-
السلام عليكُم ورحمة الله وبركاته اهلاً بكم في سهرتنا الثانيه لهذا اليوم قُصتنا قد تكون طويله ولكنها مُشوقه حقاً ! لذلك خّذي نفسٌ عميق واطفئي الأنوار وتابعي معنا عزيزتي القارئه ..
منزل الأشباح في مزرعة الآس
المنازل القديمة تحمل بين طياتها ذكريات كثيرة لأناس عاشوا في كنفها سنوات طويلة ثم فارقوها و رحلوا عنها إلى الأجداث تاركين خلفهم صمتا مطبقا بعد أن كانت أحاديثهم و ضحكاتهم تملئ الأفاق. لكن أحيانا وفي حالات نادرة تحتوي جدران تلك المنازل العتيقة على أمور أكثر من الذكريات , أمور تظهر حينا كأصوات مكتومة و خطوات صامتة لا يعلم مصدرها احد و طورا تتجلى في صورة وجوه شاحبة مخيفة تطل من عالم آخر لتثير في نفوس الأحياء رعبا و هلعا لا يوصف. البعض يسميها أشباح و يربطها بأرواح الموتى زاعما أنها تبقى , لسبب غير معروف , في البقعة التي ماتت فيها. و المنزل الذي سنكتب عنه اليوم هو احد أكثر تلك البقع الموحشة ازدحاما بالأشباح!! حتى انه استحق عن جدارة لقب "أشهر منزل مسكون في أمريكا".
-
"أشباح! .. هل تمزح؟!" ضحكت فرانسيس تعليقا على القصة التي رواها لها الرجل العجوز الذي يدير المنزل ثم أردفت بنبرة يشوبها شيء من التحدي : "لا يوجد شيء اسمه أشباح يا سيدي , هذه مجرد خرافات و لكي اثبت لك ذلك سأبيت هنا الليلة .. احجز لي غرفة رجاءا و سنرى من سيخيف الآخر أنا أم أشباحك القديمة المهترئة؟". لم يجادلها الرجل العجوز , سجل اسمها في دفتره ثم ناولها مفاتيح غرفتها و تمنى لها ليلة سعيدة. كان العجوز رجلا وقورا محترما يتحدث بلباقة وأدب جم , لكن فرانسيس انزعجت من تلك الابتسامة الخبيثة التي لم تبرح شفتاه والنظرة الساخرة التي كانت تبرق في عيناه. "أي مجنون يصدق هراء الأشباح!" تمتمت فرانسيس مع نفسها و هي تغالب النعاس على السرير الوثير الذي يتوسط الغرفة الصغيرة التي استأجرتها تلك الليلة ولم تمض سوى لحظات حتى استسلمت لجفونها الثقيلة المتعبة و غطت في نوم عميق.
حينما فتحت فرانسيس عينها مرة أخرى لم تكن تعلم كم هو الوقت , هل بزغ الفجر ؟ كان هناك ضوء اصفر خافت يتراقص على الجدار شعرت بكآبة غريبة تسيطر على مشاعرها , أصبح هواء الغرفة ثقيلا بصورة مزعجة و أحست كأن شيء ما يقبع فوق صدرها أدارت جسدها ببطء نحو الجزء الأخر من السرير لكنها تجمدت مكانها فجأة و اجتاحها خوف رهيب لقد كانت هناك امرأة سوداء تقف عند حافة السرير تحدق إليها كانت تحمل بيدها شمعة وتضع على رأسها قلنسوة خضراء , ملابسها غريبة و قديمة الطراز. صرخت فرانسيس و دفنت رأسها تحت اللحاف ثم مرت لحظات سادها صمت وسكون عجيب. "ربما تكون خدعة أو مزحة سمجة قام بها ذلك العجوز" حدثت فرانسيس نفسها و هي تخرج رأسها شيئا فشيئا من تحت الغطاء كانت المرأة السوداء لاتزال واقفة في مكانها كالتمثال , بدت حقيقية إلى درجة ان لهب شمعتها كان يتراقص و ينبعث عنه خيط رفيع من الدخان تشجعت فرانسيس ومدت يدها ببطء نحو المرأة , لكن أصابعها المرتجفة لم تكد تصل إليها حتى اختفت و تلاشت كالدخان. في صباح اليوم التالي لم تكن السيدة فرانسيس مايرز تؤمن بالأشباح فحسب بل إنها ستؤلف مستقبلا كتابا حول تجربتها الشخصية مع أشباح منزل الآس (1) تلك التجربة التي دفعتها لاحقا لنبش تاريخ المنزل ثم شراءه لتصبح واحدة من بين الأسماء الكثيرة التي امتلكته طوال قرنين من الزمان.
