الْمُفَكِّرُ الصَّغِيْرُ
قَرَّرَ نِضَالُ أَنْ يَكُونَ مُخْتَلِفاً عَنِ الآخَريْنَ.. لا يُرِيْدُ أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدَ شابٍ صغيرٍ تَقْتَصِرُ حَيَاتُهُ عَلَى الْمَدْرَسَةِ واللَّعِبِ ومُشَاهَدَةِ التليفزيون..
عَقَدَ العَزْمَ على أَنْ يُبْدِعَ في شَيْءٍ ما مُمَيَّزٍ..
قضى نضالُ وَقْتاً طَوِيلاً.. يُفَكِّرُ ويُفَكِّرُ فيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَ؟
سَأَلَ والدَهُ وأُمَّهُ.. أَخْبَرَهُمَا عَنْ رَعْبَتِهِ..
قالاَ لَهُ إنَّ هذا التَّفْكِيْرُ شَيْءٌ رائِعٌ.. وإنَّهما يُؤَيِّدَانَهِ لَكِنْ بِشَرْطٍ واحِدٍ: أَلاَّ يَكُوْنَ تَفْكِيْرُهُ على حِسَابِ دِرَاسَتِهِ وتَفَوُّقِهِ في المَدْرَسَةِ..
وَعَدَهُما نِضَالُ أَنْ يُفَكِّرَ بِعَمَلِ شَيْءٍ بَعْدَ وَقْتِ الدِّرَاسَةِ..
طَلَبَ مِنْ والدِهِ أنْ يُشْرِكَهُ في دَوْرِةِ خاصّةٍ بالكُمْبيوتِر.. وتَحْديداً في برامِجِ الإنْتِرْنِتْ..
صارَ نِضَالُ يَذْهَبُ كُلَّ يَوْمٍ مَسَاءً إلى نادٍ مُتَخَصِّصٍ بالإنْتِرْنِتْ..
تَعَلَّمَ أَنْ يُنْشِىءَ مَوْقِعاً خَاصًّا..
كانَ لِنضَالِ حَصَّالَةً يَجْمَعُ فِيْهَا جُزْءاً مِنْ مَصْرُوفِهِ اليَوْمِيّ..
سَأَلَ عَنْ قِيْمَة اسْتِئْجَارِ مَوْقِعٍ على الإِنْتِرْنِتْ.. لَمْ يَكْفِ الْمَبْلَغَ الَّذِي مَعَهُ.. عَرَضَ الفِكْرَةَ على أمِّهِ وأَبِيْهِ، وطَلَبَ مُسَاعَدَتَهُمَا..
وَافَقَ أَبُوهُ ووَافَقَتْ أُمُّهُ.. وأطْلَقَ نِضَالُ مَوْقِعَهُ تَحْتَ عُنْوَانْ (هُنَا الْمُفَكِّرُ الصَّغِيْرُ).. وأعْلَنَ عَنِ الْمَوْقِعِ دَاخِلَ الْمَدْرَسَةِ..
فَرِحَتْ إِدَارَةُ الْمَدْرَسَةِ بِإِنْجَازِ نِضَال الْمُتَمَيِّزِ.. وَمَنَحَتْهُ جَائِزَةُ الطَّالِبِ الْمُتَفَوِّقِ..
وعَرَضَتْ عَلَيْهِ مُسَاعَدَتَهُ في الْمَوْقِعِ وزِيادَةِ حَجْمِ اسْتِيعَابِهِ لِيَشْتَرِكَ بِهِ كُلُّ طُلاَّبِ الْمَدْرَسَةِ وَيَظَلُّ هُوَ مُدِيْرُ الْمَوْقِعِ وصَاحِبُهُ الرَّئِيسِي.. أَصْبَحَ نضالُ «مُدِيْرَاً»..
الْكُلُّ في الْمَدْرَسَةِ يَعْرِفُهُ..
لَكِنَّهُ ظَلَّ وَفِيًّا لِوَعْدِهِ.. ظَلَّ مُتَفَوِّقاً في دِرَاسَتِهِ.. ولَمْ يَكُنْ تَفْكِيْرُهُ عَلَى حِسَابِ دِرَاسَتِهِ..
الْيَوْمَ كَبُرَ نِضَالُ.. أَصْبَحَ «مُدِيراً» لِشَرِكَةِ كُمبيوتِرْ.. وأَصْبَحَ مُفَكِّراً كَبِيْراً..