:al-salam::
جريمة في القطار الازرق"احدى الروائع"
* الرجل ذو الشعر الابيض*
كان الوقت يقترب من منتصف الليل حين عبر رجل ميدان الكونكورد ورغم المعطف المصنوع من الفراء الذي كان يلف جسده النحيل فقد كانت تبدو عليه سمات الضعف وضعة الشان
كان رجلا قصيرا ...وجهه كوجه الفار...فقد تظنه تافه القدر ..خامل الذكر..ولكن هذا لم يكن صحيحا .فرغم مظهره الذي يلوح عليه الاهمال..والرثاثة.الا انه كان يلعب دورا هاما في مصير العالم ....ملكا لامبراطورية الظلام ...يحوطه الشك من كل جانب.
وحتى هذا الوقت المتاخر .كانت احدى السفارات تنتظر عودته ..ولكن كان عليه ان يقوم بمهمة ما اولا-مهمة لم تكن السفارة على علم بها وحين انعكس ضؤ القمر على وجهه بدا ابيض حاد القسمات ...وظهر انفه معقوقا قليلا ..فقد كان والده يهوديا من بولندا ..وكانت المهمة التي خرج من اجلها من ذلك النوع الذي كان يحبه والده.
ووصل الى نهر السين ..وعبره..ودخل احد احياء باريس المتواضعة وهنا توقف امام احد المنازل العتيقة العالية ..وصعد الى شقة بالدور الرابع ولم يكد يطرق الباب حتى فتحته امراة كان من الواضح انها تنتظر عودته.ولم تتفوه بكلمة تحية واحدة.بل احذت تساعده في خلع معطفه ثم قادته الى غرفة جلوس رثة الاثاث . وكانت تحجب الضؤ اباجورة وردية اللون ...فانعكس خابيا على وجه الفتاة وان لم يستطع ان يخفيه -وقد علته طبقة طثيفة من المساحيق - ولا ان يخفي ملامحها المنغولية .كان من الواضح اية مهنة تمتهن الفتاة..وكذا جنسيتها.
- اكل شيء على مايرام يا صغيرتي ؟
- نعم يا بوريس ايفانوفتش
واوما براسه متمتما :
- لااظن ان احدا كان يتبعني
ولكن نبرته كانت تنم عن القلق واتجه نحو النافدة ..وازاح الستائر قليلا ثم نظر الى الشارع ...وتراجع مبتعدا في عنف
- هناك رجلان ..على الرصيف المقابل ..يبدو ..وصمت...واخذ يقظم اظارفه وهي عادة كانت تلازمه عندما يستبد به القلق
وهزت الفتاة الروسية راسها ببطء وكانها تطمئنه :
- انهما هنا قبل ان تحضر
- ولو ..يبدو لي وكانهما يراقبان المنزل
وردت بلا اكتراث :
- ربما
- ولكن..ماذا؟
- وماذا في ذلك ؟حتى لو عرفا...فلن تكون انت الشخص الذي سيتعقبانه من هنا
وتسللت الى شفتيه ابتسامة صغيرة ..فيها قسوة..وقال:
- هذا صحيح
وفكر برهة ..ثم قال :
- هذا الامريكي اللعين ...ليتول امر نفسه
- نعم
ومرة اخرى اتجه الى النافذة ..ثم ضحك ضحكة قصيرة وقال :
- يبدو انهما من المعروفين للبوليس ..حسنا ارجو لهما صيدا ثمينا.
وهزت اولجا دميروف راسها وقالت :
- لو كان الاميركي كما يقولون فان الامر سيحتاج الى اكثر من شخص حتى يتغلبا عليه
وتوقفت عن الكلام برهة ...ثم استطردت قائلة:
- ترى...
- نعم؟
- لاشيء ..فقط..هناك رجل ذو شعر ابيض قد مر من هذا الشارع مرتين هذا المساء
- وماذا في ذلك؟
- اقول لك عندما مر هذين الرجلين ..اسقط قفازه... فالتقطه احدهما واعاده اليه انها حيلة قديمة
- اتعنين ان ثمة علاقة بينهما وبين الرجل ذي الشعر الابيض ؟
- شيء من هذا القبيل
وبدا الانزعاج والقلق على وجه الروسي ..وقال ؟
- اواثقة انت ان اللفافة في امان ..وان لم تعبث بها؟..لقد ثارت اقاويل كثيرة حول هذا الموضوع ..اكثر من اللازم.
