عندما تمتزج ذكريات الماضي بنسيم الحاضر ..
تتفجر في النفس ألاف الألام .. تمحوها في لحظة إشراقة الأمال ..
بالأمس كانت قصتي الورقة الأخيرة تحارب وهن في وجداني ,,
و اليوم تتبعها قصة نافذة غرفتي تترجم احساس جديد أوقض في الخفق ذكريات الماضي !
* * *
نافذة غرفتي تطل على حديقة منزلنا مباشرة ،
وقريبة من الأصوات التي تصدر من الخارج
تعوّدَتْ أذناي أن تلتقط ما يدور خلف الكواليس وهي في مكانها ,
لست متعمدة ولكن نافذتي أرادت لي ذلك ؛
ترصد لي حكايات المارة في الطريق ضحكاتهم وصرخاتهم وعذب كلامهم وأحيانا همساتهم..!
نافذة غرفتي كانت وفية ًمعي لا ترضى أن تفوتني شاردة ًولا واردة في حيـِّـنا
الذي استنشق نسمات هواه كل صباح بعد أداء صلاتي ،
كأن نافذتي أخذت عهداً على نفسها إن تخلفت عن حكايا حيـِّـنا تذكرني بها .
أصوات العصافير التي تملأ حديقتنا وتتطاير بين أغصان أشجارها ترسل صوتها لي أنشودة للسلام
برقة وحنان ورفرفة جناحيها وكأنها ترسل رسالة من البقاع القادمة منها ،
كم من الطيور المهاجرة إستقبَلَتْ نافذتي ,
وكل يوم تمر عليّ حِكاية وطن بلون ريش أسراب الطيور المهاجرة.
هذا اليوم الصوت أتاني مع نسمات الصباح الدافئة الباردة .!
كان الوقت بعد صلاة الفجر
كعادتي فتحتُ نافذتي لأمتّع ناظري بمنظر الشروق وأستنشق الهواء النقي ,
واستمتع بمنظر طيوري والفراشات التي تملأ المكان..
لحظات جدّ أحبــــها..
صوتٌ لا أحبه ..!
كم تعبت منه وكم سألت الله أن لا أره إلا في خير ..
أخرجني هذا الصوت من غرفتي وقادني إلى الخارج ،
أصوات رجال ونساء وسيارات ,
استر يا رب ، إحفظ جيراني ، وأحفظ أهلي ،
يا رب لا يكون مقدمها لحمل الأحبة ،
أثقلني الاندهاش المفاجئ في الوهلة الأولى !
وباغت هدوئي الروحاني , لا زلت في صلاتي لم أخرج من جوها ،
تمنيت لحظتها أنّ نسمات الفجر لم تدخل نافذتي هذا اليوم بالذات .!
صدمتي بعدم قدرتي على تخطي مصيبتي شلّت تفكيري .!
هل أنسحب من أمامها ؟ أم أبقى واقفة متحدية وجودها ؟
ما إن وصلت إلى الباب الخارجي لم يتبقى من أنفاسي شيء !
ارتعاشة تسري في عروقي ، دقات قلبي متسارعة ، خوفاً من انتظار القادم .!
نعم مرة أخرى هي نفس الحكاية ونفس السيارة ، تحمل جاري صاحب الثلاثين ،
كم هي المسافة بين الأمس واليوم قريبه .!
منذ أكثر من عشر سنوات رأيتها عند باب بيت حبيبي ،
واليوم كأنه الأمس نفس الجبروت ونفس القسوة واقفة لا تأبه بمشاعر أحد !
رأيتهم ينقلونه مسجّى على سرير الموت الخاطف ،
جريت مسرعة إلى من كان في وجهي من أهلي سألته :
ما الحكاية كان بالأمس هنا بينكم في مجلسنا يشرب القهوة معكم واليوم لا حِراك ؟!
السيارة لم تأخذه إلى هناك حيث لا عوده ,
لكنها أعادته إلى هنا في بيته جثة هامدة ليس بها من الحياة إلا الروح .
هكذا هي هذه السيارة لا تحمل إلا الموت.!
ماذا حصل أجبني ؟؟!!
داخلي صــــــراخ وألم وفزع من مشهد يروّع القلب ويقطع الأنفاس ،
هكذا الدنيا متاع الغرور ،،
هذا المسجى قبل فترة من الزمن كان مكتمل العافية, مهيب الشكل من قوته ،
وفي لمح البصر وهو في طريقة إلى عمله صدمته سيارة أخفت ملامحه لم تترك له شئ إلا الروح ،
سبحانك يا رب هل حسبنا حساب هذه اللحظة ؟
تذكرت القبر وعذابه , شعرت بضعفي ووهني وضياعي ،
كم أنت ضعيف أيها الإنسان , ارتطام حديد بحديد جعلك كخرقة قماش ممددة على سرير .
تراءت أمام ناظري صورة أطفاله وهذه الثكلى وهم ينظرون إليه ،
لوحة الأمل التي رسمت لهذا الأسرة بتربية أبنائها وقد فرش طريق مستقبلهم بالأمل الزاهر لبلوغ اعلى مراتب الحياة ،
هل توقف الأمل مع توقف نبض الحياة في جسم هذا المسجّى ؟! الله أعلم
حرارة الشمس أحرقتني ولا زلت واقفة خلف الباب أنتظر رحيلها ،
اسأل الله أن لا أراها مرة أخرى .
عدت أدراجي إلى نافذتي ودموعي قطرات تنساب مالحة تحرق وجنتي ،
رأيتهم أمامي..!
كلما أراها ، أراهم بداخلها ..
أحاول أن أطرد شبحها من مخيلتي ،
رفعت رأسي للسماء
تجلت قدرتك يا خالقي يا من لا يُعبد سواك , أنتَ أودعت سرك في السر والعلن
أبعد عني ســـــــــر خوفي منها .
* * *