كانت مصر تابعة للدولة الرومانية، وبعد انقسامها تبعت الإمبراطورية البيزنطية الشرقية، وانتصر عليها الفُرس فدخلوا مصر.
وعند انتهاء المسلمين من فتح الشام كان قائد الروم قد هرب إلى مصر قُبيل فتح المسلمين لبيت المقدس، وبدأ يحشد جنود الروم لقتال المسلمين، فرأى عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن على المسلمين أن يُوقِعوا بالروم قبل أن يستفحل أمرهم، فحاصر حصن بابليون، واستطاع الزبير بن العوام رضي الله عنه أن يدخل الحصن، فعقد المقوقس معاهدة مع المسلمين على الرغم من دخولهم مصر عَنْوة، وبمقتضى هذه المعاهدة دخل كثير من المصريين في دين الله.
عانى الشعب المصري من الظلم والاضطهاد؛ لذا رحّب بالمسلمين، وأعاد المصريون بناء الكنائس التي خرَّبها الفرس أثناء احتلالهم لمصر، وأرسل عمرو بن العاص رضي الله عنه قوةً إلى الصعيد والفيوم ودمياط وتِنِّيس، ثم سار إلى الغرب ففتح برقة وصالح أهلها، وأرسل عقبة بن نافع ففتح زويلة، واتجه نحو بلاد النوبة ففتحها.
فظلَّت مصر تابعة للخلافة الإسلامية، حتى خرجت مصر عنها تحت مسمى الدولة الطولونية، ثم الإخشيدية، ثم العبيدية (الفاطمية)، فالأيوبية، فدولة المماليك، ثم خضعت للخلافة العثمانية حتى خروجها مرة أخرى على يد محمد علي باشا في القرن التاسع عشر الميلادي.
شيَّد عمرو بن العاص رضي الله عنه الفسطاط وجامعه، وعُرف بتاج الجوامع، وبالجامع العتيق، وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، تم تجهيز أسطول ضخم، واستطاع المسلمون أن يحطموا السيادة البيزنطية في البحر المتوسط؛ إذ قَدِم أسطول لغزو الإسكندرية، فخرج الأسطول المصري لصدهم، وبعث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أسطوله، وتقابل الأسطولان مع الأسطول البيزنطي في معركة ذات الصواري؛ وكان القتال عنيفًا بين الطرفين، إذ ربطوا السفن الإسلامية بالسفن البيزنطية، ثم اتخذوا من السفن ميادين قتال، وبذلك حقق المسلمون أول انتصار بحري في الإسلام.
وفي عصر الولاة اهتم حكام مصر بكافة شئونها، ثم أصبحت مصر إمارة عثمانية، ثم احتلتها إنجلترا، وفي مطلع القرن العشرين ظهرت مجموعة من القوى السياسية، حاملة جذوة النهضة للأمة المصرية -وإن كانت تحت الاحتلال الإنجليزي- فكان الحزب الوطني.
أما فترات التدهور والاضطرابات فكانت الفتنة في عهد عثمان بن عفان، وفي نهاية عصر الدولة الطولونية، ثم العبيديون يحوِّلون مصر لدولة شيعية، وبعد صلاح الدين البيت الأيوبي في صراع، وأخذت دولة المماليك الجراكسة تمر بحالة ضعف شديد في بدايات القرن العاشر الهجري؛ ثم فترة الضعف في عهد الدولة العثمانية.
الفتح الإسلامي لمصر
أصبحت مصر ولاية رومانية تابعة مباشرة للدولة الرومانية منذ عام 31 ق.م، حين استولى الرومان عليها وقضوا على حكم البطالسة فيها[1]، واتخذها الإمبراطور أغسطس قيصر مخزنًا يُمِدّ روما بحاجتها من الغلال.
وقد اتصف الحكم الروماني بالتعسف، فظلَّت مصر تحت الحكم الروماني ما يزيد على أربعة قرون، وبعد انقسام الإمبراطورية الرومانية عام 395م، أضحت مصر تابعة لسيادة الإمبراطورية البيزنطية الشرقية؛ ولأن مصر كانت تحت الحكم المركزي البيزنطي، فإنها كانت تتأثر تأثرًا مباشرًا بما كان يحدث في البلاط البيزنطي من صراعات ومؤامرات، وكانت هزيمة الإمبراطورية البيزنطية من الفُرس في آسيا الوسطى والبلقان سببًا من الأسباب المباشرة لدخول الفرس مصر، وسقوط الإسكندرية عام 619م[2].
بدأت الفتوحات الإسلامية في عهد الصِّدِّيق رضي الله عنه، واستمرت في عهد الفاروق رضي الله عنه؛ فعندما فرغ المسلمون من فتوح الشام، وانتهى عمرو بن العاص رضي الله عنه من فتح فلسطين، طلب من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يسير إلى مصر للفتح، وقد استطاع عمرو إقناع عمر بن الخطاب بفتح مصر، في لقاء الرجلين سنة ثماني عشرة من الهجرة بالجَابية، وكان عمر بن الخطاب حَرِيًّا بالاقتناع، حتى لا تكون أرض الشام معرّضة لخطر مهاجمتها من الروم شمالاً، وجنوبًا من مصر عن طريق سيناء البريّ، وغربًا من بحر الروم، وبخاصة أن (أرطبون) قائد الروم في فلسطين، قد هرب من فلسطين ولحق بمصر قُبيل فتح المسلمين لبيت المقدس، وقد اصطحب معه جيشًا من جيوش الروم، وكان يحشد جنود الروم في مصر لقتال المسلمين في حالة محاولتهم فتح مصر، أو يحاول استعادة فلسطين، إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، فرأى عمرو بن العاص أن على المسلمين ألاَّ يضيِّعوا الوقت سُدًى دون مسوِّغ، وأن يُوقِعوا بالأرطبون وقوات الروم قبل أن يستفحل أمرهم، وقد أيّده الفاروق عمر بن الخطاب، المعروف بتفكيره الحصيف المتميّز[3]، ثم أمدَّه بالزبير بن العوام، ومعه بُسر بن أبي أرطاة، وخارجة بن حذافة، وعمير بن وهب الجمحي، فاتجه عمرو إلى حصن بابليون وضيَّق عليه الخناق بضعة أشهر، وعندما طال وقت القتال، أرسل المقوقس برسالة إلى عمرو يتهدده فيها ويتوعده؛ إذ الروم مؤيدون للمقوقس، وهم قوة معه على قوته في مواجهة عمرو ومَن معه، لكن عمرو بن العاص أرسل للمقوقس قائلاً: "ليس بيني وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال، إمّا أن دخلتم في الإسلام فكنتم إخواننا، وكان لكم ما لنا، وإن أبيتم فأعطيتم الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون، وإما أن جاهدناكم بالصبر والقتال، حتى يحكم الله بيننا وهو أحكم الحاكمين"[4]. |