لفيت بلاد وبلاد .. ورسيت في بحر الحيتان ..
قابلت ناس أشكالها عجيبة .. أفكارها غريبة .. لكنهم كانوا مليانين طيبة ..
عزموني على أكله سمك .. وعشقي للبحري ما ينتهي ..
وغلبني النعاس .. وقلت أنام واغوص بعالم الاحلام ..
قالولي لا تنام الآن .. خليكي صاحي لأن اليوم يوم الغزال ..
استغربت كلامهم وسألتهم .. ويش هذا يوم الغزال ؟؟
فردوا أنه يوم من كل سنة ينعاد .. تطل فيه روح طيبة تزور المكان ..
ضيفة من خارج الحدود .. تنشر البهجة والسرور ..
لكنها غير مرأية للعيون ..
الكل يترقب يشوفها .. مع أنه عمرها ما بانت لإنسان ..
لكن أثار وجودها باقية .. من تفتح زهور ونسيم عليل .. وشفاء كل مريض ..
قلت في نفسي .. أكيد هذه خرابيط ..
واصلا ايش فايدة يصحصحون .. وهي ما تظهر للعيون ..
فكنت الوحيد اللي راح في سبات عميق ..
ولقيت نفسي تائه في وسط المحيط ..
فين انا .. انا في حلم ؟ لكن ما اقدر أقوم منه ؟
ايش اسوي هنا ؟ ظليت افكر .. محتار .. لكن مستأنس وانا أمشي على سطح المحيط الهادئ ..
وفي غمضة عين ظهرتلي حورية .. اممم لا موب حورية .. ترا ما أشوف الذيل ..
الكلمات عجزت عن الوصف ولازلت حائر .. خائف .. منبهر .. فاقد الإحساس بالوجود ..
نظرتها أخافتني .. لكن فيها حنين ..
ملامحها غزالية .. او كائن عجيب وجميل ..
سألتها أنتي الغزال اللي عنك يكلمون ؟
اومأت براسها وتخاطر في راسي صوتها العذب "ايه .. ايوا أنا"
اتخضيت شوية لما سمعت صوتها براسي ..
تراكي موب خرساء لكنك تستخدمين التخاطر ؟
سألتها : كيف اشوفك وانا نايم وكل الناس صاحية ولا عمرهم شافوكي ؟
قالتلي : استحي .. أخاف من سوء فهم الناس
قلتلها : أها أنتي خجولة .. وهذا يزيدك جمال ..
قالتلي والأسى عليها وكأنها تتذكر أيام زمان :
لا يغرك جمالي .. تراه دمر من البشر بلاد ..
قلتلها : معقولة ؟! لكن الناس تحبك كثير !
لسانهم ما يوقف .. عن ذكرك بالخير ؟
قالتلي : هذا دين علي ثقيل .. بحاول ما تبقى من عمري اني امسح خطاياي
لأجل يرضى عني مولاي .. حستمر بالندم ونشر الخير ..
دموعي ما كانت كافية امحو شر السنين ..
ظنيت كل البشر نسوني .. لكن لازال فيه من يعترف بالجميل ..
لازال في من يسامح .. لازال في من يهون ألم ندمي ..
لازال عندي أمل في رحمة من شر ارتكبته .. لازال في وقت اخفف هم ناس ثانيين ..
:
كانت هذه كلامتها .. ودموعها بكل هدوء تسيل ..
ودعتني بابتسامة .. وحلقت بعيد ..
فهمت انها انطلقت لمكان اخر .. علها تشفي مريض .. عليها تزيح الشر .. علها تنشر البهجة الخفية ..
:
وأخيرا صحيت على صوت حفيف الأشجار المثقلة بالثمار ..
متى أثمرت ؟! وقبل ليلة كانت شبه الوليد ..
لكن اللي لفتني أكثر بهجة الناس وفرحهم بالراحترم نفسكالوفير ..
:
وأدركت انها فعلا غزال .. ظهورها جميل .. لكنها سريعة بالكاد تشوفها من سرعتها ..
غزال حر .. يعدو نحو الأفق ..
ما يقيده الا ضمير ذاته .. مهما حاول الهروب ..
لكنه يظل مهما كان غزال جميل ..
ويا غزال يا غزال .. تعال في الأحلام .. وهات معاك جوز حمام ..
:
==============
شرح القصيدة :
تدور أحداث القصيدة عن رجل يجوب بلاد العالم وبالأخص بحارها .. وخلال رحلته يمر على منطقة ساحلية يعيش أهلها حياة مفعمة بالحيوية ولهم طابع خاص في ملبسهم وعاداتهم .. ويستقبلونه بكل كرم ويعزمونه على اكلة سمك ..
ويعبر الشاعر عن عشقه للسمك لكنه لم يحدد ان كان السمك مقليا او مشوياً .. المهم انه أصابه النعاس .. لكن السكان نصحوه ان يظل متيقظاً طوال الليل لأنه يوم مهم بالنسبة لهم .. حيث تمر روح طيبة او مخلوق غزالي "له طابع الغزال" على منطقتهم .. ورغم انهم لم يروه من قبل لكنهم يهتمون بانتظاره بشوق كل عام .. حيث انه في اليوم التالي يرون ازدهار زراعتهم وتحسن الطقس وتحسن صحة المرضى ..
لكن الشاعر لم يستطع تحمل النعاس فغط في نوم عميق .. ليجد نفسه في حديث مع فتاة ذات حسن وجمالٍ أخاذ .. وكان لها هيئة الغزال وربما عجزت الكلمات عن وصف شعور المفاجئة والرهبة والانبهار ..
لم يوضح الشعار حقيقة هذا المخلوق ان كان من البشر او غيره من المخلوقات .. لكن القصيدة تشير إلى ضمير متألم ومتعذب يبحث عن المغفرة والخلاص من ذنوب أذت الكثير من البشر في الماضي ..
وربما كان الشاعر يشير الى ان الضمير والندم والتوبة هي تركيبة جميلة .. وصورها على هيئة فتاة جميلة لها طابع الغزال ..
ولعل فكرة الغزال تعود إلى كونه مخلوق جميل .. وبذات الوقت مخلوق سريع الابتعاد وربما الانطواء أحياناً .. او لكونه من المخلوقات الرحالة التي تجوب مسافات بعيدة ..
ينتهي اللقاء بابتسامة لطيفة ودموع هادئة .. ليستيقظ الشاعر على صوت الثمار وهي تتخبط باوراق الشجر وفرحة الناس بما حل عليهم من خير ..