص بعينه ، لذلك نحتاج إلى كل معلومة تقدمنها لنا مهما كانت صغيرة !

لم ينقطع صمتنا غير أنه غدا مشوبا بالحيرة و التردد .. ارتبكت ألستنا و لم نعرف بماذا نجيبه .. فقال بتفهم : حسنا.. ربما إن طرحت الأمر على شكل أسئلة فسيساعدكم هذا على التذكر ..ما رأيكم ؟!

وافقنا على اقتراحه بإيماءة متوترة .. فمضى يقول : حسناً إذن.. سأبدأ بسؤالكم : من منكن التي سمعت ذلك التهديد أم أنكن سمعتنه جميعا ؟!

ترددنا في الاجابة طويلا و نظرت إلي فلورا بقلق .. كنت متوجسة من إخباره .. لكنني حسمت أمري و تنهدت قائلة : لقد سمعته أنا.. أنا فقط !

نظر إلي بود ، لم يسألنا لماذا قلنا أننا جميعا سمعناه مع أني أنا وحدي التي فعلت .. ربما لم يرد أن يزيد ارتباكنا..

قال : حسنا يا آنسة..

فأكملت جملته معرفة عن نفسي : ويندي.. ويندي ماكستر !

ضحك عندها بشكل مفاجئ و قال : إنها أنت تلك الآنسة الجريئة سليطة اللسان التي أهانت السيد ، أليس كذلك ؟! إن ويندي اسم جميل وهو يناسبك تماما ..تشرفت بمعرفتك آنسة ماكستر !

ضحكت أنا الأخرى عندما شرع في وصفي بتلك الطريقة المشرفة - في نظري على الأقل - و قلت دون أن تفارقني البسمة : أشكرك !

- إذن هلا أخبرتني من فضلك متى بالضبط سمعتي ذلك الشخص ؟!

- ليلة أمس ، بعد الساعة العاشرة

نظر إلى ساعته وقال : في مثل هذا الوقت تقريبا !

انطفأت ابتسامتي فجأة و ارتعش جسدي عندما مرت بذهني ذكرى الليلة الفائتة.. كان الأمر يبدو حتى تلك اللحظة و كأنه مجرد حلم مخيف ليس إلا !

أكمل : حسنا هذا جيد جدا ، أين بالتحديد وقع ذلك ؟!


شعرت بالتوتر وترددت في قول الحقيقة فقد وقعت الحادثة في مزرعة أسرة فلورا ، و قد يسبب هذا لهم المشاكل ! لم أنتبه إلى أني قد أسأل عن ذلك ، كم كنت حمقاء !

عرفت فلورا ما أفكر فيه فربتت على كتفي وهمست مطمئنة : لا بأس، قولي الحقيقة !

ارتبكت لحظات ثم أجبته : في قرية سانت ماري في مانشستر ، وتحديدا في.. في مزرعة السيد غريغ !

أضافت فلورا بسرعة حاولت من خلالها إخفاء توترها : في مزرعة أسرتي !

نظر باتون نحوها و تبسم بامتنان : شكرا على صراحتك آنسة غريغ ، هذا يساعدنا كثيرا..

ثم أعاد انتباهه الي وقال : هل يمكنك آنستي أن تروي لي أحداث الليلة الماضية بتفاصيلها ؟!

أخذت نفسا عميقا ثم شرعت أحكي :
حسنا .. كان أمس يوم ميلاد صديقتي فلورا غريغ و قد ذهبنا أنا و أصدقائي إلى بيتها لنحتفل بعيد ميلادها ، بقيت عندها حتى الساعة العاشرة مساء ، بعدها خرجت عائدة إلى منزلي.. كان منزل فلورا بعيدا عن باقي المنازل و تحتم علي أن أعبر مزرعتهم حتى أصل إلى بيتي.. و بينما كنت أجتاز المزرعة ، سمعت صوت شخص يتكلم.. و قد أثار هذا استغرابي لأن المزرعة يفترض أن تكون فارغة تماما في مثل ذلك الوقت ! لم أستطع تجاهل الأمر فاقتربت من مكانه و أخذت أنصت لحديث الشخص المجهول .. كان يقول أنه سيقتل ريستارك ، هندسون ، روبارج ، بيفورت ، لابوف ! فشعرت بالخوف و ركضت عائدة إلى منزلي !

- هل هذا كل ما حدث ؟! ألم تري شيئا غريبا لفت نظرك ؟! شيئا غير مألوف ؟! نحن نحتاج إلى كل المعلومات الممكنة حتى نعرف هوية ذلك الشخص ، حياة خمسة أشخاص في خطر يا آنستي لذلك أرجوك حاولي التذكر !

لم يكن في نيتي أن أخبر أحدا حقيقة لقائي ب " شادو" لأنهم لن يصدقوا و سيقولون أني أختلق كل ذلك لأجذب الانتباه إلي .. لكني أصبحت حائرة بعد كلام السيد باتون.. لم أعرف ما علي فعله ، هل أخبره أم لا ؟!

ترددت و تخبطت كثيرا في حيرتي .. و ما كنت لأترك صمتي ما لم تكن حياة أناس آخرين معلقة بما أقوله ! تشبثت بكل ما لدي من جرأة وثقة و قلت : بلى.. لقد حدث ! آسفة ، لم أقل الحقيقة كاملة .. كنت أخشى ألا تصدقني !

قال بصبر : لا عليكي آنستي.. تكلمي !

أطلقت تنهيدة عميقة نفثت عبرها كل توتري و خوفي ثم تكلمت : عندما دخلت المزرعة سمعت أصواتا غريبة.. كصوت تحرك الأحجار والحصى ، بالبداية ظننت أنه مجرد حيوان فلم أكترث و أكملت طريقي ، لكن هذا الصوت عاد مجددا و في هذه المرة كان أشبه بصوت الحفر ! شعرت بالخوف و الفضول في ذات الوقت.. فدنوت و اختبأت خلف شجرة قريبة من مصدر الصوت ... و ... رأيته !

أخذت شجاعتي تتلاشي وأنا أتذكر تلك اللحظة .. كانت تلك المرة الأولى التي أروي فيها ما حدث بنفسي !
كان باتون يستمع إلي باهتمام شديد و عندما توقفت سأل و عيناه تكادان تقفزان من عدسات نظارته من فرط لهفته : ماذا رأيتي ؟!

واصلت حديثي و أنا أرتجف : رأيت ذلك الشخص .. كان يحفر .. ثم .. ثم خرج من تحت الأرض ! لم أستطع رؤية وجهه.. فقد كان الظلام حالكا ، ك.. كان يتنفس بصعوبة في البداية .. لكنه بعدها ضج بالضحك و قال : "هندسون ، ريستارك ، بيفورت ، لابوف ، روبارج ، أيها الأوغاد الأغبياء لقد حانت ساعتكم !".. فقدت وعيي بعد ذلك ولا أعرف ماذا حل به !

بدا باتون <والخالة دوروثي ايضا> مشدوهين تماما و لم ينبسا بحرف واحد !

عبست يائسة : لابد أنك لا تصدقني و لكن هذا ما حدث حقا !

قال دون أن تفارقه دهشته : لا.. أنا أصدقك ! لكن .. هذا الأمر في منتهى الغرابة !

- نعم.. إنه كذلك

و خيم صمت طويل على مجلسنا ، لم يقطعه إلا رنين هاتف السيد باتون .. حدق في شاشته المضيئة ثم نهض قائلا : إنه السيد ريستارك ! لابد أني تأخرت و يجب أن أعود في الحال ، شكرا جزيلا لكن آنساتي وأعتذر مرة أخرى على إزعاجكم بزيارتي المفاجئة !

قلت له : أتمنى أن يكون ما قلته مهما !

- إنه مهم بالطبع آنسة ماكستر ! أتمنى فقط أن نحسن استخدامه في الكشف عن هوية ذلك الشخص .. والآن سأغاد..

قاطعته فلورا : مهلا لحظة ! لم تخبرنا كيف عرفت مكاننا ! فنحن لم نخبركم أي شيء عن هوياتنا !

دس يديه في جيبه و قال بمرح : كان ذلك سهلا جدا ، رقم السيارة ! لم يستغرق الأمر أكثر من دقائق حتى عرفنا اسم صاحبتها ومكان إقامتها !

ثم اتجه إلى الباب ونحن خلفه و قال بابتسامة جميلة : ليلة سعيدة !

أغلقت الخالة الباب بعد خروجه والتفتت إلينا لتقول شيئا.. لكن فلورا منعتها بقولها السريع : أعرف ، أعرف ما تريدين قوله ، لم لم نخبرك بالحقيقة منذ البداية ؟! حسنا لم تكوني لتصدقينا يا خالتي فنحن أنفسنا بالكاد نصدق ! و كان علينا التصرف بسرعة فالأمر لا يحتمل أي تأخير ، لكنني آسفة مع ذلك..

- حسنا .. لا بأس ، لكن يجب أن تثقي بالخالة دوروثي أكثر المرة القادمة !

- سأفعل !

- و الآن ، هيا للنوم فقد تأخر الوقت ... ليلة سعيدة يا فتاتي !

- ليلة سعيدة !

صعدنا أنا وفلورا إلى غرفتنا و عندما دخلنا و استلقينا فوق أسرتنا المريحة سألتها : هل ترين ما فعلته صوابا ؟!

فردت عابسة و نصف وجهها غاطس في الوسادة : تعنين قولك الحقيقة للسيد باتون ؟! لا أدري فعلا .. و لكن لم يكن أمامك خيار آخر فقد يموت عدة أشخاص بسبب عدم افصاحك عن الحقيقة كاملة <سكتت قليلا ثم عقدت حاجبيها و سألت باستغراب : لكن لم قلتي أنك كنت وحدك ؟! لو أخبرته أن هناك شخصين آخرين شهدا الحادثة معك كان سيقتنع بكلامك أكثر !

- لا يا فلورا ، إن الأمر يبدو خطيرا ولا أريد توريط جوني وجيسيكا فيه !

بدت صديقتي و كأنها تلقت صفعة على وجهها كيف فاتها أمر بديهي كهذا ؟! تمتمت بلهجة من يريد إغلاق الموضوع : نعم .. فهمت ... كان هذا اليوم طويلا جدا !

لم نتحدث أكثر بعد ذلك.. و خلدنا للنوم .

استيقظت باكرا صباح اليوم التالي .. كان الجو لطيفا - مقارنة بالمعتاد للندن - و الشمس تعلو كبد السماء بنورها الساطع .. لذلك و بعد الفطور مباشرة خرجنا أنا و فلورا ، كانت تأتي كثيرا إلى المدينة لزيارة خالتها لذلك فقد اتخذت دور المرشد السياحي لي.

تجولنا في الشوارع والحدائق والميادين .. كان ذلك مسل جدا ، فلم نشعر بالتعب إلا قليلا . توقفنا عند مقهى صغير قرب المحطة لتناول بعض المرطبات و قلت لفلورا بسعادة و نحن نجلس على الطاولة : كان ذلك ممتعا ! هذه أول مرة أزور فيها لندن !

قالت محاولة إستثارة حماسي أكثر : لم تري شيئا بعد !

كنا قد شرعنا في أكل المثلجات عندما جاء صوت من خلفي : أنتما هنا إذن ، أيتها المزعجتان !

التفتنا إلى الخلف و قلنا في وقت واحد و بذات الدهشة : جوني !

تقدم مبتسما بزهو و اتخذ مقعدا على طاولتنا .. فقالت فلورا متعجبة : جوني ! ما الذي أتى بك إلى هنا ؟!

- خرجت اليوم من القرية وذهبت إلى "مانشستر المدينة" لخوض امتحان القبول في كلية الطب ، و بعد أن انتهيت قلت لنفسي لم لا أزوركما وأرى ما حصل معكما و ما فاتني من اثارة ؟!

تحلت نظراتي نحوه ببرود ساخر : إثارة ؟! الشيء الوحيد الذي فاتك هنا هو الإهانة !

وافقتني فلورا بتجهم : نعم تماما !

ثم قصصنا عليه ما حدث معنا مساء أمس ، من لقائنا غير البهيج بريستارك إلى استجواب السيد باتون لنا..

بانت عليه خيبة كبيرة و هو يقول : هكذا إذن .. يبدو أن الأمور لم تسر بشكل جيد..< صمت لدقيقة ثم قال متذكرا : صحيح ، ويندي ! إن جيسيكا حزينة جدا فهي تظنك غاضبة منها ولا تريدين رؤيتها .. حاولت إقناعها بأن ما تفكر فيه ليس صحيحا ولكنها لم تتأثر بما أقوله ، أظن أن عليك التحدث معها بنفسك !

- أنت محق ، سأتحدث إليها عندما أعود للمنزل .

أطلق فلورا زفرة من بين أسنانها و تطلعت إلى الشارع بتململ : لم يعد هناك سبب لبقائنا في لندن .. يجب أن نرجع للقرية هذا المساء !

قلت و قد هبطت معنوياتي تحت قدمي : أجل...

و لم تمر أربع ثوان من الهدوء حتى صاح جوني فجأة : انظرا إلى تلفاز المقهى ! لقد فاز فريق "مانشستر يونايتد" في مباراته ضد "ليفربول" !

- هذا رائع !

- بالطبع ، فريقنا هو الأفضل !


انتهت الأخبار الرياضية ، تلتها الاقتصادية .. لم نكن نستطيع سماع صوت التلفاز بوضوح لأن طاولتنا تقع خارج المقهى ، و لكن كان بإمكاننا قراءة الأخبار الرئيسية التي تكتب بخط كبير على الشاشة .
نهضنا بعد أن فرغنا من تناول المثلجات و دفعنا الحساب ، ثم شرعنا بمغادرة المقهى .. لولا أن فلورا توقفت ... كانت تنظر إلى شاشة التلفاز بتعابير غريبة ، فقال جوني بسخرية : ما الأمر يا فلورا ؟! هل تزوج أحد مشاهيرك المحبوبين ؟!

التفتنا أنا و هو نحو الشاشة بدورنا بينما يواصل سخريته : إذن من يكون هذ...

و بتر عبارته .. فقد شاهدنا ما كانت تنظر إليه فلورا .. خبر عاجل مكتوب بخط أحمر كبير !

وكان مفاده :


"وفاة رجل الأعمال الكبير السيد ألكسندر ريستارك هذا الصباح متأثراً بإصابته في حادث مروري مروع !!"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بِيلاَرّ
صديقة المنتدى
صديقة المنتدى
avatar


مسآهمـآتــيً $ : : 287
عُمّرـيً * : : 18
تقييمــيً % : : 29105
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 21
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 29/11/2016

رواية باحثا عن ظلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية باحثا عن ظلي   رواية باحثا عن ظلي Empty16/12/2017, 3:48 pm

الفصـــل الخامـــس





في اليوم التالي لموت السيد ريستارك ، في قصر فخم مطل على نهر السين في العاصمة الفرنسية..

اجمتع الثلاثة بيفورت ، روبارج ، هندسون - الذي كان قد وصل باريس قبل أسبوع من الحادثة - للنقاش حول موت ريستارك المروع و غير المتوقع ، و التهديد الذي يحيط بهم !

كان بيفورت يذرع الغرفة جيئة وذهابا في قلق وتوتر.. بينما يجلس الآخران مكتفيين بالتحديق أمامهما.

صاح بيفورت فجأة بانفعال أفرع رفيقيه : ما هذا ؟! أين هو ذلك الأحمق لابوف ؟! لقد تأخر ساعة كاملة !

رد عليه روبارج معنفا : لا تنفعل هكذا ! لقد تأخر فعلا ، لكن الأمر لا يستدعي كل هذا الغضب !

أضاف هندسون وهو يمسح بمنديل فاخر العرق المتصبب على جبينه : نعم ... نحن في ورطة حقيقة ، ويجب علينا التحكم بأعصابنا !

لم يقل بيفورت شيئا .. استدار عابسا وتوجه إلى النافذة و أخذ يحدق في منظر النهر أمامه ... كان كل شيء طبيعيا في الخارج ، لكنه أبعد ما يكون عن ذلك في داخل القصر !

استأذن أحد الخدم ليدخل حاملا فناجين الشاي .. وضعها أمامهم ثم انصرف بعد أن تأكد أنهم لا يريدون شيئا آخر .

نادى روبارج بيفورت قائلا : تعال اجلس و اشرب فنجانا من الشاي ! إنه أفضل شاي يعد في فرنسا !
استجاب بيفورت على مضض ..أخذ فنجانا و جلس .. لم يشرب كثيرا بل رشف مرتين فقط ثم وضع فنجانه على الطاولة .. أما روبارج فقد شرب فنجانه كله بينما أنهى هندسون نصفه فقط.

كان هندسون مرهقا ، عيناه محمرتان ، و وجه شاحب .. إضافة لكونه يتعرق كثيرا , كل عشر ثوان تقريبا يخرج منديله ليمسح جبينه مما أثار استغراب الآخرين .. سأله بيفورت مستنكرا : ما خطبك ؟! في هذه الغرفة جهازا تكييف ، لكن العرق يتصبب منك !

أجاب هندسون لاهثا : لا أدري ما بي .. لكنني متعب كثيرا .. و أشعر بحر شديد و ضيق في صدري .. بالكاد أتنفس !

تدخل روبارج مطمئنا : لابد أنك لم تنم جيدا ليلة أمس ، بسبب ما حدث لريستاريك .. أنا كذلك أشعر بالوهن !

أضاف بيفورت بحدة : كلنا لم نذق طعم الراحة بعدما حدث !


بعد مرور دقائق من الصمت المشوب بالتوتر نهض روبارج قائلا : من بعد إذنكم سأذهب إلى الحمام..

غادر روبارج مسرعا و ما كاد يمضي وقت طويل حتى سمع بيفورت جلبة خارج غرفتهم فهب واقفا و اتجه نحو الباب الذي فتح فجأة و بقوة ! جفل بيفورت و بدا عليه الغضب ، فقال الخادم بأنفاس متقطعة : اعذرني يا سيدي .. لكن ...

استعجله بيفورت باستياء : ما بك ؟! تحدث !

- لقد .. لقد مات السيد لابوف يا سيدي !!

تجمد بيفورت و كأن صاعقة قد ضربت رأسه و شلت حركاته ! سأل غير مصدق و عيناه شاخصتان : ما الذي .. تقوله ؟!

- هذا ما حصل يا سيدي ، لقد اتصل خادمه و أخبرنا أنه أصيب بسكتة قلبية مفاجئة !

- نعم .. نعم هذا ليس مستبعدا ، فهو كان يعاني .. يعاني مشاكل في القلب !
قال ببفورت بطريقة من يكذب كذبة و يحاول إقناع نفسه بها و أضاف آمرا بعد لحظة : "اذهب و استدع سيدك في الحال !"


أومأ الخادم و انطلق من فوره لينفذ ما طلب منه .. بينما التفت بيفورت إلى هندسون قائلا بعصبية مفرطة : ما الذي يجري هنا ؟!

لم يجبه هندسون .. كان ينحني على ركبتيه قابضا بكلتا يديه على عنقه !

اقترب بيفورت منه ثم صاح برعب : يا إلهي إن وجهك أزرق !! تماسك ! سأتصل فورا بال..

لكن لم تعد هناك حاجة لذلك .. فقد سقط هندسون .. بلا حراك عند قدمي شريكه !!

تصلب بيفورت ، جحظت عيناه و انحبس صوته في صدره .. لم يستطع الحراك لدقائق .. بعدها تمكن من تحريك ساقيه بصعوبة .. و خرج من الغرفة يترنح كما السكارى ..

و لم يكد يقطع بخطواته السقيمة الممر حتى تناهى إلى مسامعه صوت ركض و صراخ خلفه ! استدار وقد انسحبت الدماء من وجهه و رأى ذلك الخادم بوجه شل الخوف تعابيره .. استوقفه بيفورت بعد محاولة مستميتة لاسترجاع صوته : ما.. ماذا حصل هذه المرة ؟! لا.. تقل أن ..

فاندفع الخادم بصوت أقرب للنحيب : بلى يا سيدي ! لا أدري ما الذي يحدث هنا ! إن السيد روبارج في حالة سيئة للغاية .. إنه يحتضر !

فتراجع بيفورت إلى الخلف بارتياع .. كاد أن يسقط لولا أنه تماسك في آخر لحظة .. نظر إلى الغرفة التي كان فيها ثم أشار إليها بسبابته المرتعشة قائلا بصوت مزعزع خرج بعد مشقة شديدة : إنه .. لابد أن .. يكون الشاي ! لقد شرب منه هندسون و مات.. و شرب منه روبارج و هو يحتضر الآن.. و <حينها تحسس عنقه في رعب و أكمل : .. و أنا شربت كذلك !!

هتف الخادم و قد روعه الخبر المفجع : ماذا تقول سيدي ؟! هل مات السيد هندسون أيضا ؟! <سكت لبرهة حتى يستوعب الصدمة ثم استدرك قائلا : سيدي ! إذا كان الشاي مسموما فيجب أن تسترخي و تتوقف عن الحركة حتى لا ينتشر السم في كل جسمك ! لفد اتصلت بالإسعاف و قد سيصلون في أية لحظة !

ثم أخذ بذراع بيفورت و قاده إلى غرفة قريبة و جعله يستلقي على أريكة فيها قبل أن يقول : سأذهب لإحضار طبيب القصر ليجري لك الاسعافات الأولية ، أرجوك اصمد يا سيد بيفورت !

ثم أسرع خارجا و ترك بيفورت وحيدا.

أخذ الأخير يجيل بصره في أنحاء الغرفة بحسرة الفقدان و هو يتساءل : "هل ستكون هذه.. هي النهاية ؟! هل سأموت هنا .. و بهذه الطريقة البائسة و المهينة ؟!!

كانت هناك مرآة كبيرة معلقة على الحائط المقابل لأريكة بيفورت .. أدار رأسه و تطلع إليها ، ليشاهد نفسه التي أنكرها .. هذا الذي تعكس المرآة صورته لم يكن بيفورت القوي المتسلط ، بل .. رجل ضعيف مهزوم و مخذول من نفسه قبل أي شخص !

تلك المرآة .. لم تره نفسه فحسب ، بل تخطت كل قوانين المنطق و أرته نفسا أخرى .. نفسا من العالم الآخر !!

وضع بيفورت يديه على رأسه وصار يتأوه ، لقد أبصر شخصا يقف وراء أريكته و يستند إلى الحائط حاملا في يده كأسا يسلي نفسه بأرجحتها .. كان ينظر إلى بيفورت مبتسما ابتسامة مخيفة تشي باستمتاعه بما يشاهد من عذابه !

ولكن .. لم يكن هناك أحد حينما دخل بيفورت فكيف دخل هذا الشخص دون أن يراه ؟!

لم يكن هذا هو ما أفزع بيفورت في الواقع بل أمر مختلف بعيد كل البعد عن ذلك ! هذا الشخص الذي يقف قريبا منه يبتسم و يرتشف من كأسه .. قد مات و دفن قبل سنوات عديدة !!

لم يجرؤ بيفورت على إدارة رأسه ليواجه ذلك الشخص مباشرة ! ولم يقدر على النطق ! قال لنفسه في يأس "هل هذا يعني .. أني ميت ؟!"

لفترة ظل الغريب محتفظا بصمته مكتفيا بالابتسام .. لكنه فجأة تحرك و بدأ يقترب من بيفورت ثم مد يده نحوه !

فقفز ببفورت من مكانه في هلع و صاح كالمجنون : ابتعد عني ! إياك أن تقترب ! عد من حيث أتيت .. أيها الشيطان اللعين !!

لم يأبه الشخص بكلامه و لم تبرح النظرة المتشفية عينيه و واصل خطوه نحو ببفورت !

كان الأخير يرتجف رعبا و بدا أنه فقد السيطرة على أعصابه ، راح يتراجع للوراء .. لم يكن بإمكانه الوصول إلى الباب دون تجاوز هذا الشخص إذ كان الباب خلفه ... لهذا لم يكن أمامه إلا الشرفة !

حاول الدفاع عن نفسه فأخد كرسيا ورماه على خصمه غير أنه لم يصبه ، فرفع طاولة صغيرة وقذفها نحوه بقوة لكنها لم تصبه هي الأخرى !

لأول مرة .. ضحك ذلك الشخص باستخفاف و قال بصوت هادئ شل الوعيد بين ثناياه أطراف بيفورت : "لا فائدة ، أنت ميت ! سأعود إلى عالمي وأنت برفقتي !"

صاح بيفورت و قد فقد عقله تقريبا : لا ! لا ! دعني وشأني ! عد وحدك ! لا أريد أن أموت !

فقهقه شبيه الشيطان أمامه و استمتاعه يتزايد ..و اقترب من ضحيته أكثر ..و أكثر !

تلفت بيفورت يمينا و يسارا و استبد به رعب هستيري عندما أدرك أنه استنفذ كل ما حوله من أثاث و لم يعد هناك ما يدافع به عن نفسه ! فركض إلى الشرفة الصغيرة .. لينادي أحد الحراس في الحديقة .. ولكن الأرض لسبب مجهول كانت زلقة للغاية و كأنها طليت بالزيت !
فانزلقت قدماه و هوى من فوق سياج الشرفة المنخفض .. ثم وقع .. آخر الخمسة على الأرض ميتا !!


⭐️⭐️⭐️


كان المحقق الفرنسي أوتيير المسؤول عن القضية جالسا في مكتبه مستغرقا في تفكير محموم ، عندما دخل عليه مساعده .. سأله المحقق بلهفة : ماذا لديك ؟!

- أحضرت لك التقرير الطبي ، سيدي !

رد المحقق يستعجله : جيد ، إقرأه بسرعة !

فعلى التجهم وجه المساعد و هو يقول : حسنا.. لقد كتب هنا أن لابوف مات بسكتة قلبية مفاجئة .. لم يعثر على سم أو شيء من هذا القبيل ، كما أنه كان يعاني من مشاكل في القلب لذلك يبدو الأمر طبيعيا !

فأشار المحقق بسبابته مذكرا و عيناه تلمعان : إن موت لابوف "منفردا" لا يثير الريبة ، لكن أن يموت هو وشركائه الثلاثة في يوم واحد هذا لا يمكن أن يكون مجرد صدفة ، أليس كذلك ؟!

- نعم ..

- أكمل !

- .. بالنسبة بيفورت فقد مات جراء تحطم جمجمته إثر سقوطه من الطابق الثالث للقصر ، أما روبارج فبسبب استنشاقه لحمض الهيدروسيانيد الذي تم دسه داخل زجاجة عطر فاخر كان روبارج يعتاد استخدامه عند لقائه شخصيات هامة ، في حين يعتقد الطبيب أن سم ما تسرب إلى جسم هندسون عن طريق الجلد و لكنه لم يتمكن من تحديده بعد !

- حسنا .. يبدو أن القاتل يعرف ضحاياه جيدا و يدرك الطرق الأنسب للإيقاع بهم دون إثارة شكوكهم !

- هذا صحيح ... و لكن السؤال هو : كيف سنمسك به ؟!

فتنهد المحقق في ضيق : لا أعلم .. إن أي شخص من الخدم و الحرس - و هم كثر- يستطيع فعل ذلك ، و هذا ما يزيد مهمتنا صعوبة و تعقيدا !

- ولكن سيدي ماذا عن الشائعة التي سمعناها ؟!

قطب المحقق جبينه قائلا : عن أي شائعة تتحدث ؟!

- يبدو أنك لم تسمع بها .. حسنا ، لقد نشر أحد العاملين في قصر ريستارك بعد موت سيده إشاعة تقول أن ثلاث فتيات من الريف جئن إلى ريستارك في اليوم السابق لوفاته وأخبرنه بوجود شخص يخطط لقتله هو و شركائه الأربعة ، لكن كبير الخدم أنكر ذلك و اتهم ناشر الإشاعة بأنه يستغل الحادثة للحصول على المال و الشهرة من خلال إعطائه معلومات ملفقة للصحفيين !

غمغم المحقق : أعتقد أن كبير الخدم محق .. هذا يحدث كثيرا ، كثيرا جدا في الواقع < ثم أطلق تنهيدة مغمومة و أضاف يائسا : ..و الآن ليس أمامنا إلا انتظار ظهور دليل يساعدنا على التقدم في تحقيقاتنا !



و هكذا لم تتمكن الشرطة الفرنسية أو الإنجليزية على حد سواء من الكشف عن هوية القاتل أو العثور على دليل يقود إليه .

و ملأ هذا الخبر المفجع الصحف الأوروبية وتحدثت عنه القنوات التلفزيونية بمختلف اللغات و الروايات !



⭐️⭐️⭐️



في مكان آخر و حال أبعد ما تكون عن يأس الشرطة و حزن ذوي الضحايا و ارتياع شركائهم .. استرخى المجرم في كرسيه الوثير واضعا ساقه فوق الأخرى و ابتسامة راضية تزين وجهه .. كان كل شيء صحيحا .. كل شيء سار حسب الخطة !

كان يجلس قبالته شخص آخر ، تفصل بينهما طاولة تستقر فوقها رقعة الشطرنج !

قال الأول وهو يحرك أحد بيادقه على الرقعة : لقد أديت مهمتك بشكل جيد !

رد الثاني باحترام كبير : هذا بفضلك سيدي ، كانت خطتك و كل ما فعلته هو تنفيذها !

أخذ الأول بيده خمس أحجار شطرنج ثم قال بينما يرميها على الأرض تباعا : خرجت الآن خمس أحجار من اللعبة .. لكن هذه هي البداية فقط ! لا تزال هناك الكثير من الأحجار التي ينبغي إزالتها .. إلى الأبد !

- نحن رهن إشارتك سيدي "الكونت" < سكت لحظات يتردد في السؤال ثم قال أخيرا : ولكن.. ماذا عن تلك الفتاة ويندي ماكستر ؟! كانت هناك تلك الليلة وقد تسبب مشكلة ، فهل نتركها هكذا ؟!

ابتسم الكونت في ثقة و قال بهدوء : لقد سألتها أليس كذلك ؟! و قد أجابتك بما تعرف . ليس لديها سبب يدفعها لإخفاء المعلومات ، إلا إن كانت لا تثق بك ، و أنا شخصيا أستبعد هذا الاحتمال لأنك تملك قدرة عجيبة على طمئنة الناس و حملهم على الإعتراف بكل ما يخفون ، هل أنا مخطئ ... يا باتون ؟!!

أجاب باتون و هو يبتسم بدوره : أشكرك على هذا الإطراء سيدي .. لقد ذهبت إليها للتأكد من أنها لا تعرف شيئا خطيرا ، كانت مترددة في البداية لكنها ما لبثت طويلا حتى تكلمت و أخبرتني بكل ما رأته وسمعته و لم يكن مهما .. بإستثناء..

قاطعه الكونت قائلا : بإستثناء شيء واحد " الحفر ثم الخروج من تحت الأرض" ! قد لا يكون ذا دلالة بالنسبة لها ، و لكنه ربما يغدو كذلك عند شخص آخر !

- تماما سيدي ! لقد أقنعت كبير الخدم أن ينكر ما قاله ذلك الحارس عن مجيء ثلاث نسوة إلى ريستارك ، بحجة التخلص من الصحفين و إزعاجهم وقد فعل ما طلبت منه دون أن تساوره أي شكوك ، كما أنني ذهبت مساء أمس إلى تلك الفتاة ، و طلبت منها أن لا تبوح لأي أحد عما حدث معها تلك الليلة ، حتى تحمي نفسها من ذلك "المجرم" أولا ، و من ملاحقة الصحفين واستجواب رجال الشرطة لها ثانيا ، و قد وافقت هي و أصدقائها على ذلك ، لكن لا يسعني أن أضمن سكوتها .. لهذا أقترح يا سيدي أن نتخلص منها !!

تفحصه الكونت لبعض الوقت بعينيه الذكيتين .. ثم قال برزانة : لا تكن كأؤلئك المجرمين الحمقى يا باتون ! إن القتل سهل جدا ولكن إخفاء الأدلة و البقاء خارج دائرة الشبهات ليس يسيرا أبدا ! يجب أن تكون حذرا و حكيما في تصرفاتك وأﻻ تقوم بأي عمل متهور لا داعي له .. هل فهمت ؟!

- نعم سيدي ، سأفعل بكل تأكيد !

سكتا قليلا قبل أن يضبف الكونت بهدوء : مع ذلك راقبها حتى نعرف إذا ما حاولت إخبار أحد بالأمر.

هز باتون في طاعة : كما تأمر !

- جيد .. لقد أنهيت كلامي ، لذا تستطيع الانصراف الآن !

نهض باتون ثم انحى في احترام قائلا : طاب مساؤك سيدي

ثم انصرف خارج الغرفة و بينما يغلق الباب.. لمح فتاة قادمة باتجاهه فهتف متعجبا : ماريان ؟!

ردت الفتاة ببرود : و من غيري ؟!

كانت ماريان في العشرين من العمر ، ذات شعر أسود قصير ، وعينين بنيتين بلون الخشب .. كانت جميلة ولكن باردة كالثلج !

سألت : هل أمر الكونت بشيء ؟!

- لا ، لا شيء حاليا

- ماذا عن تلك الفتاة المزعجة ؟! ألم يأمر بقتلها ؟!

- لا ، طلب أن نكتفي بمراقبتها فقط حتى نتأكد من أنها لا تسبب المشاكل !

زوت ماريان ما بين عينيها و بانت الخيبة في صوتها : مؤسف ! أردت قتلها بنفسي فهي تبدو مثيرة للمتاعب !

ضحك باتون بخفوت : ويبدو أنك تكرهينها !

فرفعت الفتاة أنفها بكبرياء و ردت : لست أكرهها ، لكنني مستعدة للقضاء على أي شخص قد يهدد حياة الكونت !

- أنت مخلصة بالفعل يا ماريان !

ردت بعبوس : ألست كذلك أنت أيضا ؟!

- بلى ، بالطبع .. كلنا كذلك !

أدارت وجهها عنه و ألقت نظرة عبر النافذة و أضافت متسائلة : والآن بعد موت ذلك الحشرة ريستارك ماذا سيحدث لشركته ؟!

- سيتولى ابن عمه إدارة الشركة ، فابنه لا زال صغيرا على ذلك < ثم أضاف بابتسامة خبيثة : و لكنه أحمق تماما ولا خبرة لديه في إدارة الأعمال ، و ابن ريستارك لا يبدو أفضل حالا منه !

- إذن ستكون الشركة في يدك !

قال بثقة : نعم !

صمتت ماريان ثم قالت فجأة و هي ترمقه بنظرة غريبة : أتدري ؟! عندما رأيتك أول مرة ظننتك شخصا أبله ساذجا عديم الفائدة !

قهقه باتون بصوت عال و قال : حقا ؟! شكرا لك ، هذا يدل على حسن أدائي لدوري !

ثم نظر إلى ساعته وقال : آه ، يجب علي الذهاب الآن .. فلا أريد التأخر على سيدي الجديد في يومه الأول مديراً للشركة.

قال جملته الأخيرة بنبرة تهكمية ، ثم رحل في الوقت الذي اتجهت ماريان نحو غرفة الكونت و طرقت الباب ثم دخلت بعد أن أذن لها..


سأل عندما رآها : ما الأمر ؟!

غمغمت بارتباك ملصقة نظراتها بالأرض : لا شيء سيدي.. كل ما هنالك أني أردت التأكد من أنك لا تريد شيئا..

ابتسم بدهاء قائلا : آه فهمت.. أنت تشعرين بالانزعاج لأني لم أكلفك بأي مهمة ، أليس كذلك ؟!

احمر وجهها خجلا و تلكأ لسانها : ليس ..ليس الأمر و ..كأنني أعترض على أوامرك سيدي..

- لا بأس ، حتى و إن لم أكلفك بأي مهمة ، هذا لا يعني أنك لا تفعلين شيئا مفيدا ! إن وجودك هنا بقربي مهم للغاية فأنا أحتاج إلى شخص يوصل أوامري إلى أتباعي وينقل إلي آخر الأخبار والتطورات ، وأنا لا أوكل هذه المهمة إلى أي أحد .

توردت وجنتاها وقد انبسطت أساريرها لما سمعت : أشكرك كثيرا على ثقتك سيدي .

عندها قام الكونت من مكانه ثم قال : سأخرج لبعض الوقت ، هناك شيء أرغب في القيام به !

- هل أرافقك سيدي ؟!

- لا ، لا داعي لذلك ، ابقي هنا في حال حدث شيء جديد !

تهاوت ابتسامتها من الخيبة : كما تشاء سيدي ..


ثم غادر الكونت وماريان ترقبه بنظراتها..


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بِيلاَرّ
صديقة المنتدى
صديقة المنتدى
avatar


مسآهمـآتــيً $ : : 287
عُمّرـيً * : : 18
تقييمــيً % : : 29105
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 21
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 29/11/2016

رواية باحثا عن ظلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية باحثا عن ظلي   رواية باحثا عن ظلي Empty16/12/2017, 3:50 pm

الفصـــل السادس





إن ما يحدث لا يصدق أبدا !
لم تفك الصدمة أسري منذ اللحظة التي سمعت بها الأخبار ! لقد نفذشادو وعيده بسهولة و دم بارد ، دون أن أتمكن أنا أو أي شخص سواي من فعل شيء ، هذا مخيف ! و لكن ما يخيفني أكثر هو.. هل انتهى الأمر عند هذا الحد ؟! هل ستكون هذه الجريمة هي الأولى و الأخيرة لشادو ؟! أم أن الشركاء الآخرين سيواجهون المصير المروع ذاته و يرحلون قسرا عن هذه الدنيا ؟!
إن مجرد التفكير بهذا الأمر يبعث القشعريرة في أوصالي !

لم نعد للقرية بعد مقتل ريستارك .. أردنا معرفة ما سيتبع ذلك من حوادث . بقينا ليوم آخر أنا و فلورا في بيت الخالة بينما قضى جوني ليلته في فندق قريب..
و صباح هذا اليوم وصلنا الخبر الصاعق بمقتل الأربعة الآخرين ! كان الأمر صادما ، مباغتا و رهيبا لأبعد حد ، مع أني في الواقع رجحت أن يلحق الباقون رفيقهم التعس لكن لم أتخيل أن يحدث ذلك بمثل هذه السرعة الجنونية !

ضربت الخالة دوروثي صدرها بكفها و قالت و دموع الخوف تحتشد على أطراف جفونها : يا إلهي ! هذا مستحيل ! أنا.. أنا لم أكن أصدق الأمر تماما عندما أخبرتماني به .. مع.. أنني حاولت ذلك .. لم أتخيل أبداً .. أن هذا سيتحقق !


لم يثر اعترافها عجبي .. فهي لم تره و هو يخرج من أعماق التراب الصلب ، و لم تسمع ضحكته الشيطانية المتفجرة و لا صوته المشحدوذ بالتصميم و الغارق في ظلمات الكراهية و الحقد ! لو أخذ أي شخص مكاني تلك الليلة و شهد ما شهدته ما كان ليساوره و لو ذرة شك بجدية شادو و عزمه الخطير على زهق أرواحهم !

كانت الشمس توشك على المغيب عندما اجتمعنا نحن الثلاثة في غرفة الجلوس و شرعنا نناقش الأمر ..

بدأ جوني بقوله وهو يتنهد : لقد كنتن محظوظات لأن كبير الخدم أنكر ما قاله الحارس !
أجابت فلورا واضعة يديها تحت ذقنها و علامات البؤس واضحة على وجهها : نعم ، محظوظات جدا ، إن ذلك المجرم قاس لا يرحم !<ثم أضافت موجهة كلامها لي : كانت ستكون نهايتك لو أنه علم برؤيتك له تلك الليلة !

قلت و أنا نصف شاردة : ربما.. كان يعلم !

تجهمت قسمات جوني في استنكار حاد : لو كان يعلم كما تقولين لحاول التخلص منك فهناك احتمال كبير أنك رأيت وجهه !

نظرت نحوه بابتسامة باهتة و أجبت : لا.. لم يكن ليفعل ، لأنه يدرك أني لا أشكل خطرا عليه ، و هو - كما أرى - ليس غبيا حتى يقدم على جريمة لا طائل منها !

فانحت فلورا للأمام و ثبتت نظراتها المتشككة علي : و لكن كيف لا تشكلين خطرا وقد رأيتيه ؟!

- حقا ؟! لكنني لم أميز شيئا من ملامحه ، كل ما رأيته هوظل يتحرك لا أكثر، وهو يعلم ذلك تماما ! لأني لو كنت أعرف شكله لما ترددت في إخبار ريستارك عنه ، فلا سبب يدفعني لإخفاء معلومات مهمة كهذه خصوصا أني قدمت لتحذيره باختياري و إرادتي الكاملة ، أليس كذلك ؟! كما أن إخباري ريستارك وشركائه بنيته لقتلهم لم يكن ليعيق تنفيذ خطته فقد دبر و خطط لها جيدا !

تبادل صديقاي النظرات بحيرة .. ثم تساءلت فلورا : ولكن منذ متى و هو يعلم بالأمر ؟!
أجبت : ربما منذ زيارتنا لريستاريك !

فما كان منهما إلا أن فغرا فاهما بذهول ..و أضفت متبسمة قبل أن يسألا : نعم ، لا تنسيا أنه قتل خمسة رجال أعمال كبار محاطين بعشرات الحراس المسلحين ! لابد أن يكون له مساعدون بين أتباعهم فمن المستحيل أن ينفذ تلك الجرائم وحده و يتواجد في كل الأماكن دون أن يثير الشك حوله !

حك جوني خده و اعترف على مضض : نعم .. هذا منطقي !


و عندما فرغنا من هذه النقاط لم نجد ما نتناقش حوله فساد الصمت بيننا .. إلى أن دخلت الخالة دوروثي و هي تحمل صينية رصت فوقها أكواب العصير مع صحن ممتلئ بالكعك المنزلي..
تركت الصينية على الطاولة و التفت نحونا بقلق لم تحاول كتمه و قالت : يجب أن تعودوا لمانشستر بأسرع ما يمكن ! لا تحشروا أنوفكم في أشياء خطيرة كهذه !
كانت تقف بوضعية متحدية و ترمقنا بصرامة شديدة كما لو كانت متيقنة من رفضنا ..
لكن ظنها لم يكن في محله ، فليس لدى أي منا الرغبة في الاعتراض.. ما الجدوى من بقائنا أصلا إن كانت الجرائم التي جئنا نحذر منها قد وقعت و خسر خمسة رجال حياتهم دون رادع ؟!

أومأنا جميعا بالموافقة و قالت فلورا : نعم .. سنستقل القطار الذي بعد ثلاث ساعات من الآن.. و نعود لقريتنا < ثم وقفت و أشارت إلي : هيا ويندي لنتجول في الأسواق قليلا ريثما يحين موعد قطارنا !

راقني حقا هذا الاقتراح ، فلا شيء يحسن مزاج المرأة أكثر من التسوق !

انطلقنا أنا و فلورا و لحقنا جوني إلى سوق كبير دلتنا عليه الخالة .. لم يكن فاخرا كذلك الذي تجولنا فيه أول مرة لكنه جيد و ذو أسعار مناسبة.
اشترينا الكثير من الأشياء فبغض النظر عن الأسعار المنخفضة اكتشفنا موهبة أخرى لجوني و هي المساومة !

خرجنا من أحد المحلات نحمل أكياس مشترياتنا و الفرحة تغمرنا.. سرنا على الرصيف ثم توقفنا و انتظرنا حتى تحين اللحظة المناسبة لاجتياز الشارع .. و بينما نحن واقفون التقطت أذني مقتطفات من لقاء تلفزيوني تبثه شاشات عدة على واجهة محل الإلكترونيات القريب مني .. التفت لألقي نظرة بعدما شدت انتباهي عبارات معينة .. كان برنامجا يناقش مقتل الأثرياء الخمسة و يستضيف أحد مدراء مؤسسة لوميير - المتبقين - وكان يدعى السيدكريستيان ميلارد !