ومرة اخرى قضم اظافره...
رددت هي بقولها :
- لتحكم بنفسك
وانحنت الى المدفاة ....وازاحت الفحم بعناية ..ومدت يدها تحته والتقطت لفافة مستطيلة مغطاة باوراق الصحف....وسلمتها اليه
واوما براسه موافقا ..وقال :
- فكرة رائعة
- لقد فتشت الشقة مرتين ...وشقت الحشية الموضوعة على سريري
فتمتم قائلا :
- كما قلت لك...لقد كثر الكلام..وهذه المساومة على الثمن ...لقد كانت غلطة
وكان قد ازاح اوراق الجرائد عن اللفافة وبالذاخل ....بدت اللفافة صغيرة مغطاة بورق بني الللون ...فازاحه بدوره ...وتاكد من محتوياتها ..واعاد اللفافة بسرعة مرة اخرى ...وبينما هو يفعل ذلك....دق الجرس عاليا.
ونظرت اولجا الى الساعة قائلة:
ان الامريكي دقيق في مواعيده
وتركت الغرفة...وبعد لحظة عادت ومعها شخص غريب ...ضخم...عريض المنكبين ...من الواضح انه امريكي...وتنقل ببصره بينهما...ثم تساءل بادب:
- مستر كراسنين ؟
فرد بوريس :
- نعم ..معذرة للقائنا في هذا المكان ولكن السرية في هذه المسائل امر مطلوب انني لا استطيع ان ازج بنفسي في هذا الامر
وساله الامريكي في ادب :
- حقا ؟
- لقد وعدتني اليس كذلك ؟ وعدتني بالا تذيع ايه تفاصيل عن هذه الصفقة ...ان هذا احد شروط البيع
واوما الامريكي براسه وقال بلا اكتراث :
- لقد اتفقنا على هذا والان هلا قدمت لي البضاعة ؟
- هل معك الثمن ..نقدا ؟
- نعم
ولكن لم يبد عليه اي استعداد للدفع وبعد فترة تردد اشار كراسننين الى اللفافة الصغيرة الموضوعة على المائدة ..فاخذها الامريكي وفضها ثم اخذ يتفحصها فحصا دقيقا في ضؤ المصباح وعندما اطمان الى نتيجتها اخرج من جيبه محفظة جلدية ضخمة ...واخرج منها رزمة من الاوراق المالية سلمها الى الروسي الذي اخذ يعدها بعناية شديدة
- هل كل شيء على ما يرام ؟
وتنهد الاخر ووضع اللفافة في جيبه بلا اكتراث ثم انحنى لاولجا وقال :
- سعدت مساءا يا آ نستي ...سعدت كمساءا يا مسيو كراسنين
وخرج بعد ان اغلق الباب خلف والتقت عيون الرجل والمراة وبلل الرجل شفتيه الجافتين ثم تمتم قائلا :
- ترى هل سيكتب ان يعود سالما الى فندقه ؟
واستدار الاثنان معا ناحية النافذة فرايا الامريكي يدلف الى الشارع ثم اتجه الى اليسار وحث خطاه دون ان يلتفت الى الخلف مرة واحدة وتسلل شخصان من مدخل احد المنازل واقتفيا اثره في هدوء واختفى الجميع في الظلام وتكلمت اولجا دميروف :
- سيعود سالما فلا داعي لان تخشى شيئا او تتمنى ايا كان ما ترجوه
وسالها كراسنين بفضول :
- ولماذا تظنين انه سيعود سالما
- ان رجلا مثله قد كون هذه الثروة لايمكن ان يكون مغفلا اما وقد جرنا الحديث عن المال
ونظرت الى كراسنين نظرة ذات مغزى فقال :
- نعم ؟
- نصيبي يا بوريس ايفانوفيتش
وبشيء من التردد ناولها كرانسني ورقتين ماليتين فاومات براسها شاكرة دون ان تبدي ايه عاطفة ...ووضعتهما في جوربها وقالت بارتياح :
- هذا بديع
ونظر اليها بفضول قائلا :
- الست نادمة على شيء يا اولجا فاسيلوفنا ؟
- نادمة ؟ ولماذا؟
- على ما كان في حوزتك فهناك نساء كثيرات يفقدن عقولهن بسبب هذه الاشياء
فاومات براسها وقالت وهي ساهمة:
- نعم هذا صحيح معظم النساء يفعلن ولكني لست مثلهن..ترى..
- ماذا ؟
- سيكون الرجل الامريكي في امان ... وهي معه..ولكن بعد ذلك ؟
- فيم تفكرين ؟
وقالت اولجا وهي مستغرقة في التفكير
- انه سيقدمها بالطبع الى سيدة ..ترى....ماالذي سيصيبها عنذئذ ؟
وبصبر نافذ اتجهت ناحية النافذة وفجاة ندت عنها صرخة ونادت رفيقها
ونظرا معا كان شخصا نحيلا ..رشيقا ..يتقدم بخطى وئيدة كان يرتدي قبعة سهرة وعندما مر تحت احد المصابيح انعكس الضوء على شعره الابيض
* المركيز*
مضى الرجل ذو الشعر الابيض في طريقه دون عجلة غير عابىء بما حوله واتجه ناحية اليمين ثم استدار الى اليسار وبين الفينة والفينة كان يدندن لنفسه
وفجاة توقف واصاخ السمع لقد تناهى الى سمعه صوت ما وربما كان صوت انفجار اطار سيارة وربما كان طلقة رصاص وتلاعبت ابتسامة غريبة على شفتيه ثم مضى في طريقه مرة اخرى وعندما اتجه الى المنحنى راى مشهدا مثيرا كان احد رجال الشرطة يدون بعض الملاحظات في مفكرة وقد تجمع حوله بعض المارة وتقدم الرجل من احدهم وساله بادب :
- هل حدث شيء؟
- نعم يا سيدي لقد هاجم اثنان من الخارجين على القانون رجلا امريكيا
- وهل اصاباه ؟
- وتضاحك الرجل قئلا :
- كلا بالتاكيد اذ كان الامريكي يحمل مسدسا معه وقبل ان يهجما عليه اطلق الرصاص قريبا منهما فوليا الادبار وكالعادة وصل البوليس متاخرا
- آه
ولم يبد على السائل اي تاثر
وبهدوء وبلا اكتراث استانف سيره وسرعان ما عبر نهر السين الى احياء باريس الانيقة وبعد حوالي عشرين دقيقة توقف امام محل معين في حي ارستقراطي هادىء وكان متجرا عتيقا بعيدا كل البعد عن مظاهر الدعاية اد كان صاحبه بابولوس تاجر العاديات من الشهرة بمكان بحي لم يعد في حاجة للاعلان عن نفسه وكانت اغلب صفقاته لا تتم داخل محله اذ كان يمتلك شقة فاخرة تطل على الشانزليزيه كان من المفروض ان يكون فيها مثل هذا الوقت لا في محل عمله ولكن الرجل ذا الشعر الابيض كان يبدو واثقا من وجوده هنا وبعد ان القى نظرة سريعة على الشارع ضغط على الجرس الذي كان الظلام يلفه
ولم يخب ظنه وفتح الباب ووقف الرجل في المدخل كان يضع اقراطا ذهبية في اذنيه ...اسمر الوجه
وقال الرجل الغريب :
- مساء الخير ...هل سيدك بالذاخل ؟
- نعم انه هنا ولكنه لايستطيع مقابلة اي عابر سبيل في مثل هذا الوقت
- اظن انه سيقابلني انا...اخبره ان صديقه المركيز هنا..
وفتح الرجل الباب قليلا فدخل الزائر
كان الرجل الذي قدم نفسه باسم المركيز يخفي وجهه بيده وهو يتحدث وعندما عاد الخادم ليخبر الزائر بان مسيو بابولوس يسعده ان يلتقي به كان مظهره قد اعتراه تغير كبير ...ولا شك ان الخادم لم يكن قوي الملاحظة اطلاقا او انه كان مدربا تماما اذ لم يبد عليه اي اثر للدهشة عندما راى قناعا صغيرا اسود يخفي ملامح الزائر الغريب وقاده الى باب في نهاية الردهة ثم فتحه وتمتم بادب
- مسيو المركيز
ونهض رجل مهيب يحي ضيفه وكان شامخ الجبهة ذا لحية بيضاء كان يبدو كاحد رجال الدين ...الاتقياء
وقال مسيو بابولوس
- اهلا يا صديقي العزيز
فرد الزائر :
- معذرة لحضوري في مثل هذا الوقت
- كلا ...كلا...انه وقت ممتع ...ربما كنت قد امضيت امسية سعيدة؟
- لا لست انا...
- لست انت ...كلا..كلا..بالطبع ...الديك اخبار ؟ونظر الى الاخر نظرة جانبية حادة لم تكن من الطيبة في شيء
- لا اخبار لقد فشلت المحاولة لم اكن انتظر غير ذلك
- هذا صحيح ان اي شيء يتسم بالعنف
ولوح بيده معبرا عن بغضه للعنف في كل صوره وفعلا لم يكن هناك اي مظهر من مظاهر العنف يحيط بمسيو بابولوس ولا بتجارته..وكان معروفا لدة اغلب ملوك اوروبا يناونه ديمتروس في الفة ...وقد ذاع صيته كرجل حصيف... هذا بالاضافة الى ان مظهره قد حقق له الكثير من الصفقات المريبة وهز مسيو بابولوس راسه وقال :
- ان الهجوم المباشر قد ينجح ..ولكن ذلك نارد الحدوث
وهز الرجل كتيفيه وقال :
- انه يوفر الوقت ..ثم ان الفشل لايكلف شيئا او يكاد لايكلف شيئا اما الخطة الاخرى فهي لن تخيب
ونظر اليه المسيو بابولوس بحماس وقال :
- آه
فاوما الاخر براسه
وقال تاجر العاديات :
- ان ثقتي لكبيرة في شهرتك المدوية
فابتسم المركيز برقة ورد قائلا:
- اعتقد ان ثقتك في محلها
- ان فرص العمل امامك فريدة
- انني انا الذي اخلقها
ثم نهض واخذ رداءه الذي كان قد القاه باهمال على ظهر مقعد وقال :
- سابلغك بما يحدث يا مسيو باوبولوس ..بالطرق المعتادة....ولكن يجب ان تكون استعداداتك كلها محكمة
وتضايق مسيو بابولوس .وقال :
- ان الاستعدادات التي اقوم بها تكون دائما محكمة .
وابتسم الاخر ودون ان يتفوه بكلمة وداع ترك الغرفة ...بعد ان اغلق الباب خلفه
وبقي مسيو بابولوس مستغرقا في التفكير لحظة وهو يمر بيده على لحيته البيضاء ...ثم سار عبر الغرفة الى باب آخر يفتح الى الذاخل ....وبينما هو يدير الاكرة تعثرت سيدة كان من الواضح انها تستغرق السمع مستندة الى الباب ولم يبد مسيو بابولوس ايه دهشة او اهتمام كان من الواضح ان هذا شيء عادي بالنسبة له
- حسنا يا زيا ؟
- انني لم اسمعه وهو يغادر الغرفة
كانت سيدة جميلة ذات عينين داكنتين لامعتين وتشبه مسيو بابولوس الى حد كبير وكان من الواضح انها ابنته
واستطردت تقول بغيظ :
- من المؤسف ان المرء لايستطيع ان يرى ويسمع في نفس الوقت من خلال ثقب الباب
ورد مسيو بابولوس ببساطة شديدة :
- كثيرا ما ضايقني هذا
وقالت زيا ببطء :
- اذن فهذا هو المسيو الماركيز ؟...ترى ...هل يرتدي قناعا بصفقة مستمرة يا ابي ؟
- دائما
وتلت ذلك فترة صمت ...ثم تساءلت زيا "
- اظن ان الامر يتعلق بالياقوت؟
واموما والدها براسه
وتساءل وقد التمعت عيناه :
- مارايك يا صغيرتي ؟
- في مسيو الماركيز ؟
- نعم ...
فردت زيا ببطء من النادر ان تجد شخصا انجليزيا يتحدث بالفرنسية بهذه البراعة
- آه اذن فهذا هو رايك
وكالعادة لم يعلق باكثر من هذا وانما رمق زيا بنظرة تنم عن مشاركة لها في الراي
قالت زيا :
- اظن ايضا ان راسه غريب الشكل
- ضخم قليلا ولكن هذا بسبب الشعر المستعار الذي يضعه وتبادلا النظرات وهما يبتسمان.
* في شارع ليرزون*
:السلامة: