رحلة إلى السيرك
أَقَامَتْ مَدْرَسَتُنَا رِحْلَةً رَائِعَةً انْتَظَرْتُهَا بِشَغَفٍ لِمُشَاهَدَةِ عُروضِ الْسِّيْركِ الْعالَمِيّ الْحَافِلِ بالْدَّهْشَةِ والْتَّشْوِيقِ والْغَرابَةِ، كُنْتُ أَسْمَعُ كَثِيْراً عَنْ مِثْلِ هَذِهِ العُروضِ لَكِنِّي لَمْ أُشَاهِدْ أَيًّا مِنْهَا بِشَكْلٍ حَيٍّ مُبَاشِرْ، رَغْمَ أَنِّي كُنْتُ أَتَابِعُ بِاسْتِمْرَارٍ الْعُروضَ الَّتِي يُقَدِّمُهَا التِّلِفِزْيون مِنْ آنٍ إلى آخَرَ..
لَقَدْ شَعَرْتُ وَأَصْدِقَائِي بَرَهْبَةٍ حَقِيْقِيَّةٍ مِنْ كُلِّ الْمَشَاهِدِ الْخطِرَةِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا، فَقَدْ كَانَتِ الْحَيَوَانَاتُ الْمُفْتَرِسَةَ تَتَنَقَّلُ بِحُرِّيَةٍ في مِيْدَانِ العَرْضِ الَّذِي تُحِيْطُهُ أَسْوَارٌ ضَخْمَةٌ حِرْصاً عَلَى سَلاَمَةِ الجُمْهُورِ... وَكَادَ قَلْبِي يَتَوَقَّفُ عِنْدَمَا شَاهَدْتُ مُدَرِّبَ الأُسُودِ يَضَعُ رَأْسَهُ في فَمِ الْأَسَدِ بَيْنَ أَنْيَابِهِ القَاطِعَةِ، فَأَغْمَضْتُ عَيْنَيَّ ظَنًّا مِنِّي أَنَّهُ سَيَخْلَعُ رَأْسَهُ مِنْ مَكَانِهِ.
وَأَصَابَنِي هَلَعٌ شَدِيْدٌ عِنْدَمَا وَضَعَ الفِيْلُ الضُّخْمُ قَدَمَهُ عَلَى صَدْرِ الْمُدَرِّبِ لِلَحَظَاتٍ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَهَا وَيَمُرَّ فَوْقَهُ بِسَلاَمٍ دُوْنَ أَنْ يُصِيْبَ صَاحِبَهُ بِسُوْءٍ..
تَعَجَّبْتُ كَثِيْراً عِنْدَمَا شَاهَدْتُ التَّمَاسِيْحَ تَتَحَرَّكُ عَلَى وَقْعِ الْمُوْسِيْقَى... وَكَيْفَ تَنْصَاعُ حَيَوَانَاتُ الفَقْمَةِ والنُّمُوْرِ والقُرُودِ.. لِأَوَامِرَ مُدَرِّبِيْهَا... وغير ذلك من المشاهد المدهشة...
تَسَاءَلْتُ كَيْفَ تَخْضَعُ هذِهِ الحَيَوَانَاتُ بِوَدَاعَةٍ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ بِشَرَاسَتِهَا، تُنَفِّذُ أَوَامِرَ الْمُدَرِّبِيْنَ ولا تَمْلِكُ عَقْلاً يُرْشِدُها؟! فِيْمَا تَسْتَطِيْعُ بِضَرْبَةٍ واحِدَةٍ القَضَاءُ عَلَى الْمُدَرِّبِ وَبِسُهُولَةٍ شَدِيْدَةٍ..
عُدْتُ إلىَ البَيْتِ وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الصَّبْرَ والإرَادَةَ قادِرانِ على صُنْعِ الأَعَاجِيْبِ... وَقَرَّرْتُ ألاَّ أَعْصِيَ والِدَيَّ بَعْدَ الْيَوْمِ... لأَنِّي أَمْلِكُ عَقْلاً يُمَيِّزُ بَيْنَ الصَّوَابِ والخَطَأْ... وَأَكْبَرُ بِكَثِيْرٍ مِنْ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُتَوَحِّشَةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ وَدِيعَةً تَسْتَجِيْبُ إلى أَوَامِرِ مُدَرِّبِيْهَا بِهُدُوءٍ وَوَدَاعَةٍ