وجدت السيد ميلارد مختلفا كثيرا عن ريستارك ، رجل هادئ وقور ، أشقر ذو بشرة سمراء و لحية خفيفة أنيقة ، يلتمع في عينينه بريق الذكاء والحكمة .. مع أنه قارب الخمسين من العمر إلا أنه تحلى بقدر وافر من الجاذبية !

كنت أتابع البرنامج من مكاني و قد غاب عن بالي كليا وقوفي على الرصيف .. إلى أن صاحت بي فلورا : ويندي ! هيا لنعبر بسرعة قبل أن تأتي سيارة أخرى !

فانجررت خلفها و نزلت إلى الشارع و فيما أنا أقطعه وصلني صوت مقدم البرنامج و هو يسأل ضيفه : "من تتوقع يا سيدي أن يكون المتسبب في تلك الجرائم ؟! وما الدافع لذلك برأيك ؟!"

أدرت رأسي نحو المحل كي أسمع جواب السيد ميلارد و تباطأت خطواتي دون وعي مني ، و استمر صديقاي في الهرولة نحو الرصيف المقابل بلا انتباه لتخلفي عنهما ..
قال السيد ميلارد بحرص و كأنه يزن كل كلمة ينطقها : "القتل جريمة عظيمة و لا يمكننا إلقاء التهمة على شخص بعينه ما لم يكن بحوزتنا دليل قوي يدينه . مؤسسة لوميير لديها الكثير من الخصوم و المنافسين و لكن أن يقدم أحدهم ....

لم أسمع بقية حديثه ، فصراخ جوني كاد يثقب طبلة أذني :ويندي ! أيتها البلهاء ! ابتعدي بسرعة هناك سيارة قادمة !
نظرت إليه ثم نحو يسار لأفاجأ بسيارة تنطلق تجاهي بسرعة خيالية !
لم يكن في مقدوري تفاديها .. فقد فات الأوان !!

و فيما أنا مستسلمة للموت ، قبضت يد قوية على قميصي و في غمضة عين سحبتني بعيدا ، و لو تأخرت جزءا من الثانية لدهستني السيارة !

سقطت على الأرض و تناثرت الأكياس حولي .. بقيت جالسة لحظات من الصدمة حتى جاء صديقاي إلي ..
صاح جوني و قد احمر وجهه من فرط الغضب : ماذا كنت تفعلين بوقوفك في منتصف الشارع أيتها الغبية ؟!!
أضافت فلورا بنبرة لا تقل لوما : كانت السيارة ستدهسك دون رحمة لو لم يجرك ذلك الشخص في آخر لحظة !

طرفت عيناي و بدأت أستعيد إدراكي.. يا إلهي لقد شغلتني المفاجأة عن شكر منقذني ! نهضت والتفت ورائي ... لكن لم أجد أحدا!!

قال جوني : يبدو أنه قد ذهب..
فسألت : ألم ترياه ؟!

- لم ننتبه كثيرا ، كنا نركز بصرنا عليك حينها.. لكن أعتقد أنه كان يرتدي السواد ويضع قبعة..
تدخلت فلورا موافقة : نعم أظن أنه كان كذلك فعلا !

زفرت بصوت عال و الاستياء يغمرني : يا إلهي ! لماذا ذهب ؟! أردت أن أشكره ! الرجل الشهم عندما يصنع معروفا لا يجب أن يغادر حتى يشكر عليه ! <ثم أضفت بغرور : خصوصا إن كان من يشكره فتاة جميلة !

كتمت فلورا ضحكتها لكن جوني لم يكن بمثل لباقتها فانفجر مقهقها بسخرية : أظنه فر هاربا لهذا السبب !

قلت شاعرة بإهانة شديدة لجمالي : ماذا ؟! هل تقصد أنه هرب مني لأني قبيحة ! <أضفت و أنا أزيح شعري عن وجهي في ثقة و تباه : أنت لا تقدر كم أنت محظوظ لتواجدك بجانبي من بين جميع الرجال ، يجب أن تكون ممتنا !

لم يرد علي بل ظل يضحك .. حتى صرخ بنا شرطي يقف على الرصيف : ابتعدوا عن الطريق أيها الشبان ! أنتم تعرقلون حركة المرور !

ركضنا مبتعدين .. و في الأثناء تحدثت مقلدة طريقة كلامهما في سخرية : ماذا كنتما تفعلان بوقوفكما في منتصف الشارع أيها الغبيان ؟! كانت ستدهسكم سيارة مسرعة دون رحمة !

فكانت إجابتهما واحدة و بالبرود ذاته : اصمتي يا ويندي !


افترقنا بعد ذلك.. اتجه جوني إلى الفندق ليحضر أغراضه و عدنا أنا وفلورا لمنزل الخالة لنحزم حقائبنا ونغادر إلى المحطة .

انتهينا بسرعة من تجهيز أغراضنا ، فحملناها و نزلنا لنودع الخالة دوروثي ثم خرجنا متجهين إلى محطة القطار الأقرب إلينا .
كان علينا الركض بأسرع ما أمكن حتى ندرك القطار قبل انطلاقه فقد تأخرنا ونحن نتسوق ولم نشعر بمرور الوقت.

التقينا بجوني عند مدخل المحطة وانطلقنا مسرعين إلى القطار و تمكنا من اللحاق به في الوقت المناسب .
ارتمينا على مقاعدنا ننهج بتعب.. كان الجو حارا جدا فطلبنا عصيرا باردا ، و في جرعة واحدة ابتلعت نصف ما حوته زجاجتي ، بينما رفعت فلورا خاصتها إلى فمها بهدوء .. لكن قبل أن يلامس العصير شفتيها اصطدم رجل بها دون قصد فسكب بعضه على ملابسها ، اعتذر الأخير بشدة فقالت فلورا بتهذيب : لا بأس سيدي !

قلت لها : لدي منديل ، انتظري لحظة فقط !

و دسست يدي في جيبي و حينما أخرجت المنديل ..سقطت على الأرض قطعة مطوية من الورق !
كان جوني أول من لاحظها فالتقطها و ناولني إياها : خذي لقد سقطت هذه منك !
حملقت في القصاصة مقطبة جبيني باستغراب و عجب : لا أذكر أني وضعت ورقة كهذه في جيبي !

أخذتها من صديقي و فتحتها .. كان مطبوعا عليها بضع كلمات .. و هي :


"كوني حذرة ! فحياتك في خطر ، لا تثقي بأي شخص مهما كان ! خصوصا تشارلز باتون !"


بقيت أحدق في الورقة فاتحة فمي كالبلهاء .. و عندما لاحظ صديقاي ذلك سألا : ما الأمر ؟!

رفعت رأسي ونظرت إليهما ببلادة .. لم أتعب نفسي بالشرح و أعطيتهما الورقة .. لم تمر ثوان حتى أخذا يحملقان فيها بذات التعبير الأخرق !

أعادها لي جوني قائلا : هذا الأمر في غاية الغرابة !
تجهمت فلورا و قالت بعدما نسيت كليا أمر البقعة على ثوبها : نعم ، شخص مجهول يحاول تحذيرك ! و ليس هذا فحسب بل يشكك في السيد باتون ! ذلك الرجل المهذب اللطيف !

أيدت قولها و الدهشة لم تبرح ملامحي : نعم.. إن هذا أكثر ما أثار عجبي !

سأل جوني : ولكن من يمكن أن يدس هذه الورقة في جيبك ؟!

عقدت حاجبي و استغرقت في التفكير لفترة من الوقت .. ثم صحت على نحو مفاجئ : لابد أنه الشخص الذي أنقذني ! فهو وحده من كان قادرا على ذلك !

أمعنا النظر في للحظات .. ثم أفصحت فلورا عن استنتاجها : إذن فلسنا الوحيدين الذين يعرفون عن ذلك المجرم أو كما تسميه وينديشادو!

- لا ، إنه - كما يبدو - يعرف عن شادوأكثر منا بكثير !

- ولكن إن كان يعرف.. لم التزم الصمت و لم يبلغ الشرطة ؟!

فتدخل جوني : ربما لم يكن يملك من الأدلة ما يكفي لإقناع رجال الشرطة.. كما أن الأمر في غاية الخطورة ، فلم يرد أن يعرض حياته للخطر دون طائل !

عبست قائلة : نعم.. و لكن لماذا يحذرني من السيد باتون ؟! لا يمكنني حتى أن أتخيلهشادوأو أحد مساعديه !

وافقتني فلورا : تماما ، إنه آخر شخص يمكننا أن نشك فيه !


"آخر شخص يمكننا أن نشك فيه"
عبارة فلورا الأخيرة جعلتني تلقائيا أعيد التفكير من البداية واضعة مشاعري و انطباعاتي الشخصي جانبا .. ألا يحدث كثيرا أن يكون المجرم أبعد الناس عن الشبهات !
ماذا لو كان باتون -فعلاً- هوشادوأو أحد أتباعه ؟! ماذا لو أن كل ذلك اللطف و الود الذي أبداه تجاهنا كان زائفا و ليس له هدف غير جعلنا نثق فيه ؟! ماذا لو أنه لم يأت إلينا بطلب من ريستارك و إنما ليعرف ما لدينا من معلومات ويتأكد من أننا لا نشكل خطرا ً؟! يبدو الأمر منطقيا تماما من هذه الناحية ، هذا يفسر أيضا طلبه مني ألا أتحدث لأحد بخصوص تلك الحادثة بحجة الإبتعاد عن المشاكل !
أظن أن كاتب الرسالة كان صادقا في تحذيره إياي !
و أعتقد أنه عرف عن رؤيتي لشادومن خلال الكلام الذي نشره ذلك الحارس .. لكن كيف عرفني ؟! لقد أخبرني السيد باتون أنه لم يطلع أحدا عني - فلا مصلحة له في هذا - إذن كيف عرف ؟!

لم أحدث أي من جوني أو فلورا عما أفكر فيه بل آثرت الصمت.. لسبب ما !


تحدث جوني مغيرا دفة الحوار : احزرا ماذا ؟!
نظرنا إليه وسألنا معا : ماذا ؟!

رد و صدره ينتفخ فخرا : تم قبولي في كلية الطب !
- هذا رائع حقا !
- نعم كما هو المتوقع منك .. تهانينا !

لا أظنه كان في حاجة لمديحنا فلديه من الغرور ما يكفي مدينة كاملة !

واصلت فلورا : سأذهب غداً إلى مانشستر المدينة حتى أتقدم للقبول في كلية الإعلام ! <استدارت إلي قائلة : ويندي ! يجب أن تقرري اليوم بشأن كليتك !

في الحقيقة لقد قررت وانتهيت و لكني أحببت أن أجعل الأمر مفاجئة لهم ، فقلت مراوغة : نعم ، سأفعل !

وصلنا بعد أربعين دقيقة إلى قريتنا.. كان الظلام قد حل بالفعل ، نزلنا من القطار نحمل حقائبنا.. و بعد أن غادرنا المحطة قالت لي فلورا : لا تنسي سنغادر أنا و أنت في الصباح الباكر إلى المدينة !

- لن أنسى !

ثم افترقنا بعدها كل إلى بيته .
و عندما وطئت قدامي منزلي شعرت و كأني غبت عنه سنة كاملة !
كانت أمي في المطبخ تعد العشاء ، أما أبي فكالعادة يعمل على الحاسوب !
دخلت على أمي و هتفت بطريقتي الطفولية : مرحبا أمي لقد عدت !

أجفلت و كادت تسقط كأسا من يدها لكن فرحتها بعودتي حجبت بينها و بين توبيخي ، قالت مرحبة : اه مرحبا عزيزتي ! لم تخبريني أنك ستعودين الليلة.

- لم يكن ذلك ضروريا

- حسنا ، اصعدي و غيري ملابسك حتى تتناولي العشاء معنا !

ذهبت إلى غرفتي ، و بسرعة رميت حقيبتي على السرير ، ثم بدلت ملابسي و نزلت للأسفل .
كانت أمي جالسة على المائدة مع والدي ، أخذت كرسيا وجلست أنا الأخرى فقال أبي عندما رآني : آه لقد عدت إذن ! كيف كانت إقامتك في لندن ؟!
أجبت و أنا ألقي بقطعة خبز داخل فمي : جيدة !
تحدثت أمي : أقمتي مع فلورا في منزل خالتها أليس كذلك ؟!
- نعم ، و كانت لطيفة جدا !

لم يسألني والداي أكثر .. و أكملنا عشاءنا في صمت.

و بعد الوجبة الهادئة عاد أبي إلى حاسوبه في الصالة ، و انضممنا إليه أنا و أمي حالما فرغنا من غسل الصحون..
أحضرت أمي مجلة و جلست إلى جوار أبي تقلب صفحاتها.. كان الوقت مناسبا حتى أخبرهما عن خططي .. فقلت دون تردد : أبي ! أمي ! سأذهب غداً مع فلورا إلى المدينة من أجل التقديم للقبول في الجامعة !

لم يرفع أبي رأسه عن حاسوبه ، بينما نظرت أمي إلي باستغراب : حقاً ؟! و هل اخترت الكلية التي ستدرسين فيها ؟!
قلت بثقة : نعم بالطبع !
- وما هي ؟!
أخذت نفسا عميقا ثم أغمضت عيني و قلت ملء فمي كما لو كنت أهم بإلقاء قنبلة :
كلية العلوم الجنائية !!

حملقت في أمي و عيناها تكادان تقفزان من مكانهما : ويندي ! هذا ليس مضحكا !
قلت مستاءة : أنا جادة تماما يا أمي !
فما كان منها إلا أن استدارت نحو أبي وقالت : اسمع ما تقوله ابنتك ! إنها تريد الدراسة في كلية العلوم الجنائية !
غمغم أبي وهو يكتب على حاسوبه دون أن يرفع نظره عنه : نعم و ماذا في ذلك !
صرخت أمي فيه : عزيزي !
ثم أطبقت شاشة حاسوبه بعنف فجفل أبي و كأنه قد عاد من رحلة في عالم آخر ! قال مرتبكا : ماذا ؟! ماذا كنت تقولين ؟!

أعادت أمي كلامها : قلت لك أن ويندي تريد الدراسة في كلية العلوم الجنائية !
نظر إلي و قال مستهجنا : كلية العلوم الجنائية ؟! ما الذي أدخل هذه الفكرة في رأسك ؟!
- لا شيء كل ما هنالك أن هذا هو الشيء الوحيد الذي أحب دراسته و يمكنني النجاح فيه !

نظرا إلي باستخفاف.. ثم تحدثت أمي : اسمعيني ! الأمر ليس ممتعا و مثيرا كما تصوره لك رواياتك ، إنه عمل متعب و ممل و لا أظنه سيروقك !

لم أفكر لحظة في إخبارهما بما حصل معي ، ليس لأني لا أريد ذلك.. لكن لم أشأ أن أسبب القلق لهما..

قلت لها في عناد : لا ستعجبني أنا أعرف نفسي جيدا يا أمي !
- لا ، لا أحد يعرفك مثل والديك حتى أنت نفسك ! لذلك كفي عن التصرف كالأطفال واستمعي لما نقوله لك !

في ذلك الوقت لم أنتبه لنفسي إلا و أنا أقفز على الأريكة و أضربها بكلتا يدي و أصيح : أنا لست طفلة ! توقفا عن معاملتي بهذه الطريقة ! فقد أصبحت فتاة ناضجة !
حدق والداي في ثم نظر كل منهما إلى الآخر بتعابير مثيرة للضحك .. لئن كانا يظنان أنني لا أزال طفلة فهما الآن متأكدان من ذلك !


و بعد نقاشات و مفاوضات طويلة .. وافق والداي و قد أصابهما الصداع من ثرثرتي وصراخي !
صعدت لغرفتي أقفز الدرجات من الفرح ، ثم خلدت إلى نوم هانئ عميق !


أيقظتني أمي باكرا صباح اليوم التالي ، أخذت حماما و ارتديت ملابسي ثم تناولت فطوري على عجل ، وبعد أن انتهيت منه ودعت والدي وخرجت ..
لاقيت فلورا في طريقي إلى المحطة - و كانت جيسيكا برفقتها - فقلت : صباح الخير ! كيف حالك جيسي ؟!
بدت جيسيكا في غاية الخجل و الاضطراب .. و ردت بصعوبة : ب..بخير < ثم نظرت إلي قائلة : هل ما زلت غاضبة مني ؟!

أجبتها بقليل من الإنزعاج : ما هذا الهراء الذي تقولينه جيسي ؟! ولماذا أغضب منك أصلا ؟!

- لأني.. لأنني..

قاطعتها بنفاذ صبر : كفي عن هذا ! لست وحدك التي خفت.. كلنا كنا كذلك ! أنا التي يجب أن تعتذر لأني حاولت إخافتك تلك الليلة ! إلى هنا ينتهي الأمر لا أريد سماعك تتحدثين عنه مجددا ، هل هذا واضح ؟!

سرها كلامي كثيراً ، و قالت لها فلورا مبتسمة : ألم أقل لك ! و الآن هيا لنكمل طريقنا !
واصلنا سيرنا إلى المحطة وعندما دخلنا لم يكن القطار قد وصل بعد فجلسنا ننتظره قليلا.
فجأة استدارت فلورا نحوي متسائلة : إذن ماذا قررتي ؟!
قلت بابتسامة ماكرة : ستعلمين عندما نصل !

أخذت تحملق في بغيظ لكنها لم تقل شيئا.. ففي تلك اللحظة كان القطار قد وصل !



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بِيلاَرّ
صديقة المنتدى
صديقة المنتدى
avatar


مسآهمـآتــيً $ : : 287
عُمّرـيً * : : 18
تقييمــيً % : : 29105
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 21
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 29/11/2016

رواية باحثا عن ظلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية باحثا عن ظلي   رواية باحثا عن ظلي Empty16/12/2017, 3:51 pm

الفصــل السابـع




لم أتكلم طول الطريق في القطار عن اختياري بالرغم من محاولات فلورا اللحوحة .. و بعد وصولنا إلى المحطة المطلوبة استقلينا سيارة أجرة لتأخذنا إلى جامعة مانشستر الشهيرة ، التي كانت ولا تزال جامعة مرموقة ذائعة الصيت .

توجهنا إلى مكتب الاستعلامات للتسجيل في الأقسام التي نريد.. و قبل أن نقترب من مكاتب الموظفين المنهمكين في أعمالهم على الحواسيب تارة و المستندات المرصوصة بالوثائق و الأوراق تارة أخرى جذبتني فلورا من ذراعي قائلة بفضول : والآن هيا أخبريني !

أجبتها وأنا أرفع حاجبي و أخفضهما على نحو مستفز : ستعلمين حالا !

ثم خطوت باتجاه الموظفة الأقرب لي ، بدأت كلامي قائلة : صباح الخير ، هنا يمكنني التسجيل في كليات الجامعة أليس كذلك ؟!
ردت الموظفة بشكل تلقائي كما لو كانت رجلا آليا مبرمجا : نعم يا آنسة ، ما القسم الذي ترغبين بالتسجيل فيه ؟!
كانت كل من فلورا وجيسيكا تراقبانني بلهفة والفضول يأكلهما ، تبسمت بثقة وثبات و قلت : كلية العلوم الجنائية !

رفعت الموظفة نظراتها نحوي باستغراب دام ثانية أو أقل ثم سرعان ما عادت لطريقتها الآلية في الكلام :
حسنا ، يجب عليك أولا اجتياز اختبار القبول ! <ثم بدأت تكتب على حاسوبها وهي تسألني عن اسمي و عنواني وبريدي الإلكتروني كما طلبت بعض الأوراق و الملفات ، و بعدما انتهت من تدوين كل ذلك دلتني على القاعة التي يجرى فيها امتحان القبول ، مررت بفلورا و جيسيكا اللتين فغرتا فميهما في اندهاش .. ثم قلت ملوحة لهما : بالتوفيق لكما !

لم يكن الاختبار صعبا كثيرا.. أظن أنني أبليت حسنا فيه و كذلك فعلت صديقتاي . و حين سنحت أخيرا الفرصة لفلورا للتجادل معي لم تنطق سوى سوى ثلاث كلمات : "لقد فقدت عقلك !"

رمتها نحوي بحنق و استياء بالغ ثم تقدمتنا إلى المحطة .. لم أحاول جدالها أو إقناعها بوجهة نظري ، ابتسمت فقط و واصلت المسير إلى جوار جيسيكا التي رغم دهشتها لم تر أن من حقها الاعتراض أو التدخل في قراراتي الخاصة ..


***

وجدنا جوني ينتظرنا في محطة القرية ، اتجه نحونا حالما لمحنا نخرج من القطار و ألقى سؤاله : إذن.. كيف جرى الأمر ؟!
قلت بسرور : جيد !

نظر إلي بفضول كبير في البداية ولكنه استطاع - مستنتجا من ابتهاجي المريب و تجهم فلورا الذي يبلغ عن عدم رضاها - أن يخمن الأمر ، رفع يده إلى رأسه و تأوه : آه.. لا تقولي أنك..

لم أجبه و اكتفيت بابتسامة عريضة ، فقالت فلورا مؤكدة شكوكه : بلى ، إن مخاوفك في محلها ، لقد اختارت هذه المخبولة كلية العلوم الجنائية !

فما كان منه إلا أن غطى وجهه بيديه ، و بالكاد تمكنت من حبس ضحكتي

سألت جيسيكا بهدوء : و لكن لماذا اخترت هذه الكلية بالذات ؟!

لم نخبر جيسيكا و لا أي شخص آخر بما حصل معنا في لندن ، فقد قدرنا أن من الأفضل بقاء الأمر سرا بيننا نحن الثلاثة لا غير .

أجابها جوني بدلاً مني : لأنها طفلة غبية ، تظن أن هذا العمل مسل !

تحدثت فلورا إلى جيسيكا : تعالي معي يا جيسي أريد شراء بعض الأشياء من ذلك المتجر .

ثم سحبتها و تركتني وحدي مع جوني .. كانت تريد له أن يأخذ كامل حريته في توبيخي ، تبا لفلورا الماكرة !

و حالما رآهما تبتعدان .. التفت إلي بغضب : ماذا تظنين نفسك فاعلة ؟!

رفعت حاجبي متظاهرة بالبلادة : ماذا أظن نفسي فاعلة ؟! لا شيء كل ما هنالك أنني أحب دراسة الجرائم و أنت أكثر شخص يعرف ذلك !
- اوه نعم ، لأنني أكثر شخص يعرف ، فأنا أعرف أن هذا ليس هو السبب !

لم أرد.. فأكمل تأنيبه : اسمعيني جيدا يا ويندي ! انسي كل ما رأيتيه تلك الليلة ، انسي كل شيء يتعلق بذلك المجرم ! إنه ليس شخصا يمكنك العبث معه ، أنت لا تزالين صغيرة والمستقبل أمامك ، لماذا تريدين تدمير كل شيء من أجل رغباتك الطفولية ؟! عليك أن تنضجي وتفكري بمستقبلك أكثر !

لم أكن أنظر إليه ، بقيت أحدق في حذائي طوال حديثه ، و حينما انتهى رفعت رأسي ونظرت في عينيه مباشرة ثم قلت بحزم و عناد :
مستقبلي ؟! أليس هذا ما أفكر فيه ؟! أليس هو ما أسعى خلفه ؟! أنت تفكر بمستقبلك كطبيب ناجح ، أما أنا فالبحث عنشادو هو مستقبلي ! <نظر إلي وتنهد يائسا فاستأنفت كلامي : أنت صديقي يا جوني ، بل أفضل أصدقائي ، و لكنك لا تستطيع أن تفهمني لأن طرق تفكيرنا متناقضة تماما ! أنت واقعي تطمح لحياة مريحة هادئة ، أما أنا فأحب الإثارة و المغامرة خصوصا إن كانت خطرة !

سكت قليلا ثم أضفت بهدوء : إن كان الموت ما تخشاه .. فكلنا سنموت في النهاية ، الخوف من الموت أسوء من الموت نفسه كما يقال ، كما أنني أفضل الموت و أنا شابة جميلة على التعفن في دار العجزة و قد سقطت أسناني و أصابني الخرف !

لم ينبس بكلمة واحدة و بدلا من ذلك اكتفى بالتحديق في بحزن ويأس.. لكن العجيب في الأمر أنه لم يعلق على كلمة "جميلة" كما اعتاد أن يفعل كلما سنحت له الفرصة !
لم أحتمل رؤيته هكذا فغيرت أسلوبي في إقناعه و قلت بابتهاج : لا تقلق أنا لست غبية كما تظن ، سأكون في غاية الحذر ولن أخبر أحدا بما شاهدته تلك الليلة أو ما أنوي فعله ، قلت أني لا أخشى الموت وليس أني أريده ! لذلك لا داعي لأن تكون متشائما هكذا !

لم يساعده هذا كثيرا ، فقلت : أوه هيا لا تظهر هذا الوجه الكئيب ! ابتسم وسأعطيك قطعة من الشوكولاته < ثم أخرجت من حقيبتي مغلف شوكولاته و تطلعت إليها بتلذذ : انظر إنها فاخرة و لذيذة جدا ! سأعطيك "نصفها" فقط !

حينها لم يملك جوني إلا أن يضحك قائلاً بسخريته المعتادة : يا لك من بخيلة يا ذات الفم الكبير !

لم يكن يحب الشوكولاته ، لكنه خطفها مني وأكلها كلها .. ليثير أعصابي لا أكثر !

***

تلقيت في اليوم التالي رسالة من الجامعة على بريدي الإلكتروني يهنؤنني فيها على نجاحي في اختبار القبول .. كدت أطير من الفرحة ، أما والداي و أصدقائي فجاءت تهنئتهم فاترة.. لم يهتموا كثيرا ، فما زالوا يعتقدون أن هذا العمل لا يناسبني و لن أنجح فيه .

حسنا .. أظن أنني أتصرف بأنانية نوعا ما .. و لكن إن لم أفعل سأظل نادمة على ذلك ما تبقى من عمري !
الندم على شيء فعلته أفضل من الندم على شيء لم أفعله ، هذا هو شعاري دوما .


من أجل الدراسة في الجامعة .. اشتركت مع كل من جيسيكا ، فلورا و كلوديا لاستئجار شقة في المدينة .
و بدأت الدراسة بسرعة لم أشعر بها .. كانت أول سنة لي في الجامعة ممتعة إلى حد كبير ، كنت أتسلى بالماحضرات ، الأبحاث ، التجارب ، وقراءة الكتب - أي الأشياء التي يراها معظم زملائي مثيرة للضجر - ربما لأني أملك حافزا قوياً يشدني إلى الأمام كلما بدأت بالتراجع ..
كنت أشعر أن كل شيء أتعلمه يمكن أن يساعدني في تحقيق غايتي !

لم أحدث أحدا حتى أصدقائي عنشادو مرة أخرى.. حتى ظنوا أني نسيت أمره تماماً.. مرت أربع سنوات .. لكنه لم يغب عن بالي يوما !


و خلال تلك الفترة لم أسمع أي خبر عن شادوو لم يعلن عن أي جريمة يمكن أن تكون له يد فيها.. لقد أحدثت القضية ضجة كبيرة في وقتها أما الآن .. فلا أظن الكثير يتذكرها !

كانت السنة الأخيرة في كلية العلوم الجنائية مختلفة عن سابقاتها .. فقد تعرفت فيها على الدكتور مايكل كروست ، أستاذ ذو شخصية قد يعدها البعض غريبة لكني أراها مميزة ، كان يعمل طبيبا نفسيا في السجون و مرت فترة عمل فيها مصلحا اجتماعيا في سجن للأحداث ، لذلك فهو يتمتع بخبرة واسعة و معلومات وفيرة عن الجريمة ، ومرتكبيها ، ودوافعها المختلفة .
كنت أستفيد كثيرا من محاضراته و أصغي بانتباه واهتمام شديد لحديثه مما جعلني الطالبة المفضلة لديه .


في أحد الأيام .. و إثر خروجي من المحاضرة الأخيرة لذلك اليوم .. جاءني الدكتور كروست بوجه بشوش ينطق بالإثارة : مرحبا آنسة ماكستر ! كيف كان يومك ؟!
- جيد !

سكت لثوان وهو يتطلع إلي ثم قال فرحا : حسنا.. لدي مفاجأة لك !
ارتفع حاجباي في تفاجؤ : حقا ؟! ما هي ؟!
تلفت حوله وكأنه يتأكد من أن أحدا لا يسمعه ثم أضاف : هذا المكان ليس مناسبا لنذهب إلى مكتبي !

أذعنت لطلبه دون المزيد من الأسئلة و سرت معه إلى الحجرة التي يتشارك فيها مع أستاذين آخرين . كانت فارغة حين دخلناها ، أغلق الدكتور الباب و قال : اجلسي يا آنسة !

اتجهت نحو المكتب أمام النافذة - و الذي عرفت فيه مكتب الدكتور كروست من زياراتي السابقة - و سحبت كرسيا من الزاوية فيما اتخذ هو مقعده خلف مكتبه معطيا ظهره للنافذة المفتوحة ...قال بعدما رآني أجلس باعتدال أمامه : لقد كنت دوما آنسة ماكستر مهتمة بكل ما يخص الجرائم ، و أكثر الطلاب الذي درستهم همة ونشاطا ، لذلك أظن أنا ما سأعرضه عليك سيكون مثيرا بالنسبة لك !

أخذت أصغي بلهفة و فضول شديدين .. انحنى الدكتور للأمام و قال بحماس : هل تذكرين الجرائم الخمسة التي وقعت قبل أربع سنوات ؟!

- أية جرائم ؟!

التمعت عيناه ببريق الإثارة و هو يجيب :أعني مقتل رجال الأعمال الخمسة ، ريستارك وشركائه !!

تصلب وجهي و غص صوتي في حلقي .. لقد قررت مسبقا أن آخذ بنصيحة صاحب الرسالة بعدم الوثوق بأحد ، لذلك يجب علي التصرف بشكل طبيعي و إخفاء ما أشعر به من سعادة و إثارة.

نطقت أخيرا بعد جهد مضن لكبح عواطفي و الرد بصورة طبيعية : اوه.. أظنني سمعت بها قبل مدة طويلة .. القاتل لم يعرف حتى الآن ، أليس كذلك ؟!

بدا مسرورا للغاية لسرعة تذكري سلسلة الجرائم تلك : بلى ! إذن .. هل ترغبين في أن تعرفي عن القاتل ؟!

كان قلبي يخفق بجنون تلك اللحظة و باتت نبضاته العنيفة تتردد في أذني .. يا للحظ ! أن أحصل على ما أريده في الوقت الذي لا أتوقع فيه ذلك !

أجبت بنبرة فيها من الحماس ما يكفي ليجعل الدكتور يواصل حديثه : اوه نعم سيكون هذا مثيرا !
نهض واقفا فجأة وقال : إذن هيا لنذهب !
وقفت بدوري و آمارات الاستغراب تعلو وجهي : إلى أين ؟!
غمز بعينه : ستعرفين قريبا !

ثم انطلق خارجا إلى الممر .. و لم أملك إلا اللحاق به ! ركبنا سيارته التي سارت بنا إلى حيث يريد .

قد يبدو من التناقض أن أذهب مع الدكتور إلى مكان لا أعلمه و أنا التي زعمت الحذر و عدم الوثوق بأحد ، لكن.. لا أظن أن هذا فخ أو ما شابه ! إحساسي يخبرني أن أسلوبا مكررا مليئا بالثغرات مثل هذا لا يتوافق مع شخصية شادو - التي استخلصت طباعها من معلوماتي القليلة و استنتاجاتي الخاصة بشأنه -إن كان يريد قتلي سيستخدم طريقة أذكى و أبرع و بعيدة عن الشبهات ! فهناك عدد لا بأس به من الطلاب شاهدوني أغادر برفقة الدكتور ولن يكون إلا معتوها إن حاول إيذائي بوجود شهود ضده !


مشت بنا السيارة لعشرين دقيقة أو أكثر بقليل ثم بدأت أرى مبنى كبيرا محاطا بسياج ضخم تعلوه الأسلاك الشائكة !
فتحت عيناي على اتساعهما و صحت مذهولة : السجن ؟!!
ابتسم قائلا : نعم !

ما الذي يحدث هنا ؟! هل قبضت الشرطة على شادو ؟! لكنهم لم يقولوا أي شيء عن ذلك ، و وسائل الإعلام من المستحيل أن تتكتم على خبر مهم و مثير كهذا ! لم أعد أفهم شيئا !

نزلنا بعدما أوقف الدكتور سيارته في الموقف المخصص ، و توجهنا إلى بوابة السجن .. أخرج الدكتور رخصته و أراها للشرطي الذي يحرس البوابة فسمح لنا بالدخول على الفور .
اجتزنا عدة ممرات و توقف الدكتور بين حين و آخر للتحدث إلى عدد من رجال الشرطة قبل أن يصحبنا أحدهم إلى غرفة صغيرة مربعة تتوسطها طاولة خشبية بالشكل ذاته و طلب منا الانتظار فيها.. لم أزر السجن من قبل لكن من الواضح أن الغرفة مخصصة للقاء المساجين ..

جلس الدكتور أولا ثم أنا ثانيا بعد أن تم إحضار كرسي لي و انتظرنا .. كانت الحماسة تشتعل في داخلي بشكل لم آلفه قبلا .. أحملق في الباب المغلق بلهفة و أعد الثواني .. حتى فتح أخيرا !

دخل الشرطي وبرفقته سجين مكبل اليدين .. ثم خرج و تركنا نحن الثلاثة لوحدنا !

كان السجين طويل القامة ، عريض المنكبين ، أصلع تماما ، ببشرة حنطية شاحبة .. عادي تماما و ليس فيه شيء مميز .. لحظة ! هل هذا هو شادو ؟!! مستحيل ! إنه مختلف تماما عما تخيلته !

همست للدكتور و صوتي يرتعد : هل هذا .. هو القاتل ؟!
أجابني ضاحكا : لا يا عزيزتي ، هذا من سيخبرنا عنه!

لا أدري لماذا و لكن الارتياح غمرني بعد عبارته الأخيرة .. ربما لأن الصورة المهيبة التي رسمتها له في مخيلتي لم يثبت خطؤها بعد !

ألقى السجين بجسده بلا مبالاة على الكرسي قبالتنا و مد ساقيه تحت الطاولة حتى كادت قدماه تلامسان حذائي و قال بنبرة ضجرة : ماذا تريدون مني ؟!

وضع الدكتور مرفقيه فوق الطاولة ثم شرع يتحدث و هو يشبك أصابعه ببعضها : وصلني أنك تعرف معلومات .. عن قاتل ريستارك وشركائه الأربعة !

عقد حاجبيه متجهما .. ثم أطلق ضحكته باستخفاف : آه إذن.. جئت تسأل عن"الكونت دراكولا"؟!

اندفعت أسأل دون إذن :"الكونت دراكولا"؟!
أجابني مبتسما في سخرية : نعم.. هكذا كنا ندعوه !

عاد الدكتور يقول : سمعت أنك كنت تعمل سابقاً مع إحدى عصابات المافيا الإيطالية ، وعندما انهارت سلمت نفسك للشرطة .. أخبرني ما حدث !

رفع السجين بصره إلى السقف و استغرق في التأمل ..ثم تكلم و كأنه يحكي حلما يراوده :
كان هو .. الكونت دراكولاهو السبب ! لقد دمر عصابتنا ، و قتل قادتنا واحدا تلو الآخر .. فلم أجد بدا من تسليم نفسي للشرطة .. فكرت أن ذلك سيكون أكثر أمانا لي ..

سألت و رعشة تسري في يدي : إذن .. فأنت تقول أن الرجال الخمسة لم يكونوا .. آخر ضحاياه .. أعنيالكونت دراكولا ؟!
ظهر الاستهجان شديدا على ملامحه حين طرحت سؤالي : بالطبع لا ! ذلك الوحش لن يتوقف عن القتل ما دام على قيد الحياة !

صمتنا لبضع لحظات .. ثم تحدث الدكتور : أخبرنا كل ما تعرفه عنالكونت دراكولا كما تسميه !

أرجع ظهره إلى الوراء و قال متجهما : لو كنت أعرف شيئا مفيدا عنه لما رأيتني "حيا" هنا <ثم أضاف بعد سكوت قصير : كل ما نعلمه أنه زعيم ومؤسس منظمة اغتيالات يلقب أفرادهاب"العقارب"! إنها ليست ضخمة أو واسعة النفوذ كالمافيا ، لكنها أكثر احترافا و مهارة ، و أعضاؤها من مختلف الجنسيات و الأعمار و المهن ، و هم جميعا مخلصون لزعيمهم حتى الموت !

- لكن.. ما سبب عدائه للمافيا الإيطالية ؟!

- كنا متحالفين مع عدو له.. و قد حذرنا"الكونت"من العواقب الوخيمة التي تنتظرنا إن لزمنا جانب عدوه ، لكننا لم نأبه لتهديده ، سخرنا و استخففنا و تمادينا في عقد التحالفات مع خصومه .. حتى فات الأوان و لم ننتبه إلا حين سقطنا مهزومين !

سألت : لكنكم أكثر عددا وعدة منهم ! فكيف تمكنوا من هزيمتكم ؟!

تنهد قائلا : الأعداد الكبيرة والأسلحة المتطورة ليست كل شيء ، و يا ليتنا أدركنا ذلك من البداية ! لقد انتصروا علينا لأنهم كانوا يفكرون و يخططون جيدا قبل فعل أي شيء ! لم يكن العقارب عنيفين و متسرعين مثلنا .. بل هادئين ، متأنين و منصاعين تماما لأوامرالكونت ، الذي كان في غاية الدهاء والمكر ، يضرب المكان المناسب بالسلاح المناسب وفي الوقت المناسب !

لم أتخيل للحظة واحدة أنشادو أوالكونتيقود منظمة كاملة من المغتالين المحترفين ! إنه أكبر شأناً بكثير مما كنت أتصور !

خيم صمت ثقيل يتخلله التوتر و الحذر .. و ما لبث السجين أن قطعه فجأة بصوته البارد : إن كنتم تفكرون في السعي وراءه فلا أنصحكم بذلك أبدا ! إنه قاس متحجر القلب ، و لن يرحمكم إن حاولتم اعتراض طريقه !

تجاهل الدكتور تحذيره و نهض قائلا : شكراً على ما أمدتنا به من معلومات .. طاب يومك !
انتصبت واقفة أنا الأخرى و عندما كاد الدكتور يبلغ الباب.. توقف لحظة ثم استدار إلى السجين مستدركا : صحيح ! هل تعرف شخصا يملك معلومات قد تفيدنا ؟!
أغمض السجين عينيه ولم يجب .. و عندما يئس الدكتور من رده أكمل طريقه وأمسك قبضة الباب ليفتحه..

-الساحر رانكورت !

التفتنا إليه باندهاش .. و أربكت المفاجأة الدكتور : الساحر رانكورت ؟!! هل.. هل تعني الساحر الفرنسي المشهور لويس رانكورت الذي اختفى منذ سنتين تقريبا ؟!

- نعم .. إن كان ما يزال حيا ، فلابد أن بحوزته الكثير من المعلومات ! كان حاضرا عندما بدأت معركتنا مع الكونت.. يكتفي بالوقوف متفرجا و يبتسم ساخرا ناعتا إيانا بالمغفلين ! لابد أنه الآن مختبئ كما الفأر في جحره خوفاً من"لدغة العقرب"!

عاد الدكتور يتمتم بشرود : الساحر رانكورت .. لم أتوقع شخصا كهذا !

ظل مشوشا لفترة .. و حالما استعاد بشاشته شكر السجين .. ثم غادرنا !
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بِيلاَرّ
صديقة المنتدى
صديقة المنتدى
avatar


مسآهمـآتــيً $ : : 287
عُمّرـيً * : : 18
تقييمــيً % : : 29105
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 21
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 29/11/2016

رواية باحثا عن ظلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية باحثا عن ظلي   رواية باحثا عن ظلي Empty16/12/2017, 3:52 pm

الفصــل الثامـن





هنا... في المدينة الروسية العريقة سان بطرسبورغ.. حيث يغطى الثلج الشوارع ، الحدائق، و أسطح البيوت و المباني .. حتى بدأت و كأنها كسيت عباءة بيضاء ممتدة إلى ما لا نهاية !

على تلة ترتفع بعيدا عن ضجيج المدينة كان يقبع مختبر كابوستين للعلوم الإنسانية .. و في غرفة كئيبة معتمة الإنارة ، تفوح منها رائحة المعقمات النفاذة .. جلس الدكتور بارانوفسكي إلى مكتبه شاردا ، ينقر بإصبعه على حزمة أوراق كان من المفترض أن يقرأها.. لكن الأفكار التي أخذت تتدفق بغزارة إلى ذهنه شغلته عن ذلك لفترة.. تنهد بعمق و عندما هم أخيرا بمباشرة عمله و فك الحزمة.. على صوت طرق عجل و سرعان ما فتح الباب دون أن ينتظر الطارق الإذن له بذلك .. دخل أحد مرؤوسيه قائلا : عذرا يا سيدي ! لكن البروفيسور كابوستين قد عاد !

انفكت الكآبة و اللامبالاة عن سحنته في لحظة و صاح باستهجان : ماذا تقول ؟! لقد مضى على عمليته الجراحية أسبوع واحد فقط !
- قلنا له ذلك و لكنه أصر على البقاء في المختبر !
- يا إلهي ! فيم يفكر ذلك العجوز ؟!!

دفع كرسيه للخلف باستياء و دار حول مكتبه قبل أن يخرج قاصدا مكتب البروفيسور كابوستين .. توقف أمام الباب و طرق مرة واحدة و بصعوبة وصله صوت البروفيسور المخنوق و هو يقول : تفضل !

دلف الدكتور يسبقه سخطه و حالما وقع بصره على البروفيسور و لاحظ وجهه الهزيل الشاحب و عينيه المتورمتين ، قال مستنكرا : ما الذي أتى بك هنا سيدي ؟! لقد مضى أسبوع واحد ! أسبوع واحد فقط على عمليتك !

أجاب البروفيسور فيما يكافح كي يجعل صوته مسموعا : لم أكن أستطيع المكوث في المشفى أكثر من ذلك ، كاد الملل يقتلني ! كما أن لدي الكثير من الأعمال المهمة التي ينبغي إنجازها بسرعة !

- و لكن يمكنني القيام بها نيابة عنك بينما تسترد عافيتك بشكل كامل !

غمغم البروفيسور نافيا : لا لا يا بارانوفسكي.. أنا أحب إنجاز أعمالي بنفسي !

- لكن..

- يكفي جدالا ! هذا شأن يخصني وحدي !

تنهد الدكتور بإذعان : كما تشاء سيدي .. لكن لا تضغط على نفسك كثيراً !
أجاب البروفيسور و هو يتفحص بعض الملفات : أعلم يا بارانوفسكي.. أعلم !

حدق الدكتور فيه للحظات ثم تقدم وجلس على كرسي قبالته.. كان على وشك أن يتكلم لكن البروفيسور فاجأه بقوله : اسمعني يا بارانوفسكي ! أريدك أن تذهب "حالا" وتفصل كل العاملين الجدد في المختبر أيا كانوا !

فغر الدكتور فاه مستغربا و قال : و لكن لماذا ؟!

رفع البروفيسور حاجبيه بتعجب ثم قال : تسألني لماذا ؟! وكأنك لا تعرف السبب ! <رفع يده المهتزة إلى عنقه يتحسسها و أطلت الرهبة من عينيه حين أردف : كانت تفصلني عن الموت شعرة واحدة .. نجوت بمعجزة حقيقية ! لكن المعجزات للأسف لا تحدث كثيرا و لا يمكننا المراهنة بحياتنا على أمل وقوعها ! <سكت ثانية ثم استأنف : إن لم نكن حذرين بما فيه الكفاية.. فلا استبعد أن يكون مصيرنا مثل مصير السويسري البائس !

اقشعر جسد الدكتور و دق قلبه برعب لحظة تذكره الباحث السويسري الشاب الذي التحق بالمختبر منذ سنة تقريباً.. كان ذكيا نشيطا عالي الهمة ، و كاد يصبح المعاون الأول و اليد اليمنى للبروفيسور كابوستين لولا الحادث المروع الذي وقع الأسبوع الفائت .. فقد تعطلت مكابح سيارته بشكل مفاجئ أثناء اجتيازه طريقا منحدرا نحو بيت البروفيسور ثم انقلبت عند محاولته حرفها عن مسارها و أدى تسرب الوقود لنشوب النيران فيها ! نجا البروفيسور بأعجوبة بعدما تمكن من الزحف خارج السيارة قبل اشتعالها .. أما السويسري فلم يسعفه الوقت و مات ميتة شنيعة.

ابتلع الدكتور ريقه في رعب : نعم.. أظنك محقا سيدي.. لابد أن أحد العاملين الجدد.. هو الذي تسبب بمقتل السويسري !

- هذا مؤكد ! لهذا إذهب بسرعة ونفذ ما طلبته !

- حالا سيدي !

و انطلق بارانوفسكي عائداً إلى مكتبه و طلب من مرؤوسه أن يستدعي كل العاملين الذين لم يمض على عملهم في المختبر أكثر من سنة .. ثم جلس ينتظر .. إلى أن طرق الباب أخيرا معلنا وصولهم ... كانوا تسعة أشخاص ستة باحثين مبتدئين ، حارسان و عامل نظافة !

وزع الدكتور نظره بينهم .. ثم تحدث بصرامة : آسف لقول هذا .. لكن لا يمكنكم الاستمرار بالعمل هنا !
عمهم الغضب والاستياء و تبادل بعضهم نظرات مرعوبة و أخرى غير مصدقة .. صاح أحد المتدربين : و لكن لماذا ؟! ما الخطأ الذي اقترفناه ؟!

أجاب الدكتور كاذبا : لم تقترفوا أي خطأ.. كل ما في الأمر أن ميزانيتنا لم تعد تسمح بوجود عاملين أكثر !

هنا اندفعت فتاة شابة حادة الملامح تدعى آنوشكا و قالت بلهجة هجومية عنيفة : هذا ليس صحيحا ! لقد زودتم المختبر قبل يومين بآلات و معدات حديثة باهظة الثمن ! ولو كانت لديكم مشكلة في الميزانية لما استطعتم شراءها !

وافقها الثمانية الآخرون بإيماءات و همهمات حانقة ..و تكلم متدرب آخر يدعى لابين : آنوشكا محقة ! الأمر لا علاقة له بالميزانية ، أخبرنا السبب الحقيقي فهذا من حقنا !
لم يحرك الدكتور ساكنا و لبث يرقبهم بهدوء .. فاستدارت آنوشكا نحو الثمانية الباقين و قالت : لا داعي لسؤاله فالسبب واضح ! <ثم نظرت إلى الدكتور شزرا و أضافت : إنه يظن أن قاتل السويسري واحد منا !

رد أحد الحارسين و هو يكاد يبكي : لكني لم أفعل ذلك ! أنا لم أقترب "مطلقا" من تلك السيارة ، أقسم بذلك !

صاح الدكتور أخيرا بنفاذ صبر : اوه نعم هذا ما تقوله ! لكن هل هناك من يشهد على ذلك غيرك ؟!
أطرق الحارس رأسه بأسى و لم يسعه الرد .. و عاد لابين يقول و قد انتفخت أوداجه غضبا : "نحن لم نرتكب أي جرم حتى نطرد !"
و أضافت آنوشكا بحنق مماثل : "كل ما تملكونه ضدنا مجرد شكوك لا يدعمها أي دليل ! هذا أغبى شيء رأيته طيلة حياتي !"

ضرب الدكتور المكتب بيده بقوة أجفلت بعضهم و صاح عابسا : نحن لا نعلم من فعل ذلك ! ولم نستطع التوصل إلى أي نتيجة حتى الآن ! لذلك لا يمكننا أن نخاطر ببقاءكم -أنتم المشتبه بهم - في المختبر مدة أطول ، هل تفهمون ؟! و الآن غادروا فورا و لا تضطروني لاستدعاء الشرطة !

كان السخط يغمر المتدربين الستة و بان الغضب قويا على سحناتهم ، مسح عامل النظافة دمعة قبل هبوطها من عينه في حين تطلع الحارسان لبعضهما في غم و كدر و قلة حيلة ... كانوا جميعا يشعرون بالظلم لكن لم يكن لديهم خيار غير المغادرة !
ضربت آنوشكا الأرض بقدمها و اندفعت خارجة و لم ينس لابين أن يصفق الباب وراءه بأعنف ما استطاع !

تنهد الدكتور و التفت إلى حزمة الأوراق أمامه ثم التقطها و لكن للمرة الثانية لم يتمكن من الإطلاع عليها .. إذ ارتفعت أصوات صراخ و شجار في الممر !
فقام من مكانه يسب و يلعن و خرج و قد تجاوز انزعاجه حده..

كانت آنوشكا و زملائها الخمسة في مواجهة البروفيسور كابوستين !

- لقد أخبرتني أنني أبلي بلاء حسناً و أنك سوف تجعلني مساعدتك الأولى ! و لكنك الآن تنكث وعدك و تطردني من المختبر فقط لأنني جديدة وأنت لا تثق بالجدد ! يا للسخف !

كان وجه البروفيسور يحمر غضباً لكن لم يعد في استطاعته الاستمرار في الجدال .. فقد بدأت حنجرته تؤلمه بشدة !
ركض الدكتور إليهم يستشيط غضبا و صرخ في الستة : هذا يكفي ! اخرجوا من هنا حالا !

غادر المتدربون بعد سيل من الشتائم الوقحة وعيونهم تقدح شررا! أما الدكتور فقد اتجهه إلى البروفيسور - الذي اضطر للاستناد إلى الحائط حتى يتمكن من الوقوف - وأخذ بيده و ساعده في الوصول إلى مكتبه ..
قال بحزم حالما أجلس رئيسه المنهك على كرسيه : سأتصل بسائقك حتى يعيدك إلى منزلك !

أشار البروفيسور بيده رافضا.. فأدرف الدكتور و قد نفذ صبره : سيدي ! أرجوك توقف عن التصرف كالاطفال ! انظر إلى حالك إنك لا تستطيع النطق حتى ! و لا تنس أنك أصبت في ذراعك وساقك أيضا ! إن بقيت على هذه الحال فستقتل نفسك بيديك !

لم يبدو على البروفيسور الاقنتاع فأضاف الدكتور مقترحا : إن كنت مصرا على أن تدير الأمور بنفسك فسأرسل لك كل شيء على بريدك الإلكتروني و ستتولى الإطلاع والرد عليها - وأنت في فراشك- و تخبرنا بأوامرك و توجيهاتك ! ما رأيك ؟! أليست فكرة جيدة ؟!

هز البروفيسور على مضض ، فانطلق الدكتور ليتصل بالسائق الذي وصل بعد عشر دقائق.. و أخذ البروفيسور إلى بيته .

***

بعد يومين من ذلك.. كان الدكتور بارانوفسكي نائما بعمق في غرفته حين دخل عليه رجل سمين -كان أحد الباحثين في المختبر ويدعى دوبرينين - نظر بقلق إلى زميله الذي استمر في نومه الثقيل و تقدم و وقف إلى جانب سريره.. ثم بدأ يهزه قائلاً بارتباك : بارانوفسكي ! بارانوفسكي ! هل تسمعني ؟!

غمغم الدكتور بتثاقل دون أن يفتح عينيه : ماذا تريد ؟! دعني أنم فأنا متعب .. جدا !
تنهد دوبرينين ... و قال باستهجان : ولكنها الواحدة ظهراً !
فتح الدكتور عينيه أخيرا و تمتم غير مصدق : ماذا ؟!

- نعم ، و لذلك أتيت للاطمئنان عليك فليس من عادتك أن تتأخر هكذا !

بحركة ثقيلة أزاح الدكتور الغطاء و نهض من فراشه بصعوبة من يحمل صخرة على ظهره ! قال و هو ينظر إلى الساعة بجانبه : يا إلهي لقد نمت 15ساعة ومع ذلك أشعر بإرهاق شديد و كأني لم أنم أسبوعا بكامله ! <ثم أخذ يفرك عينيه و يضيف بصوت ناعس : كما أنني لا أستطيع الرؤية بوضوح !

حدجه زميله بنظرة قلقة قبل أن يقول متجهما : أظن من الأفضل لك البقاء في المنزل لترتاح ، فأنت تبدو مريضاً !

- لا بأس.. الأمر ليس خطيرا.. أعتقد أن هذا الانهاك ناجم عن تجاوزي المدة الطبيعية للنوم .. عد أنت إلى المختبر .. أما أنا فسآخذ حماما ساخنا و آكل شيئا يقويني ثم ألحق بك.

- حسناً...

غادر دوبرينين منزل الدكتور عائداً إلى المختبر ، ثم تبعه الدكتور بعد أقل من ساعة .



عندما وصل إلى مكتبه رمى بجسده على كرسيه و أطبق جفنيه لبعض الوقت... ثم فتحهما إثر طرق على الباب.. اعتدل في جلسته و نطق بصوت مبحوح : تفضل !

كان الطارق دوبرينين و الذي قال عند دخوله : جئت لأتأكد من أنك على ما يرام..

- اوه .. أظن أنني أفضل .. قليلاً ..

كان وجه دوبرينين ممتقعا يعلوه التوتر والقلق .. سأله الدكتور : ما بك ، دوبرينين ؟! إن وجهك مصفر !
فتح دوبرينين عينيه و قد أجفله السؤال ثم تلعثم قائلا : لا .. لا شيء .. مهم ، إنني فقط .. غير مرتاح .. لما يحدث !

- وما الذي حدث ؟!

- لقد.. لقد.. انهار أربعة من العاملين هنا قبل.. عشر دقائق !

هتف الدكتور مصعوقا و قد انسحبت الدماء في لحظة من وجهه : ماذا تقول ؟!!

- نعم.. إنهم في حالة سيئة جدا ! و قد حاولنا الإتصال بالإسعاف لكننا لم نفلح ، فتغطية الشبكة سيئة جدا بسبب الجو ! كما أن الهواتف الأرضية لا تعمل أيضاً ! <أضاف متطلعا إلى الدكتور و الخوف يبرز من عينيه : لقد .. لقد عانوا من نفس الأعراض .. التي كنت تشكو منها عندما استقيظت.. و لهذا جئت أطمئن عليك !

تصلب جسد الدكتور و لف وجهه الرعب.. و خرج صوته يرتجف : م.. ماذا ؟! < شرع ينتحب و يحملق في يديه : إنه سم !! ل.. لابد أنه.. قد تم تسميمنا ! لكن.. كيف ؟! متى ؟! و أين ؟!

- هذا ما يحيرنا و يخيفنا أيضاً !!


و قبل أن يصدر عنهما أي فعل .. فتح الباب فجأة بعنف و دلف اثنان من الباحثين و هما يصيحان بفزع : دوبرينين !لقد مات الأربعة.. كلهم للتو !!

تجمد الدكتور و دوبرينين في مكانيهما وكل منهما ينظر إلى الآخر في هلع !
ثم قال الأخير و هو يجاهد لإيجاد كلماته : علينا .. الذهاب إلى .. المشفى.. بأسرع ما نستطيع..

تأخرت كلماته في الوصول إلى عقل الدكتور الذي كان لا يزال مصدوما مما حدث ! وعندما استوعب أخيراً ما قيل له قام بصعوبة بالغة من كرسيه و هو يرتعش بأكمله ! بدأ مشيه.. كالأعمى ! يتحس طريقه بيديه.. كأنه لا يبصر ! حتى تعثر بطاولة كانت في طريقه و سقط على الأرض !

هرع إليه الآخرون .. و حاولوا مساعدته على النهوض.. إلا أنه قال بصوت قطعه الارتعاش : لا ف..ائدة ! .. جسد..ي .. قد شل .. ت..ماماً !

تعاون الثلاثة على حمله و اتجهوا به إلى غرفة الطبيب كي يجري له الاسعافات الأولية ريثما تجهز السيارات لنقله و جميع من في المختبر إلى المشفى -كان دوبرينين قد أرسل بالفعل الحارس كي يجهز أحدها لنقل الأربعة المصابين قبل قدومه إلى بارانوفسكي لكن ظهر أن ذلك الحارس قد واجه بعض المشاكل - .

كان الطبيب هناك مهموما ومنشغلا بالجثث الأربعة عنده ، وحينما رأى الدكتور بارانوفسكي محمولا إليه زاد غمه و قلقه و قال باستنكار يشوبه الذعر : يا إلهي ! ما الذي يجري هنا ؟!!

وضع بارانوفسكي على السرير حيث كان أحد الأموات ممدا قبل وصوله .. مع أنه لم يكن يستطيع الرؤية بوضوح.. إلا أنه تمكن -و ليته لم يفعل- من مشاهدة الجثث وهي تحمل خارج الغرفة .. كان منظر تلك الأجساد التي سلبها الموت أرواحها أفظع ما يمكن أن تقع عيناه عليه !

تقدم الطبيب منه قائلاً : سأجري لك الإسعافات الأولية ثم نأخذك إلى المشفى بإحدى سياراتنا <عبس و بدا الغم في وجهن و صوته : كما كنا سنفعل مع أولئك الأربعة لو لم يداهمنا الوقت !!

أنهى الطبيب عمله سريعا و اتجه صوب الباب قائلاً : سأذهب للتأكد من أن السيارة جاهزة لنغادر !


أغمض الدكتور بارانوفسكي عينيه.. و بدأ شريط حياته يمر أمامه.. لحظة بلحظة... فشله ثم نجاحه.. سفره إلى غرب أوروبا ثم عودته إلى روسيا.. تكريمه على انجازاته و اكتشافاته المهمة في مجال العلوم الإنسانية... ماذا بعد ؟! شيء ما.. شيء كان يقلقه.. لكنه لم يستطع تذكر ماهيته ! و لم يكن عليه أن يجهد نفسه ليتذكر .. فقد سمع فجأة صوتاً ساخرا جمد الدم في شرايينه !


"كم تبدو مثيرا للشفقة ! يا بارانوفسكي !"


فتح الدكتور عينيه فزعا وتلفت حوله ليرى محدثه .. كان جالساً على كرسي قرب الباب !
حدق فيه بارانوفسكي و فرك عينيه.. لم يكن باستطاعته تمييز ملامحه بدقة .. لكن ذلك الشعر الثلجي الأبيض والعينين الفيروزيتين .. قد جعلوا شكله مألوفا لديه !

قام ذلك الشخص من مكانه و اقترب من الدكتور - الذي لم يكن بمقدوره أكثر من تحريك رقبته - ثم انحنى باتجاهه و هو يضع يديه خلف ظهره و قال بابتسامة بريئة تناقض ما ينطق به لسانه : ما بك يا بارانوفسكي ؟! ألا تتذكرني حقاً ؟! أوه صحيح .. أنت لا تستطيع رؤيتي بوضوح بسبب تأثير السم ! <انتصب في وقفته وأردف مسرورا : لقد استغرقني صنعه وقتا لكنه استحق بكل تأكيد !!

تكلم الدكتور لأول مرة مصعوقا : هل أنت من .. من سممنا ؟!!

زم المعني شفتيه بطريقة طفولية : همم إنه من صنعي لكني لست من دسه لكم ! <عاد يتطلع إلى الدكتور بنظرة حالمة : كنت تقول دوماً أنني سأصبح كيميائيا بارعا ! و قد أجبتك بأنني حين يحين ذلك اليوم.. سأصنع سما من أجلك !! لكنك لم تعر ما قلته اهتماماً لأنني كنت طفلاً حينذاك !

شهق الدكتور ثم بجهد مضن و ألم ساحق في مفاصله رفع رأسه قليلا و تمتم بصوت مرتعش خائف : أ.. أنت.. آليكسي.. آب.. آبراموف ؟!!

قال آليكسي وهو يبتسم بسعادة : أوه لقد تذكرتني أخيراً !

- إذن.. فأنت لم تمت !!

- نعم .. لسوء حظك !

- جئت.. لتقتلني.. أليس كذلك ؟!

- أقتلك ؟! أوه يا عزيزي المغفل .. أنت ميت بالفعل !إنها مسألة وقت لا أكثر ! دقائق معدودة وتنتهي .. إلى الأبد ! و قد جئت فقط لأجل أن أشهد هذه اللحظة !

- كيف ؟! كيف تمكنت من تسميمي ؟! لقد كنت أتأكد من كل شيء آكله .. أو أشربه و لم أكن أقبل ما يقدمه لي .. أي أحد !

ضحك آليكسي باستمتاع قائلاً : حقاً ؟! هل كنت حذراً تماماً ؟! هل أنت عادة تتأكد من المياه التي تشربها أو تغسل يديك بها منالصنبور؟!

اتسعت حدقتا عينيه و همهم غير مصدق : لا تقل.. أنك وضعته.. في خزان المياه !! أيها العقرب اللعين !!
ضحك آليكسي ملء شدقيه مرة أخرى و قال : أخبرتك مسبقاً أنني لست من وضعه !

- من ؟! من إذن ؟!!

ابتسم آليكسي وأجاب : هل تريد حقاً أن تعرف من هو ؟!

- إن كنت سأموت فعلى الأقل أريد معرفة المتسبب في ذلك !

- حسناً .. كما تشاء ! < التفت نحو الباب وصفق بيديه قائلاً : هيا ادخل يا صديقي ! بارانوفسكي يرغب في رؤيتك قبل موته !

فتح الباب ببطء .. التفت الدكتور ليرى القاتل الذي سيجتاز العتبة ... وعندما وقع بصره على وجهه صرخ : مستحيل ! هذا مستحيل ! لا يمكنني أن أصدق ! لا يمكن أن تكون أنت من فعلها !!

أجاب الداخل : بل صدق ! كنت أنا !

- لكن لماذا ؟! لماذا فعلت ذلك ؟! أجبني ! أجبني.. يا كابوستين!!

ابتسم البروفيسور باستخفاف بارد .. فأردف الدكتور لاهثا : لماذا تفعل ذلك .. وأنت رئيسنا ؟! ألست أنت .. ألست من أنشأ المختبر وكان صاحب الأفكار والخطط ؟! وكل ما كنا نفعله "نحن" هو .. تنفيذ أوامرك ! إن كنت تظن أن"الكونت دراكولا"سيصفح.. عنك مقابل ما فعلته بنا فأنت مخطئ تماماً ! سيقتلك .. سيقتلك دون رحمة بعد أن تنفذ له ما يريده !

قهقه آليكسي و تحدث إلى البروفيسور قائلاً : المسكين ! يبدو أنه لم يفهم الأمر بعد ! اشرح له يا صديقي فهذه أمنيته الأخيرة !

بادله البروفيسور الابتسام قبل أن يرفع نظارته و يضعها في جيبه ثم يمسك رقبته بكلتا يديه .. وفي لحظات .. يخلع قناعه !!
لم يعد الذي يقف أمامه هو البروفيسور العجوز كابوستين بل شاب ذو شعر متفحم السواد و عينين بذات اللون !

صعق الدكتور .. جحظت عيناه و ارتعشت شفتاه اللتين استحال لونهما للأزرق ! كان ذلك الشخص آخر من يمكن للدكتور أن يتوقعه !

قال مرعوبا ينتحب : كنت أنت كل هذا الوقت ؟! أيها السويسري الحقير !!
تدخل آليكسي و هو يمط شفتيه بطريقته الطفولية : إنه ليس سويسري بل فرنسي !! <ثم أردف موجها كلامه إلى شريكه : سيبا ! يبدو أنه لا يتذكرك !

- سيبا ؟! أنت .. أنت سيباستيان لاكلير ؟!!

تبسم سيباستيان قائلاً : بلى إنه أنا دكتور بارانوفسكي ! يسعدني أنك تتذكرني !

- لكن مهلا .. إن كنت أنت حيا .. إذن فتلك الجثة كانت ل..

قال سيباستيان بابتسامة بقدر ما هي هادئة بقدر ما هي مفعمة بالشر :للبروفيسور كابوستين !

فازداد الدكتور رعباً : إن كانت هذه مهمتك منذ البداية .. لماذا انتظرت كل هذا الوقت إذن ؟!

-التأني وحسن التصرفمن أهم صفات العقارب إن كنت لا تدري! يجب أن تعرف عدوك جيداً قبل أن تفكر بالهجوم عليه !
نحن لا نهتم بالسرعة في إنجاز المهمة بل في إتقانها ، و كان يجب علي أن أعرف كل ما يتعلق بكم قبل القضاء عليكم... خصوصاً كابوستين ! - فقد كانت خطتنا من البداية أن نقتله ثم أتنكر أنا بشكله ليسهل علينا التخلص من الباقين - راقبت سلوكه ، تصرفاته ، أسلوبه في الكلام و كل ما يخصه ! و بعدما شعرت أنني جمعت ما يكفي من المعلومات لتمثيل دوره .. أخذته في سيارتي بحجة إيصاله إلى بيته - إذ كان سائقه مريضاً ذلك اليوم وكان هذا من تدبيرنا طبعاً-
وهكذا... حينما كنا في أعلى طريق منحدر قفز كلب من جانب الطريق و اعترض طريقنا -كان قد دربه أحد زملائنا على فعل هذا- فنزلت من السيارة متظاهراً بحاولة إبعاد الكلب .. كان البروفيسور يعاني من صداع شديد - جراء إصابته بالصداع النصفي كما تعرف - ولم ينتبه أني لم أضغط المكابح !
فاستمرت السيارة بالنزول و زاد انحدار الطريق من سرعتها ! وعندما حاول البروفيسور أن يحرفها عن طريقها -عندما انتبه أخيرا- حتى لا تصطدم بالعامود.. انقلبت السيارة به.. ثم اشتعلت إثر تسرب الوقود منها ! وكل ما حصل بعدها كان مسرحية أحسن إخراجها ! الدماء والكدمات المزيفة ، الملابس المتسخة و الممزقة ، القناع و التبديل بين أغراضي وأغراضه ، والعملية "الخيالية" للحنجرة <التي ادعى طبيب منا أنه أجراها> لتبرير التغير "الملحوظ" في صوت البروفيسور ! أوه ، كم كانت مسرحية طويلة لكنني رغم ذلك استمتعت بالتمثيل فيها !

كان الدكتور ينصت إلى كلام سيباستيان و يضغط بيديه على حافة السرير من شدة الألم ! فقد وصل السم إلى.. محطته الأخيرة !

تحدث آليكسي و الابتهاج باد عليه لما يحل بالدكتور : لا تقلق بارانوفسكي ! لن تكون وحيداً في رحلتك !كل زملائك هنا.. سيرافقونك فيها !

أضاف سيباستيان : نعم ، لقد وضعت السم في خزان المختبر منذ يومين ! و كل الموجودين فيه تم تسميمهم بسم فتاك لا أمل في علاجه بعد ظهور أعراضه !!

أكمل آليكسي وعيناه تلتمعان حماسة : و قد عطلنا سيارات المختبر و قطعنا خط الهاتف و قمنا بالتشويش على اتصالات هواتفهم المحمولة ! أما إن حاولوا المشي إلى المشفى -الذي يبعد 10 كم عن المختبر- في هذا الجو ، فلن يعجل ذلك إلا موتهم !لهذا لا أمل "لأي منكم" في النجاة !!

لم يقل الدكتور شيئاً إذ تلاشى صوته ولم يكن في إمكانه التنفس حتى ! كان يلهث.. و يلهث..

عاد آليكسي يتحدث : أظن أنه يجب علينا المغادرة ، سيبا ! فلم يعد لدينا سبب للمكوث هنا.. لقد انتهى أمره ولم يعد في استطاعته الكلام !

قال عبارته الأخيرة بحزن طفل فقد لعبته الجديدة و لم يعد يجد ما يسلي به نفسه !

رد سيباستيان مبتسما : نعم.. لقد أنجزنا مهمتنا.. لنذهب !

نظر كلاهما برضا إلى الدكتور الذي كان يحتظر.. ثم اتجها صوب الباب.. و التفت آليكسي للمرة الأخيرة إلى بارانوفسكي قائلاً بابتسامته القططية :

باي باي بارانوفسكي ! رحلة سعيدة .. "إلى الجحيم" !
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بِيلاَرّ
صديقة المنتدى
صديقة المنتدى
avatar


مسآهمـآتــيً $ : : 287
عُمّرـيً * : : 18
تقييمــيً % : : 29105
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 21
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 29/11/2016

رواية باحثا عن ظلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية باحثا عن ظلي   رواية باحثا عن ظلي Empty16/12/2017, 3:54 pm

الفصــل التاسـع






مضت أربعة أشهر على لقائي بذلك السجين.

أنا الآن .. قد تخرجت بإمتياز من الجامعة .
والكثير من الفضل يعود إلى الدكتور كروست فقد ساعدني بخبرته الواسعة وتجاربه الوفيرة على توسيع آفاق تفكيري وجعله أكثر مرونة و إتزانا ، و قد حصل مشروع تخرجي حينها على تقيم عال !

و احتفلت مع أسرتي وأصدقائي في القرية بهذه المناسبة .. لم يقتنعوا و لو للحظة أن قراري كان صائبا.. لكنهم كانوا مسرورين لأني نجحت في فعل "شيء ما"!


عدت بعد أسبوعين إلى المدينة برفقة أصدقائي.. و لأنني رغبت في رؤية الدكتور كروست اتجهت إلى منزله..

طرقت الباب مرة و قفت أنتظر.. لم يرد أحد و لم أسمع كذلك وقع خطوات في الداخل ، لذلك طرقت مرة أخرى.. و حينما طال انتظاري ، بدأت أشعر بالقلق.. كنت على وشك الذهاب لسؤال الجيران عندما انفتح الباب فجأة و ظهر الدكتور كروست !

ابتسم عند رؤيتي وقال ببشاشته المعتادة : اوه هذه أنت ويندي الصغيرة ! أعتذر على تأخري في استقبالك ، كنت مشغولاً و لم أنتبه لصوت الجرس !

- اه آسفة على مقاطعتك إذن ! يمكنني المجيء في وقت لاحق ! < كنت أستدير ﻷغادر و لكنه استوقفني قائلاً : لا يا صغيرتي لا تذهبي ! الأمر لم يكن بتلك الأهمية ، كنت أحزم حقيبتي فقط !

قلت متفاجئة : تحزم حقيبتك ؟! هل ستسافر ؟!

- نعم ، ستقلع طائرتي في الساعة الثامنة مساء إلى باريس ! لذلك فقد جئتي في الوقت المناسب حتى أودعك قبل سفري .

ثم تراجع ليسمح لي بالدخول.. خطوت للداخل و أنا أسأل : ولكن يا دكتور لماذا تريد السفر إلى باريس بهذه السرعة ؟!
أجابي بينما يسير إلى المطبخ : لدي عمل مهم هناك !

جلست على اﻷريكة و عاد الدكتور يحمل فنجانا من الشاي ناولني إياه ثم جلس على كرسي يميناً مني.. سكت لبعض الوقت بعدها تحدث إلي قائلاً : هل تذكرين ما قاله ذلك السجين قبل عدة أشهر ؟!

- نعم ، أذكر ذلك !

أكمل وهو يشبك أصابعه ببعضها : إنني ذاهب إلى باريس بسبب ذلك !

- ماذا تعني ؟!

ضحك قائلاً : أريد البحث عن"جحر العقارب"!!

- ماذا ؟! تبحث عنالعقارب في باريس ؟! و لم باريس بالذات ؟!

- ربما لا تعلمين ولكن فرنسا <و باريس بشكل خاص> لديها أكبر نسبة لجرائمالعقارب ! لهذا يعتقد أن مركز المنظمة.. هناك !

هذا عجيب جدا باريس ؟!! إنها آخر مكان في الدنيا يمكن أن أتخيله معقلا لتلك المنظمة ! و ربما لهذا السبب تم اختيارها ، فليس مألوفا عن هذه المدينة وجود منظمات إجرامية ذات مستوى عال !

شكل كلامه هذا مفاجأة كبيرة لي.. و من النوع المثير ، قلت و أنا أحاول التخفيف من انفعالي : إذن فأنت يا دكتور تريد التحقيق في أمرهم ! و لكن هذا أمر شديد الخطورة !!

- أجل أعلم هذا تماماً ، لكن الخطر لن يردعني ! هل يمكنك فقط أن تتخيلي حجم النجاح الذي سأحققه إن تمكنت من كشفهم ؟! إن أردت شيئاً فعليك التضحية بشيء آخر ! وكلما كان ذلك الشيء كبيراً تطلب المزيد من التضحية ! وأنا لا يمكنني أن أحقق نجاحاً عظيماً بمجرد لقائي مجرمين عاديين ! لذلك لا أمانع بالمخاطرة بحياتي مقابل تحقيق هدفي !

التزمت الصمت لفترة ولم أجادله ، و كيف أفعل ذلك أصلا وأنا أفكر بالطريقة ذاتها ؟!

سألته : ولكن هل ستذهب وحدك ؟!
أجابني عابسا : نعم.. لم أجد شخصاً يوافق على مرافقتي ، كلهم جبناء و متخاذلون !

إنها فرصتي ! ويجب أن أستغلها فربما لن يأتي غيرها ، لكن علي أن أخفي حماستي المشتعلة و أتصرف بطريقة طبيعية .

تكلمت بنبرة عادية : يمكنني مرافقتك ! <ثم استدركت قائلة : إن لم يكن لديك مانع طبعاً !
دهش الدكتور كروست تماماً و قال : ترافقينني ؟! ولكنك لا تبدين مهتمة بالأمر ، كما أنك لا تزالين مبتدئة !

- لا.. إنني أرى هذا الأمر مثيراً ! كما أنها فرصة ذهبية بالنسبة لي حتى أتعلم من خبير مثلك !

- ولكن يجب أن يكون في علمك.. أنك قد لا تتمكنين من العودة إلى هنا مجدداً !

- أجل ، أدرك ذلك.. و أقبل المخاطرة !

تنهد الدكتور و قال : حسنا إذن !

وقفت فجأة : أوه صحيح ! يجب أن أذهب حالا من أجل الحجز في رحلة اليوم !

- لا تقلقي بشأن هذا ! سأتولى أنا هذا الأمر.. أما أنت فاذهبي لتعدي نفسك للسفر !

- آه شكراً دكتور كروست !


انطلقت إثر ذلك متجهة إلى شقتنا.. كانت فلورا والأخريات جالسات يتحدثن ويضحكن.. و عندما دخلت التفت إلي فلورا قائلة : كنا نتحدث عنك ! بالمناسبة يا ويندي لم تخبرينا أين ستعملين ؟!

أضافت جيسيكا : نعم ، هل ستنضمين إلى المباحث الجنائية ؟!

ثم أردفت كلوديا : أم تفضلين العمل الحر ؟!

أجبت : ليس الآن ! سأفكر في هذا الموضوع لاحقاً !

نظرن إلي بتعجب يمتزج بالاستنكار .. ثم سألت فلورا باستهجان : ومتى إذن ؟!

- عندما.. أعود من رحلتي !

صحن بصوت واحد : سترحلين ؟!!

- نعم !

- إلى أين ؟!

- إلى.. فرنسا !

- فرنسا ؟!! وماذا ستفعلين هناك ؟!

- همم.. في الحقيقة إن الدكتور كروست يخطط لمشروع كبير يمكن أن يحقق له نجاحاً باهراً.. و هو يحتاح إلى مساعد ، و بما أنني كنت طالبته المفضلة فقد عرض علي ذلك ، و بالطبع لم أرفض فقد ساعدني الدكتور كثيراً وهذا أقل ما يمكنني فعله من أجله !

- آه هكذا إذن !

- والآن عن إذنكن ! سأذهب لأجهز نفسي !

رميت أغراضي بلا ترتيب في حقيبتي ثم أغلقتها و نزلت أجرها خلفي.. اتصلت بأمي قبل خروجي كي أخبرها بسفري .. لم تبدو مقتنعة تماماً و كانت تشك في الأمر .. لكنها وافقت على مضض بعد أن حدثتها عن الدكتور فهو شخصية موثوقة .
اقترب موعد الرحلة.. فودعت صديقاتي ثم غادرت الشقة إلى المطار !


وجدت الدكتور هناك جالساً في صالة الإنتظار.. سلمت حقيبتي ثم انضممت إليه .
و بينما نحن جالسون ننتظر.. لمحت شخصاً قادماً باتجاهنا.. إنه جوني !

نهضت من مكاني و هرولت إليه و علامات الاستفهام تحلق فوق رأسي.. قال معنفا حالما اقتربت منه : تسافرين دون أن تخبريني بذلك ، أيتها الحمقاء !

- آسفة ، كنت على عجلة من أمري !

- هل سترحلين <حقاً> إلى فرنسا من أجل مساعدة الدكتور في مشروعه ؟!

- نعم !

- هل هذا هو السبب فعلاً ؟!

- نعم ، ولم قد أكذب عليك ؟!

قطب جوني جبينه.. لم يبد عليه أنه صدق ولو حرفاً واحداً من كلامي ، أضاف : حقاً ؟! أليس للأمر علاقة بمجرمك المجهول شادو ؟!!

فوجئت تماماً من سرعة بديهته و قلت كاذبة : لا.. أبدا.. إنني بالكاد أذكره حتى ! لقد مضى زمن طويل على ذلك ولم أعد مهتمة بالأمر !

- اسمعيني جيداً تستطيعين الكذب على أي شخص إلا أنا ! فأنا أكثر من يعرف طباعك المجنونة ، و أعلم يقيناً أنك لم تنسي ذلك المجرم لحظة واحدة و إن حاولت التظاهر بذلك !

لم تعد هناك فائدة من الإنكار و المواربة.. لذلك ضحكت معترفة : لقد كشفتني !

تنهد ثم قال : أنت عنيدة برأس يابس ، و أعلم أن الكلام معك عديم الجدوى ! فعندما تدخل فكرة رأسك لا يمكن لأحد إخراجها أبدا ، لهذا كل ما أرغب بقوله هو..<أكمل وهو يضع يده على كتفي برفق : كوني حذرة ! و اعتني بنفسك جيداً ، و .. لا تنسي أن تتصلي بي دائماً !
اعتلت وجهي ابتسامة عريضة : أعدك بذلك ! فلا تقلق !

فأزاح بصره عني و أردف شاردا : لو أنك فقط لم تحشري أنفك في هذا الأمر من البداية ، و لم تذهبي إلى ريستارك.. لم يكن ليعرف ذلك المجرم شيئاً عنك ! إنه - و إن كان لم يحاول قتلك - يراقبك بكل تأكيد ! وإذا ما شعر أنك قد تسببين له المشاكل فقد...

- أتدري ؟! إن هذا الأمر يشغل تفكيري كثيرا في الآونة الأخيرةً.. نحن نفترض أنه لم يعلم بشأني إلا حين زيارتي لريستارك.. لكن ماذا لو.. لو أنه كان يعلم منذ البداية ؟! ماذا لو أنه رآني تلك الليلة ؟!!

فتح جوني عينيه على اتساعهما وقال مشدوها : ماذا ؟!!

فهززت رأسي و أضفت عابسة : لا أدري.. إنها مجرد فكرة خطرت على بالي..


في تلك اللحظة.. أشار الدكتور إلي قائلاً : هيا يا ويندي ، لقد حان موعد رحلتنا !

- سآتي من فوري يا دكتور ! والآن.. سأودعك يا جوني !ة، اعتني بنفسك ! واهتم بدراستك جيداً ! يجب أن تصبح أفضل طبيب في بريطانيا كلها !

عبس في وجهي قائلاً : لا تتحدثي وكأنك تملين علي وصيتك أيتها الغبية ! أنا لن أسامحك طيلة حياتي إن أصابك مكروه ، و لن أقول لك وداعاً.. بل إلى اللقاء ، نحن جميعاً.. سنبقى في انتظار عودتك !

- شكراً لك جوني ! أراك لاحقاً !

لوحت له بحرارة ثم سرت مبتعدة عنه و انطلقت برفقة الدكتور إلى طائرتنا .
عندما جلسنا أخيراً على مقاعدنا.. و شرعت الطائرة في الإقلاع.. لم أرفع نظري عن النافذة ، كنت أنظر كل الوقت إلى المدينة و نحن نبتعد عنها في السماء شيئاً فشيئاً.. ترى هل سأعود إليها مجدداً ؟!!

ظللت سارحة طوال الرحلة غارقة في عالم أفكاري .. و مضى الوقت بسرعة و لم أشعر إلا والطيار يطلب إلينا وضع أحزمة الأمان استعدادا للهبوط في مطار باريس !


نزلنا من الطائرة و أخذنا حقائبنا.. ثم تحدث الدكتور إلي على عجلة : سنذهب إلى فندق قريب حتى نقضي فيه ليلتنا.. يجب أن ترتاحي جيداً ، سيكون لدينا في الغد موعد مهم !

- موعد ؟! مع من ؟!

- مع المحقق أوتيير ! إنه المحقق الذي تولى قضية الشركاء الأربعة لريستارك قبل أربع سنوات !

- اوه حقاً ؟!

- نعم ، أظن أنه قد يفيدنا..

استقلينا سيارة أجرة و ذهبنا إلى فندق قريب.. لم يكن فاخرا لكنه مريح تماماً .

استيقظت نشيطة صباح اليوم التالي بعد ليلة مريحة و نوم هانئ ، و بعدما ارتديت ثيابي نزلت إلى مطعم الفندق.. وجدت الدكتور هناك فتناولت معه الإفطار..

خرجنا إثر ذلك من الفندق و قال الدكتور فيما نعبر الشارع : سنذهب إلى منزل المحقق أوتيير مشيا على أقدامنا.. فهو قريب من هنا !

- ظننت أننا سنقابله في مركز الشرطة..!

- أخبرني أن ذلك سيكون أفضل و أكثر سرية !

- أجل ، فهمت .

واصلنا المشي لعشر دقائق فوق الأرصفة ثم بين صفوف من البيوت المتشابهة .. قبل أن يتوقف الدكتور أخيرا أمام أحدها قائلاً : هذا هو منزل المحقق !

عبرنا حديقة المنزل الصغيرة و قرعنا الجرس.. لحظات و فتحت لنا الباب امرأة لطيفة قاربت الخمسين من عمرها و قالت مرحبة : أوه لابد أنك الدكتور كروست و..

نظرت نحوي مستفهمة فأجاب الدكتور سريعا : إنها مساعدتي !

- أوه أجل ، تفضلا بالدخول ! زوجي ينتظركما في مكتبه !

دخلنا و السيدة تقودنا.. كان السيد أوتيير جالساً خلف مكتبه الكبير المرتب و أمامه ثلاثة رجال !

نهض من مكانه وتقدم إلينا مسرورا : ها قد جئت دكتور كروست ! أهلا بك !
تصافحا بحرارة ثم التفت إلي متسائلا.. فقلت معرفة عن نفسي : أنا مساعدته واسمي ويندي ماكستر ، تشرفت بمعرفتك سيد أوتيير !
تقدم وصافحني قائلاً : آه أهلا وسهلا بك آنسة ماكستر ، تسرني مقابلتك !

تحدث الدكتور إليه مستغرباً و يوزع نظراته الفاحصة بين الرجال الغرباء : لم أظن أن هناك غيرنا !

فرد السيد أوتيير بمرح : آه يا عزيزي لست وحدك من يتحلى بالجنون ! <ضحك الرجال الثلاثة.. و أردف السيد أوتيير : دعني أعرفك عليهم ..<التفت إلى الرجل المهندم و الجالس باعتداد في الجهة اليمنى و قال : هذا هو السيد آلفين آوتنبورغ محقق ألماني خاص ! أما الذي بجانبه فهو السيد دان بيكارت و هو شرطي يرافق المحقق آوتنبورغ في عمله <ثم استدار إلى الجهة اليسرى وقال : أخيراً.. المحقق الأمريكي الوسيم ستيفن كلارك !

رائع ! لم أتوقع أن يشارك غيرنا في أمر خطير كهذا ، و من دول مختلفة أيضاً ! أظن أن هذا سيجعل مغامرتنا أكثر إثارة و متعة ، فأولئك الأشخاص يبدون مثيرين للإهتمام ! السيد آوتنبورغ يبدو رجلاً عمليا جاداً و ذو كفاءة عالية رغم ما يحيطه سحنته من برود و غرور ! و بالنسبة لبيكارت فهو شاب في الخامسة أو السادسة والعشرين و هو على النقيض من المحقق الالماني يبدو أبلها تشع البلادة و الحيرة من وجهه ! أما الأمريكي كلارك فهو الأروع بينهم ، بغض النظر عن وسامته فهو يملك شخصية مرحة ساحرة ، وابتسامة عذبة لا تفارق وجهه !

تبادلنا التحية ، ثم جلسنا.. و وزع مضيفنا الفرنسي نظراته بيننا ثم قال : والآن من أين تريدون أن نبدأ ؟!
تكلم المحقق الألماني أولاً : أخبرنا كل ما تعرفونه عن الكونتو منظمته !

تنهد السيد أوتيير وقال بكآبة : للأسف لا نملك الكثير مما يفيد ! فأولئك المجرمون في غاية الحذر و هم لا يتركون أي أثر خلفهم !

سأل كلارك : إذن فأنتم لم تتمكنوا من الإمساك بأي منهم أليس كذلك ؟!

- بلى ، لسوء الحظ !

حينها قال المحقق آوتنبورغ و صدره يرتفع في ثقة و اعتزاز : إذا كان الأمر كذلك.. فأظن أن ما لدي سيثير اهتمامكم !

التفتنا إليه كلنا و قد نجح ببراعة في جذب انتباهنا عبر عبارته الأخيرة فقط.. أردف : أنا أعرف واحداً منهم !!

حدقنا فيه مدهوشين و سأل الدكتور متفاجئا : ماذا ؟! هل تعني أن الشرطة الألمانية قبضت على أحدهم ؟!
فارتمت الخيبة على وجه الألماني و هو يقول : لا ، ليس بعد..و لكنني أعرفه "وهو" يدرك ذلك تماماً !

سألت أنا للمرة الأولى : إن كان يعلم أنك تعرف حقيقته.. ألن يجعله ذلك يحاول قتلك كيلا تفضح أمره ؟!!

تبسم في غيظ ولم يجب..

فقال كلارك حائراً : اشرح لنا من فضلك !

- هل سمعتم خبر موت العسكري الألماني المتقاعد رودولف إيردمان ؟!

رد المحقق الفرنسي وقد بدا عليه الفهم : اوه نعم ، لقد عرفت بالأمر قبل عدة أسابيع .. و لكن ألم يكن موته طبيعياً ؟! إذ كان عجوزا معتل الصحة ..

- لا لم يكن كذلك !

- هل تعني أنه .. قتل ؟!

- أجل ، إن شرطتنا متأكدون تماماً أنه قتل على يد العقارب! فقد جاء إلى مركز الشرطة قبل موته ببضعة أيام وطلب منهم حمايتهم قائلاً أنالعقاربهم من قتلوا زملائه و أنه سيكون التالي ما لم تقم الشرطة بحمايته !

انحنى كلارك للأمام و استفسر بحماس : وأنت تعرف قاتل السيد إيردمان ؟! حدثنا عن الأمر إذا سمحت !

استرخى المحقق آوتنبورغ في جلسته ثم شرع يقول :
حسنا.. لقد حدث هذا في فرانكفورت قبل عدة أسابيع .. قدم السيد إيردمان إلى المفتش بيرترام -وهو أحد أصدقائي القدامى- وطلب إليه أن يرسل بعض رجال الشرطة إلى منزله لحمايته خوفاً من هجومالعقاربالذين يتربصون به . استجاب المفتش لطلبه و أرسل أربعة من أفضل رجاله لحراسته . كان السيد إيردمان يعيش وحيداً و ليس له أقارب سوى حفيد وحيد يعيش مستقلاً بعيداً عن جده . لم يلاحظ الرجال أي شيء غير طبيعي.. كانوا يفتشون كل من يزور ذلك العجوز و يتناوبون في حراسة منزله ليلاً حتى لا يتسلل أحد إليه.. كما كانوا يتولون إيصاله إلى المشفى -فقد كان مصاباً بالسكري و الروماتيزم و كل تلك الأمراض التي تصيب أمثاله من كبار السن- ثم إعادته إلى بيته..

لكن كل ما فعلوه ذهب أدراج الرياح ! فقد بدأت صحته تسوء كثيراً حتى لم يعد قادرا على الحركة أو الكلام .. ثم مات بعد نقله إلى المشفى في أقل من ساعتين ! واتضح من الأعراض التي ظهرت عليه أنه قد سمم بسم قوي بطيء المفعول عديم الأثر.. النوع الذي يفضلهالعقارب! كان المشتبه الأول بالجريمة هو طبيب السيد إيردمان ! إذ كان الشخص الوحيد القادر على دس السم له دون أن يشك في أمره ، لهذا فقد أوقفته الشرطة !

سمعت عن الموضوع من صديقي المفتش فشعرت بفضول كبير لإكتشاف حقيقة هذه المنظمة وأهدافها من تلك الجرائم .. و ارتأيت أنه يجب علي أن أبدأ بالتعرف على شخصية الضحية أولاً ، حتى أتمكن بعدها من الوصول إلى القاتل ! شخصياً لم أكن مهتماً بالطبيب الذي ارتكب الجريمة بل بمن يقف خلفه و يوجهه.. الكونت!

حضرت أنا و المفتش الجنازة و تفاجأت إذ لم يكن فيها إلا حفيده الشابإيريكوسيدة في أول الخمسين -علمت فيما بعد أنها جارة السيد إيردمان- .. خطونا أنا وصديقي نحو إيريك و قدمنا له التعازي ثم تكلم المفتش معتذرا : إننا متأسفون للغاية لموت جدك ، ولكننا فعلنا ما بوسعنا..

فما كان من إيريك ألا أن قال : لا بأس ، لقد عملتم ما باستطاعتكم لحمايته.. لكن ما حدث قد حدث !

رمى كلماته بلا مبالاة ملفتة .. لم يبد حزيناً أو متأثراً على الإطلاق ! و عندما لاحظ اسننكارنا لردة فعله.. علل قائلاً : قد يبدو غريباً أن لا أبدو حزيناً على موت قريبي الوحيد.. لكن لم تكن تربطنا علاقة أسرية متينة ، فبينما كان هو مشغولاً بعمله طوال الوقت كنت أنا منكبا على دراستي ، ولم أكن أزوره إلا في المناسبات أو الأعياد !

سألته : برأيك من قد يرغب في موت جدك ؟!

هز كتفيه و أجاب دون إهتمام : الكثير ! فجدي لم يكن محبوباً من أحد !

- هل تظن أن طبيبه هو من ارتكب الجريمة فعلاً ؟! وإذا كان كذلك فما الدافع ؟!

- حسناً ، لا أظن أن الطبيب قد يقدم على ذلك بدافع شخصي.. و لكنه قد يفعلها إذا دفع له شخص بالمقابل !

- فهمت..


بعد الجنازة رافقت جارة السيد إيردمان إلى بيتها.. و في الطريق انتهزت الفرصة لأسألها : بماذا تفكرين عن السيد إيردمان ، سيدتي ؟!

فعقدت حاجبيها و أجابت بامتعاض : لم يحبه أحد ، كان رجلا غريب الأطوار ! أظنك تعلم أنه كان من شبيبة هتلر في الحرب العالمية الثانية ، كان يظن نفسه لذلك من أصحاب العرق السامي.. و ينظر إلى غيره من الناس بدونية و استحقار !

- هكذا إذن !

- و ابنه -والد إيريك- كان رجلاً فظيعا ! لا يشغل باله سوى المال و لم يكن يهتم بإيريك أبدا !

- حقاً ؟! وماذا عن أم إيريك ؟!

- إنها أسوأ ! ربما لا تعلم ولكن إيريك ليس ابنا شرعياً.. و كان يعيش مع أمه حتى بلغ الرابعة ثم رمت به عند جده قائلة أنها تريد الزواج و لا يمكنها أن تأخذه معها.. إنه فتى مسكين حقاً ، لقد كان هذا قاسياً جداً عليه !

- نعم ، هذا قاس بالفعل ، ولكن يبدو أن إيريك قد تجاوز هذا الأمر !

- إنه ولد عجيب ! عندما كان في الخامسة لم يكن يتكلم أو يلعب مع أحد مطلقاً كان يمضي وقته وحيداً يراقب الأطفال الآخرين بحزن عميق ! فلم يكن لديه من يحبه أو يهتم لأمره.. كنت أشفق عليه كثيراً و أحاول مساعدته غير أنه كان يركض مبتعدا عندما أناديه.. لكن كل شيء تغير فجأة !

- ماذا تقصدين ؟!

- حينما كان في السادسة.. اختفى من منزل جده ، و عندما سألت السيد إيردمان عنه رد بأنه نقله إلى مدرسة خاصة في برلين ! و بعد مضي أربع سنوات عاد مجدداً إلى بيت جده.. و لكنه هذه المرة كان شخصاً مختلفاً تماماً !!
لم يعد ذلك الطفل الكئيب الخائف.. أصبح صلبا ، ذكيا ، واثقاً من نفسه!! و كنت أرى جده لأول مرة سعيدا و فخورا بحفيده !

- هذا عجيب حقاً !

- نعم ، تماماً

- لكن ماذا حل بوالديه ؟!

- لقد مات أبوه قبل خمس سنوات ، أما أمه فلا أعلم عنها شيئاً لأنها سافرت فور زواجها !

سكت لبرهة ثم سألت مجدداً : هل تذكرين آخر مرة زار إيريك فيها جده ؟!

- آه.. أظنها كانت قبل وفاته بخمسة أيام..

ابتسمت قائلاً : اه هكذا إذن !



نظر المحقق آوتنبورغ إلينا مبتسما بمكر.. فصاح كلارك قائلاً : مهلا.. لا تقل أن..

- بلى.. لقد كان هو.. إيريك إيردمان.. هو"العقرب"!

وقعت المفاجأة قوية علينا لكننا التزمنا الصمت متلهفين لسماع المزيد .. فإستأنف المحقق آوتنبورغ كلامه :
بعد أن أوصلت السيدة إلى بيتها.. توجهت إلى منزل السيد إيردمان فقد أخبرني المفتش أنه سيكون متواجدا هناك لإنهاء كافة الإجراءات والتحقيقات .

كان واقفاً في الصالة برفقة إيريك.. خطوت نحوهما.. فقال المفتش لي حينما رآني : إذن هل حصلت على شيء مفيد من تلك السيدة ؟!

أجبته كاذبا : لا لم أحصل على شيء ذي قيمة !

ثم التفت إلى إيريك وأضفت متظاهراً بالبراءة : لكن .. لم أكن أعلم عن معاناتك مع عائلتك و معاملتهم السيئة لك وكم كنت حزينا و وحيداًً في طفولتك ! لابد أن هذا كان صعباً جداً عليك !

جازفت برمي هذه الكلمات وأنا أنتظر ردة فعله لسماعها.. و لكنه فاجأني تماماً عندما هز كتفيه وقال دون اهتمام أو تأثر : نعم ، لكن هذا الأمر انتهى منذ زمن طويل وإنني بالكاد أذكره ، كما أنه ليس سرا فكل سكان الحي يعرفون عنه !

- آه بالطبع..<وأضفت بشكل عرضي : سمعت أنك زرت جدك قبل خمسة أيام من وفاته !

حدق المفتش في مستفهما.. أما إيريك فلم يرتبك او يتوتر البتة و أجاب بطريقة طبيعية تماماً : أجل فعلت ، فقد اتصل بي جدي و طلب مني الذهاب إلى البنك لسحب بعض المال من حسابه .. كان مريضاً كما تعرف و لم يكن في مقدوره الذهاب بنفسه !

- اه هكذا إذن ! وهل كان ذلك في وجود الشرطة ؟!

- نعم ، لم يكونوا يعلمون أنني حفيده فقاموا بتفتيشي !

إن ذلك الشاب ذكي حقاً ! و لم يقع في شراكي ، لكنني لم أستسلم .. كل ما علي الآن هو الصبر فقط وانتظار ما سيحصل .

بعد دقائق خرجت أنا من المنزل بصحبة المفتش ورجاله بعدما انتهى عملهم فيه و لم يعد لديهم سبب للمكوث أكثر.. و عندما ركبنا السيارة تحدث إلي صديقي قائلاً : ما الذي تفكر فيه يا آلفين ؟! لا تقل لي أنك تشك في ذلك الشاب !

ابتسمت في ثقة وقلت : بلى !

- لكنك لا تملك أي دليل ضده ! إنه خارج الشبهة تماماً !

- نعم ولهذا أشك فيه ، إنه بعيد عن الشك بطريقة مريبة !

تأفف المفتش وقال بنفاذ صبر : إنني لا أستطيع أن أفهم كيف تفكر ! و لكن يجب أن تعلم أن اتهامك لشخص دون وجود أي دليل ضده سيسيء إلى سمعتك كثيراً كمحقق ناجح !

- لا تقلق سيظهر دليل ما !

- هل أنت مجنون ؟! إن كان هو القاتل "فعلاً" هل تظن أنه سيقف متفرجا وأنت تنقب عن دليل يثبت إدانته ؟!!

- لا تقلق يا صديقي ! سأكون حذراً ، كما أن هذا الأمر يستحق المخاطرة !


في اليوم التالي...
كنت جالساً في بيتي أمام التلفاز أشاهد الأخبار.. عندما رن الجرس .. نهضت من مكاني واتجهت نحو الباب.. ثم فتحته..

و شهقت عندما رأيت الطارق.. لقد كان.. إيريك !!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بِيلاَرّ
صديقة المنتدى
صديقة المنتدى
avatar


مسآهمـآتــيً $ : : 287
عُمّرـيً * : : 18
تقييمــيً % : : 29105
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 21
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 29/11/2016

رواية باحثا عن ظلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية باحثا عن ظلي   رواية باحثا عن ظلي Empty16/12/2017, 3:55 pm

الفصــل العاشــر





كنا نصغي إلى السيد آوتنبورغ بكل جوارحنا و هو يكمل قصته :

شهقت عندما رأيت الطارق.. كان إيريك !!

تكلم بأدب : مساء الخير ، أرجو ألا أكون قد جئت في وقت غير مناسب !
فهززت رأسي بحرارة نافياً : لا أبداً ، أتيت في أنسب وقت ، فأنا لا أعمل الآن.. تفضل بالدخول !

كنت مسرورا تغمرني نشوة النصر ، أخيراً وقع الفأر في المصيدة !

قدته إلى الصالة و بعد أن قدمت له الضيافة.. سألته : و الآن بماذا يمكنني مساعدتك ؟!

تحرك قليلا في جلسته و بدا عليه شيء من التردد حين قال : في الحقيقة.. إنه بشأن ذلك الطبيب.. أعني طبيب جدي الذي أوقفته الشرطة..

- نعم ، ما باله ؟!

فكرت في نفسي أنه لابد قد لفق دليلاً ضد الطبيب حتى يقنعني ببراءة نفسه !

و ما كان منه إلا أن رفع عينيه البنيتين إلي.. رفت جفونه بارتباك و هو يضيف : أظنني كنت مخطئاً في ما قلت عنه !

- مخطئاً ؟! في ماذا ؟!

تنهد بعمق.. ثم حسم أمره و قال بقوة : أنا لا أراه"قاتلاً"!!

لم أصدق ما سمعته للوهلة الأولى.. ما الذي يقوله هذا اللعين ؟! هل هي مزحة ؟!
هتفت بدهشة قائلاً : ماذا ؟!!


- نعم ، أحسبني قد تسرعت في الحكم عليه.. كان طبيب جدي لعشر سنوات و جدي كان يثق به تماماً ، و لا أعتقد أنه سيوافق إن عرض عليه قتل مريضه مقابل المال ، لأنه سيكون تصرفا في منتهى الغباء منه ! فعندما يقتل شخص ما بالسم فإن طبيبه أول من توجه له أصابع الاتهام !

كنت أحدق فيه غير مصدق.. تتقاذفني الصدمة و الحيرة و الحنق !
لم يعر اهتماماً لدهشتي و أردف بهدوء : لقد طلب الطبيب مساعدتي و هو يقسم بأنه لم تكن له يد في موت جدي و أنا أصدقه بالطبع ! لذلك كلفت محامياً جيدا بتولي قضيته وإخراجه من هذه الورطة !

لم أستطع وقتها أن أسبر غوره أو حتى أقترب من تخمين مراده .. بقيت قابعا فوق أريكتي متخبطا في تساؤلاتي ..

- لكن لماذا تخبرني أنا بهذا ؟!

- بصراحة.. لقد أحسست بوخز الضمير قليلاً .. فلم أكن في البداية مباليا بما يحدث لأي أحد.. لكن عندما أرسل إلي الطبيب يطلب العون ، لم يكن في وسعي غير الشعور بالعطف نحوه .. إن لديه زوجة و ابنة ، كما أن سجله نظيف تماما ! لقد أخبرتك أنت -كما سأفعل مع المفتش بيرترام- بهذا الأمر لأني وجدتني غير منصف تماما في كلامي عنه !

كان يتحدث ببراءة لا يشك في صدقها و يتطلع إلى عيني بنظرات دافئة لم تعكرها و لو مسحة من قلق أو اضطراب !

و بدا أنه قد أفرغ كل ما في جعبته إذ نهض واقفاً.. و قال : سأغادر الآن ! آمل ألا أكون قد أزعجتك بزيارتي ..

رمقته بجفاء و ابتسامة ماكرة تتراقص على جانب فمي : ولكن إن كان الطبيب بريئاً فمن يكون القاتل يا ترى ؟!!

رفع حاجبيه في عجب و رد دون أن يبرح الهدوء لهجته : أليس هذا هو عملكم ؟!

- بلى ، لكني أسألك عن توقعاتك فقط !

أجاب دون لحظة تفكير : كيف لي أن أعرف بالضبط ؟! ربما يكون أحد رجال الشرطة الذين أرسلهم المفتش.. من يدري ؟!!

- آه حقاً ؟! لكنهم موثوقون تماماً !

- عندما يتعلق الأمر بخفايا النفوس لا يمكنك الجزم أبدا !

- بلى .. هذا صحيح

- إذن.. أتمنى لكم التوفيق في تحقيقاتكم !

ثم اتجه صوب الباب .. تبعته بخطى متثاقلة و أخذت أتفحص ظهره بنظرة حادة يملؤها الشك .. أي تعبير يرتسم على وجهه الآن يا ترى ؟!!

صحت به قائلاً حالما أمسك قبضة الباب : هل تريد"فعلاً"أن نمسك بالمجرم يا إيريك ؟!!
استدار نحوي بوجه خلا من التعابير سوى مسحة خفيفة من التفاجؤ : نعم ، أريد ذلك طبعا ! ليس الأمر و كأنني أرغب بالثأر منه ، لكنني أظن أن المجرمين من أمثاله لا يجب أن يبقوا طليقين !

- أيا كان ذلك الشخص ؟!!

- أيا كان !

عندها.. رميت بكل تحفظي و حذري عرض الحائط و لفظت شكوكي في وجهه مباشرة : حتى لو كان.."أنت" ؟!!

للمرة الأولى.. رأيت إيريك يبتسم ! اتقدت نظراته بالتحدي و الجرأة و رد بثقة لا متناهية :نعم ! حتى لو كان أنا !!

ثم أعطاني ظهره و غادر !

و بقيت أحملق في خياله تطوق الدهشة لساني .. حتى تنامى إلى مسمعي صوت رنين هاتفي .. فأفقت من ذهولي و أسرعت أجيب و أنا أعض شفتي بغيض : هل سمعت ذلك يا بيرترام ؟!!

فجاءني بصوت ملول تشتد فيه نبرة التأنيب : نعم ، أخبرتك منذ البداية أن هذا الشاب ليس قاتلاً ! لكنك أصررت على رأيك و طلبت وضع جهاز تنصت داخل سترتك بحجة أنه سيأتي إليك عندما تكون وحيداً ليحاول قتلك وعندها ستكشفه.. لكن هذا لم يحدث !

و بالكاد خرجت كلماتي المغمورة بالحنق من بين أسناني المطبقة : ذلك الوغد ! جاء فقط ليسخر مني !
تنهد صديقي حائراً و قال : ألا تزال مصرا أنه القاتل بعد كل هذا ؟!!

أجبت و صوتي يرتفع في ثقة و عناد : بل إنني أكثر اصرارا الآن !

- يا صديقي ! ستجعل من نفسك أضحوكة الموسم ! لو كان القاتل كما تقول لم يدافع عن الطبيب ويحاول مساعدته ؟! إن إعتقاله في مصلحته فهو يبعد عنه الشبهات ، أما تبرئته فتضيق دائرة الشك حوله ! إضافة إلى أنه كان سيحاول قتلك ﻷنك تشك فيه.. لكنه لم يبد حتى ذرة اهتمام لما تقول ! لن يكون إلا مجنونا إن فعل كل ذلك و هو القاتل !!

- لا على العكس تماماً ! سيكون في منتهى الذكاء !! فمن سيتوقع للحظة أن قاتلاً يمكن أن يفعل هذا ؟! إنه بأفعاله تلك كأنه يوقع على شهادة براءته ! انظر إلى نفسك ماذا قلت لتوك !
كما لا تنس عمن نحن نتحدث ! قضيتنا لا تتعلق بقتلة متوحشين ذوي عقول فارغة كحال كثير من المجرمين هذه الأيام ! إننا نتكلم عن العقارب! أكثر المغتالين احترافا و دهاء في العالم !

التزم صديقي الصمت لبعض الوقت و لم أشك في عدم إقتناعه بحجتي.. و عندما تحدث ظهر الشك مسيطرا على لهجته : لا أدري.. حتى لو كان ما تقوله صحيحاً لا أستطيع مساعدتك يا آلفين.. ليس بمقدورنا فعل شيئاً حياله ما لم يتوفر لدينا من الأدلة ما يكفي لذلك !

◇◇◇◇


ضغط المحقق الألماني بيديه على ذراع الكرسي منفسا فيها غضبه و أضاف : و هكذا لم أفلح في كشف"العقرب المتخفي"إيريك إيردمان ! لكنني أدركت فيما بعد أنه ما من فائدة من الجري وراءه ، فهو ليس إلا تابع ! و إذا أردنا القضاء على المنظمة سيتوجب علينا إقتلاعها من جذورها ! و الركن الأساسي للمنظمة الذي لا يمكن أن تقوم بدونه.. هوالكونت دراكولا ! لهذا السبب قدمت إلى باريس فقد أشيع أن مقر المنظمة هنا !

اعتدل السيد أوتيير في جلسته و هز منكبيه قائلاً بغير يقين : نعم ، هذا ما يقال !

حل صمت قصير.. لم أتريث حتى قطعته بسؤال خطر ببالي فجأة : كم هو .. عدد ضحايا تلك المنظمة يا ترى ؟!

التفت السيد أوتيير نحوي و قد تجعد جبينه و تجهمت ملامحه : لا نملك عددا دقيقا فليس من السهل اكتشاف جرائمهم لأن كثيرا منها تبدو مجرد حوادث ! لكن عدد جرائمهم المؤكدة عندنا لا يقل عن 500و هذا العدد في إزدياد !

شهقت في رعب : يا إلهي !

و أردف الدكتور كروست : أولئك القتلة لا يردعهم أي شيء ، إن مجزرة مختبر كابوستين في سان بطرسبورغ مروعة بمعنى الكلمة !لقد قتلوا فيها 22 باحثاً !

فتحدث الشرطي بيكارت لأول مرة و سبقني بسؤاله : وهل ارتكبوا جرائم في روسيا أيضاً ؟!
رد السيد أوتيير : نعم ، لكنها ليست بتلك الكثرة كما في فرنسا أو ألمانيا !

أسرعت سائلة : لكن لم يقتلون باحثين مسالمين كهؤلاء ؟!

- لا نعرف شيئاً حتى الآن عن دوافعهم ، إن الأمر كله يبدو همجيا تخريبيا لا هدف من ورائه سوى الإرهاب ! فمختبر كابوستين قدم الكثير من الإنجازات والاكتشافات المهمة في مجال العلوم الإنسانية ، و فقده يمثل خسارة كبيرة !

فرك كلارك ذقنه الحليق مضيقا ما بين عينيه و قال : سمعت أن جميع من في المختبر مات بإستثناء البروفيسور كابوستين.. فقد اختفى دون أثر له !

قطب المحقق الفرنسي جبينه و قال : إنه لغز محير حقاً ! الشرطة الروسية تبحث عن البروفيسور منذ شهور لاشتباههم به في ارتكاب المجزرة ، لكن لم قد يفعل شيئاً كهذا ؟! و إذا لم يكن هو الفاعل.. لم يختفي فجأة بهذه الطريقة ؟!

وافقه الدكتور كروست بهزة من رأسه وأضاف : وما يجعل الأمر أكثر غرابة هو تصرف البروفيسور مع العاملين الجدد.. فقد طردهم قبل يومين فقط من تلك المجزرة !

- قالت آنوشكا -وهي إحدى المتدربين الذين طردوا- أن السبب وراء ذلك هو اشتباه البروفيسور بهم في مقتل مساعده السويسري ! إذا كان هو القاتل فعلاً فلابد أنه فعل ذلك ليبعد عنه الشبهة !

أيده الآخرون بحرارة .. أما أنا فكانت لي وجهة نظر مختلفة لم أتردد كثيرا في طرحها عليهم : ربما لم يكن ذلك هو السبب الوحيد ! فلو كان الغرض مجرد إبعاد الشك عنه لاكتفى بطرد اثنين أو ثلاثة ، لكن طرده لكل العاملين الجدد قبل يومين فقط من الجريمة .. ألا يمكن أن يدل هذا .. على أنه.. لم يرد لهم الموت !

حدق الجميع في باندهاش كبير و علق المحقق آوتنبورغ ساخراً : ها هي ذي إحدى معجباتهم تتحدث ! يقولون أن العقاربجذابون !
قلت و أنا أزم شفتي مستاءة : ليس الأمر و كأنني أدافع عنهم ! لكن.. حتى لو كانوا مجرمين.. هم يبقون بشرا يملكون و لو القليل من المشاعر ، و قد تستيقظ في أي لحظة !

أيدني كلارك بإيماءة تشي بإعجابه و تزين وجهه بابتسامة ساحرة : وجهة نظر جميلة ! أنا أراها معقولة تماماً ! "زودياك" مثلا-و كان مجرما متوحشا ذاعت شهرته في سبعينيات القرن الماضي - لم يكن القتل بالنسبة له غير هواية مسلية يمضي بها وقته ! قتل عدة أشخاص بقسوة دون أدنى سبب أو دافع ! لكنه ذات مرة.. امتنع عن قتل إمرأة.. فقط لأنه سمع بكاء ابنتها الرضيعة ! و تركها تهرب رغم أنها رأت وجهه !! لكنه كان محظوظا لأن الرعب الرهيب الذي استبد بها .. قد شوش ذاكرتها و مسح صورته من عقلها !
ولهذا السبب أظن أن كلام الآنسة ماكستر منطقي جداً !

ابتسمت له بامتنان.. أما الألماني المغرور فلوى شفتيه و غير دفة الحديث قائلاً : وصلني أن المستشارة الألمانية ستأتي إلى باريس في الغد للاجتماع برئيسكم ! وأحد أهم أسباب ذلك اللقاء هو البحث في أمرالعقارب و الاتفاق على خطة مناسبة للقضاء عليهم !

بدت الدهشة و الاهتمام على السيد أوتيير : فعلاً ؟! كنت أظن أنه من أجل الأزمة الإقتصادية فقط ! لكنها بشرى خير ، فأؤلئك المجرمون خطرون للغاية و لن نحقق شيئاً ما لم نأخذ أمرهم بجدية و نتعاون جميعاً على إيقافهم !

إن الأحداث تجري و تتطور بسرعة هائلة ! الآن.. سيكون على شادو محاربة دولتين من أقوى دول العالم ! ماذا سيفعل يا ترى ؟!! هل سيكون قادرا على الوقوف في وجههم ؟! أم تراه سيسقط بعد أولى الصدامات ؟!

قطع حبل أفكاري دخول السيدة أوتيير و قولها بصوتها اللطيف : تفضلوا إلى الصالة لقد أعددت الشاي و بعض الكعك و المعجنات !

خرجنا برفقة مضيفينا .. كانت السيدة قد جهزت كل شيء و وضعته بترتيب فوق الطاولة المستطيلة التي تتوسط مجموعة من الارائك و الكراسي المتحلقة حول بعضها.. اخترت مكانا بين بيكارت و كلارك و جلست أرتشف الشاي اللذيذ و أنا أتبادل أطراف الحديث مع الأمريكي الجذاب ، إن الكلام معه مسل حقاً ! كنت أصغي إليه باستمتاع و انتباه شديد و هو يروي لي حادثة حصلت له مع أحد المجرمين في نيويورك.. لكن الوقت لم يسعفني لإدراك نهاية القصة ..فقد فتح باب المنزل فجأة و اتجهت أنظار الجميع نحوه..

كان القادمون ثلاثة أشخاص.. شابة ممشوقة القوام ، ينسدل شعرها الأحمر بتموجاته الأنيقة على كتفيها بدلال ، فتى مراهق يغلف الملل و الكسل ملامحه و حركات جسده ، و طفل حاد النظرات يبدو مزاجه عكرا ! توجهت السيدة أوتيير إليهم و قالت بمحبة : اوه لقد عدتم يا أعزائي ! كيف كانت مغامرتكم ؟!

ألقى الطفل بحقيبة ظهره على أقرب كرسي و قال ببرود يخالطه الاستياء : هراء ! لم نجد أي أثر للشبح الذي تحدثوا عنه ، ذلك المنزل ليس فيه ما يثير ! لابد أنها إحدى الأكاذيب السخيفة التي تنشرها تلك العجوز حتى تخيف الأطفال الجبناء !

أمعنت النظر في الثلاثة بشيء من الدهشة.. هل هؤلاء هم أبناء السيد أوتيير ؟! إنهم لا يتشابهون على الإطلاق ! خاصة الفتاة القريبة من عمري إنها لا تتوافق في شكلها مع أي فرد من العائلة (بيضاء كالثلج ، شعرها أحمر و عيناها خضراوان) ، أما المراهق الملول حنطي البشرة بني الشعر فهو أقرب للسيد أوتيير ، في حين تتماثل ملامح الطفل الأشقر طويل اللسان مع السيدة !

أفصحت لكلارك عن استغرابي قائلة : أولئك الأخوة لا شبه بينهم أبداً ، لاسيما ..
أمسكت لساني عن الاسترسال بامتعاض عندما أدركت أن انتباهه ليس معي ، كان كل اهتمامه منصباً على تلك الفتاة منذ وصولها ! و ليس هو وحده بل جميعهم كذلك !

همس بيكارت و عيناه تلمعان بانبهار : ما أجملها ! كأنها ملاك !
تجعد جبين المحقق آوتنبورغ و قال بلهجة متعالية محاولا أن يبدو رائعاً : نعم ، لكننا لم نأت إلى هنا من أجل هذا ! يجب أن لا تنس مهمتنا يا بيكارت !

أدار بيكارت عينيه و هز رأسه كما لو كان يريد نفض كلمات المحقق من أذنه الأخرى ..
أما الدكتور فقد همس للسيد أوتيير مازحا : عندك ابنة بهذه الروعة و تخفيها عن أصدقائك العزاب ! يا للأنانية !
ضحك السيد أوتيير ملئ فمه و قالت السيدة للفتاة : ألن تشربي الشاي معنا يا عزيزتي ؟!
رسمت الفتاة ابتسامة رقيقة و كان صوتها ناعما شجيا : أشكرك سيدتي ، لكن علي العودة كي أعد الغداء لجدتي !

- حسناً يا عزيزتي أبلغي جدتك تحياتي !

- سأفعل.. إلى اللقاء !

اتجه الطفل نحوها و هتف بمحبة : إلى اللقاء ، لونا !

فلوحت له بيدها مودعة ..ثم غادرت .


و حالما أوصدت السيدة الباب التفت المحقق آوتنبورغ إلى مضيفنا الفرنسي قائلاً : لم تكن ابنتك على أي حال !

نظر إليه بيكارت و رفع حاجبه مستهزئا : تبدو مهتماً !

فاحمر وجه الآخر و أنكر قائلا : أحمق ! كنت أتساءل فقط !

ضحك الجميع باستثنائه و أنا و قالت السيدة أوتيير في حين تناول ولديها فنجانين من الشاي : هل كنتم تظنونها ابنتنا ؟! للأسف ليست كذلك ، كنت معلمتها أثناء دراستها في الثانوية.. إنها فتاة في غاية الروعة و كنت سأسعد كثيرا لو كانت ابنتي !

تحدث الدكتور كروست بمرحه المعتاد : هذا مؤسف ، كنت سأدعوكم إلى زيارتي في مانشستر ، ولكن لم يعد هناك داع لهذا !

ضحك معه بيكارت و السيد و السيدة أوتيير.. أما الولدان فجلسا يشربان الشاي بهدوء مثل ما فعلت أنا .

نظرت إلى كلارك.. من طرف خفي.. كان من الغريب أن يظل صامتا ولا يعلق على الأمر مرة واحدة و هو صاحب الشخصية المرحة !

سألته باستغراب : ما الأمر ؟!
أجفل و قد أقيظه سؤالي من غفلته : ها ؟ لا شيء ، كنت .. شاردا فقط !


****

لم أنم ليلتها حتى جلست أمام طاولة الزينة في غرفتي أبحلق ببلاهة بصورتي المنعكسة على المرآة الطويلة .. ما الذي يجعل الفتاة الفرنسية أجمل مني ؟! تلمست شعري الأشقر القصير .. ربما كان ليغدو أفضل لو زاد طولا و مال لونه للذهبي أكثر.. مططت شفتي كالبطة.. لو كانت فقط أكثر امتلاءا ! و هذا الأنف لو كبر قليلا و استقام أكثر بدل أن يظل ضئيلا دقيقا كأنف الفأرة ! لم أجد في شيئا خاليا من العيوب غير عيني .. إنهما واسعتان و بلون سماء الصيف الصافية ، لكنهما لا يقارنان بعينيها الزمرديتين ! ليت فقط رموشي ..

نفثت زفرة حنق من بين أسناني.. و نفضت هذه الأفكار الغبية عن رأسي.. تبا ! منذ متى أهتم بهذه الأمور ؟!! إن التفكير فيها عديم المنفعة و لا يجلب سوى الكآبة و الإحباط ! و ماذا يعني ألا أكون فاتنة ؟! يا للسخف ! كدت أتحول دودة بائسة مثيرة للشفقة !

رمقت صورتي في المرآة بنظرة تقريع حادة ثم أويت إلى فراشي !



لم يكن لدى الدكتور صباح اليوم التالي موعد أو أمر مهم يستدعي خروجه .. فمكث في الفندق أما أنا فنزلت للتمشي ..
أخذت أتجول في طرقات المدينة و ساحاتها و أتوقف بين حين و آخر في أحد المتنزهات و أمارس بعض التمارين الرياضية .. تحركت كثيرا و سرعان ما شعرت بالجوع فاتجهت إلى محل قريب للحلويات..

كان كل ما فيه يبدو شهيا جدا ! لكن وجب علي أن أقتصد فليس لدي الكثير من المال.. فتنهدت و اتجهت مزمومة الشفتين الى قسم الشوكولاتة ذات الأسعار المقبولة نسبيا .. مددت يدي لآخذ واحدة لكن شخصاً آخر وضع يده عليها أيضاً ! فرفعت يدي و قلت بأدب : آسفة تفضل !

أخذها.. و التقط على الأقل عشرة أنواع غيرها !
كان شخصاً غريباً حقاً شكلا و أفعالا ! شعره أبيض بياض الثلج و عيناه فيروزيتان !

رأيت فتاة طويلة بشعر بني يتجاوز خصرها تسير برفقته ، قالت له مؤنبة : هل ستأكل كل هذا ؟!
أجاب بابتسامة قططية : إنها لسيبا أيضاً !

- حقاً ؟! لكن سيباستيان لا يحب الشوكولاتة !

- أجل ، إنها له و لكنني من سيأكلها فهو لا يحبها !

تجعد أنف الفتاة في اشمئزاز : يا لك من قط شره يا آليكسي ! هل استبدلوا معدتك بمعدة فيل يا ترى ؟!!

أجاب بلؤم تغلفه براءة زائفة : لا أدري إن استبدلوها بمعدتك عندما كنت نائما !

قالت بغيظ : سحقا لك ! ستدفعني للجنون !

لم يرد و اكتفى بالضحك !

انتابني شعور غريب نحوه ! هل بسبب شكله الفريد يا ترى ؟!


غادرت المحل بعد شراء قطعتين صغيرتين من الشوكولاتة.. و بدأت أبحث عن مكان ﻷجلس فيه فليس من اللائق أن آكل و أنا أمشي .. و بينما أسير.. سمعت صوتا قريباً يقول : ماذا تفعلين هنا يا ماكستر ؟!

استدرت للوراء ثم هتفت متفاجئة : إنه أنت يا بيكارت ! كنت أتمشى فقط !

- أين الدكتور ؟! لا أراه معك !

- لقد بقي في الفندق ! وأين المحقق آوتنبورغ ؟!

- في الفندق أيضاً فهو يشعر بالصداع ! وقد أرسلني لأجلب له بعض الملفات من السيد أوتيير -كان قد طلبها سابقاً-

- أي نوع من الملفات هي ؟!

- سجلات بأسماء ضحايا العقارب ، أعمالهم ، و تواريخ وفاتهم .

- اوه ، هكذا إذن !

- نعم .. كان من المفترض أن أصل إلى منزل السيد أوتيير قبل ربع ساعة.. لكنني ضللت الطريق !

ضحكت ساخرة و قلت : ظللت الطريق ؟! تتحدث و كأنك في أدغال أفريقيا ! تعال معي ، سآخذك إلى منزله !

غيرت طريقي و مشيت و بيكارت خلفي.. أخذت يميناً ثم يسارا ، يسارا ثم يمينا،ً يميناً ، يسارا... ثم توقفت..
التفت إلي بيكارت قائلاً باستهزاء : إذن أيتها الذكية ! إلى أين سنذهب الآن ؟!

ارتمت أبله التعابير على وجهي و أنا أقول : حسناً.. لنسلك الطريق الأيسر ! أو ربما الأيمن ؟!

تبا ! نسيت الطريق !

اعوج فمه و هو يقلدني ساخرا : و كأنك في أدغال أفريقيا ، هاه ؟!!
تجاهلت سخريته و قلت : لنسترح قليلاً .. فقد تعبت من المشي !

لحظتها رن هاتف بيكارت.. التقطه و قال : إنه آوتنبورغ !
فتح الخط و أخذ يتحدث و مستوى الغباء في كلامه قد ارتفع درجات : مرحباً.. لا لم أصل بعد إلى منزل المحقق ! لا ، لم أضل الطريق ! كل ما هنالك أني لا أعرف المكان الذي أتواجد فيه !<يا لك من عبقري يا بيكارت!>.. ماذا ؟! أصف لك المكان ؟! حسناً..<تلفت يمينا ويسارا ثم أكمل : هناك عدة بيوت لها الشكل ذاته ، و الكثير من الأطفال والشبان.. هناك أيضا كلب كبير رابض على الطريق !

كاد يغمى علي من الضحك ! إنه ليس شخصاً طبيعياً أبداً !
و كان بإمكاني سماع صوت المحقق آوتنبورغ يصيح و يتأوه.. و لم تمر ثوان من الجدال العقيم حتى أغلق الخط في وجه بيكارت !

توقعت أن ينزعج أو يشعر بالاهانة لكنه ضحك من أعماق قلبه مسرورا : قال أنه سيحضرها بنفسه !

يبدو أنه يستمتع بإثارة أعصاب المحقق آوتنبورغ .. و أنا كذلك !

مسحت دموعي الضاحكة ثم توقفت و بيكارت على الرصيف لنستريح قليلاً.. استندت على سياج أحد المنازل.. و بدأت أغني !
نظر إلي بيكارت في عجب مرعوب : واه لم أكن أتخيل أن هناك شخصاً يغني بهذا السوء !

أعرف أن غنائي مروع لكني واصلت بعناد و رفعت صوتي أكثر .. إلى أن سمعت صوتاً قادما من المنزل خلفي : هذا أنتم ؟!!

استدرنا أنا و بيكارت....
كان المتحدث و صاحب المنزل شاباً أسمر ، شعره فاحم السواد و عيناه الحادتان بنيتا اللون .. وسيم ، لكنه غير ودود البتة !

نظر للصحن الملون في يده بخيبة واضحة : لقد ظننتك كولين !
فقلت بخجل : آسفة لذلك ! هل كولين هذه.. صديقتك ؟!

التفت نحوي و أجاب بوقاحة مفرطة : لا.. إنها كلبة جاري، و هي تأتي إلي عادة في مثل هذا الوقت و تجلس تنبح خلف السياج حتى أعطيها الطعام !

فغرت فاي و تجمدت أوصالي من الصدمة.. أما بيكارت فقد ازرق وجهه و أوشك أن يسقط من شدة الضحك !
من الغبي الذي قال أن الفرنسيين رومانسيون ؟!!

كاد ذلك الشاب يدخل إلى منزله لولا أن صوتاً موبخا أوقفه : جان ! ما هذا الذي قلته ؟!
التفت و نحن كذلك إلى صاحب الصوت.. و صاح بيكارت فرحا : لونا !!

نظرت الفتاة نحوه باستغراب فتمتم محرجا : آ.. آسف ، لا أعرف غير اسمك الأول !
فابتسمت بلطف : لا ، لا مشكلة في ذلك ، كل ما في الأمر أنني استغربت معرفتك لإسمي ! لكن يبدو أن السيد أوتيير قد أخبرك به !

- في الحقيقة لقد عرفته عندما ناداك به ابنه الصغير !

- اوه نعم ، فهمت !

قال لها المدعو جان ببرود : ماذا تريدين ؟!

تلاشت ابتسامتها و عادت تؤنبه قائلة : لقد أهنت هذه الآنسة ويجب أن تعتذر !

- و لم علي ذلك ؟!

- الرجل المهذب يفعل هذا !

- ومن قال لك أني مهذب ؟!

- حسناً كن كذلك الآن !

سحبتنا أنا و بيكارت من ذراعينا و قادتنا إلى الحديقة ثم قالت لجان مبتسمة : أظن أن كوبا من الشوكولاتة الساخنة مع بعض الكعك سيكون مناسباً !

ثم أدخلتنا إلى منزله دون أن تنتظر إذنه بذلك !

كان المنزل في منتهى النظافة و الترتيب تفوح منه رائحة عطرة ! يبدو أن جان يمضي كثيرا من وقته في الاعتناء به !
أخذتنا لونا إلى الصالة.. و قالت لي معتذرة : أعتذر بشأن ما قاله ، قد يبدو وقحا و لامباليا لكنه شخص طيب !

مططت شفتي و قلت كاذبة : لا بأس لست منزعجة !

- هذا جيد !

تكلم بيكارت : يبدو أنك تعرفينه جيداً !

- إلى حد ما.. كان زميلا لي في الجامعة ، لكنه أكبر مني بعامين ، و قد تخرج السنة الماضية ! < ثم استدركت قائلة : صحيح أنا لم أتعرف عليكما بعد !

انطلق بيكارت يعرف نفسه بحماسة : أنا شرطي ألماني واسمي دان بيكارت .

قلت ببرود مستفز : أنا بريطانية واسمي ويندي ماكستر .

لكنه لم تبال لفظاظتي و ردت بود : أما أنا فاسمي لونا آردوان -و أنا فرنسية طبعا- يمكنكما مناداتي لونا فقط ، سررت كثيراً بمعرفتكما ، دان و ويندي ! سأناديكما بالاسم الأول كذلك فأنا لا أحب الرسميات ، هذا إن لم تمانعا طبعاً !

بدا بيكارت سعيدا بذلك كل السعادة ، فأجاب نافياً : لا على الإطلاق ، أنا أيضاً لا أحب الرسميات !
بينما رددت أنا بجفاء استغربته من نفسي : أما أنا فلا أحب أن تناديني باسمي الأول !

رمقني بيكارت بنظرة حادة ، و تضاءلت ابتسامة لونا لكنها قالت بلطف : كما تحبين آنسة ماكستر !

لم أحب لونا إطلاقا -مع أنها تبدو لطيفة- ، و فضلت أن أبقي مسافة بيني و بينها ! ربما أكون مخطئة ... لا أعرف..

دخل جان في تلك اللحظة حاملا أكواب الشوكولاتة .. ألقى الصينية فوق الطاولة على مضض و أخذ مكانا له على الاريكة بجوار لونا و تكفلت الأخيرة بتقديم الأكواب لنا..
أمسكت كوبي و أخذت أحدق فيه مترددة في شربه.. في الواقع خشيت أن يكون مسموما ، فجان يبدو مستاءا من دخولنا منزله عنوة !

انتبهت لونا لما يعتمل في رأسي و قالت ضاحكة : لا تقلقي ، إنه آمن !

فرد جان ذراعيه فوق ظهر الاريكة و قال بأسف : نعم ، فقد نفذ مبيد الحشرات و سم الفئران من عندي لسوء الحظ !

ضحك بيكارت باستمتاع صادق أما لونا فنظرت إلى جان موبخة.. لكنه لوى فمه و أدار وجهه بعيداً !

أفرغت كوب الشوكولاتة الشهية في جوفي ثم انتصبت واقفة و قلت : شكراً على الشوكولاتة !

قال بيكارت بقليل من السخرية : ستذهبين ؟! هل تعرفين كيف تعودين أصلا ؟!

- سأستقل سيارة لتعيدني إلى الفندق !

فنهضت لونا قائلة : هل ستكونين بخير وحدك ؟! يمكنني مرافقتك إن أردت !

رددت بفظاظة جارحة ندمت عليها لاحقا : لا داعي لذلك ، لست طفلة !


ثم وليت ظهري لهم و غادرت المنزل.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رواية باحثا عن ظلي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» اجــــــــــــمل رواية للكاتبة peahn شاملة وكاملة **رومنسية اكشن حزن **رواية جريــــــــــــــــــــــــــــمة حـــــــــــــــــب**
» رواية عندما عبرو حدود الظلام رواية راااااااااااااائعة بكل ماتعنيه الكلمة
» رواية صراع الابيض والاسود....(رواية انمي منقولة )
» رواية السبع كلاب و ابن المدير زيادة ( رواية كوميدية )
» رواية انت لي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
*ღ منتديات احلى بنات للبنات فقط ღ*  :: ~►♥ اقـسـام الـعـبـر ♥◄~ :: أقلام أحلـى بنات ☁. :: أجمل القصص & الروايات ☕ !.-
انتقل الى: