لم يتبق من ذاكرة أيامي التي لن تمحى أبداً في تجربتي مع الغربة إلا ألمها و ألمها فقط . كثيرة تلك الأيام التي اعتدت أن أكون مستقلة سعيدة حرة لكن ملتزمة في مجال عملي ويحبني الجميع لذلك فالإنسان لا يتبقى من ذكراه بعد رحيله إلا سمعته الحسنة وكلمة طيبة تقال بحقه...وأكثر منها تلك الأيام التي صفعتني دروسا قاسية و أذاقتني بلا رحمة مرارة الزمن وقسوة البشر وكشفت لي معدن كل إنسان عاشرته خلال هذه السنوات , أسأل نفسي: هل كانت على عيني غشاوة ؟ هل كانوا منافقين لهذه الدرجة؟ و لماذا لم أكتشف حقيقة البشر إلا عندما قررت الاستقالة ؟ أين كنت ؟ ولماذا يتوجب علي أن أكون قاسية مع البشر؟ نعم يتوجب أن أكون كذلك لأن الزمن مر فبعد ست سنوات في التفاني والإخلاص في العمل في أحد دول الخليج القريبة جدا من العراق ولأسباب شخصية ضرورية قررت الاستقالة من العمل. ما حز في خاطري في البداية تلك الأيام الحلوة التي قضيتها معهم وكيف سأفارقهم خاصة أني تعودت عليهم حتى أصبحنا كالأسرة الواحدة تماما... بدأت بالإجراءات المعتادة للسفر وكنت أعمل بقلبي قبل يدي وأكلف بكثير من الأشياء التي تثقل كاهلي كموظفة ضغوط من هنا وهناك إجراءات سفر .. عمل حكومي .. ترتيب أفكار و أشياء .. شراء حاجيات .. هموم يومية شتت تفكيري وأصابتني بأزمة نفسية أخلت توازني بعض الشيء واستقراري النفسي ..
كانت ظروفا لا تطاق وما انتهت إلا بشق الأنفس كما يقال إلى أن جاء يوم التكريم لكن تكريم من ؟
دعيت في آخر أيام دوامي إلى حضور حفلة الريوق هكذا كانت عاداتهم المتصنعة قبل توديع الأشخاص الغاليين على قلوبهم .. في البداية كانت كلمة المديرة المستقيلة أيضا والدمعة على خدها والألم ظاهر بين حروف كلماتها وتلتها كلمة ألقتها إنسانة لا تفقه من الأبجدية إلا الحروف والكثير والكثير من المواقف السلبية المشهودة لها مع الموظفات تدعى الوكيلة فاطمة... يا إلهي كنت أنتظر انتهائها من فلسفة التملق والمظاهر الخادعة البراقة والتكلف الواضح والكلام المنمق بركاكة لغوية بالغة..وأقول في نفسي إلى متى ستنتهي لقد أصبت بالتخمة منها وأنا شخصيا أكرهها لأنها أخذت الكرسي الذي كنت جالسة عليه ومرتكزة على طاولة أكتب أوراقا مهمة وأعطته لواحدة أخرى سمينة بليدة من نفس جنسيتها لتجلس عليه أمام جميع الحضور.. فعلا كل إناء ينضح بما فيه كم كان غبيا تصرفها ولئيما وكم كانت حركاتها بلهاء ومتصنعة ..وكم كان شعورا مؤلما قد تسببت لي به.. ماذا ستقولون ؟ السبب كرسي؟
لا السبب ليس كرسيا و أنا قادرة على إنهاء عملي واقفة بفضل الله تعالى إنما الموقف غير حضاري وهمجي, أكرهها نعم ولي الحق في ذلك. كانت الهدايا المتتالية والكلمات المليئة بالأسى والحزن لفراق الوكيلة فوزية والناظرة قد أثرت في قلوب الحاضرين . أما أنا ظلت عيني متسمرة على المايكروفون وكنت أقول : ( هلأ بيئولوا اسمي .. هلأ بيتشكروني .. هلأ بيعطوني هدية وبيفاجئوني لأاني اشتغلت كتيير وتعبت معهن وهلأ وهلأ نطرت كتييير كتيييير لانتهى الحفل .....ودعينا إلى الريوق بعدما توزعت الهدايا ونلت هدية أقل من بسيطة من رئيسة القسم التي كانت توزع الهدايا فقط كإجراء روتيني لجميع معلمات قسمها ألا وهي ورد صناعي عليه غبار أثقل رئتي ............ ) لكن .................................
لم يذكر اسمي قط ..لم أكن مميزة لديهم و أنا لا أنتظر أن أكون متميزة لديهم لأني متميزة لنفسي و أعرف تماما أنها غيرة نسوان حتى خلت نفسي أني آلة كنت أعمل لديهم والآن انتهوا منها لأنها استقالت من تلقاء نفسها فهم لا حاجة لهم لها ولا لمجهودها .. ولا مصلحة لديهم عندها .. انتهت منهم وانتهوا منها .. هكذا فهمت من تجربة يوم عصيب كان خلاصة وعصارة تعب ست سنوات من العمل المتميز والضمير الصاحي.... أحبطت تماما و أصبت بنوبة بكاء شديدة قبل يومين من سفري فلم يخطر في بالي أنه لن تتصل علي واحدة منهن وقلت في نفسي ماذا فعلت ؟؟ ما هو خطأي؟ لماذا ؟ فكرت كثيرا لماذا لم يشكروني؟ لمَ تناسوا وجودي؟ أقسم بالله أني لم أفعل شيئا بل كنت مسالمة جدا ومميزة خلال أيام كنت ملتزمة وغير متمردة.. سأتمرد على واقعي نعم سأتمرد.. اقتنيت علبة سجائر وولاعة حمراء لأول مرة في حياتي والنفسية كانت أقل من الصفر أخذت أستنشق هواءها كانت قرف وكريه فعلا لا أدري لماذا دخنت ؟ ولا أدري لماذا اتصلت على صديقتي المصرية التي كانت جديدة في مجال العمل وأخبرتها عن كل الآلام الذي سببه لي هذا اليوم لا أدري ؟ لم يسبق لي أن اشتكيت لأحد من أي شيء .. ولم يسبق لي أن تذمرت من أي شيء .. ولم يسبق لي أن تمردت على شيء... لا أسف على قرار استقالتي ولا أسف و لا أسف ......
لا أنتظر من العبد شيئا أنتظر الرحمة والرضا والعطاء من رب العالمين.