شبح الخادمة كلوي
في مطلع القرن التاسع عشر كانت العبودية جزءا رئيسيا من الحياة الأمريكية خصوصاً في الجنوب حيث مزارع القطن الشاسعة , ومزرعة الآس (Myrtles Plantation ) حالها حال المزارع الأخرى كانت تمتلك المئات من العبيد كانوا يعيشون حياة بائسة , يعملون طوال النهار في الحقول و يباتون ليلهم في أكواخ حقيرة بائسة لا تصلح حتى كزرائب لعيش الحيوانات , لكن ما خفف من شقائهم قليلا هو طيبة قلب مالكة الأرض السيدة إليزابيث بوتر التي ورثت المزرعة و ما عليها من زوجها و قامت بإدارتها بشكل جيد لسنوات طويلة. مرت السنين و تقدمت السيدة بوتر في السن فلم تعد قادرة على مراقبة العبيد و متابعة العمل في الحقول و لأن أي من أبناءها الأربعة الذين يعيشون في المدينة لم يرغب في إدارة المزرعة , لذلك اضطرت العجوز إلى إيكال هذه المهمة إلى كلارك وودروف زوج ابنتها سارا التي كانت تعيش معها في المنزل برفقة ابنتيها كارولينيا و ماري. كان وودروف إنسانا انتهازيا اشتهر برداءة الطباع. كان يعامل العبيد بقسوة وعرف عنه اتخاذه لخليلات من الزنجيات العاملات لديه كانت لديه طرقه في إغوائهن و إغرائهن و إجبارهن , وكانت الخادمة كلوي هي إحدى تلك الخليلات كان وودروف يهددها بإعادتها للعمل الشاق في الحقول إذا لم تستجب لنزواته الحيوانية لذلك كانت تطيعه و تنفذ جميع رغباته لكنه بدأ يمل منها بالتدريج ثم هجرها واتخذ لنفسه خليلة أخرى.
عاشت كلوي في رعب مستمر منذ أن هجرها وودروف و لم يعد يهتم لشأنها , كانت خائفة من أن تتم إعادتها للعمل في الحقول كان الأمر أشبه بإخراجها من الجنة لكي ترمى في الجحيم. لهذا أخذت كلوي تتصنت على أحاديث وودروف مع زوجته و حماته لترى إن كانوا يذكرون اسمها أو يقولون شيئا عن إعادتها للعمل في الحقول. و لسوء حظ كلوي المسكينة , امسك بها وودروف متلبسة وهي تتصنت على أحاديث العائلة لذلك قرر معاقبتها لتصبح عبرة للآخرين قام بسحبها أمام بقية الخادمات ثم اخرج سكينا وقطع إذنها , ومنذ ذلك الحين أخذت المسكينة كلوي ترتدي قلنسوة خضراء لتغطي الأثر المشوه لأذنها المقطوعة. ماذا حدث بعد ذلك ؟ هنا تختلف الرواية لكن النتيجة واحدة , فهناك فريق يزعم بأن كلوي أرادت استعادت ثقة العائلة مرة أخرى فقامت بوضع مقدار من السم في كعكة طلبت منها السيدة وودروف صنعها من اجل الاحتفال بعيد ميلاد ابنتها كارولينيا. لقد اعتقدت الساذجة كلوي بأن السم سيجعل العائلة تمرض فقط فتقوم هي بعيادتهم و تحظى بثقتهم و حبهم من جديد. وهناك فريق ثاني يزعم أن كلوي وضعت السم في الكعكة بغرض الانتقام من وودروف.
لكن على العموم و أيا ما كان السبب الذي دفع كلوي لتسميم الكعكة فأن النتيجة كانت مأساوية و محزنة بكل معنى الكلمة إذ إن وودروف نفسه لم يأكل من الكعكة لكن زوجته الحامل و طفلتاه فعلتا وسرعان ما ظهرت عليهن أعراض التسمم و فارقن الحياة في نفس اليوم. كان غضب و حزن كلارك وودروف لا يوصف , و بسبب خشية العبيد من أن يطالهم انتقامه توجه البعض منهم إلى الكوخ الذي كانت كلوي تختبئ فيه و قاموا بجرها إلى منزل الآس حيث وضعوا حبلا في عنقها و شنقوها على أغصان إحدى الأشجار المقابلة للمنزل ثم انزلوا جثتها و قاموا بتقطيعها إلى أجزاء صغيرة سحقوها بالحجارة و رموها في مياه نهر الميسيسيبي المحاذي للمزرعة.
كانت تلك الليلة هي الأكثر دموية و مرعبة في تاريخ المزرعة , اختلطت فيها رائحة الدم و الموت مع صرخات وودروف الغاضبة و المجنونة وحين بزغ الفجر , ألقى وودروف نظرة أخيرة على غرفة الطعام التي ماتت فيها زوجته و طفلتيه ثم اقفل بابها بأحكام و منع أي شخص من دخولها حتى آخر يوم في حياته , و اليوم يسمى الزوار تلك الغرفة بـ "غرفة اللعب" حيث يزعم البعض أن أصواتا لأطفال يلعبون و يضحكون تصدر عنها في بعض الليالي , لكن عندما يتم تفقد الغرفة يجدونها فارغة دائما.
كما ان بعض المارة من أمام المنزل يشاهدون أحيانا في الليالي المقمرة شبح طفلة تقفز و تضحك عند نافذة غرفة اللعب و يؤمن الكثير من الناس بأن هذه الأصوات و الأشباح تعود إلى بنات وودروف البريئات اللائي فقدن حياتهن يوم الحادث. الشبح الأشهر في المنزل هو شبح السيدة السوداء ذات القلنسوة الخضراء , و الذي يعتقد الكثير من الناس انه شبح كلوي ويقال أنها تتجول ليلا في أرجاء المنزل تحمل بيدها شمعة ويصحبها صوت خفي لنحيب و بكاء أطفال صغار و قد تمكن احد مالكي المنزل من التقاط صورة مزعومة للشبح , وهذه الصورة تباع اليوم كتذكار للزوار التواقين لسماع قصص الأشباح كما زعم عدد ممن باتوا ليلتهم في المنزل بأنهم استيقظوا في ساعة متأخرة من الليل ليشاهدوا امرأة سوداء تحمل بيدها شمعة وتقف عند حافة أسرتهم تحدق إليهم بغرابة.
ربما كانت الميزة الأشهر لمنزل مزرعة الآس هي تعدد أشباحه , وقد أوجبت له هذه الميزة الحصول على لقب "أشهر منزل مسكون في أمريكا" عن جدارة , ويقال أن المنزل ملعون لأنه بني فوق مقبرة قديمة للهنود الحمر وأن من بين أشباح المنزل العديدة هناك شبح لامرأة من الهنود الحمر. فيما يذهب رأي أخر إلى أن تعدد أشباح المنزل مرتبط بتاريخه الدموي حيث يزعم أصحاب هذا الرأي وقوع إحدى عشر جريمة قتل داخله.
من هذه الجرائم , مقتل لويس ستيرلنك اثر تلقيه عدة طعنات بالسكين داخل المنزل و لويس هذا هو ابن احد ملاك المزرعة خلال القرن التاسع عشر. هناك أيضا ثلاثة جنود اتحاديين اختبئوا و قتلوا داخل المنزل خلال إحدى معارك الحرب الأهلية الأمريكية و يقال إن بقعة دم كبيرة على شكل إنسان ظلت تغطي أرضية الغرفة الذي قتل فيها احد هؤلاء الجنود و لم تفلح جميع محاولات إزالتها حتى اختفت من تلقاء نفسها بعد عدة سنوات. في عشرينيات القرن المنصرم , عثرت الشرطة على جثة احد أبناء عائلة ويليمز المالكة للمنزل آنذاك مقتولا و يبدو انه فقد حياته على يد بعض اللصوص الذين حاولوا سرقة المزرعة.
وليم ونتر هو أشهر المقتولين في المنزل , كان محاميا و صهرا للسيدة ماري كوب مالكة المزرعة وكان يعيش معها في منزل الآس برفقة زوجته و أطفاله. في إحدى ليالي عام 1871 ناداه شخص مجهول طالبا رؤيته في الخارج للتحدث معه وما أن خرج ونتر من المنزل حتى أصابته رصاصة قاتلة لكنه لم يمت في الحال , بل زحف عائدا إلى داخل المنزل رغم جراحه و استمر بالزحف نحو السلم المؤدي إلى الطابق الثاني كان يحاول الصعود لكي يموت في أحضان زوجته الحبيبة النائمة مع الأطفال في إحدى الغرف لكن المسكين خارت قواه و لفظ أنفاسه الأخيرة عند الدرجة السابعة عشرة من السلم.
و يقال أن شبح وليم ونتر لازال يحاول الصعود إلى الطابق الثاني حتى اليوم لكنه يفشل في كل مرة وأن خطواته لازالت تسمع في بعض الليالي وهي ترتقي السلم باتجاه الأعلى لكنها تتوقف و تتلاشى دائما عند الدرجة السابعة عشر ولا تتجاوزها أي بالضبط كما حدث معه أثناء موته.
هناك غرائب أخرى في منزل الآس , إحداها هي مرآة قديمة يقال أنها احتبست في داخلها أرواح بعض الذين لفظوا أنفاسهم داخل المنزل ولهذا تظهر عليها آثار بصمات يد مجهولة كأنما هناك من يحاول كسرها و الخروج منها. وقد حاول احد مالكي المنزل ممن كانوا يسخرون من قصص الأشباح إزالة هذه البصمات عن طريق تبديل زجاج المرآة , لكنه وقف مذهولا بعد عدة أيام حين عاودت البصمات الظهور على الزجاج الجديد.
ومن غرائب هذه المرآة أيضا هو ظهور شبح فتاة تهبط السلم وهي تغني و ترقص ثم تتوقف أمام المرآة فتتغير ملامحها إلى الخوف و الغضب و تبدأ تجول بنظرها داخل المرآة كأنما تبحث عن شيء مفقود , و يقال أن هذا الشبح هو لفتاة تعرضت للقتل داخل المنزل لسبب مجهول بينما كانت واقفة أمام المرآة ولأنها لم تستطع رؤية وجه قاتلها لهذا فأن شبحها الغاضب يجيل النظر داخل المرآة عسى أن تلمح انعكاس وجه القاتل فترتاح روحها المعذبة. احد الألغاز المحيرة أيضا هو بيانو موضوع في إحدى الغرف , زعم بعض من امضوا ليلتهم في المنزل بأنهم سمعوا صوته وهو يعزف طوال الليل والغريب هو أن العازف المجهول لا يجيد سوى مقطوعة واحدة فقط يستمر في تكرارها مرة بعد الأخرى. كان العزف يتوقف إذا دخل شخص ما إلى الغرفة ليتحقق من مصدر الصوت وبالطبع كان سيجدها خالية و يشاهد لوحة مفاتيح البيانو مغلقة لكن ما أن يغادر الغرفة حتى يعود صوت العزف مرة أخرى!.
في عام 1985 حصل فريق تصوير احد المسلسلات التلفزيونية بعنوان (The Long Hot Summer ) على الإذن من مالك المنزل لتصوير بعض المشاهد داخله , وقد مر طاقم التصوير هذا بتجربة محيرة داخل المنزل. ففي احد المشاهد قام الطاقم بإزاحة أثاث "غرفة اللعب" وجمعه عند إحدى الزوايا من اجل تصوير لقطة تتطلب ذلك و بعد أن أكملوا تصوير لقطتهم تلك انتقلوا إلى الغرفة المجاورة لإكمال المشهد. لكن بعد عدة دقائق حين عاد الفريق إلى "غرفة اللعب" كانت تنتظرهم مفاجأة كادت أن تفقدهم صوابهم , فجميع قطع الأثاث التي كانوا قد أزاحوها كانت قد عادت إلى مكانها بالضبط! كانت صدمة حقيقية للطاقم لأنهم كانوا متأكدين من أن أحدا لم يدخل إلى موقع التصوير أثناء فترة انتقالهم القصيرة إلى الغرفة المجاورة. بسرعة قام طاقم التصوير بجمع معداته و فروا على عجل إلى منزل آخر ليكملوا تصوير مشاهدهم هناك.
في عام 2001 واجه احد البرامج الوثائقية مشاكل تقنية عديدة لا يمكن تفسيرها أثناء تصوير حلقة عن المنزل مثل انقطاع الكهرباء بدون مبرر واختفاء بعض اللقطات من كاميرا التصوير و انفصال بعض كابلات معداتهم من تلقاء نفسها. هناك أيضا قصة احد حراس البوابة المؤدية إلى المنزل , إذ كان يؤدي نوبة حراسته مساء احد الأيام حين ظهرت أمامه فجأة امرأة ترتدي ملابس بيضاء وعبرت البوابة من دون أن تلتفت إليه رغم انه نادى عليها لأكثر من مرة مما اضطره إلى محاولة اللحاق بها لكن المسكين أصيب برعب لا يمكن وصفه حين تلاشى جسد المرأة عند مدخل المنزل وفي اليوم التالي استقال الحارس المصدوم من عمله و لم يعد إلى منزل الآس مرة ثانية.
هناك قصص عن أشباح أخرى داخل المنزل , اغلبها لأطفال صغار ربما لأن عدد كبير منهم ماتوا داخل المنزل خلال قرنين من الزمان. كما أن عدد أشباح المنزل تزايد باضطراد منذ أن أصبح قبلة للزوار و السياح خلال النصف الثاني من القرن المنصرم إذ زعم العديد من أولئك الزوار رؤيتهم لأشباح و ادعى بعضهم سماعهم أصوات أو مشاهدة أمور غريبة لم يستطيعوا تفسيرها مثل تحرك الأثاث و فتح أبواب الغرف و غلقها من تلقاء نفسها و سماع خطوات خفية تتجول داخل المنزل من دون أن يستطيعون رؤية أصحابها.
عزيزتي القارئه , إن السجلات و الوثائق التاريخية لا تشير إلى وجود شخصية الخادمة كلوي لكن الإنصاف و الأمانة التاريخية تدفعنا إلى التنويه بأن ألاف العبيد السود قضوا نحبهم تحت ظروف لا إنسانية في مزارع البيض , خصوصا في جنوب الولايات المتحدة حيث لم يكن عجيبا أن تتم معاقبة هؤلاء العبيد بشدة كأن يجلدوا أو تقطع أذانهم و ألسنتهم أو أن يقتلوا لأتفه الأسباب لذلك فأن عدم وجود اسم الخادمة كلوي في سجلات مزرعة الآس لا يعني بالطبع أن المزرعة لم تشهد معاناة و موت العديد من العبيد. وربما يكون منشأ أسطورة الخادمة كلوي يعود في الأصل إلى هؤلاء العبيد الذين كانوا يجدون في القصص و الحكايات الخيالية ملاذهم الوحيد من الحياة القاسية و الوحشية التي كانوا يكابدونها.
ثم أن هناك سؤال أخر يطرحه المؤمنين بقصص الأشباح عن مدى استيعاب التاريخ لكل الأحداث التي مرت على المزرعة خلال قرنين من الزمان ؟ يا ترى الم تقع حوادث طواها النسيان وسقطت من أوراق التاريخ الصفراء أحداث اعتقد المؤرخون أن لا أهمية لذكرها ؟ لا تنسي عزيزتي القارئه بأننا نتكلم عن قرنين من الزمان و هي مدة لو قستها على تاريخ بلداننا لعرفت كم هي طويلة. فهناك في مدننا و حاراتنا القديمة بيوت قد لا يعلم سوى الله متى شيدت فهل يستطيع احد أن يخبرنا عن تاريخها بالكامل وعن الأحداث التي رافقت حياة عشرات الأشخاص الذين سكنوها و رحلوا عنها إلى المقابر. نحن هنا لا نتكلم عن ثورات أو حروب أو كوارث طبيعية و إنما عن حياة الناس البسطاء.
يا ترى هل يذكر التاريخ قصص الحب البريئة التي تبادلها الأولاد و البنات من فوق سطوح المنازل؟ هل سيذكر التاريخ ابن جارنا الطفل الذي دهسته سيارة مسرعة ؟ هل سيذكر التاريخ تلك الأرملة التي تجلس عند ناصية شارعنا كل صباح تبيع اللبن لتطعم أطفالها الصغار وقد ارتسم على وجهها الشاحب حزن العالم كله ؟ مع الأسف التاريخ لا يذكر هذه الأمور لأن الناس لا تهتم لها. ومزرعة الآس أيضا شهدت خلال تاريخها الطويل العديد من المآسي التي ربما لم يجد التاريخ حاجة لذكرها , لقد مات في ذلك المنزل القديم عشرات الأشخاص العديد منهم كانوا أطفالا حصدهم مرض الحمى الصفراء و التيفوئيد والمزرعة شهدت أيضا العديد من النكبات و حدثت فيها فعلا بعض الجرائم ..
لكن مهلاً .. هل يعني هذا بأن المنزل مسكون حقا بالأشباح ؟ ربما .. من يدري؟! و ربما أيضا تكون مجرد قصص يروج لها مالكو المنزل من اجل اجتذاب السياح و استدرار أموالهم. لكن في المقابل يجب أن نتذكر بأن هناك العديد من الناس مروا بتجارب غريبة داخل هذا المنزل و ربما بعضهم أناس قد لا يرقى الشك إلى مصداقيتهم و ليست لديهم مصلحة في الكذب فهل كانت تجاربهم تلك مجرد هلوسة و ادعاء؟. على العموم , في النهاية يبقى قرار تصديق أو تكذيب هذه القصة متروكا إليك وحدكِ.
-
هكذا نكون قد وصلنا الى نهاية سهرتنا اتمنى قد استمتعتم في قرائتِها
دمتم جميعاً في حفظ الرحمن ~
|