السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
إن غاية الإنسان دائماً الارتقاء بنفسه وبمن حوله ولكن أفراده دائماً متفاوتون في الفهم والعقل، وإن كان في الخير لكل فرد أن يتعرف إلى أيسر الطرق ليقرأ ويستزيد من العلم والمعرفة، بحيث يقف أولاً على ما يهوى من علوم وثقافة وما تتفتح له وبه مواهبه العقلية بل النفسية حتى يقبل على ما يزيد نهمه للقراءة واستيعابه للعلم معرضاً عن عويص المقروءات التي لم تتهيأ له موهبته أو تتقبله ملكاته راغباً في اختيار ما يجدي من المعلومات وما يصلح حال الإنسان من الثقافات من دون تضييع للوقت فيما لا يجدي نفعاً من المناقشات المتناقضات.
وليست هذه دعوة للانغلاق والبعد عن تبادل الحوار المقروء أو المسموع، وإنما خذ الجرعة التى تحييك وتنمي فيك الحياة وكن كالطبيب الذي يتدرج مع المريض في العلاج بالدواء فيسقيه النافع المناسب حتى تذوب علته ويستقيم عوده وعندئذ يطعمه الغذاء بديلاً عن الدواء بعد ذهاب الداء، اقرأ قول الله عز وجل: (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الالْبَابِ).
وعودا على بدء إلى أول حروف القرآن الكريم نزولاً.. نوراً وبصيرة، هذه الحروف تقول اقرأ تجربة وعلماً (خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبلاكَ الأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق).
هذا الإنسان وغيره من الموجودات اقرأه أيها الإنسان (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) إلى صنع كثير مما علمه الله فاستحدث من الآلات والأدوات ما استعان به في حياته وتغلب بمقتضاه على صعابها ومشاقها. وبالعلم الذي انبثق نوراً وإلهاماً من الله الخالق (عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).
تقدمت الإنسانية فانقادت للإنسان كل المخلوقات فها هو ذا بالعلم يغزو أعماق البحار ويركب متن الفضاء ويعلو فوق السحاب والشهب ويقف بقدميه فوق القمر ويستقدم معلومات وإشارات من الكواكب السيارة يتعرف بها عليها ويصل منها إليها ماذا أيها الإنسان؟
اقرأ ما تفتحت له مداركك واستطاب له قلبك وكلما جهلت فقرأت فعلمت كنت مفيداً للإنسانية من حيث إفادإن الطفل يحبو قبل أن يقبل أن يقف على قدميه وحين يجازف بالمشي يقع على الأرض ولكنه ينسى ما حدث.
ويحاول مرة ومرات حتى تحمله قدماه وتخطو به في مدارج هذه الحياة (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْوهكذا تتدرج بالمعرفة عن طريق (القلم و القراءة) اللذين قد نوه بهما القرآن الكريم في الكثير من آياته لما لهما من دور فعال، وأثر في مجال الثقافة والرقي بالإنسان.
فكونوا أيها المسلمون في شهر رمضان قراء له متفقهين في نصوصه مستنبطين من الخبر الذي حواه في الدين والدنيا ما تبرأ به صدوركم مما انطوت عليه من هوى جمح بكم بعيداً عن سواء السبيل وعن هدى الله وطريقه المستقيم.
وقولوا لهؤلاء المستوردين لكل فكر سقيم وجدل عقيم ما قال القرآن: (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرلا مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (الجاثـية).
هذا شهر رمضان اقرأوا فيه أيها المسلمون وأصلحوا أنفسكم ونقوا صدوركم وتوبوا إلى ربكم ولن تفلحوا إلا بالقرآن، ولن تصحوا إذا انحرفت بكم الأهواء وانغمستم في بحار هذا الجدل المضلل واتبعتم أولئك الذين ابتدعوا فنوناً من الضلال وذهبوا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب، فحصنوا أنفسكم وأهليكم بالقرآن واتخذوا منه زاداً مدداً تثبت به الأقدام وتعلو به الهام وتنشرح به الصدور وتتقارب الأفهام فتعتصم بحبل الله وتنجاب عن الأمة الظلمات التي حجبت عنها العلوم والمعارف حتى صارت تابعة بعد أن كانت متبوعة، وحاذروا أيها المسلمون أن يفرط عليكم أو يطغى هؤلاء الذين يلحون بمعارف منحولة ليست من ثقافتنا وهي مضادة لعقيدتنا وشريعتنا ولا تيمموا الخبيث مما ينفثون ولا تصيخوا له سمعا، فتكسبوا به وزراً وقد خاب من افترى.
هذا هو شهر رمضان قد أظلكم بخيره، بقرآنه، بقيامه، فأخلصوا لله فيه العمل للدين وللدنيا، ونموا في أولادكم نوازع الخير والالتزام بأدب الإسلام وأخلاقه فإن هذا خير وأبقى وادفعوهم إلى طلب العلم كل العلم حتى ينتفعوا بخيره ويحذروا الانحراف عنه.
نعم (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، (نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُون) فقد أقسم الله بالقلم ارتفاعاً بقدره وتوجيهاً لعظم شأنه فكلما قرأت ازدادت معارفك وعلومك وثبت نفسك بحب القراءة راغبة في العلم (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) ولا تنس أن الله - سبحانه: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ).
في استقبال شهر رمضان أهنئ أمة الإسلام في جميع أنحاء الأرض بل الإنسانية بهذا الشهر الذي اختصه الله بالفضل والفضائل وأي فضل أعلى وأغلى من إنزال القرآن فيه على خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه الأنبياء ورسل الله في ليلة مباركة هى خير من ألف شهر، ولنعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فلنتخذ من صوم رمضان زاداً نتقرب به إلى الله - تعالى، ومن القرآن مدداً وعلاجاً لأدوائنا وجمعاً لكلمتنا: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم محسنون).