الأدب عنوان فلاح المرء ، ومناط سعادته في الدنيا والآخرة , وأكمل الأدب وأعظمه هو الأدب مع الله جل وعلا بتعظيم أمره ونهيه والقيام بحقه، ولذا فإن لكل عبادة أدب , فالصلاة لها أدب , والحج له أدب , والصوم كذلك له آداب عظيمة لا يتم إلا بها , ولا يكمل إلا بأدائها .وآداب الصيام منها ما هو واجب يلزم العبد أن يحافظ عليها ويلتزم بها , ومنها ما هو مستحب يزداد العبد بفعله أجرا وثواباً .
*****************
فمن الآداب الواجبة : أن يقوم الصائم بما أوجب- الله -عليه من العبادات القولية والفعلية , ومن أهمها الصلاة المفروضة , التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين , فيجب على الصائم المحافظة عليها , والقيام بأركانها وشروطها , وأدائها مع جماعة المسلمين , وكل ذلك من التقوى التي شُرع الصيامُ من أجلها .
****************
ومن الآداب الواجبة : أن يجتنب الصائم جميع ما حرم الله عليه من الأقوال والأفعال , فيحفظ لسانه عن الكذب والغيبة والنميمة والسب والشتم وفحش القول , ويحفظ بصره عن النظر إلى المحرمات , ويحفظ أذنه عن الاستماع للحرام , ويحفظ بطنه عن كل مكسب خبيث محرم .
*****************
وليس من العقل والحكمة أن يتقرب العبد إلى ربه بترك المباح كالطعام والشراب , ولا يتقرب إليه بترك ما حُرِّم عليه في كل حال , ولهذا يقول - صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح : ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) .
***************
وأُمِر الصائم بحفظ لسانه عن اللغو وفحش القول والجهل على الناس حتى وإن تعرض للأذى من غيره ، يقول - صلى الله عليه وسلم- : ( الصيام جنة وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب , فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم ... ) رواه البخاري ومسلم .
فحقيقة الصيام إذاً ليست مجرد الإمساك عن المفطرات الحسية فقط , فإن ذلك أهون ما في الأمر , كما قال بعضهم : " أهون الصيام ترك الشراب والطعام " ، بل لا بد من حفظ الجوارح واستعمالها فيما يرضي الله :
*************
إذا لم يكن في السمع مني تصاونٌ
وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صَمتُ
فحظي إذاً من صوميَ الجوع والظما
فإن قلتُ إني صمت يومي فما صُمت
****************
ملحق #1 22/07/2010 11:46:55 م
يقول جابر رضي الله عنه مبيناً حقيقة الصيام : " إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم , ودع أذى الجار , وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك , ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء " .
وأما الآداب المستحبة فمنها : السحور وهو الأكل آخر الليل , وسمي بذلك لأنه يقع في وقت السَّحَر , وقد أمر به - صلى الله عليه وسلم- فقال : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) . متفق عليه , وهو الفاصل بين صيامنا وصيام أهل الكتاب , والسنة تأخيره , ويتحقق السحور ولو بشربة ماء .
*************
ومن الآداب المستحبة : تعجيل الفطر ، قال - صلى الله عليه وسلم- : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) . متفق عليه .
وينبغي للصائم أن يحرص على الدعاء عند فطره فإن للصائم عند فطره دعوة لا ترد , ويسن له أن يقول ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ) رواه أبو داود .
*************
ومن آداب الصيام المستحبة : كثرة قراءة القرآن والذكر والدعاء والصدقة , والاستكثار من أنواع الخير والعمل الصالح .هذه بعض آداب الصيام , فلتحرص -أخي الصائم- على التأدب بها, وأن تحفظ صومك من كل ما يجرحه أو ينقص أجره ، نسأل الله أن يرزقنا حسن الأدب معه , وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، إنه جواد كريم .نقف لحظات قصيرات أخي الصائم مع بعض أسرار وحكم الصوم فعلَّينا أن ندرك ما تقوى به عزائمنا، وتعلو به هممنا، ويزداد به إيماننا وقربنا من مولانا، وقبل الكلام عن الحكمة من الصوم ينبغي أن نعلم أن الله يشرع الشرائع والأحكام لحِكَمٍ قد نعلمها وقد لا نعلمها، وقد شرع الصيام وأوجبه على عباده لحِكَم عديدة، وفوائد عظيمة في الدنيا والآخرة، من تلك الحكم:
1- ما ذكره الله في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
إن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها التي تميل إليها نفسه، متقرباً بذلك إلى الله، راجياً بتركها ثوابه، فهذا من التقوى، ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله - تعالى -، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه؛ باطلاع الله عليه، ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الشيطان، فبالصيام يضعف نفوذه، ومنها: أن الصائم في الغالب تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى، ومنها: أن الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك مواساة الفقراء المعدمين وهذا من خصال التقوى"
****************
2- ومن حكم الصوم ومقاصده وأسراره تزكية النفس وتطهيرها، وتهذيبها مما أصابها من درن الذنوب والمعاصي،
3- والصوم يقوي العزيمة، ويربي الإرادة كما في الحديث: ((الصوم نصف الصبر))8، وفي الحديث: ((الصبر نصف الإيمان))9، فالصائم يصبر طاعة لله على الجوع والعطش، وكبت الغرائز والشهوات عن الحلال الذي بين يديه يوماً كاملاً طيلة شهر كامل،
4- وفي الصيام إعلان لمبدأ وحدة المسلمين، فتصوم الأمة وتُفطر في شهر واحد، وفي هذا شعور بالقوة، وهو من المقاصد العظيمة التي لا بد أن يستشعرها كل مسلم، إذ أمر الله - تعالى - بالوحدة والتمسك .
**********
هذه بعض آداب الصيام والحكمة منه , فلتحرص -أخي الصائم- على التأدب بها, وأن تحفظ صومك من كل ما يجرحه أو ينقص أجره ، نسأل الله أن يرزقنا حسن الأدب معه والتعلم من حكمته , وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، إنه جواد كريم .اللهم اجعلنا من أهل رمضان الذي يغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم، وارزقنا فيه التقوى والعمل الصالح، آمين.
الــســلام عــلــيـــكــم